على ضفاف العفاف - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 859 - عددالزوار : 118539 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 56 - عددالزوار : 40134 )           »          التكبير لسجود التلاوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          زكاة التمر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          صيام التطوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          كيف تترك التدخين؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          حين تربت الآيات على القلوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3096 - عددالزوار : 366799 )           »          تحريم الاستعانة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله جل وعلا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          فوائد ترك التنشيف بعد الغسل والوضوء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18-03-2019, 08:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,235
الدولة : Egypt
افتراضي على ضفاف العفاف

على ضفاف العفاف
عبد اللّه بن محمد البصري

الخطبة الأولى
أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عز وجل – ( إِنَّ لِلمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِم جَنَّاتِ النَّعِيمِ )
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: نَستَأذِنُكُمُ اليَومَ لِنُوَجِّهَ الحَدِيثَ لِقُلُوبٍ تَمَلَّكَهَا الحُبُّ وَالهَوَى، وَاستَولى عَلَيهَا الوِدُّ وَالجَوَى، فَرَفرَفَت بِهِ أَجنِحَتُهَا، وَتَرَدَّدَ صَوتُهُ في جَوَانِحِهَا، إِنَّهَا قُلُوبٌ تُحِبُّ وَتُحَبُّ، وَقَد تَعشِقُ وَتُعشَقُ، فَتَهِيمُ وَتُتَيَّمُ وَيَصعُبُ رَدُّهَا لِعَافِيَتِهَا، إِنَّهُم شَبَابٌ عُزَّابٌ، قُدِّرَ لهمُ العَيشُ في زَمَنٍ خَلَت فِيهِ الأَيدِي مِن ثَقِيلِ الأَعمَالِ وَشَاقِّ الأَشغَالِ، فَتَفَرَّغَتِ القُلُوبُ وَالعُقُولُ لِلتَّفكِيرِ فِيمَا تُحَصَّلُ بِهِ الشَّهَوَاتُ، وَالبَحثِ عَمَّا تُنَالُ بِهِ الأَوطَارُ وَالرَّغَبَاتُ، وَمَالها لا تَفعَلُ وَقَدِ انفَتَحَت عَلَيهَا الأَبوَابُ وَحَاصَرَتهَا جُيُوشُ الخَرَابِ، وَصَارَت تَرَى مَشَاهِدَ الرَّذِيلَةِ وَصُوَرَ العُهرِ في قَنَوَاتٍ وَجَوَّالاتٍ وَشَبَكَاتٍ، لا يَحُولُ بَينَهَا وَبَينَ ذَلِكَ حَائِلٌ، وَلا يَردَعُهَا عَنهُ رَادِعٌ، فَرُحمَاكَ اللَّهُمَّ رُحمَاكَ.
أَيُّهَا الشَّبَابُ الحَالِمُونَ: إِنَّ الحَقِيقَةَ أَكبَرُ ممَّا بِهِ تَحلُمُونَ، وَالأَمرَ أَعظَمُ مِمَّا تَتَصَوَّرُونَ، وَالدُّنيَا بِشَهَوَاتِهَا وَملَذَّاتِهَا، لَيسَت هِيَ الغَايَةَ وَلا مُنتَهَى الآمَالِ، وَلَكِنَّهَا قَصِيرَةٌ حَقِيرَةٌ قَلِيلَةٌ، لا تُسَاوِي عِندَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَأَنتُم عَنهَا رَاحِلُونَ، وَإِلى رَبِّكُم رَاجِعُونَ، وَبِأَعمَالِكُم مَجزِيُّونَ، وَعَلَى مَا قَدَّمتُم مُحَاسَبُونَ، وَالمَصِيرُ إِمَّا إِلى جَنَّةِ المَأوَى وَإِمَّا إِلى نَارٍ تَلَظَّى ( فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الحَيَاةَ الدُّنيَا * فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأوَى * وَأَمَّا مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوَى * فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى)
أَيُّهَا الشَّبَابُ: مَهمَا تَلَفَّتَ أَصحَابُكُم يَمِينًا وَشِمَالاً، وَأَغرَتهُم فُتُوَّتُهُم أَو غَرَّهُم رَونَقُ الشَّبَابِ، فَتَمَرَّدُوا وَتَهَوَّرُوا، وَلَعِبُوا وَطَرِبُوا، فَإِنَّ صِفَةَ العَفَافِ هِيَ خَيرُ مَا اتَّصَفَ بِهِ الشَّابُّ المُسلِمُ في حَيَاتِهِ، لِيَفُوزَ بِرِضَا رَبِّهِ بَعدَ مَمَاتِهِ، وَمِنَ السَّبعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ (( شَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ دَعَتهُ امرَأَةٌ ذَاتُ مَنصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِني أَخَافُ اللهَ)).
العَفَافُ أَوِ العِفَّةُ ـ مَعشَرَ الشَّبَابِ ـ سِيمَا الأَنبِيَاءِ وَحِليَةُ العُلَمَاءِ، وَتَاجُ العُبَّادِ وَالأَولِيَاءِ، العَفَافُ سُلطَانٌ مِن غَيرِ تَاجٍ، وَغِنىً مِن غَيرِ مَالٍ، وَقُوَّةٌ مِن غَيرِ بَطشٍ، العَفَافُ خُلُقٌ كَرِيمٌ وَوَصفٌ زَكِيٌّ، يَنبُتُ في رَوضِ الإِيمَانِ وَيُسقَى بِمَاءِ الحَيَاءِ، جُذُورُهُ الإِيمَانُ وَالتَّقوَى، وَثَمَرَتُهُ نُورٌ في الوُجُوهِ وَصَفَاءٌ لِلقُلُوبِ، وَانشِرَاحٌ في الصُّدُورِ وَطُمَأنِينَةٌ لِلنُّفُوسِ، هُوَ عُنوَانُ الأُسَرِ الكَرِيمَةِ، وَرَمزُ المُجتَمَعَاتِ الطَّاهِرَةِ، إِنَّهُ سُمُوُّ النَّفسِ عَلَى الشَّهَوَاتِ الدَّنِيئَةِ، وَتَرَفُّعُ الهِمَّةِ عَمَّا لا يَلِيقُ، صَاحِبُهُ لَيسَ بِالهَلُوعِ وَلا بِالجَزُوعِ، وَلَكِنَّهُ مُؤمِنٌ شُجَاعٌ مُفلِحٌ، دَاخِلٌ فِيمَن وَصَفَهُمُ اللهُ فَقَالَ: ( وَالَّذِينَ هُم لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ)، ثم وَعَدَهُم بِأَغلَى مَا يُنَالُ فَقَالَ: ( أُولَئِكَ في جَنَّاتٍ مُكرَمُونَ) ( أُولَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِردَوسَ هُم فِيهَا خَالِدُونَ) وَلَولا أَنَّهُم دَخَلُوا جَنَّةَ العَفَافِ في الدُّنيَا وَأَكرَمُوا أَنفُسَهُم عَنِ الدَّنَايَا، لما أَكرَمَهُمُ اللهُ في الآخِرَةِ بِأَعلَى الدَّرَجَاتِ وَلما وَهَبَهُم أَحسَنَ العَطَايَا، وَفي صَحِيحِ مُسلِمٍ لَمَّا ذَكَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَهلَ الجَنَّةِ قَالَ: (( وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ))، وَعِندَ البُخَارِيِّ وَغَيرِهِ: (( مَن يَضمَنْ لي مَا بَينَ لَحيَيهِ وَمَا بَينَ رِجلَيهِ أَضمَنْ لَهُ الجَنَّةَ))، وَعِندَ الإِمَامِ أَحمَدَ وَغَيرِهِ: (( اِضمَنُوا لي سِتًّا أَضمَنْ لَكُمُ الجَنَّةَ: اُصدُقُوا إِذَا حَدَّثتُم، وَأَوفُوا إِذَا وَعَدتُم، وَأدُّوا إِذَا ائتُمِنتُم، وَاحفَظُوا فُرُوجَكُم، وغُضُّوا أَبصَارَكُم، وكُفُّوا أَيدِيَكُم)) حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.
أَيُّهَا الشَّبَابُ: إِنَّهُ وَإِنْ تَهَيَّأَت في زَمَانِنَا فُرَصٌ أَو تَيَسَّرَت أَسبَابٌ لِمُمَارَسَةِ الرَّذِيلَةِ، فَإِنَّهَا لَيسَت لَكُم وَحدَكُم، وَلم تَكُنْ وَلِيدَةَ هَذَا الزَّمَانِ فَحَسبُ، فَقَد تَهَيَّأَت لِغَيرِكُم ممَّن كَانَ قَبلَكُم، وَفُتِحَت الأَبوَابُ عَلَى مَصَارِيعِهَا لِبَعضِ سَلَفِكُم، فَتَرَكُوا مُوَاقَعَةَ الشَّهَوَاتِ للهِ، إِيمَانًا بِوَعدِهِ وَخَوفًا مِن وَعِيدِهِ، فَأَعلَى اللهُ ذِكرَهُم وَرَفَعَهُم دَرَجَاتٍ وَأَكرَمَهُم، أَلم تَقرَؤُوا مَوقِفَ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ، يُوسُفُ بنُ يَعقُوبَ بنِ إِبرَاهِيمَ - عليهم السلام - ذَلِكُمُ النَّبيُّ الَّذِي أُوتي مِنَ الحُسنِ وَالجَمَالِ مَا يَزِنُ نِصفَ جَمَالِ العَالَمِينَ، وَحِينَ ابتُلِيَ بما ابتُلِيَ بِهِ وَهُوَ فَتىً قَد نَأَت بِهِ الدَّارُ وَفَارَقَ الأَهلَ وَالوَطَنَ، وَكَانَ عِندَ امرَأَةِ العَزِيزِ، فَرَاوَدَتهُ عَن نَفسِهِ ( وَغَلَّقَتِ الأَبوَابَ وَقَالَت هَيتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحسَنَ مَثوَايَ إِنَّهُ لا يُفلِحُ الظَّالِمُونَ) مَعَاذَ اللهِ، مَا أَعظَمَهَا مِن كَلِمَةٍ في مَوقِفٍ عَصِيبٍ، لم يَكُنْ ثَمَنُهَا أَنْ فَاتَتهُ شَهوَةٌ فَحَسبُ، وَلَكِنَّ ثَمَنَهَا كَانَ غَالِيًا، وَعِيدٌ وَتَهدِيدٌ، وَسَجنٌ وَتَقيِيدٌ، وَلَكِنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ، إِذْ تَجَاوَزَ - عليه السلام - المِحنَةَ، ثم آتَاهُ اللهُ المُلكَ وَعَلَّمَهُ مِن تَأوِيلِ الأَحَادِيثِ، وَجَعَلَهُ مِن عِبَادِهِ المُخلَصِينَ، في قِصَّةٍ عَظِيمَةٍ لِفَتىً كَرِيمٍ تَرَكَ شَهوَتَهُ خَوفًا مِن رَبِّهِ وَاتِّقَاءً لِغَضَبِهِ، فَكَانَتِ العَاقِبَةُ أَن أَغنَاهُ اللهُ وَأَنَارَ قَلبَهُ وَأَضَاءَ بَصِيرَتَهُ، وَعَوَّضَهُ العِلمَ وَالفِرَاسَةَ وَالتَّوفِيقَ.
وَمَا يَزَالُ الفَضلُ مِنَ اللهِ - سبحانه - عَلَى أَهلِ العَفَافِ مُستَمِرًّا ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) نَعَم ( ذَلِكَ لِمَن خَشِيَ رَبَّهُ)، وَقَالَ - سبحانه -: ( وَلِمَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) " نَعَم ( جَنَّتَانِ)، وَفي هَاتَينِ الجَنَّتَينِ ( قَاصِرَاتُ الطَّرفِ) ممَّن؟ ( كَأَنَّهُنَّ اليَاقُوتُ وَالمَرجَانُ)، وَفِيهِنَّ ( خَيرَاتٌ حِسَانٌ) وُصِفنَ بِأَنَّهُنَّ ( حُورٌ مَقصُورَاتٌ في الخِيَامِ) ( لم يَطمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبلَهُم وَلا جَانٌّ) هَذَا جَزَاءُ اللهِ لأَهلِ الإِيمَانِ، عَفُّوا في الدُّنيَا عَنِ النِّسَاءِ الفَاتِنَاتِ وَالغَانِيَاتِ، فَجُزُوا في الآخِرَةِ بِنِسَاءٍ عَفِيفَاتٍ طَاهِرَاتٍ مُطَهَّرَاتٍ جَمِيلاتٍ، وَهَل جَزَاءُ الإِحسَانِ إِلاَّ الإِحسَانُ؟!
أَيُّهَا الشَّبَابُ: أَلم تَقرَؤُوا في صِفَاتِ عِبَادِ الرَّحمَنِ قَولَ الرَّحمَنِ - تبارك وتعالى-: ( وَالَّذِينَ لا يَدعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقتُلُونَ النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَلا يَزنُونَ وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ يَلقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَومَ القِيَامَةِ وَيَخلُدْ فِيهِ مُهَانًا) إِنْ لم تَكُونُوا قَرَأتُم هَذِهِ الآيَةَ أَو كَانَ عَهدُكُم بها بَعِيدًا فَاسمَعُوهَا مَرَّةً أُخرَى وَعُوهَا، يَقُولُ رَبُّكُم - سبحانه -: ( وَالَّذِينَ لا يَدعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقتُلُونَ النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَلا يَزنُونَ وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ يَلقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَومَ القِيَامَةِ وَيَخلُدْ فِيهِ مُهَانًا) هَل تَأَمَّلتُم وَتَدَبَّرتُم؟! لَقَد قَرَنَ الرَّحمَنُ بَينَ الشِّركِ وَقَتلِ النَّفسِ وَالزِّنَا، فَنَفَاهَا جَمِيعًا عَن عِبَادِهِ، ثم بَيَّنَ جَزَاءَ مَن فَعَلَهَا، حَيثُ يُضَاعَفُ لَهُ العَذَابُ وَيَخلُدُ في المَهَانَةِ وَالذِّلَّةِ وَالحَقَارَةِ، وَقَد بَيَّنَ الرَّحِيمُ - عليه الصلاة والسلام - طَرَفًا مِن ذَلِكَ العَذَابِ المُهِينِ لِمَن هَتَكَ سِترَ العَفَافِ وَوَقَعَ في الزِّنَا، فَعَن سَمُرَةَ بنِ جُندُبٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( إِنَّهُ أَتَاني اللَّيلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابتَعَثَاني، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لي انطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا...)) فَذَكَرَ الحَدِيثَ إِلى أَن قَالَ: (( فَانطَلَقنَا فَأَتَينَا عَلَى مِثلِ التَّنُّورِ)) قَالَ: فَأَحسَبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: (( فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصوَاتٌ))، قَالَ: (( فَاطَّلَعنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُم يَأتِيهِم لَهَبٌ مِن أَسفَلَ مِنهُم، فَإِذَا أَتَاهُم ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوضَوا)) الحَدِيثَ... وَفي آخِرِهِ قَالَ: (( وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ في مِثلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَاني)) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
فَتَبًّا لِمَن لم يَصبِرْ وَيَتَعَفَّفْ! وَيَا لَخَسَارَةِ مَن لم يَضبِطْ نَفسَهُ وَيَلزَمِ الحُدُودَ الَّتي شَرَعَها اللهُ لَهُ، مُتَذَرِّعًا بِغَلَبَةِ الشَّهوَةِ، أَو مُنسَاقًا وَرَاءَ اللَّذَّةِ، أَو مُتَأَثِّرًا بِعَالَمِ الانفِتَاحِ عَلَى الرَّذِيلَةِ وَالتَّحلُّلِ مِنَ الفَضِيلَةِ!! أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ مَعَشرَ الشَّبَابِ ـ وَاحذَرُوا مَا يُحَارَبُ بِهِ جَانِبُ العَفَافِ وَالفَضِيلَةِ، أَو مَا يُحَاوَلُ أَن يُكسَرَ بِهِ حَاجِزُ الحَيَاءِ وَتُنبَذَ بِهِ الحِشمَةُ، مِن دَعَوَاتِ السُّفُورِ وَالاختِلاطِ في المَدَارِسِ وَالجَامِعَاتِ، أَو تَسهِيلِ لِقَاءِ الجِنسَينِ في الأَعمَالِ وَالأَسوَاقِ وَالمُؤَتَمَرَاتِ، أَوِ المَجَالِسِ الثَّقَافِيَّةِ المَزعُومَةِ وَالمُنَتَدَيَاتِ، أَو مُشَارَكَةِ النِّسَاءِ في الأَلعَابِ وَالمُسَابَقَاتِ، أَو مَا يُتَنَاقَلُ مِن مَقَاطِعِ العُرِيِّ الفَاضِحَةِ وَمَشَاهِدِ الرَّذِيلَةِ في الجَوَّالاتِ وَالشَّبَكَاتِ، فَإِنَّ الحَيَاةَ الطَّاهِرَةَ تَحتَاجُ إِلى عَزَائِمِ الأَخيَارِ، وَأَمَّا عِيشَةُ الرَّذِيلَةِ فَطَرِيقُهَا التَّسَاهُلُ وَالانحِدَارُ، وَإِنَّهُ لَو لم يَكُنْ ذَلِكُمُ العَذَابُ المُضَاعَفُ هُوَ جَزَاءَ مَن خَرَجُوا مِن حِصنِ العَفَافِ وَتَجَاوَزُوا سِيَاجَ الفَضِيلَةِ، لَكَانَتِ الأَمرَاضُ الوَبَائِيَّةُ الفَتَّاكَةُ الَّتي يُبلَى بها الزُّنَاةُ كَافِيةً لِرَدعِ نُفُوسِ العُقَلاءِ عَنِ الانسِيَاقِ وَرَاءَ الشَّهَوَاتِ النَّتِنَةِ، وَمَنعِهِم مِن خَوضِ مُستَنقَعِ اللَّذَّاتِ الآسِنَةِ. فَاتَّقُوا اللهَ وَاحذَرُوا ( وَلا تَقرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ).
الخطبة الثانية
أَمَّا بَعدُ: فَيَا مَعشَرَ الشَّبَابِ اتَّقُوا اللهَ، وَاعلَمُوا أَنَّ مِن أَعظَمِ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ إِقَامَةَ المُجتَمَعِ الطَّاهِرِ النَّظِيفِ، المَحُوطِ بِالخُلُقِ الرَّفِيعِ، وَالمُبَطَّنِ بِالعِفَّةِ وَالحِشمَةِ، إِنَّهُ المُجتَمَعُ الَّذِي تُحفَظُ فِيهِ الفُرُوجُ، وَلا تُطلَقُ فِيهِ الأَبصَارُ، ولا يُسمَحُ فِيهِ بِالاختِلاطِ، وَلا يُلقَى فِيهِ الحِجَابُ، قَالَ - سبحانه-: ( وَإِذَا سَأَلتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُم أَطهَرُ لِقُلُوبِكُم وَقُلُوبِهِنَّ)، وَقَالَ - سبحانه -: ( قُلْ لِلمُؤمِنِينَ يَغُضُّوا مِن أَبصَارِهِم وَيَحفَظُوا فُرُوجَهُم ذَلِكَ أَزكَى لَهُم إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما يَصنَعُونَ * وَقُلْ لِلمُؤمِنَاتِ يَغضُضْنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ).
أَيُّهَا الشَّبَابُ: إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الإِنسَانَ وَطَبَعَهُ عَلَى هَذِهِ الغَرِيزَةِ الجِنسِيَّةِ، وَجَعَلَهَا تَجرِي في الدَّمِ وَيَتَحَرَّكُ بها القَلبُ، لم يَخلُقْهَا لِيَكُونَ ذَلِكُمُ الإِنسَانُ كَالبَهِيمَةِ العَجمَاءِ، مَشغُولاً بِقَضَاءِ وَطَرِهِ وَإِطفَاءِ لَهِيبِ شَهوَتِهِ وَإِشبَاعِ غَرِيزَتِهِ فَحَسبُ، أَو لِتَكُونَ هِي هَمَّهُ الَّذِي عَلَيهِ يُمسِي وَيُصبِحُ، أَو غَايَتَهُ الَّتي مِن أَجلِهَا يَعدُو وَيَلهَثُ، أَو هَدَفَهُ الِّذِي إِلَيهِ يَسعَى وَفِيهِ يُفَكِّرُ، وَعَنهُ يَكتُبُ وَيَتَحَدَّثُ، لا وَاللهِ، وَإِنَّمَا خَلَقَهَا - تعالى- بِأَمرِهِ وَعِلمِهِ وَحِكمَتِهِ، اِبتِلاءً لِخَلقِهِ، وَلِيَبقَى الجِنسُ البَشَرِيُّ يَعمُرُ الأَرضَ وَيُقِيمُ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَلأَنَّ الإِسلامَ هُوَ دِينُ الوَسَطِ البَعِيدُ عَنِ الغُلُوِّ وَالشَّطَطِ، فَإِنَّهُ لم يَتَجَاهَلْ هَذِهِ الغَرِيزَةَ وَيَأمُرِ النَّاسَ بِالرَّهبَانِيَّةِ وَالانقِطَاعِ التَّامِّ عَن تَحصِيلِ شَهَوَاتِهِم وَنَيلِ لَذَّاتِهِم، وَلم يَفتَحِ البَابَ فِيهَا عَلَى مِصرَاعَيهِ لِتَكُونَ حَيَاةُ النَّاسِ إِبَاحِيَّةً مَرِيجَةً، يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الحُمُرِ في الخَلاءِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ لِذَلِكَ شَاطِئًا آمِنًا، بَعِيدًا عَن أَموَاجِ الشَّهَوَاتِ العَارِمَةِ وَأَعَاصِيرِ الرَّغَبَاتِ الجَامِحَةِ، إِنَّهُ الزَّوَاجُ، شَاطِئُ الأَمَانِ لِحَيَاةِ العَفَافِ، تِلكَ الحَيَاةُ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ، الَّتي يَعِيشُهَا المُسلِمُ صَابِرًا مُحتَسِبًا، غَاضًّا بَصرَهُ حَافِظًا لِفَرجِهِ، حَتى يَأوِيَ إِلى ذَلِكَ الشَّاطِئِ النَّظِيفِ فَيَنقَى وَيَغنى، قَالَ - جل وعلا -: ( وَلْيَستَعفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغنِيَهُم اللهُ مِن فَضلِهِ)، وَفي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ، قَالَ - عليه الصلاة والسلام -: (( يَا مَعشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ استَطَاعَ مِنكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلبَصَرِ وَأَحصَنُ لِلفَرجِ، وَمَن لم يَستَطِعْ فَعَلَيهِ بِالصَّومِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ))، نَعَم ـ مَعشَرَ الشَّبَابِ ـ لَيسَت مُهِمَّةُ الشَّابِّ المُسلِمِ أَن يَبحَثَ عَنِ الشَّهوَةِ بِكُلِّ طَرِيقٍ وَيَسلُكَ لها كُلَّ سَبِيلٍ، لا وَاللهِ، وَإِنَّمَا وَاجِبُهُ العَفَافُ وَحِفظُ نَفسِهِ، وَلْيُبشِرْ بَعدَ ذَلِكَ بِالخَيرِ، قَالَ - عليه الصلاة والسلام -: (( وَمَن يَستَعفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ))، وَقَالَ: (( اِحفَظِ اللهَ يَحفَظْكَ)) نَعَم، مَنِ استَغَفَّ أَعَفَّهُ اللهُ، وَمَن حَفِظَ اللهَ في أَعرَاضِ المُسلِمِينَ حَفِظَ اللهُ عِرضَهُ، ذَلِكُم أَنَّ الجَزَاءَ مِن جِنسِ العَمَلِ، وَاللهُ - تعالى- يَغَارُ عَلَى مَحَارِمِهِ، وَمَن جَعَلَ مَحَارِمَ النَّاسِ هَدَفًا لِنَزَوَاتِهِ وَمَرتَعًا لِشَهَوَاتِهِ، فَلا يَأمَنَنَّ بَعدُ عَلَى أُمِّهِ أَوِ ابنَتِهِ أَو أُختِهِ أَن يَعتَدِيَ أَحَدٌ عَلَى عِرضِ أَيِّهِنَّ، فَاحفَظُوا فُرُوجَكُم، وَعُفُّوا تَعُفَّ نِسَاؤُكُم.
وَاتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي ( يَعلَمُ خَائِنَةَ الأَعيُنِ وَمَا تُخفِي الصُّدُورُ) اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنى

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 56.43 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.87%)]