|
روضة أطفال الشفاء كل ما يختص ببراءة الأطفال من صور ومسابقات وقصص والعاب ترفيهية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() التربية الإسلامية للطفل ( دراسة موجزة ) محمد نور الإسلام التربية أداة فاعلة للتغيير والتطوير، ووسيلة مثمرة لحفظ التراث وبناء الحضارة، وهي حاجة أساسية لنمو الفرد وضرورة رئيسية لتطور المجتمع، ومن هذا المنطلق يؤكد علماء التربية على ضرورة الاهتمام الزائد بالطفل، لأن الطفولة أرض خصبة للبناء والنماء حيث علا من أجل ذلك صوت "روسو": "أعطوني طفلين لأصنع من أحدهما ملاكا، ومن الآخر شريرا"،[1] يعنى التربية هي الوسيلة التي كيفما كانت ينشئ الطفل من صورتها. وهناك رؤية كثيرة للتربية أما التربية الإسلامية هي الوحيدة التي أعطت الإنسان ما لم تعطي الأخرى من التربية الدينية والوضعية والفلسفية لأن التربية الإسلامية جاءت من روح الإسلام ومبادئه وقيمه، ولها أقصى دورا في تشكيل وحماية الفرد والمجتمع من جميع التخلف والانحراف والغلو والتطرف...، لأن لها مناهج متكاملة شاملة التي تهتم بكل مقومات الإنسان الجسمية والعقلية والنفسية والوجدانية... وتسعى إلى تحقيق التوازن التام بين كل هذه المقومات. مفهوم التربية والتربية الإسلامية: كلمة التربية من الكلمات الحديثة التي ظهرت في السنوات الأخيرة مرتبطة بحركة التجديد في البلاد العربية في الربع الثاني من القرن العشرين،[2] ولذلك لا نجد لها استخدامها في المصادر العربية القديمة، حيث كانت تستخدم كلمات مثل التعليم والتأديب والتهذيب... وهي كلمات مرتبطة بالتربية، وهناك تعريف التربية والتربية الإسلامية فيما يلي: التربية لغة: عرف اللغويون وأصحاب المعاجم لفظة التربية بأنها في اللغة تعنى التنمية والتنشئة، يقال: "رباه: نماه، وربي فلانا: غذاه ونشاه، وربى: نمى قواه الجسدية والعقلية والخلقية، ويقال ربى الفاكهة وتربى: تنشأ وتغذى وتثقف"،[3] ومعناه في اللغة الإنجليزية Education, Teaching, Cultivation وغيرها،[4] وقد استخلص بعض الباحثين[5] لهذه الكلمة ثلاثة أصول لغوية: الأصل الأول: ربا يربو على وزن دعا يدعو بمعنى زاد ونما،[6] وذلك في قوله تعالى ﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [7]. الأصل الثاني: ربي يربي على وزن خفي يخفي، ومعناها نشأ وترعرع،[8] ومنها قول أبي سفيان في غزوة حنين: "لئن يربيني رجل من قريش خير من أن يربيني من هوزان"[9]. الأصل الثالث: ربَّ ويرُبّ على وزن مدَّ يمُدّ بمعنى أصلحه وتولى أمره وساسه وقام عليه ورعاه، [10] وذلك في قوله تعالى ﴿ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ ﴾ [11]. فالتربية إذنْ تعني لغويا هي التغذية والترعرع والزيادة والإصلاح والتقويم في إطار النماء الإنساني المتصل بترعرع القوى الإدراكية والقوى الانفعالية والحركية لإصلاح شخصية الإنسان وتقويم سلوكه في الحياة، وبعبارة أخرى: التربية تعنى لغويا تنشئة الشخصية وتنميتها حتى تكتمل وتتخذ سماتها المميزة لها. والتربية اصطلاحا: وتختلف الآراء في تحديد مفهوم التربية اصطلاحا باختلاف الظروف والحضارية وباختلاف الأماكن كما قد تختلف باختلاف نظرة المتخصصين، وقد وردت تعاريف كثيرة للتربية من قبل فلاسفة وعلماء الاجتماع والسياسيين والنفسانيين ولكن لا تخرج تعريفاتهم بأي حال من الأحوال عن المعنى اللغوي للكلمة، فهم قاموا بتعريف التربية وجهدوا في الكشف عن مضامينها العلمية والعرفية حتى أوجدوا لها عددا من التعريفات، ومن أهم هذه التعريفات التي عرفها العلماء من المتقدمين والمحدثين فهي فيما يلي: عرف من العلماء الغربيين القدماء الفيلسوف سقراط (470 ق م- 399 ق م تقريبا) التربية: هي "صياغة النفس الإنسانية وطبعها على الخير والشر"، وعرف أرسطاطاليس بأن التربية: "هو أن يستطيع الفرد عمل كل ما هو مفيد وضروري في الحرب والسلم، وأن يقوم بما هو نبيل وخير من الأعمال ليصل إلى حالة السعادة"، وقال أفلاطون (427 ق م- 347 ق م) التربية هي "إعطاء الجسم والروح كل ما يمكن من الجمال والكمال"، ويرى الفيلسوف الفرنسي جولز سيمون (1814م- 1896م) التربية هي "الطريقة التي يكون بها العقل عقلا حرا، ويكون القلب قلبا حرا".[12]. وقد عرف من العلماء القدماء ابن سينا (980م-1037م): التربية عادة، وأعنى بالعادة فعل الشيء الواحد مرارا كثيرا وزمانا طويلا في أوقات متقاربة، وقال الفيلسوف والمفكر الإسلامي الإمام أبو حامد الغزالي (450هـ 505ه): "التربية: يشبه فعل الفلاح الذي يقلع الشوك، ويخرج النباتات الأجنبية من بين الزرع، ليحسن نباته ويكمل ريعه".[13] وقال الراغب الأصفهاني (ت 1108م) في كتابه "المفردات في غريب القرآن" بأن التربية هي "إنشاء الشيء حالا فحالا إلى حد التمام"،[14] وذكر البيضاوي (ت 1268م) في كتابه الشهير أنوار التنزيل وأسرار التأويل "التربية هي... تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا" [15]. وقد استنبط أحد الباحثين[16] في العصر الحديث نظرا إلى الأصول اللغوية لكلمة التربية بأنها في الاصطلاح تتكون من عناصر أربعة: المحافظة على فطرة الناشئ ورعايتها؛ وتنمية مواهبه واستعداداته؛ وتوجيه هذه الفطرة وهذه المواهب نحو صلاحها وكمالها اللائق بها؛ والتدرج في هذه العملية. ومن العلماء المعاصرين الذين قاموا بتعريفات اصطلاحية للتربية فمنهم: جون ديوي الأمريكي يقول: "إنها عملية صوغ وتكوين لفعالية الأفراد ثم صب لها في قوالب معينة أي تحويلها إلى عمل اجتماعي مقبول لدى الجماعة"، ويعرف المربي الإنجليزي جون ميلتون: "إن التربية الكاملة هي التي تجعل الإنسان صالحا لأداء أي عمل - عاما كان أو خاصا- بدقة وأمانة ومهارة".[17]. وعرف اليونسكو في مؤتمرها ال 18 بباريس سنة 1974م بأن "التربية مجموع عملية الحياة الاجتماعية التي عن طريقها يتعلم الأفراد والجماعات داخل مجتمعاتهم الوطنية والدولية ولصالحها أن ينموا وبوعي منهم كافة قدراتهم الشخصية واتجاهاتهم واستعداداتهم ومعارفهم وهذه العملية لا تقتصر على أنشطة بعينها.."[18]. وتعريف الأستاذ عبدالرحمن النحلاوي وزملائه "التربية هي مجموعة التصرفات العملية والقولية التي يمارسها راشد بإرادته نحو صغير، بهدف مساعدته في اكتمال نموه وتفتح استعداداته اللازمة وتوجيه قدراته، ليتمكن من الاستقلال في ممارسة النشاطات وتحقيق الغايات التي يعد لها بعد البلوغ، في ضوء توجيهات القرآن والسنة".[19]. ويحسن لنا أن نعرف تربية الطفل بحيث يكون أكثر دقة وتحديدا في أوجز عبارة وهي مما عرفه الشيخ محمد نور سويد حيث أنه قال: التربية هي "عملية بناء الطفل شيئا فشيئا إلى حد التمام والكمال".[20]. مفهوم التربية الإسلامية: مصطلح "التربية الإسلامية" لم يكن مستعملا لدى المسلمين في العصر القديم، وذلك لأن المجتمعات الإسلامية القديمة لم تكن تعرف من الأنظمة التربوية سوى التربية في ظلال القرآن الكريم والسنة النبوية، ولذا كانت جميع كتابات العلماء المسلمين المتعلقة بالتربية والتعليم أو التأديب والتهذيب تعتمد على نصوص القرآن والسنة وما يستنبط منهما. ففي العصر الحديث قام بعض الباحثين المحدثين من رجال الفكر الإسلامي ومن المهتمين بقضية التربية والتعليم في العالم الإسلامي واستعلموا مصطلح "التربية الإسلامية" في دراساتهم وعرفوها بتعريفات، ومن أهمها: قال صبحي طه رشيد إبراهيم: "التربية الإسلامية هي تنمية جميع جوانب الشخصية الإسلامية الفكرية والعاطفية والجسدية والاجتماعية، وتنظيم سلوكها على أساس من مبادئ الإسلام وتعالميه بغرض أهداف الإسلام في شتى مجالات الحياة".[21]. وقال محمد خير فاطمة: "التربية الإسلامية ذات طابع شمولي تكاملي لجميع جوانب الشخصية الروحية والعقلية والوجدانية والأخلاقية والجسمية والاجتماعية والإنسانية، وفق معيار الاعتدال والاتزان، فلا إفراط في جانب دون غيره ولا تفريط في جانب لحساب آخر".[22]. وقد قال الأستاذ الدكتور زعلول راغب النجار:[23] تعريف التربية الإسلامية بأنها النظام التربوي القائم على الإسلام بمعناه الشامل: إن الدين عند الله الإسلام....[24]. فبناءً على ما سبق يمكننا أن نعرف التربية الإسلامية بعبارة موجزة بأنها عملية بناء الإنسان وتوجيهه لإعداد شخصية وفق منهج الإسلام وأهدافه في الحياة. حاجة التربية الإسلامية لدى الطفل: إن التربية الإسلامية نظام تربوي متكامل، يقوم كل جانب فيه على تعاليم الإسلام ومفاهيمه ومبادئه ومقاصده، ولذا فهي تختلف عن جميع الأنظمة التربوية من حيث مصادرها وأهدافها، وبعض أسسها ومبادئها ومؤسساتها وأساليبها وخصائصها، وهي التي بدأت بتربية رسول الله عليه الصلاة والسلام صحابته الكرام وإعدادهم، وتنشئتهم ورعاية نموهم، وتفتيح استعداداتهم، وتوجيه قدراتهم وتنظيم طاقاتهم حتى أصبحوا خير الأجيال عبر التاريخ الإنساني. وبعبارة الأخرى أن التربية الإسلامية هي العملية التربوية التي سار عليها المسلمون بعد نبيهم عليه الصلاة والسلام في تنشئة أجيالهم وإعدادهم حتى أصبحوا بها رجال الإسلام والإيمان والفكر والعلم، والتهذيب والخلق، وسادة العالم وخير أمة عرفتها البشرية. ويقال أيضا: التربية الإسلامية هي النظام التربوي الذي فرض الله على المسلمين أن يربوا أولادهم، ويوجهوا أهاليهم، ويرعوهم في ضوئه دون غيره من الأنظمة التربوية الكافرة الملحدة، أو العلمانية اللادينية، أو الدينية المنحرفة، وهي النظام التربوي الذي افترضه الله على القائمين على شؤون التربية والتعليم ومؤسساته المباشرة وغير المباشرة- أن يعملوا على تحقيق أهدافه من خلال تلك المؤسسات وأنظمتها وممارستها. وإننا بحاجة إلى التربية الإسلامية للطفل لأنها من أرقى المناهج التربوية دون منازع نظرا لشموليته وواقعيته من جانب، وملامسته للقواعد القيمة والعقائدية والنفسية من جانب آخر.[25]. وإننا بحاجة إلى تربية الطفل الإسلامية لأن الطفولة من أهم مراحل النمو النفسي للشخص فهي الحجر الأساسي لتكوين شخصية الطفل فإذا تم بناءه بصورة صحيحة وسليمة نتج عنها شخص مثالي.[26]. وإننا بحاجة إلى التربية الإسلامية لأن لها أهدافا سامية في بناء جيل مستقل وأقوى، ومن أهدافها الرئيسية ثلاثة وهي:[27] الأول: بناء الإنسان المسلم ذي الشخصية المتكاملة؛ وذلك بتحقيق النمو الجسمي والعقلي والروحي والأخلاقي والاجتماعي. الثاني: التنمية العلمية؛ وذلك باكتشاف المواهب والقدرات وتنميتها وتعليمه العلوم المناسبة له، لا سيما العلوم الشرعية وما يميل إليه من العلوم الأخرى المفيدة للأمة. الثالث: إخراج الأمة المسلمة؛ المتناصرة، المتناصحة، المجاهدة، الحاملة رسالة الإسلام إلى العالم. آراء العلماء عن التربية الإسلامية لدى الطفل: وهناك توجد أراء العلماء عن التربية الإسلامية وحاجتها لدى الطفل، ومن العلماء القدماء الذين قاموا بآرائهم عن التربية وبينوا ضرورتها وحاجتها لدى الطفل فمن أبرزهم كما يلي: (1) الإمام الغزالي: الإمام أبو حامد الغزالي [أ] هو أوفى من كتب في هذا الموضوع، وآراءه انتشارا من غيره، وقد نادى بتكوين العادات الحسنة في الطفل منذ الصغير، بأن نعوده التبكير في النوم والتبكير في الاستيقاظ وتشجيعه على المشي والحركة الرياضية والبدنية.[28]. وللإمام الغزالي رسالة تربوية من بضع صفحات بعنوان "أيها الولد" أو "أيها الولد المحب"، يحمل عنوانها مضامين العلاقة التي يجب أن تربط بين المربي الحكيم وتلميذه، وهي عبارة عن نصائح تربوية يوجهها الغزالي إلى تلميذه ردا على سؤال.[29] وفي هذا الكتاب عرض الإمام الغزالي آراءه في عشرين نقطة عن التربية الإسلامية للطفل، مما عرفت "بمنهج الإمام الغزالي في التربية الإسلامية" ومن أهم هذه النقاط: معاونة الطفل على إرساء قواعد الأخلاق الحميدة في نفسه، وتنمية الصفات الحسنة كالصدق والإخلاص وإرضاء الله في السر والعلن والتواضع والرحمة، والآداب العامة كالاعتدال بالكلام، والجواب على قدر السؤال، ومراعاة آداب الطعام واللباس، وتجاهل أخطاء الطفل في أول مرة ومعاقبته سرا في المرة الثانية، والحفاظ على كرامة الطفل ومشاعره، وتنمية إدراكه الحسي والعاطفي والعقلي، وتقبيح محبة المال في نفسه.[30]. (2) ابن سينا: ولا يعتبر الغزالي رائد التربويين الأوائل رغم الشهرة الكبيرة التي استحقها بجدارة، فقبل الغزالي سطع نجم عدد من أبناء الأمة، وإن لم يبلغوا ما بلغه الغزالي في هذا المضمار، ومن هؤلاء الذين أثروا التراث الإسلامي التربوي العلامة ابن سينا [ب] الذي اعتبر "أن تربية الطفل وتعويده الخصال الحميدة هي أول خطوة في بناء الإنسان السوي وذلك استباقا لترسيخ العادات القبيحة الدخيلة، التي يصعب التخلص منها إذا اعتادها وتمكنت من نفسه، وهو يرى أنه إذا اضطر المربي إلى العقوبة وجب أن يحتاط كل الحيطة، ويتخذ الحكمة في تحديدها، وقد نصح ألا يعامل المعاقب بالشدة والعنف في البدء بل باللين واللطف ويستعمل معه الترغيب أحيانا، والقوة لا تستخدم إلا في آخر الأمر وبعد أن تستعصي جميع الوسائل، منها التخويف والتوبيخ والتأنيب، ولكنه يلاحظ أيضا أن النصح والتشجيع والمدح ربما كان أجدى أثرا بالإصلاح والبناء.. ومعنى هذا أنه يجب أن يعامل كل طفل على حدة، ويعالج كل داء بما يصلح من الدواء".[31]. وقد دعا ابن سينا إلى العناية بتربية الطفل وتأديبه منذ الطفولة المبكرة وعلل ذلك في كتاب السياسة بأن هذه الأساليب تكسب الطفل الأخلاق والعادات الحسنة، ورأى أنه إذا أهمل تأديب الطفل في هذه السن المبكرة، فقد تتمكن فيه الأخلاق الذميمة والعادات السيئة، ويصبح من الصعب الإقلاع عنها. وينادي ابن سينا بتعليم الطفل عندما يتهيأ ما يمكنه للتعليم، بداية بالقرآن الكريم، ومبادئ الدين والهجاء والكتابة والشعر.[32]. (3) ابن القيم الجوزية: أما الإمام الفقيه ابن القيم[ج] فقد اعتنى بتربية الأطفال اعتناءً خاصا، وخص الطفل بكتابه أسماه "تحفة المودود بأحكام المولود" حوى كثيرا من اللمحات التربوية التي تتسق في مضمونها مع مسار التربية البنائية في الإسلام، ولتوضيح آرائه التربوية عقد -رحمه الله - في كتابه أبوابا وفصولا عديدة تتناول مختلف جوانب حياة الطفل. فهو يرى أنه: "مما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج، الاعتناء بأمر خلقه، فإنه ينشأ على عوده المربي في صغره من حرد وغضب، ولجاج وعجلة وخفة مع هواه، وطيش وحدة وجشع، فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخة له، فلو تحرز منها غاية التحرز، فضحته ولا بد يوما ما، ولهذا تجد أكثر الناس منحرفة أخلاقهم، وذلك من قبل التربية التي ينشأ عليها، وكذلك يجب أن يجتنب الصبي إذا عقل مجالس اللهو والباطل والغناء وسماع الفحش والبدع ومنطق السوء، فإنه إذا علق بسمعه عسر عليه مفارقته في الكبر، وعز على وليه استفاده منه، فتغيير العوائد من أصعب الأمور، يحتاج صاحبه إلى استجداء طبيعة ثانية، والخروج عن حكم الطبيعة عسر جدا".[33]. (4) ابن خلدون: ولم يكن الاهتمام بالأطفال المسلمين وتربيتهم وتنشئتهم النشأة السليمة حكرا على منطقة إسلامية معينة دون غيرها... ففي المغرب العربي، وتحديدا في تونس أشرقت شمس العلامة ابن خلدون [د] الذي اهتم بالطفل المسلم، فشغلت آراءه في التربية حيزا واسعا من كتابه المعروف باسم "المقدمة"، وتناول ابن خلدون في "المقدمة" جملة من القضايا المتعلقة بالأطفال، ودعا إلى التعليم بالتدرج شيئا فشيئا وقليلا قليلا،[34] وفي هذا التعامل مع الطفولة إدراك للنفس البشرية وقدراتها على الفهم والاستيعاب والتحصيل، ويسميه ابن خلدون "التعليم المفيد" ولا يكتفي بذلك بل يقدم خطوات عملية تدريبية من مبدأ العالم المجرب، حتى ترسخ أفكاره ويعمل بتفاصيلها.[35]. ويرى ابن خلدون "أن معاملة الأطفال يجب أن تكون بالرأفة والرحمة، ورفض معاملتهم بالشدة والقسوة تحت القناع الكاذب، قناع الحزم، والاستعاضة بهذه الغلظة عن وجوب تفهم المتعلمين وتوجيههم وتقويم أخطائهم، فحذر من أن سوء معاملة المتعلمين يقود حتما إلى ألوان كثيرة من الانحرافات النفسية والسلوكية التي تنجم عن التعسف في معاملة الأطفال".[36] ذلك أن "من كان مرباه بالعسف والقهر... سطا به القهر وضيق على النفس في انبساطها وذهب بنشاطها ودعا إلى الكسل، وحمل على الكذب والخبث، وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعمله المكر والخديعة لذلك، وصارت له خلقا، وفسدت معاني الإنسانية التي من أجلها الاجتماع والتمدن، وهي الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله، وصار عيالا على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل، انقبضت عن غايتها ومدى انسانيتها فارتكس وعاد في أسفل السافلين... فينبغي للمعلم في متعلمه، والوالد في ولده، أن لا يستبدوا عليهم في التأديب".[37]. (5) ابن الجزار القيرواني: أما ابن الجزار القيرواني [هـ] فقد اعتنى هو أيضا بتربية الأطفال، ودعا إلى وقايتهم من الأخطار النفسية والجسدية حتى قبل ولادتهم ورعايتهم جسديا وسلوكيا وأخلاقيا وتربويا، حتى ينشؤوا في سلامة تامة. وقد أفرد القيرواني كتابا كاملا عن رعاية الأطفال، أسماه: "سياسة الصبيان وتدبيرهم" تناول فيه جملة من المسائل التربوية المهمة، ولفت إلى مسائل تنم عن فهم للطبيعة الإنسانية ومنها ما نبه إليه عن وجود طبيعتين لدى الأطفال، الأولى مذمومة، والأخرى محمودة، فقال - رحمه الله -: إنما أوتي صاحب المذموم من قبل إهمال الصبيان، وتركه ما يعتاد عليه مما تميل إليه طبيعته، فيما هي مذمومة، أو يعتاد أشياء مذمومة أيضا، لعلها ليست في غريزته، فإن أراد المربيون تقويمه وتربيته بعد غلبة تلك الأشياء عسر انقاله ولم يستطيع أن يفارق ما اعتاده في الصبا".[38]. ويحذر القيرواني من فساد طبيعة الطفل المحمودة، وبذلك فهو يرى أن الإفساد ممكن بالإهمال، وإن العلاج صعب تداركه ولو كانت المحاولة جادة، وبهذا يكون شعاره "الوقاية خير من العلاج". (6) ابن مسكوبة: ووضع ابن مسكوبة [و] آراءه عن التربية الإسلامية في كتابه "تهذيب الأخلاق وتطهير الأخلاق" فصلا تحت عنوان: تأديب الأحداث والصبيان خاصة، رسم فيه الملامح الأساسية للتربية رآها، وأسماها: "دستور تهذيب الصبيان"[39]. ويلاحظ ابن مسكوبة: "أن أول ما ينبغي أن يتفرس في الصبي ويستدل به على عقله الحياء، فإنه يدل على أنه قد أحس بالقبيح، ومن إحساسه به هو يحذره ويتجنبه ويخاف أن يظهر منه أو فيه، فإذا نظرت إلى الصبي فوجدته مستحييًا مطرقًا بطرفه إلى الأرض، غير وقاح الوجه ولا محدق إليك، فهو أول دليل نجابته، والشاهد لك على أن نسفه قد أحست بالجميل والقبيح وأن حياءه هو انحصار نفسه خوفا من قبيح يظهر منه، وهذا ليس بشيء أكثر من إيثار الجميل والهرب من القبيح بالتمييز والعقل. وهذه النفس مستعدة للتأديب، صالحة للعناية، لا يجب أن تهمل ولا تترك، ومحافظة الأضداد الذين يفسدون بالمقارنة والمداخلة، وإن كانت بهذه الحال من الاستعداد لقبول الفضيلة، فإن نفس الصبي ساذجة لم تنفش بعد بصورة أولا لها رأي وعزيمة، تميلها من شيء إلى شيء، فإذا نقشت بصورة وقبلتها نشأ عليها واعتادها".[40] مجالات التربية الإسلامية للطفل: تربية الطفل إما أن تكون لحفظ دينه، وذلك بتربيته على العقيدة السليمة، والإيمان الراسخ، والعبادة الخالصة، والأخلاق الفاضلة، وإما أن تكون لحفظ جسده وعقله، وذلك عن طريق تربيته على العادات الصحية السليمة، والتغذية المفيدة، والعادات الاجتماعية الحسنة، والتفكير العلمي السليم، والفهم الصحيح للعواطف والأحاسيس والمشاعر النفسية البشرية. وباستقراء نصوص الشرع وما كتبه السابقون واللاحقون في مجال التربية من علماء المسلمين يتضح به عندنا بأن في الإسلام مجالات لتربية الطفل، وهي: (1) التربية الإيمانية: المقصود بالتربية الإيمانية ربط الطفل منذ تعقله بأصول الإيمان، وتعويده منذ تفهمه أركان الإسلام، وتعليمه من حين تمييزه مبادئ الشريعة الغراء،[41] ويشمل مجال التربية الإيمانية في ذاته نوعين من التربية: التربية العقدية والتربية العبادية. (ألف) التربية العقدية: التربية العقدية هي كل ما ثبت عن طريق الخبر الصادق من الحقائق الإيمانية والأمور الغيبة كالإيمان بالله، وملائكته وكتبه ورسله وعذاب القبر والبعث والحساب والجنة والنار... وسائر المغيبات،[42] فعلى المربيين أن يعلموا الطفل العقيدة السليمة ويغرسوا فيه الأصول الصحيحة للعقيدة بالتدرج ليقاوم أثر الشيطان فيه وذلك خلال اتباع الطرق الآتية: • إحياء بذرة الفطرة[ز] في نفس الطفل؛ والتي تتمثل منذ ولادته بتلقين الطفل كلمة التوحيد بالآذان، ثم بترديده أركان الإسلام تدرجا في كل مناسبة حتى تترسخ هذه الأركان في ذهنه ولسانه وقلبه، وذلك امتثالا بأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم: "افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله"،[43] و"مروا أولادكم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، فذلك وقاية لهم ولكم من النار".[44]. • وتثبيت اعتقاده بالله الواحد الأحد، وترسيخ حب الله تعالى؛ ودليل ذلك قول أبي أمية: "كان رسول الله يعلم الغلام من بني هاشم إذا أفصح سبع مرات: "وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا".[45]. ويتمثل هذا باتباع الطرق الآتية: (أ) تنزيه سبحانه وتعالى وطاعته ومراقبة الله سبحانه في السر والعلن. (ب) وحسن الظن بالله واللجوء إليه والخوف منه. (ج) والصلة بالله وبيان أثرها في الطاقات الإنسانية. (د) وشكر الله اعترافا بالجميل؛ (ه) والدعاء لله وبيان بركته وفضله. • وترسيخ حب النبي صلى الله عليه وسلم وحب آل بيته؛ ودليل ذلك ما أخرجه الطبراني عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم وحب آل بيته وقراءة القرآن"[46] ويتحقق هذا في الطفل باتباع النقاط الآتية: (أ) الاستجابة القوية لأوامر الرسول صلى الله وعليه وسلم وتنفيذها، واجتناب نواهيه. (ب) والتآسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله باتخاذه القدوة الحسنة. • وتربية الطفل على وجود الملائكة وتوضيح صفاتهم وما يفعلون عنه؛ وتعليمه بأن لهم وظيفة مثل وظيفة الناس، فمنهم ملك يكتب الحسنات وآخر للسيئات، وآخر للموت، وآخر للمطر... وغيره.[47]. • وغرس الإيمان في الطفل بجميع الكتب السماوية المنزلة على رسله الكرام؛ ليبلغوا بها دينه وشرعه إلى عباده، وذلك حتى يكتمل إيمان الطفل وتصح عقيدته.[48]. • وغرس التصديق الجازم في نفوس الأطفال بالرسل عليهم السلام؛ بأن الله سبحانه وتعالى أرسل الرسل مبشرين بالجنة لمن يطيع أوامر الله ومنذرين بالنار لمن يعصي الله، قال الله تعالى ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾.[49]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |