مقاصد الشريعة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أشهى الوصفات للإفطار فى رمضان جدول أكل رمضان ثلاثون يوما تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 29 - عددالزوار : 30 )           »          إزاى تصاحبى بنتك فى فترة المراهقة؟ 8 أسرار تخليكى تكسبى صداقتها وثقتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          طريقة عمل أقراص الحمضيات الفوارة للاستحمام.. انتعاش دائم بتكلفة أقل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          6 خطوات ذكية تحمي علاقتك الزوجية من الفتور والجفاف العاطفي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          وصفات طبيعية للعناية بالبشرة توفر بديل مثالي للكريمات اليومية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          5 خضراوات غنية بمضادات الأكسدة تجعل بشرتك نضرة بدون مكياج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          5 أشياء يجب عدم وضعها أبدا فى حمام صغير.. اعرف البدائل ووسع على نفسك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          7 أطعمة لتعزيز التعلم وتحسين المزاج والنوم لدى الأطفال.. مهمة فى اللانش بوكس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          كيف تساعد ابنك المراهق على تقبل شكله؟.. عزز ثقته واحميه من هوس المثالية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          طريقة عمل كيك التين مع صوص اللبن الرايب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 08-08-2019, 04:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,725
الدولة : Egypt
افتراضي مقاصد الشريعة

مقاصد الشريعة (1)
فضل ربي ممتاز زادة


مقاصد الشريعة (1)
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن الله تعالى خلق الخلق لمقصد عظيم وغاية شريفة، ألا وهي عبادته سبحانه وتعالى وحده لا شريك له حيث قال عز من قائل: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}[1].
ولم يترك الله تعالى الناس سدى يتصرفون في أمور حياتهم بحسب أهوائهم وشهواتهم قال سبحانه وتعالى: { أيحسب الإنسان أن يترك سدى}[2] بل إنه سبحانه وتعالى أنزل إليهم شريعته أفضل الشرائع ليخرجهم من الظلمات إلى النور ومن الضلالة إلى الهدى، وأرسل رسوله – صلى الله عليه وسلم- ليكون قدوة وأسوة للبشر في السير نحو الخير والسعادة.
وقد أنزل الله تعالى شريعته لأهداف ومقاصد عظيمة؛ حيث إنها تنظم في إطارها حياة الإنسان وتحقق مصالح العباد، وتدرأ عنهم المفاسد وتجعلهم يسيرون وفق منهج الله العليم الخبير الذي خلقهم ويعلم مصالحهم وما يحقق لهم ذلك قال الله تعالى: [ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير][3]. فما من خير إلا وقد دلت إليه شريعة الله تعالى، وما من شر إلا وقد حذرت عنه، فأصبح الناس في مهجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
ولما كان الله تعالى قد أنزل شريعته لهذه المقاصد والغايات فإن لمعرفة هذه الغايات والمقاصد والحكم أهمية عظيمة في التعرف على أحكام الله تعالى، واستنباط الأحكام لما تتجدد من الحوادث والوقائع، ولمعرفة حكم الله تعالى فيها وفق هذه المقاصد ومهتدياً بها.
كما أن عدم العلم بهذه المقاصد والحكم يؤدي إلى الوقوع في أخطاء كثيرة في استنباط الأحكام من النصوص الشرعية، وإلى القصور في فهم هذه النصوص، بل قد يؤدي إلى استعمال هذه النصوص في غير موضعها، وأخذ مفاهيم غير مرادة منها.
ولما كانت الشريعة الإسلامية قد أنزلها الله تعالى لتكون منهاج الحياة للناس، وتكون مطبقة في الواقع، وكانت شريعة عالمية نزلت إلى الناس كافة، وقابلة للتطبيق في كل زمان ومكان، فلابد من معرفة مقاصدها وأهدافها لاستنباط الأحكام المناسبة للوقائع الجديدة منها وفق مقاصدها وغاياتها، فمعرفة مقاصد الشارع تمكن المسلمين من العيش تحت ظل الشريعة وتنظم حياتهم وفق أحكام الشريعة.
كما أن معرفة مقاصد الشارع تعين العالم والمجتهد على فهم النصوص الشرعية وتفسيرها بالشكل الصحيح عند تطبيقها واستنباط الأحكام منها، وكما أن الاسترشاد بمقاصد الشارع تعين المجتهد لتحديد مدلولات الألفاظ ومعرفة معانيها عند الاستنباط منها.
وأيضاً فإن معرفة الحكم والعلل والمعاني المقصودة من النصوص الشرعية لابد منها لاستنباط الحكم لما تتجدد من الوقائع عن طريق القياس ومعلوم أن العلة أحد أركان القياس.
ونظرا لهذه الأهمية الكبيرة لمقاصد الشريعة أردت الكتابة فيها و اسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها.

الفصل الأول : تعريف مقاصد الشارع وإثباتها وأهميتها.
المبحث الأول: تعريف مقاصد الشارع:
المطلب الأول :تعريف المقاصد لغة
المقاصد لغة: جمع مقصد والمقصد مصدر من الفعل (قصد) يقال : قصد يقصد قصداً ومقصداً[4].
وتأتي كلمة القصد في اللغة لمعان عديدة:
المعنى الأول: الاعتماد والأم وإتيان الشيء[5].
قال ابن فارس: " القاف والصاد والدال أصول ثلاثة يدل أحدها على إتيان الشيء وأمه ..."[6].
ومنه: أقصده الهم : إذا أصابه فقتل مكانه وكأنه قيل ذلك لأنه لم يحد عنه[7].
المعنى الثاني: الكسر قال ابن فارس: "قصدت الشيء كسرته، والقصدة: القطعة من الشيء إذا تكسر، والجمع قصد"[8].
المعنى الثالث: القصد استقامة الطريق[9] ومنه قول الله تعالى: [وعلى الله قصد السبيل ...][10] أي: على الله تبيين الطريق المستقيم والدعاء إليه بالحجج والبراهين الواضحة[11].

المطلب الثاني:تعريف مقاصد الشريعة اصطلاحاً
لم أجد عند العلماء المتقدمين الذين بحثت في كتبهم تعريفاً محدداً لمقاصد الشريعة حتى العلماء الذين عرفوا باهتمامهم فيها مثل الغزالي[12] والشاطبي[13] رحمهما الله تعالى.
وأما الغزالي فقد ذكر مقاصد الشريعة وبين أنواعها ولم يذكر تعريفاً محدداً لها وقال: "ومقصود الشرع من الخلق خمسة، وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة"[14].
ويبدو أن الغزالي رحمه الله تعالى لم يرد بكلامه هذا أن يعطي حداً دقيقاً للمقاصد، وإنما أراد حصر المقاصد في الأمور المذكورة.
وأما الإمام الشاطبي مع كثرة عنايته بمقاصد الشريعة واهتمامه بها فلم يذكر أيضاً تعريفاً محددا لها وإنما بين أنواعها وتفاصيلها في كتابه الموافقات.
ويرى الدكتور أحمد الريسوني أن السبب في عدم ذكر الشاطبي تعريفاً للمقاصد مع اهتمامه بها يرجع إلى أنه لعل اعتبر الأمر واضحاً ويزداد وضوحاً بما لا مزيد عليه بقراءة كتابه المخصص للمقاصد من الموافقات ولعل ما زهده في تعريف المقاصد كونه كتب كتابه للعلماء بل للراسخين في علوم الشريعة[15].
إذا كان الأمر كذلك فلابد من البحث عن التعريف المحدد لمقاصد الشارع في كتب المتأخرين الذين كتبوا في الموضوع، وفيما يلي أذكر بعض عباراتهم في تعريفها:
1-وقد عرفها الشيخ ابن عاشور[16] رحمه الله تعالى بقوله:
"مقاصد التشريع العامة هي : المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة"[17].
ثم قال: "فيدخل في هذا أوصاف الشريعة وغايتها العامة والمعاني التي لا يخلو التشريع عن ملاحظتها، ويدخل في هذا أيضاً معان من الحكم ليست ملحوظة في سائر الأحكام ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها"[18].
وذكر الشيخ ابن عاشور هذا التعريف عند ذكره لمقاصد الشارع العامة، وأراد به أن يعطي حدا لمقاصد الشارع العامة كما صرح هو بذلك، ويصلح هذا التعريف بأن يكون تعريفاً لمقاصد الشارع بمعناها العام والشامل.
ولذا عرف ابن عاشور مقاصد الشارع الخاصة في مكان آخر بقوله: "وهي الكيفيات المقصودة للشارع لتحقيق مقاصد الناس النافعة أو لحفظ مصالحهم العامة في تصرفاتهم الخاصة كي لا يعود بسعيهم في مصالحهم الخاصة بإبطال ما أسس لهم من تحصيل مصالحهم العامة إبطالاً عن غفلة واستزلال هوى وباطل شهوة..."[19].
ثم تابع يقول: "ويدخل في ذلك كل حكمة روعيت في تشريع أحكام تصرفات الناس مثل قصد التوثيق في عقد الرهن وإقامة نظام المنزل والعائلة في عقدة النكاح، ودفع الضرر المستدام في مشروعية الطلاق"[20].
وقد اعترض على هذا التعريف بأنه: "في الواقع ليس تعريفاً للمقاصد لأن التعريفات لا تكون بهذا الأسلوب وإنما هو بيان وتفصيل للمواطن التي تلتمس فيها المقاصد من الشريعة"[21].
ومهما تكن الاعتراضات على تعريفه للمقاصد إلا أنه أعطى تصوراً دقيقاً عن المقاصد العامة والخاصة للشارع ولذا نجد الذين جاءوا بعده قد بنوا تعريفاتهم على ما قال هو، وبذلك هو فتح الطريق أمام الآخرين.

2- تعريف الشيخ علال الفاسي (ت 1394هـ)[22].
وقد عرفها بقوله: "المراد بمقاصد الشريعة: الغاية منها والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها"[23].
وتعريفه هذا يشتمل على مقاصد الشارع العامة والخاصة فأشار إلى مقاصد الشارع العامة بقوله: "الغاية منها أي من الشريعة وأشار بقوله: "والأسرار التي وضعها عند كل حكم من أحكامها، إلى مقاصد الشارع الخاصة من كل حكم من أحكامه"[24].
وهذا يتميز بالشمول والوضوح والإيجاز.
3-وعرفها الريسوني بقوله: "إن مقاصد الشريعة هي الغايات التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها لمصلحة العباد"[25].
4-عرفها الزحيلي بقوله: "هي المعاني والأهداف الملحوظة للشرع في جميع أحكامه أو معظمها أو هي الغاية من الشريعة والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها"[26].
وهذا التعريف في الحقيقة مركب من تعريف ابن عاشور في شطره الأول، وتعريف الفاسي في شطره الثاني كما هو واضح، وقد لاحظ ذلك أيضاً بعض الباحثين[27].
وأرى أن تعريف الريسوني هو أحسن هذه التعريفات، حيث قال: "هي الغايات التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها لمصلحة العباد".
وذلك للأمور التالية:
1-وضوحه وعمومه حيث إنه واضح وشامل للمقاصد العامة والخاصة للشريعة.
2-أنه موجز وشأن التعريفات أن تكون موجزة بخلاف عبارة الشيخ ابن عاشور في ذلك حيث إنها طويلة.
3-أنه مبني على تعريفات وتوضيحات العلماء لمقاصد الشارع قديماً وحديثاً كما ذكر هو ذلك[28].
4-أنه ذكر مصالح العباد في التعريف وأن الشريعة وضعت لأجلها، وهذا يتفق مع آراء العلماء قديماً وحديثا في أن مقاصد الشريعة هي جلب المصلحة ودفع المفسدة كما سبق عبارة الغزالي في ذلك، وقال الآمدي[29]: "المقصود من شرع الحكم إما جلب مصلحة أو دفع مضرة أو مجموع الأمرين بالنسبة إلى العبد لتعالي الرب عن الضرر والنفع"[30].
وقال الشاطبي: "إذا ثبت أن الشارع قد قصد بتشريع الحكم إقامة المصالح الدنيوية والأخروية وذلك على وجه لا يختل لها النظام"[31].
وقال الأستاذ عبد الوهاب الخلاف: "المقصود العام للشارع من تشريع الأحكام هو تحقيق مصالح الناس بكفالة ضرورياتهم وتوفير حاجياتهم وتحسينياتهم"[32] .
وقال الدكتور عبد العزيز الربيعة: " أن الحكمة هي المعنى المقصود من شرع الحكم وذلك هو المصلحة التي قصد الشارع بتشريع الحكم جلبها أو تكميلها أو المفسدة التي قصد الشارع بتشريع الحكم درءها أو تقليلها"[33].

المبحث الثاني : تعريف الألفاظ المرادفة للمقاصد في الشريعة:
قد يعبر العلماء أحياناً عن المقاصد بالحكمة أو العلة أو المعاني، ولذا من المستحسن بيان هذه الألفاظ وعلاقتها بمقاصد الشارع.
المطلب الأول : تعريف الحكمة:
تستعمل كلمة حكمة بمعنى قصد الشارع أو مقصوده فيقال: هذا مقصوده كذا أو حكمته فلا فرق، وإن كان الفقهاء يستعملون لفظ الحكمة أكثر مما يستعملون لفظ المقصد[34].
وقد تتبع الدكتور عبد العزيز الربيعة استعمال لفظ الحكمة عند الأصوليين فتوصل إلى أنهم يستعملون لفظ الحكمة بإطلاقين:
الإطلاق الأول: " هو أن الحكمة هي المعنى المقصود من شرع الحكم وذلك هو المصلحة التي قصد الشارع بتشريع الحكم جلبها وتكميلها أو المفسدة التي قصد الشارع بتشريع الحكم درءها أو تقليلها"[35].
وأما الإطلاق الثاني فيراد به "المعنى المناسب لتشريع الحكم أي المقتضي لتشريعه"[36].
ويؤكد الدكتور بدران أبو العينين هذا الترادف بين المقصود من تشريع الحكم وحكمته في اصطلاح الفقهاء وغيرهم فيقول: "على أن جمهور الفقهاء كانوا يذهبون في اجتهاداتهم إلى أن ما شرعه الله من أحكام لم يشرعه الله إلا لمصلحة جلب منفعة لهم أو دفع مضرة عنهم فلهذا كانت تلك المصلحة هي الغاية المقصودة من التشريع وتسمى حكمة"[37].

المطلب الثاني : تعريف العلة:
العلة هي مصطلح واسع المدلول في علم أصول الفقه، وقد استعملت استعمالات ، والذي يهمنا هنا هو أن لفظ العلة عبر به عن مقصود الشارع، فيكون على هذا مرادفاً لمصطلح الحكمة وهذا هو الاستعمال الأصلي والحقيقي لمصطلح العلة ثم غلب استعماله فيما بعد بمعنى الوصف الظاهر المنضبط الذي تناط به الأحكام الشرعية، بناء على أن الحكمة وهي مناط الحكم ومقصوده في حقيقة الأمر ترتبط غالباً بذلك الوصف الظاهر المنضبط الذي يسهل إحالة الناس عليه في تعرفهم لأحكام الشارع[38].
وقد تتبع الدكتور عبد العزيز الربيعة استعمال مصطلح العلة عند الأصوليين فلاحظ أنه يطلق ويراد به معنيين:
المعنى الأول: المعنى المناسب لتشريع الحكم أي المقتضي لتشريعه؛ وذلك كشغل الرحم فإنه معنى يناسب إيجاب العدة حتى تتحقق بذلك مصلحة وهي عدم اختلاط الأنساب، أو المحافظة على النسل، وهذا المعنى هو ما يسمونه بالمعنى المناسب الذي ينشأ عنه الحكم[39].
والمعني الثاني: الوصف الظاهر المنضبط الذي يكون مظنة للمعنى المناسب لتشريع الحكم وهو في المثال المذكور الوطء[40].
والعلة في الحقيقة هي المعنى المناسب لتشريع الحكم وهو الشغل وعدم اختلاط الأنساب في المثال المذكور، ولكن لما كان المعنى المناسب خفياً كشغل الرحم لم ينط الشارع الحكم بها وإنما أناطه بوصف ظاهر منضبط يكون مظنة لوجود المعنى المناسب دفعاً للحرج والمشقة[41].
"وقد دفع هذا الأصوليين -ما عدا الشاطبي- إلى عدم تسمية المعنى المناسب بالعلة مع أنه العلة في الحقيقة، وأطلقوا عليه اسم الحكمة، وأطلقوا على الوصف الظاهر المنضبط الذي يكون مظنة للمعنى المناسب لتشريع الحكم اسم العلة؛ لأنه الوصف الذي ارتبطت به الأحكام وجوداً وعدماً"[42].
وهكذا خصص أهل الاصطلاح فيما بعد الأوصاف باسم العلة وإن قالوا أنها علة مجازاً؛ لأنها ضابط للعلة الحقيقية وسموا ما يترتب على الفعل من نفع أو ضرر حكمة مع اعترافهم بأنها العلة الحقيقية[43].
وعند تحديد العلة التي هي عبارة عن هذا الوصف اختلف الأصوليون في ذلك اختلافاً يرجع أساسه إلى عقيدة كل معرف في حكم تعليل أحكام الله تعالى[44].
وذكر هذا الخلاف خارج عن موضوع المقاصد، وقد بينت علاقة العلة بالمقاصد من خلال ذكر و استعراض إطلاقات العلماء لمعاني العلة، ولكن أود أن أشير هنا إلى أن بعض العلماء المهتمين بمقاصد الشارع مثل الإمام الشاطبي قد استعمل كلمة العلة بمعناها الحقيقي فهو يرى أن العلة هي المصالح الشرعية التي تعلقت بها الأوامر أو الإباحة، والمفاسد التي تعلقت بها النواهي، فالعلة عنده هي المصلحة التي رآها الشارع في طلب الفعل أو الإذن أو المفسدة التي رآها في طلب الكف[45].
فالمعنى الذي يعنيه الإمام الشاطبي لمصطلح العلة هو اللائق بأهل المقاصد؛ لأن البحث في المقاصد هو بحث في العلل الحقيقية التي هي مقاصد الأحكام بغض النظر عن كونها ظاهرة أو خفية منضبطة أو غير منضبطة فذاك يحتاج إليه عند إجراء الأقيسة الجزئية وعند تقديم الأحكام لعموم المكلفين[46] وهو خارج عن موضوع بحثنا والذي يهمنا هنا معرفة أن مصطلح العلة قد استعمل بالمعنى المرادف لمصطلح المقاصد وقد تبين لنا ذلك.
المطلب الثالث: تعريف المعاني :
مصطلح المعاني أو المعنى في حالة الإفراد هو أيضاً من الألفاظ التي كثيرا ما يعبر بها عن المقاصد وخاصة عند الفقهاء فيقولون: شرع الحكم لهذا المعنى أو المعنى المصلحي لهذا الحكم هو كذا، وقد سبق أن ذكرنا أن ابن عاشور عرف المقاصد بقوله: "هي المعاني والحكم".
فقد تتبع أحمد الريسوني استعمال هذا المصطلح عند العلماء، وتوصل إلى أنهم يستعملون مصطلح المعاني مرادفاً لمصطلح ( المقاصد) في كثير من الأحيان[47].

المبحث الثالث : إثبات مقاصد الشارع
المطلب الأول :إثبات المقاصد بالأدلة النقلية :
لقد اشتملت نصوص كثيرة من الكتاب والسنة على بيان كثير من مقاصد الشريعة ولهذا ذكر كثير من العلماء رحمهم الله تعالى أن باستقرائهم علموا أنها جاءت لمصالح العباد ودفع المفاسد عنهم.
قال العلامة أبو إسحاق الشاطبي: "والمعتمد إنما هو أنا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد"[48].
وقال العلامة ابن القيم[49]: "القرآن وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- مملوءان من تعليل الأحكام بالحكم والمصالح وتعليل الخلق بهما والتنبيه على وجوه الحكم التي لأجلها شرع تلك الأحكام ولأجلها خلق تلك الأعيان ولو كان هذا في القرآن والسنة في نحو مائة موضع أو مائتين لسقناها ولكن يزيد على ألف موضع بطرق متنوعة"[50].
ولا شك أن ذكر هذه الأدلة لا يتسع له مثل هذا البحث وهي كثيرة وفيما يلي أذكر بعض الطرق والأساليب التي جاءت نصوص القرآن والسنة بالاستدلال عليها.
الطريقة الأولى: إخبار الله تعالى في كتابه أنه حكيم لا يفعل شيئاً إلا لحكمة، وكون الله تعالى حكيماً يقتضي أنه تعالى لا يفعل شيئاً عبثاً ولا لغير معنى ومصلحة وحكمة هي الغاية المقصودة بالفعل، بل أفعاله سبحانه صادرة عن حكم بالغة لأجلها فعل كما هي ناشئة عن أسباب بها فعل وقد دل كلامه وكلام رسوله على هذا في مواضع لا تكاد تحصى ولا سبيل إلى ذكر كلها وأذكر بعضها فيما يلي[51]:
1-قال الله تعالى: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة}[52].
2-قال الله تعالى: {قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم}[53].
3-قال الله تعالى: {تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم}[54].
4-قال الله تعالى: {ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم}[55].
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في وجه الاستدلال بهذه الآيات على إثبات مقاصد الشارع: " لا يكون الكلام حكمة حتى يكون موصلاً إلى الغايات المحمودة والمطالب النافعة فإذا كان المتكلم به لم يقصد مصلحة المخاطبين ولا هداهم ولا إيصالهم إلى سعادتهم ودلالتهم على أسبابها وموانعها ولا كان ذلك هو الغاية المقصودة المطلوبة ولا تكلم لأجلها ولا أرسل الرسل وأنزل الكتب لأجلها لم يكن حكيماً ولا كلامه حكمة"[56].
ولذلك نفى الله تعالى أن يكون قد فعل شيئاً عبثاً قال الله تعالى: {وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين وما خلقناهما إلا بالحق}[57].
الطريقة الثانية: اتصافه سبحانه وتعالى بالرحمة وأنه أرحم الراحمين وأن رحمته وسعت كل شيء "وذلك لا يتحقق إلا بأن تقصد رحمة خلقه بما خلقه لهم وبما أمرهم به فلو لم تكن أوامره لأجل الرحمة والحكمة والمصلحة وإرادة الإحسان إليهم لما كانت رحمة ولو حصلت الرحمة لكانت اتفاقية لا مقصودة وذلك لا يوجب أن يكون الآمر سبحانه أرحم الراحمين فتعطيل حكمته والغاية المقصودة التي لأجلها يفعل إنكار لرحمته في الحقيقة وتعطيل لها"[58].
1-قال الله تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء}[59].
2-قال الله تعالى: {ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين}[60].
3-وأيضاً فقد أخبر الله تعالى أنه ما أرسل رسوله إلا رحمة للعالمين فقال: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}[61].
قال الآمدي: "فلو خلت الأحكام عن حكمة عائدة إلى العالمين ما كانت رحمة بل نقمة لكون التكليف بها محض تعب ونصب"[62].
الطريقة الثالثة: إخباره سبحانه وتعالى أنه فعل كذا وكذا وأنه أمر بكذا وكذا[63] أي بأي مسلك من مسالك العلة المعروفة في أصول الفقه وذلك كثير في آيات كثيرة، قال الإمام الشاطبي: "وأما التعاليل لتفاصيل الأحكام في الكتاب والسنة فأكثر من أن تحصى"[64].
وذلك مثل:
1-قول الله تعالى: {رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}[65].
2-وقول الله تعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون}[66].
3-وقول الله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً}[67].
4-وقول الله تعالى: {أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى}[68].
5-وقول الله تعالى: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم}[69].
والآيات في هذه الطريقة كثيرة جداً وقد ذكر العلامة ابن القيم كثيراً منها في كتابه شفاء العليل[70].
6-وقول الرسول – صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الاستئذان من أجل البصر"[71].
الطريقة الرابعة: إخبار الله سبحانه وتعالى بأن حكمه أحسن الأحكام وتقديره أحسن التقادير ولو لا مطابقة للحكمة والمصلحة المقصودة المرادة لما كان كذلك[72].
1-قال الله تعالى: {ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون}[73].
2-قال الله تعالى: {فقدرنا ونعم القادرون}[74].
الطريقة الخامسة:التنصيص على بعض مقاصد الشريعة ؛وذلك مثل قول الله تعالى بعد آية الوضوء:
1-{ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم}[75].
2-ومثل قول الله تعالى: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}[76].
3-وقول الله تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}[77].
4-وقوله تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا}[78].
5-وقوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب}[79].
6-وقوله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}[80].
7-وقوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}[81].
8-وقوله تعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج}[82].
9-وقول الرسول –صلى الله عليه وسلم : "لا ضرر ولا ضرار"[83].
فلو كان التكليف بالأحكام لا لحكمة عائدة إلى العباد: "لكان شرعها ضرراً محضاً وكان ذلك بسبب الإسلام وهو خلاف النص"[84].
وهناك طرق أخرى للاستدلال بالنصوص الشرعية ذكرها ابن القيم في كتابه شفاء العليل[85] وعلماء آخرون أيضاً ذكرها وأكتفي بذكر هذه الطرق المذكورة والله تعالى أعلم. [86]
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 193.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 191.67 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (0.89%)]