الخليل عليه السلام (9): { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4617 - عددالزوار : 1469298 )           »          (وَلَن تَرضى عَنكَ اليَهودُ وَلَا النَّصارى) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          من أعظم ما يُفسد العلاقة بين زوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          من فوائد غضِّ البصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          من وسائل استشعار النعم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          من أروع الآثار: حوار هرقل مع أبي سفيان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          كلام نفيس لابن القيم في الجواب عن سبب تسلط الكفار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          وقفات ثلاث بعد توقف القصف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          احذر مقاربة الفتنة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          صفات المنافقين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-03-2023, 02:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,470
الدولة : Egypt
افتراضي الخليل عليه السلام (9): { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه }

الخليل عليه السلام (9): { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه }
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل



الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آلِ عِمْرَانِ:102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[النِّسَاءِ:1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الْأَحْزَابِ: 70-71].

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَيُّهَا النَّاسُ: قِصَّةُ نَبِيِّ اللَّهِ تَعَالَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هِيَ مِنْ أَكْثَرِ الْقِصَصِ تَكْرَارًا فِي الْقُرْآنِ، وَفِيهَا دَعْوَتُهُ لِأَبِيهِ، وَمُحَاوَرَتُهُ لِقَوْمِهِ، وَمُنَاظَرَتُهُ لِلْمَلِكِ الَّذِي ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ. وَفِيهَا قُوَّتُهُ فِي الْحَقِّ، وَتَوَكُّلُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَحُسْنُ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَفِيهَا بُلُوغُهُ دَرَجَةَ الْيَقِينِ، وَعِلْمِ الْيَقِينِ، وَعَيْنِ الْيَقِينِ، وَفِيهَا بِنَاؤُهُ لِلْبَيْتِ الْعَتِيقِ، وَإِمَامَتُهُ فِي الدِّينِ، وَدُعَاؤُهُ لِذُرِّيَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ بِالْإِمَامَةِ فِي الدِّينِ، وَدُعَاؤُهُ لِلْأُمَّةِ الْخَاتِمَةِ بِبَعْثَةِ الرَّسُولِ الْأَمِينِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتِجَابَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِدُعَائِهِ.

وَمَنْ أَعْجَبِ مُنَاظَرَاتِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُنَاظَرَتُهُ لِلْمَلِكِ الَّذِي ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى؛ ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 258]؛ «أَيْ: هَلْ رَأَيْتَ -أَيُّهَا الرَّسُولُ- أَعْجَبَ مِنْ حَالِ هَذَا الَّذِي جَادَلَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُبُوبِيَّتِهِ»، وَهُوَ مَلِكُ بَابِلَ النَّمْرُودُ بْنُ كَنْعَانَ. وَسَبَبُ هَذَا الْكِبْرِ وَالطُّغْيَانِ وَالتَّجَبُّرِ الَّذِي تَلَوَّثَ بِهِ؛ ﴿ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ ﴾، وَبَدَلًا مِنْ شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا أَعْطَاهُ مِنَ الْمُلْكِ؛ كَفَرَ بِهِ سُبْحَانَهُ، وَأَنْكَرَ رُبُوبِيَّتَهُ، وَادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ، وَتَكَبَّرَ عَلَى عِبَادِهِ، «فَزَعَمَ أَنَّهُ يَفْعَلُ كَمَا يَفْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾؛ أَيْ: هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِأَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ، وَخَصَّ مِنْهُ الْإِحْيَاءَ وَالْإِمَاتَةَ؛ لِكَوْنِهِمَا أَعْظَمَ أَنْوَاعِ التَّدَابِيرِ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْيَاءَ مَبْدَأُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَالْإِمَاتَةَ مَبْدَأُ مَا يَكُونُ فِي الْآخِرَةِ، فَرَدَّ ذَلِكَ الْمُحَاجُّ: ﴿ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ﴾ وَلَمْ يَقُلْ: أَنَا الَّذِي أُحْيِي وَأُمِيتُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِقْلَالَ بِالتَّصَرُّفِ، وَإِنَّمَا زَعَمَ أَنَّهُ يَفْعَلُ كَفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَصْنَعُ صُنْعَهُ، فَادَّعَى أَنَّهُ يَقْتُلُ شَخْصًا فَيَكُونُ قَدْ أَمَاتَهُ، وَيَسْتَبْقِي شَخْصًا فَيَكُونُ قَدْ أَحْيَاهُ، فَلَمَّا رَآهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُغَالِطُ فِي مُجَادَلَتِهِ، وَيَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شُبْهَةً، فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ حُجَّةً، اطَّرَدَ مَعَهُ فِي الدَّلِيلِ: ﴿ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ ﴾؛ أَيْ: عِيَانًا يُقِرُّ بِهِ كُلُّ أَحَدٍ حَتَّى ذَلِكَ الْكَافِرُ، ﴿ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ ﴾، وَهَذَا إِلْزَامٌ لَهُ بِطَرْدِ دَلِيلِهِ إِنْ كَانَ صَادِقًا فِي دَعْوَاهُ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ أَمْرًا لَا قُوَّةَ لَهُ فِي شُبْهَةٍ تَشَوُّشِ دَلِيلَهُ، وَلَا قَادِحًا يَقْدَحُ فِي سَبِيلِهِ؛ ﴿ بُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ﴾؛ أَيْ: تَحَيَّرَ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ جَوَابًا، وَانْقَطَعَتْ حَجَّتُهُ، وَسَقَطَتْ شُبْهَتُهُ، وَهَذِهِ حَالَةُ الْمُبْطِلِ الْمُعَانِدِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُقَاوِمَ الْحَقَّ وَيُغَالِبَهُ، فَإِنَّهُ مَغْلُوبٌ مَقْهُورٌ، فَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، بَلْ يُبْقِيهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَضَلَالِهِمْ، وَهُمُ الَّذِينَ اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ قَصْدُهُمُ الْحَقَّ وَالْهِدَايَةَ لَهَدَاهُمْ إِلَيْهِ، وَيَسَّرَ لَهُمْ أَسْبَابَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ؛ فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ بُرْهَانٌ قَاطِعٌ عَلَى تَفَرُّدِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ بِالْخَلْقِ وَالتَّدْبِيرِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُفْرَدَ بِالْعِبَادَةِ وَالْإِنَابَةِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ».

وَهَذِهِ الْمُنَاظَرَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ شِرْكَ الْعَالَمِ رَاجِعٌ إِلَى عِبَادَةِ الْقُبُورِ وَعِبَادَةِ الْكَوَاكِبِ، وَصُوِّرَتِ الْأَصْنَامُ عَلَى صُوَرِ أَهْلِ الْقُبُورِ، فَعُبِدَتْ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى؛ كَمَا اتَّخَذَ قَوْمُ نُوحٍ وَدًّا وَسِوَاعًا وَيَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا، وَهُمْ رِجَالٌ صَالِحُونَ مَاتُوا، فَصَوَّرُوهُمْ لِيَتَذَكَّرُوهُمْ، ثُمَّ بَعْدَ أَزْمَانٍ عَبَدُوهُمْ. فَهَدَمَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَذْهَبَ عُبَّادِ الْقُبُورِ بِذِكْرِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُخْتَصُّ بِذَلِكَ، وَأَنَّ مَنْ يَمُوتُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا يُعْبَدُ لَا فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ مَمَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مَرْبُوبٌ، يَتَصَرَّفُ فِيهِ خَالِقُهُ سُبْحَانَهُ بِالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ. وَهَدَمَ مَذْهَبَ عُبَّادِ الْكَوَاكِبِ بِذِكْرِ تَدْبِيرِ اللَّهِ تَعَالَى لِلشَّمْسِ الَّتِي هِيَ أَوْضَحُ الْآيَاتِ وَأَبْيَنُهَا وَأَنْفَعُهَا لِأَهْلِ الْأَرْضِ، وَهِيَ مَرْبُوبَةٌ مُدَبَّرَةٌ مُسَخَّرَةٌ، لَا تَصَرُّفَ لَهَا فِي نَفْسِهَا، فَضْلًا عَنْ تَصَرُّفِهَا فِي غَيْرِهَا، وَرَبُّهَا وَخَالِقُهَا سُبْحَانَهُ يَأْتِي بِهَا مِنْ مَشْرِقِهَا فَتَنْقَادُ لِأَمْرِهِ وَمَشِيئَتِهِ؛ وَلِذَلِكَ كَانَتْ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ سُبْحَانَهُ؛ ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الْأَعْرَافِ: 54].

وَمُنَاظَرَةُ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْمَلِكِ الْكَافِرِ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ مُنَاظَرَةِ مَنْ يُنْكِرُ الرُّبُوبِيَّةَ أَوْ يَنْسُبُهَا لِنَفْسِهِ، لِمَنْ يَمْلِكُ سِلَاحَ الْمُنَاظَرَةِ، وَهُوَ سَعَةُ الْعِلْمِ، وَقُوَّةُ الْحُجَّةِ، وَسُرْعَةُ الْبَدِيهَةِ. وَإِذَا جَازَتِ الْمُنَاظَرَةُ فِي الرُّبُوبِيَّةِ فَتَجُوزُ فِيمَا دُونَهَا؛ لِأَنَّ الْجُحُودَ أَشَدُّ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ وَأَقْبَحُهَا، وَقَدْ نَاظَرَ الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَقْوَامَهُمْ، وَجَادَلُوهُمْ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي الْقُرْآنِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الْبُرْهَانِ مِمَّنْ يَرْكَبُ الْبَاطِلَ، وَمُحَاجَّتِهِ فِي بَاطِلِهِ لِدَحْضِهِ وَبَيَانِ زَيْفِهِ، وَإِسْقَاطِهِ أَمَامَ الْعَامَّةِ لِحِمَايَتِهِمْ مِنْ شَرِّهِ وَتَلْبِيسِهِ وَإِضْلَالِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 111]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا ﴾ [يُونُسَ: 68]، وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ قَوْمِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا ﴾ [هُودٍ: 32]. وَأَمَرَ سُبْحَانَهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَقُولَ لِأَهْلِ الْكِتَابِ: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانِ: 65-66].

كَمَا تَدُلُّ مُنَاظَرَةُ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْمَلِكِ الْكَافِرِ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْبَاطِلِ يَتَعَلَّقُونَ بِأَوْهَى حُجَّةٍ؛ لِخِدَاعِ النَّاسِ؛ كَمَا فَعَلَ الْمَلِكُ الْكَافِرُ حِينَ زَعَمَ أَنَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ فِي حَقِيقَتِهِ يَقْتُلُ رَجُلًا وَيَسْتَبْقِي آخَرَ، فَلَا أَحْيَا وَلَا أَمَاتَ، وَقَدْ عَلِمَ الْخَلِيلُ أَنَّهُ مُكَابِرٌ لَا يُرِيدُ الْحَقَّ، فَنَقَلَهُ إِلَى مَا لَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَادِعَ فِيهِ؛ وَهُوَ آيَةُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ. وَكَثِيرًا مَا يُبْتَلَى الْمُنَاظِرُ فِي إِثْبَاتِ الْحَقِّ بِقَوْمٍ يُجَادِلُونَ بِالْبَاطِلِ، وَيَأْتُونَ بِمَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً، فَلْيُجَاوِزْ مَنْ يُنَاظِرُهُمْ ذَلِكَ إِلَى حُجَّةٍ تَبْهَتُهُمْ، وَتَدْحَضُ بَاطِلَهُمْ، وَتَقْطَعُ جِدَالَهُمْ. وَلَا يُتْقِنُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ أُوتِيَ عِلْمًا، وَحُسْنَ اسْتِدْلَالٍ، وَسُرْعَةَ بَدِيهَةٍ.

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ وَأَنْصَارِهِ، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا الْبَاطِلَ وَأَتْبَاعَهُ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ[الْبَقَرَةِ: 281].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَانَتْ مُنَاظَرَاتُ الْخَلِيلِ كُلُّهَا فِي تَقْرِيرِ التَّوْحِيدِ، وَلُزُومِ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالتَّجَرُّدِ مِنَ الشِّرْكِ وَالْأَنْدَادِ، وَهِيَ الْحَنِيفِيَّةُ الَّتِي نُسِبَتْ إِلَى الْخَلِيلِ فَسُمِّيَتْ (مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ)، وَتَنَازَعَ فِي الِانْتِسَابِ إِلَى الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَعْظَمُ الْأُمَمِ فِي التَّارِيخِ وَأَكْثَرُهَا: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمُسْلِمُونَ، حَتَّى قَضَى اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمْ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانِ: 67-68]. فَالْهِدَايَةُ إِلَى الْحَنِيفِيَّةِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هِيَ فِي اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي خُتِمَتْ بِهِ النُّبُوَّةُ، وَكُلُّ مَنِ ادَّعَى وَصْلًا بِالْخَلِيلِ أَوْ بِدِينِهِ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ فَدَعْوَاهُ بَاطِلَةٌ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[الْبَقَرَةِ: 135].

وَكُلُّ مُحَاوَلَةٍ لِخَلْطِ مِلَّةِ الْخَلِيلِ بِشِرْكِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ الْبَاطِلَةِ فَهِيَ إِثْمٌ وَضَلَالٌ، وَمَآلُهَا لِلْفَشَلِ وَالِاضْمِحْلَالِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَضَى بِأَنْ تَكُونَ الْعَاقِبَةُ لِلْإِسْلَامِ، وَحِينَ يَنْزِلُ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِشَرِيعَةِ أَخِيهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى كُلِّ الرُّسُلِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بُعِثَ فِيهِمْ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانِ: 81]، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ تَبَعٌ لِإِبْرَاهِيمَ أَوْ لِمُوسَى أَوْ لِعِيسَى أَوْ لِغَيْرِهِمْ مِنَ الرُّسُلِ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَتْبَعْهُ، فَدَعْوَاهُ بَاطِلَةٌ، وَهُوَ مَحْجُوبٌ عَنِ الْجَنَّةِ، وَمَأْوَاهُ النَّارُ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَاعْرِفُوا الْحَقَّ وَاتَّبِعُوهُ وَلَوْ كَانَ أَهْلُهُ ضُعَفَاءَ، وَلَا يَغُرَّنَّكُمُ الْبَاطِلُ وَفَارِقُوهُ وَلَوْ كَانَ أَهْلُهُ أَقْوِيَاءَ؛ فَإِنَّهُ إِلَى زَوَالٍ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 57.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 55.63 كيلو بايت... تم توفير 1.63 كيلو بايت...بمعدل (2.85%)]