|
|||||||
| ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
إلى من ابتلي بموت قريب أو حبيب سلطان بن سراي الشمري بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد: لا شك أن الدنيا دارُ ابتلاءٍ وامتحان، والمؤمن فيها يُمتحَن بالمصائب والأقدار المؤلمة، ومن أشد المصائب مصيبة الموت ومفارقة الأحبة، وفقْد القريب والحبيب في هذه الدنيا الفانية، وهي سنة ماضية وكأسٌ تُدار على كل مَن قام وسار، على الكبير والصغير، الذكر والأنثى، الشقي والسعيد، الصحيح والسقيم، ولو دامت لغيرنا لَما وصلت إلينا؛ قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185]. فلا يُستثنى أحدٌ، ولو كان كذلك لكان محمد صلى الله عليه وسلم باقيًا لم يَمُت وهو أشرف الخلق، وسيدُ ولد آدم عليه السلام، ولهذا خاطَب الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30]. ولو كانت الدنيا تدومُ لأهلِها ![]() لكان رسول الله حيًّا وباقيَا ![]() ![]() ![]() فالموت نهاية كلِّ حي، وهي الحقيقة التي تقف أمامها البشرية عاجزةً عن الهروب منها؛ كما قال تعالى: ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾ [النساء: 78]، فالكُلُّ يموت ويَفنى، وكُلُّ مَنْ عليها فانٍ، ولا يبقى إلَّا الحيُّ القيوم، العزيز القهَّار؛ قال تعالى: ﴿ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [غافر: 16]، فلا ملك إلَّا مُلكه، ولا سُلطان إلَّا سُلطانه، ولا شفاعة إلَّا له وبإذنه سبحانه. واعلَم يا من ابتُليت بفقْد قريبٍ أو حبيب، وصبرت على ذلك - أن الحزن والألم الذي أصابك تكفيرٌ لسيئاتك، ورِفعة لدرجاتك عند الله في الجنة؛ فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما يُصيب المسلم مِن نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، ولا همٍّ ولا حزنٍ، ولا أذًى ولا غمٍّ، حتى الشوكة يُشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه"؛ رواه البخاري. فهنيئًا لمن صبَر واحتسَب الأجر من الله جل وعلا، وأدرك فضلَ الصبر، وأنه الطريق الوحيد للتخفيف من ألَم الفقْد عقلًا كما هو شرعًا، فليس للمؤمن إلا أن يَصبر صبرَ الكرام، ويرضى ويسلِّم بالقضاء والقدر؛ يقول ابن مسعود وغيره من السلف عند قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [التغابن: 11]، قال: هو الرجل تُصيبه المصيبة، فيَعلم أنها من عند الله، فيَرضى ويُسلم. ومعنى الآية: أن مَن أصابته مصيبة، فعلِم أنها من قدر الله، فصبَر واحتسب، واستسلَم لقضاء الله - هدى الله قلبَه، وعوَّضه عما فاته من الدنيا هدًى وطُمأنينةً في قلبه، ويقينًا صادقًا، وقد يُخلف الله عليه خيرًا مما كان أخذ منه، واسمع هذه البشارات من الله للصابرين؛ قال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157]. فتأمَّل هذه البشارات؛ صلوات من ربهم ورحمة وهداية، واحدة من هذه الثلاث تكفي أن يَستبشر بها العبد المسلم، فأبشِر بخيرٍ، سيُعوضك الله خيرًا مما فقدت، وقد ثبت عن أم المؤمنين أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما مِن عبدٍ تُصيبه مصيبة فيقول: ﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾، اللهم أجِرني في مصيبتي، وأَخْلِفْ لي خيرًا منها، إلا أَجَرَه الله في مصيبته، وأَخْلَفَ له خيرًا منها، قالت: فلما تُوفي أبو سلمة، قلتُ كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله لي خيرًا منه، رسولَ الله صلى الله عليه وسلم))؛ رواه مسلم، والمعنى: أن الله أكرَمها بأن تزوَّجها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. ومِن عظيم رحمة الله وكرَمِه على عباده المؤمنين - أنه بشَّرهم بلقاء أهلهم وذريَّاتهم وأحبابهم من المؤمنين في الجنة، ولم يجعل فراقَ الموت في الدنيا فِراقًا أبديًّا، بل إنه فراقٌ مؤقتٌ، فأبشِروا وأمِّلوا أن الله سيَجمَعُنا مع مَن فقَدناهم في الدنيا في مستقر رحمته اجتماعًا أبديًّا لا فراقَ بعده؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الطور: 21]، وقال جل وعلا: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ﴾ [الرعد: 23]. وصية: لا تَدَع هذا المصاب يَمُر عليك دون عِبرةٍ وعظةٍ ومحاسبةٍ، ومراجعةٍ لعلاقتك مع الله بالتوبة النصوح، والاستعداد ليوم الرحيل، فمهما عاش الإنسان وطال عمرُه، وتَمتَّع بالدنيا وملذاتها، فلابد له من يوم لا يوم له بعده، فكلُّ يوم يمضي إلا ويقرِّبك من مصيرك الذي لابد لك منه، فالموت حقٌّ وقد سماه الله مصيبةً؛ قال تعالى: ﴿ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ﴾ [المائدة: 106]. لكن المصيبة الكبرى والداهية العظمى - أن القريب لا يَعتبر ولا يتَّعظ بموت قريبه، إنما هي دموع سَرعان ما تَجِف دون ترجمةٍ عمليةٍ على أرض الواقع! فكم مِن الناس مَن يَحزَن ويَسكُب الدمعات الحارَّة، وهو حقٌّ لا نقول بضده على فِقدان القريب لقريبه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما توفِّي ابنه إبراهيم: "إن العين لتدمَع، وإن القلب ليَحزَن، وإنا على فِراقك يا إبراهيم لمحزونون". لكن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة صادقة - يا رعاك الله - هل سيَمُرُّ هذا الموقف مرورَ الكرام؟! دون وقفة حازمة مع هذه النفس الأمَّارة بالسوء، والرجوع إلى الله بالتوبة النصوحة، والاستقامة على طاعة الله، والصحبة الصالحة. فقلْ لي بالله عليك: ماذا أعدَدنا للموت وضغطته، والقبر وظلمته، والصراط وزلَّته، فاتَّعِظ قبل أن يُتَّعِظ بك! فهل عندك الشجاعة الكافية أن تقول لهذه النفس: يكفي ذنوبًا، يكفي غفلةً، يكفي ضياعًا للصلوات، يكفي سهرًا على المحرَّمات، يكفي تسويفًا، يكفي، يكفي، يكفي! يا نفسُ توبي فإن الموتَ قد حانا ![]() واعصي الهوى فالهوى ما زال فتَّانا ![]() في كلِّ يومٍ لنا ميِّت نُشيِّعُه ![]() نرى بِمَصرعِه آثارَ مَوتانا ![]() يا نفسُ ما لي وللأموال أَتْرُكُها ![]() خلفي وأَخرُجُ من دنياي عُريانا ![]() ووالله لن يَدفَع عنك الموتَ أحدٌ عند موتك، والعاقل الكيِّس مَن دان نفسَه، وعمِل لِما بعد الموت، فلن ينفَع أهلَ القبور إلا العملُ المبرور، فطُوبَى لمن سَمِع ووعَى، ونهى النفس عن الهوى، وعلم أنَّ الفائز مَن ارْعَوى، ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾ [النجم: 39]. فالسعيد حقًّا مَن عمِل لما بعد الموت، وأعدَّ لسؤال جوابًا، وجاهَد النفس عن ملذاتها، وإضاعة ساعات العمر بالقيل والقال، وإضاعة المال، وسيئ الأعمال، والغفلة عن طاعة الله، فالمؤمن الحاذق من يسعى إلى تحقيق الغاية التي من أجلها خُلق؛ مِن تحقيق العبادة لله، والتقرب منه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ﴾ [الذاريات: 56، 57]. همسة: إلى كل مستقيم على طاعة الله، الثباتَ الثباتَ حتى الممات، والتزودَ من الطاعات والقُربات إلى ربِّ الأرض والسماوات، فلا تَغُرَّك الحياة الدنيا، فهي متاع الغرور، ولا يَميل لها قلبُك، وما يُدريك في لحظة ضعفٍ يَفْجَؤُك هادمُ اللذات ومفرِّق الجماعات، فحاسِب نفسك على الدوام قبل أن تُحاسَب يوم لا يَنفَع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم. ختامًا: لا يَنسى القريبُ قريبَه المتوفَّى من الدعاء الصالح والصدقة الجارية، ومن علامات صلاحك وصِدق محبَّتك، وصِلتك وبرِّك - أنك لا تَقطَع الميِّت من الدعاء والصدقة بعد موته. اللهم أَحسِن خاتمتنا، واهدِنا، وأصلِحنا وتُبْ علينا. اللهمَّ ارحَم موتانَا وموتَى المسلمينَ، اللهم ارْحَمنا إذا صِرنا إلى ما صاروا إليه. وصلى الله وسلَّمَ على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |