|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الاتجار في البشر من قضايا العصر .. ورؤية الإسلام العلاجية في ضوء القرآن والسنة أحمد فتحي النجار الاتجار في البشر من قضايا العصر.. رؤية الإسلام العلاجية في ضوء هدي آيات القرآن الكريم والسنة المطهرة لمحة تاريخية عن المشكلة قبل الإسلام: لقد عاشت الإنسانية قبل بعث النبي محمد - صلي الله عليه وسلم - أزمنة مظلمة فكان الطغيان والفساد[1] منتشراً في الأرض والغلو والبطش حال السادة والوجهاء والأكابر إلا من رحم الله منهم، وكانت القبيلة تبعاً لرأي سيدها في الحرب قبل السلم حتى أن بعضهم كان إذا غضب غضبت له آلاف السيوف لا تسأله فيما غضب [2]، وكان الضعفاء من النساء والأطفال والشيوخ يسقطون ضحايا لتفترسهم آلة الجبروت والطغيان التي لم تتوقف طوال تلك الأزمنة الجاهلية، وكان حال النساء باعتبارهم جزء عظيم من التقسيمة الإنسانية على ظهر الأرض عموماً، وكما أخبر القرآن في ذلك في آيات عديدة بمنتهي السوء واللآدمية، ومن أقبح قبائح المشركين وإفكهم في الجاهلية في هذا الشأن أنهم كانوا يختارون لأنفسهم الذكور، ويأنفون لأنفسهم من البنات التي نسبوها إلى الله فقال الله تعالى عنهم ((ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون. وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم. يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون. للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل العلى وهو العزيز الحكيم))[3]. تبارك الله وتعالى عما يقولون علواً عظيماً. إذا بشر أحدهم ببنت ظل كئيباً من الهمّ، كظيم، ساكت من شدة ما فيه من حزن، كاره أن يراه الناس من سوء ما بشر به. إن أبقاها أبقاها مهينة يقدم أبناءه الذكور عليها، فلا يعتني بها، ولا يورّثها لأنها لا تقاتل ولا تدافع عن العشيرة، فكانت الحروب المتلاحقة، والقتال المتواصل هي أكبر همومهم، وكان وأد البنات منتشرا في بعض القبائل العربية وذلك بدفنها حية مخافة العار الذي ستجلبه لا محالة عما قريب كونها أنثى ضعيفة لا أكثر، أو الفقر الشديد الذي سيحل عليهم جراء ذلك. ولقد وصلت مكانة المراة في الجاهلية من السوء أن اعتبروها تباع وتشترى[4] وتورث كما تورث الماشية والمال فليس لها في هذه الدنيا حق ولا رأي ولا كلمة للدرجة التي قد يكون أمر بيعها في سوق النخاسة كأمة أهون عليها من البقاء في بيت أهلها وفي رعايتهم. أما عن الحروب التي أحطت من قيمة وكرامة المرأة للدرجة التي كانت تدفن فيه حية، كانت تنتهي لسبب واحد وهو هزيمة أحد أطرافها للدرجة التي كان يُصعد فيها القتال حتى درجة الإبادة الكاملة للخصم، رغم مابين القبائل من أواصر القرابة والمصاهرة[5]. وكانت تقاس الهزيمة بمقياس واحد وهو مدى دمويتها وعدد ما خلفته من قتلى، وأسرى أحراراً كانوا أو من العبيد الذين يساقون إلى هذه الحروب سوقاً، والأسرى في كل الأحوال يصل بهم المطاف إلى أن يكونوا سلعة تباع في الأسواق حبذا عندما يكونون أحراراً ليتجرعوا كؤوس الذل والمهانة، وكانت أسواق الرقيق عامرة دائماً ببضائعها الآدمية، والنخاسين والسماسرة يروجون لبضائعهم بمهارة فائقة فيُعرّون الأجساد، ويكشفون العورات دون تورع، ودون أن يكون لمن سقطوا في براثن هذه الهاوية مجرد الأمل في الخلاص من ذل العبودية والرق، فكان الموت ينتظر دائماً من يفكر في ذلك، والسيوف الباترة تلتهم رقاب من يغضب عليهم السادة والوجهاء والأولياء، والعذاب الأليم يصب فوق رأس من يقع في أتفه الأخطاء، حتى دخل الإسلام فهذب النفوس، وروض العقول، وحد الحدود، وأحق الحقوق وجعل للإنسان قيمة وشأن حتى ولو كان يعاني ذل العبودية والرق، فقدم له الحقيقة الفطرية التي كان يجهلها الإنسان بأنه رغم ضعفه، وزلاته، وكبواته، وتجبره أو أحياناً أو تجبر الآخرين عليه، فإنه سيظل خليفة لله في الأرض - مادامت الحياة، موكول إليه أمر إصلاحها وعمارتها، وأن الله لا يرضى الظلم ولا الجور، وأنه سيتقبله في عباده الصالحين عندما يحق الحقوق ويرفع المظالم، وقدم له دستوراً سماوياً لا يعتريه الخلل، ولا يفوته أمر من أمور الدنيا إلا وقد شمله بنصوصه وآياته، وليعمل من خلال نصوصه التي لم تنطق عن هوي. وعندما أنصتت العقول والقلوب كان الأمر العظيم الذي جعل البداوة المنغلقة تتفتح وتتقبل، والإنسانية البلهاء تدرك معنىً آخر لرسالة جديدة مجالها الخير الكبير جداً للإنسانية، والقبائل الباطشة المتناحرة تصبح جبهة متحدة في وعيها للحياة وللتاريخ الذي رأت بدايته في انطلاقة هذه الرسالة وهذا الدين الجديد، لم تكن من قبل خارج التاريخ الذي صاغته بلا إنسانية في أغلب أحيان ذاك الزمان، ولكنها باتت محوراً فيه، وتهيأت للإمساك بزمامه في شتى المناحي، حين أخذ بها الإسلام في رؤيته الشمولية إلى تعميق تجربتها وتوسيع مداها الكوني لا سيما بعد انتشار الفتوحات التي غيرت صورة العالم خلال سنوات قليلة من الزمن[6]. الأشكال والصور التي تمارس ضد الضحايا اليوم حسب التقارير الدولية: تتنوع الأشكال والصور التي تمارس ضد البشر باعتبارهم ضحايا هذه التجارة في الوقت المعاصر، وتصل إلى درجة الحدة التي تمارس فيها أقسى وأقصي أنواع الدموية والعنف الموجه، وفي هذا النوع يُقتاد الأفراد دون تفرقة بين جنس أو سن ليدخلوا المجازر الغير رحيمة التي تُمزق فيها الأجساد إلى أجزاء وأعضاء تباع، أو توضع تحت إمرة من هو في حاجة لاستبدال عضو من أعضائه أو جزء من أجزائه من أثرياء العالم المتجبر الذي ارتضي لأقرانه من بني الإنسان أن يكونوا بضاعة رخيصة تباع وتشتري بأبخس الأثمان وهذا النوع الدموي يعرف اصطلاحاً ب((تجارة ونقل الأعضاء البشرية)). أما عن الأشكال الأكثر إنتشاراً والأقل دموية وعنفاً رغم أننا لا يمكن أن نشك أن الدم والعنف قد يكون أحد وسائل الإجبار والإتجار، لأن المُمارس ضدهم من الآدميين يعتبرون البضاعة الأرخص وقد لا تنجو هذه البضاعة الثمينة من الاعتداءات الدامية، فمازالت تنبض بالحياة وتتمتع بالمظهر الآدمي، ولهذا يمكن استغلالها في التجارة الجسدية والجنسية فتستغل الفتيات والنسوة والكثير من الأطفال في تجارة الجنس والدعارة، وسوق الإباحية التي تتعاظم وتتزايد على كافة الأصعدة الإقليمية والدولية بشكل مخجل يجعل ممن لا يسعي للمواجهة والعمل للقضاء عليها مذموماً، متورطاً، أما عن الصور التي ضخت في جيوب أولئك الأشرار الأموال التي تخطت 32 مليار دولار حسب تقارير منظمة العمل الدولية، فهي النتيجة المباشرة لأسباب كثيرة مما ذكرناها والتي جعلت من الإنسان سليباً مستعبداً مستغلاً لأنه تحت وطأة الحاجة الدميمة وعجلة الأيام التي لا تتوقف، فتمزق الأكباد جوعاً ومشقة، ليصير الإنسان هو أيضاً البضاعة والوقود الحي الذي يستمد به المتغطرسين من الأقران قوتهم وقدرتهم وتماديهم في البطش والعبث بالمقدرات الإنسانية شاملة، فتُشترى طاقاتهم ومجهوداتهم لعدد كبير من الساعات في منظومة العمل الإجباري والقسري دون مقابل لأسباب متنوعة، أو بمقابل بخس لا يسمن ولا يغني من جوع[7]. كيف قنن الإسلام قبل 1400 عام لمكافحة مشاكل الرقيق وتجارة البشر..؟ لقد ظلت أعظم معجزات الإسلام والمحرض الدائم على إجلاله وتعظيمه وتشريفه أسبقيته في معالجة القضايا والأحوال الإنسانية المتدهورة قبل الإسلام، والتطرق لظواهر كونية وعلمية تكتشف يوماً تلو اليوم، ومرونة وقابلية مناهجه وتشريعاته للتطبيق بصورة تطفو فوق المكان والزمان، لتُخبر كل من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد بأن ما بعث به محمداً إنما هو الرسالة التامة والميثاق الأعظم الذي يرجو خير وصلاح الدنيا والبشر، والمشروع العالمي المتكامل القادر على قيادة الأرض إلى أن تقوم الساعة. ولقد انفرد الإسلام ببسط شرائعه وقوانينه بسماحة ولين عبر مراحل متتالية متزنة من المنع والتحريم وتجريم كل الشرور والآثام، وكل ما من شأنه أن يطال الإنسان أو يحط من قيمته وقدره، ولقد أثبت الإسلام انفراده بتحريم وتجريم أشكال وظواهر الاتجار في البشر بصوره التي حددتها بعض المؤتمرات والمؤسسات الدولية المهتمة بمكافحة هذه الظواهر بطريقة علمية منهجية متكاملة ودقيقة، وكذلك العمل على مداواة ومعالجة الضحايا، كما سنعرض في الأسطر القادمة أسبقية القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بسن تشريعات دقيقة وعملية على مواجهة هذه الظواهر البغيضة التي كان يتعرض لها الإنسان قديماً ويتعرض لها اليوم، ليس فقط بالصورة التي حددتها التقارير المتنوعة التي تصدرها منظمة العمل الدولية وبعض الجهات الحقوقية والإنسانية التي مازالت تحاول وضع الأسس المناسبة للسيطرة على الظاهرة في الوقت المعاصر، ولكن رؤية الإسلام تبدو أكثر دقة وشمولية ومعرفة، ليكون الإسلام بذلك من وجهة نظري هو النموذج والمثال والقدوة الحسنة في الأخلاق والإنسانيات، والذي يجب أن يَقتدي به بني البشر من المسلمين وغيرهم في كل أمور الدنيا، ولتبقي محاولات السيطرة على الظاهرة ومواجهتها القائمة عبر اللقاءات والمؤتمرات والندوات الحقوقية والإنسانية والمجتمعاتية أو حتى القوانين التي سنتها و أقرتها المنظمات العالمية وتسعي للتصديق عليها أقل بكثير مما جاءت به رسالة الإسلام الحاسمة الحازمة، عبر حزمة من التشريعات القرآنية والأحاديث النبوية الطاهرة، فكانت على النحو كما سنعرض لا أدعي كمالاً وإنما عجزاً وتقصيراً وعرضاً بسيطاً موجزاًً لعلنا نستطيع ان نبرهن على أن المحاولات والمؤتمرات والمعاهدات والقوانين التي يُنادي لها في شتي بقاع العالم لم تسبق الإسلام في الهدف والغاية بل وفي المنحي الذي اتبعه عملياً لمواجهة هذه القضية الإنسانية الخطيرة وجاءت كالتالي: أولاً: شمولية التكريم والتكليف: لقد بَعث الله النبي محمداً - صلي الله عليه وسلم - برسالة الإسلام لتكون للعالمين دستوراً نورانياً أخلاقياً يضمن للبشر حق تكريمهم في أي مكان وفي كل زمان دون تمييز ولا تفرقة فقال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ﴾ [8] وقال ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [9] فكان التكريم عاماً شاملاً دون تمييز بين كبير أو صغير أوفقير وغني ولا بين ذكر أو أنثى أو حر كان أو مستعبد، وقال - صلي الله عليه وسلم - ((لافرق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوي والعمل الصالح)) [10]. ولقد هبطت رسالة التكليف بالعبادة لله الواحد الأحد على النبي الكريم - صلي الله عليه وسلم - جامعة فلم تقول أن هناك تفرقة بين طبقة وأخرى أو بين كبير وصغير أو بين حر وعبد أو رجل وامرأة فالكل متساوي في الحقوق وعليه من الواجبات ما يطيق فلم يكلف الله نفساً إلا وسعها ولم يصنف الإسلام البشر حسب تقسيمات عرقية، فظل الإنسان في الإسلام إنساناً وسيظل، وكان عموماً هو محط وبُغية ما بعث به النبي الكريم ولُب ما تنزل عليه، وبالتكليف الشامل بدأ الضعفاء والفقراء والنساء والمهمشون يعلمون أنهم سيصير لهم في هذا الدين شأن فلا يعوقهم ضعفهم وفقرهم ولا جنسهم ولونهم، ولا حريتهم أو استعبادهم، فالجميع مكلف، والجميع خلق لغاية واحدة ألا وهي عبادة الله في أرضه وعمارتها بإقامة الحق والعدل اللذين يُستمدا من روح الله العلية. ثانياً: رحمة النبي ورفقه وضربه المثال في نصرة الضعفاء والمساكين: لقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام رحيماً طيباً رؤفاً فقال عنه الله سبحانه وتعالى ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [11]. ولقد ظل النبي - صلي الله عليه وسلم - الإنسان غايته والحق وجهته مؤيداً من الله بالرحمة واللين، فأنشأ من الضعفاء والمساكين أكبر قوة أخلاقية وجدت على ظهر الأرض، فكان صلى الله عليه وسلم يدعو في مكة إلى الإسلام، وكان أكثر من استجاب له ضَعفة ومساكين مكة، حيث كانوا هم أكثر الناس تبعاً له، والسبب كان لين جانبه والرفق بهم والصبر على تعليمهم بعكس ما كان عليه الحال والمعاناة التي كانوا يعانونها في الجاهلية، حتى وقر الإيمان في قلوبهم فهم أتباع الأنبياء [12] واللين هنا عكس العنف والشدة والبطش والقهر الذي كانوا يعانون منه معاناة عظيمة قبل أن تهبط رسالة الأخلاق والإنسانية. كيف واجه الإسلام ظاهرة الرق والعبودية..؟ وعندما انطلقت الدعوة إلى الله وأسلم الكثيرون ممن لا يملكون زمام أمورهم في شبه الجزيرة العربية مهد الرسالة كانت العبودية والرق شكلاً من أشكال معاناة الإنسان وكان الاضطهاد والقتل والتعذيب الشديد هي الصور التي قوبل بها من دخل الإسلام وهو مسترق مستعبد، فكان صبرهم رضوان الله عليهم على عذاب الدنيا خير من الصبر على عذابات الآخرة، ولقد آلمت معاناة هذه الفئة الضعيفة من المسلمين خصوصاً وغيرهم عموماً الرسول الكريم - صلي الله عليه وسلم - وصحابته الأخيار فقال ((أيما رجل أعتق امرءا مسلماً استنقذ الله منه بكل عضو منه عضو في النار)) [13]، ومن هنا دعي الرسول الكريم وحض الأثرياء والمقتدرين من الملسمين في مرحلة أولية من مراحل القضاء على العبودية والرق التي توالت تدريجياً،فأمر النبي - صلي الله عليه وسلم - صحابته الأخيار بشراء المستعبدين من الرجال والنساء والأطفال الملسمين وإعتاقهم لوجه الله الكريم وفي سبيله، وضرب أبو بكر الصديق رضوان الله عليه خير مثال فيما أمر به النبي - صلي الله عليه وسلم - فقام بشراء عدد كبير من هؤلاء العبيد الذين سيّدهم الإسلام وتوّجهم بتاج الكرامة الإنسانية [14]، كما أن النبي كان قد أعلى من شأن الكثيرين ممن كانوا مستعبدين فها هو بلال بن رباح يصدح بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بصوته العذب الشجي مؤذناً للصلوات المتعاقبات، ويحسُن إسلامه ويقوي إيمانه فيسمع النبي - صلي الله عليه وسلم - حفيف نعليه في الجنة، وتتوالى مراحل القضاء على الرق وتجارة البشر، فيحرم الله سبحانه وتعالى تحويل الدين إلى استرقاق غير القادر على سداده بقوله: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ﴾ [15] ويحرم استرقاق الحر في حديثه القدسي حدثني بشر بن مرحوم حدثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه وسلم قال قال رسول الله الله - صلي الله عليه وسلم - قال الله (( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطي بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل إستأجر أجيراً فأستوفي من ولم يعطه أجره ))[16] وهذا يؤكد أن بكل قوته وقدرته وجبروته سيكون خصماً لمثل هؤلاء المجرمين من الناس،ثم جعل الله في مراحل تالية إعتاق العبيد والرقيق من الكفارات ككفارة القتل الخطأ وكفارة الأيمان فقال تعالى ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾ [17] وقال تعالى ﴿ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ﴾ [18]. ودعي الله لمنع الكفار من تملك الرقيق خاصة من المسلمين لقوله تعالى ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [19] فأُغلق بالإسلام وبهذه الآية أبواب الرق من بيع وشراء وهبة وإرث إلخ.. وحث الرسول الكريم - صلي الله عليه وسلم - إلى وجوب تحرير الأقرباء وذوي الأرحام، والدليل على ذلك عن ابن عمر مرفوعا ًعند النسائي والترمذي وابن ماجه والحاكم قال: قال - صلي الله عليه وسلم - ((من ملك ذا رحم محرم فهو حر)) [20] وأعطي الإسلام في مراحل متقدمة للعبيد حقوق تحرير أنفسهم بالشراء فكان للعبد أن يدفع لسيده كل ما يحدده من مال أو نصفه أو أقل أو حسب الاتفاق وما عرف بنظام المكاتبة[21] والتي من وقتها يصبح للعبد ذمة مالية منفصلة عن ذمة سيده.، وأعطي للإماء عندما يلدون أولاداً للسادة حريتهم من وقت والولادة ويُكّرمون لهذه الأمر أعظم تكريم فينسب أبنائهم لآبائهم ويرثون بعد موتهم كما أنه قد تحرم بالإسلام استرقاق من يولد لمستعبد فكان ولد العبد يولد حراً. ولقد قنن النبي الكريم للقصاص من قاتل العبد لقوله فيما روي عن الإمام أحمد: من حديث الحسن، عن سمرة رضي الله عنه، عنه - صلي الله عليه وسلم - (( من قتل عبدقتلناه )) فكان القتل تعزيراً إلى الإمام بحسب ما يراه من المصلحة[22] وعلى هذا النهج الكريم سار ركب الخلفاء الراشدين والصالحين والتابعين فها هو عمر بن الخطاب يستفسر متعجباً متألماً لما كان أقرانه من البشر يعانونه بقوله المأثور (( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً))[23] ليغلق ابن الخطاب بهذه المقولة الدروب على المتعجرفين من المتعالين ليهبطوا إلى مستوياتهم الإنسانية التي ساوى الله فيها بين البشر فلم يفرق بينهم سوى العمل الصالح والتقوى. وكان سيدنا عمر رضي الله عنه يقول: «بلال سيدنا وأعتقه سيدنا» وصار بلال سيداً في الإسلام شأنه شأن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي العصر المتقدم من عصور دولة الإسلام المتسعة عهد عمر بن عبدالعزيز خامس الخلفاء الراشدين والدولة الإسلامية المنبسطة من حدود الصين شرقاً حتى حدود فرنسا غرباً بأوجها الاقتصادي وإزدهارها الأخلاقي وجهت أموال الدولة الإسلامية للقضاء على هذه المشكلة. ((بعد أن أنفق عمر على الفقراء والمساكين، والعاجزين، والغارمين وأبناء السبيل وجَّه الأموال لفك رقاب المستعبدين، وقال عامل صدقات إفريقية: بعثني عمر بن عبدالعزيز على صدقات إفريقية فاقتضيتها، وطلبت فقراء نعطيها لهم فلم نجد بها فقيرًا.. فاشتريت بها رقابًا وولاؤهم للمسلمين))[24]. تحريم وتجريم الزنا والدعارة: ولقد حرم القرآن الكريم الدعارة والزنا باعتبارها من الجرائم المشينة التي تنال من شرف الإنسان وتحط من قيمته وكرامته، فتجعله يهوي إلى مرتبة غير إنسانية يتساوى بها مع الأنعام، بل تكون الأنعام أكثر شرفاً ورقياً فقال تعالى ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [25]. وقال في تحريم كل أنواع الفواحش خاصة تلك الفواحش الجسدية التي قد يمارسها الإنسان ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [26]. كما أن الزنا وهتك الأعراض قد اعتبرها النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات ومن الكبائر المهلكة، يقول صلى الله عليه وسلم: (( ألا إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ))[27] حفظ حقوق المرأة: يحتاج البحث في الحقوق التي منحها الإسلام للمرأة العودة للآلاف من الكتب والمراجع الإسلامية وغيرها، ولأن البحث في هذا المجال بمثابة الغوص في محيط عميق ليس له أول من آخر فإنه يكفينا شرفأ أن نشير مجرد الإشارة ببعض من مظاهر هذه الحقوق التي قننتها السماء في لوحها المحفوظ، والذي رفع الإسلام به من مكانة المرأة وأعلى من شأنها، وأكرمها بما لم يكرمها به دين سواه بسور كاملة تتلي آياتها إلى أن تقوم الساعة وهي سورة النساء؛ والنساء في الإسلام شقائق الرجال لقوله الكريم - صلي الله عليه وسلم - برواية الترمذي وأحمد وأبوداود، وخير الناس خيرهم لأهله لاسيما أهل بيته لقوله - صلي الله عليه وسلم - عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي))[28]. وللمسلمة في طفولتها لها حق الرضاع، والرعاية، وإحسان التربية، وهي في ذلك الوقت قرة العين، وثمرة الفؤاد لوالديها وإخوانها، وإذا كبرت فهي المعززة المكرمة التي يغار عليها وليها، ويحوطها برعايته، فلا يرضى أن تمتد إليها أيد بسوء، ولا ألسنة بأذى، ولا أعين بخيانة، وإذا تزوجت كان ذلك بكلمة الله، وميثاقه الغليظ؛ فتكون في بيت الزوج بأعز جوار، وأمنع ذمار، وواجب على زوجها إكرامها، والإحسان إليها، وكف الأذى عنها. وإذا كانت أماً كان برُّها مقروناً بحق الله- تعالى- وعقوقها والإساءة إليها مقروناً بالشرك بالله، والفساد في الأرض. فقال تعالى: ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [29] ولقوله أيضاً ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ﴾ [30]. وعن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله حرم عليكم: عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات، وكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)) متفق عليه ولقوله - صلي الله عليه وسلم - ((من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أنبئك بأكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين )) متفق عليه[31] فجعل العقوق مجرد العقوق قريناً مساوياً للشرك بالله في البغض ودرجة الجرم فما بالنا بالمظاهر والجرائم التي تعددها التقارير اللامتناهية اليوم. وإذا كانت أختاً فهي التي أُمر المسلم بصلتها، وإكرامها، والغيرة عليها. وإذا كانت خالة كانت بمنزلة الأم في البر والصلة. وإذا كانت جدة، أو كبيرة في السن زادت قيمتها لدى أولادها، وأحفادها، وجميع أقاربها؛ فلا يكاد يرد لها طلب، ولا يُسَفَّه لها رأي. وإذا كانت بعيدة عن الإنسان لا يدنيها قرابة أو جوار كان له حق الإسلام العام من كف الأذى، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾ [32] ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لايعنيه)). [33]رواه الترمذي وغيره. وغض البصر ونحو ذلك فقال تعالى ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾ [34]. وما زالت مجتمعات المسلمين ترعى هذه الحقوق حق الرعاية، مما جعل للمرأة قيمة واعتباراً ما لا يوجد لها عند المجتمعات غير المسلمة قديماً أو الآن. و للمرأة في الإسلام من الحقوق الدائمة الغير منقوصة حق التملك، والإجارة، والبيع، والشراء، وسائر العقود، ولها حق التعلم، والتعليم، بما لا يخالف دينها، بل إن من العلم ما هو فرض عين يأثم تاركه ذكراً أم أنثى. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |