أصحاب الأخدود - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 349 - عددالزوار : 6401 )           »          مصائد الهلاك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          روّض نفسك على تقبل عظيم الأقدار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          في دائرة علاقتنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          مفهوم العزّة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          عالم التسبيح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          من افتتن بالردود عوقب بالصدود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          مفاتيح خير الدنيا والآخرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          عَلِّمْنِي دُعاءً أدْعُو به في صَلاتِي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          ومِن نَصرِ الله ورسوله والمؤمنين: توعيةُ المسلمين وتثبيتهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 05-12-2025, 10:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,189
الدولة : Egypt
افتراضي أصحاب الأخدود

أصحاب الأخدود

د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:
فقد نادى الله عباده المؤمنين فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28].

أيها المؤمنون: حين يُقسم الله عز وجل في القرآن الكريم بشيءٍ، فإنه يقسم جل جلاله بما شاء حين لا يقسم العبد إلا به، ولا يقسم إلا على شيء عظيم ولأمرٍ عظيم، فحين يُقسم سبحانه وتعالى بالسماء التي تعلونا وبروجها ومنازلها، وحين يقسم باليوم الموعود، بيوم القيامة، وما أدراك ما يوم القيامة، يوم الجزاء والحساب، يوم توفى كل نفس ما كسبت، وحين يقسم بالأيام الفاضلة بأفضل أيام الأسبوع، بيوم الجمعة، وما طلعت شمس ولا غربت على يومٍ أفضل من يوم الجمعة، وحين يقسم الله عز وجل بيوم عرفة، ما من يوم أكثر من أن يعتق الله عز وجل فيه من النار، يوم مشهود يدنو فيه رب العزة والجلال، ثم يباهي بأهل الجمع ملائكته، فإنه يقسم على شيء عظيم، وأمر جلَلٍ ليلفت انتباه المؤمنين إليه، وقد أقسم الله عز وجل بكل ذلك ليروي لنا قصةً حدثت في تاريخ الأرض، قصةً انتصر الله عز وجل فيها لدينه، قصةً استقوى فيها أهل الظلم واستعلوا وتجبروا، وتفاخروا بعُدتهم وعتادهم ليُطفؤوا نور الله، لكن يأبى الله إلا يتم نوره بعزِّ عزيز وذلِّ ذليل، عزًّا يُعز به الإسلام وأهله، وذلًّا يذل به الشرك وأهله، وحين يكون أهل الباطل هم الكثرةَ السائدة، ويكون أهل الإيمان والتقوى هم الضعفاء القلة، فإن الله يغار لدينه وينتصر لأهل الإيمان، وتتجلى صفحة التاريخ لتبقى مشرقة جليَّة لأُناس عاشوا على هذه الأرض، وزهِدوا في زخرف الدنيا وزينتها، ليكون لهم الأثر في الدلالة على الخير، حتى ولو لم يشهدوه، فبعض الناس لا يرى أثر عمله إلا أجرًا وثوابًا يوم القيامة، وبعض الناس – والعياذ بالله تعالى – يعيش على الضلالة، ويدعو إليها، بل ويتمنى أن تنتشر هذه الضلالة بين الناس، قلبه مريض، ومن سقمه ينشر مرضه إلى غيره من الناس، بل ويحرص كل الحرص على ذلك، وإليكم - أيها المؤمنون - تلكم القصةَ، التي حكاها لنا رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق، وأخرجها مسلم – رحمه الله تعالى في صحيحه – فيقول الصحابي الجليل صهيب بن سنان الرومي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان ملِكٌ من الملوك وكان لذلك الملك كاهن يكهن له، فقال الكاهن: إني قد كبرت، انظروا لي غلامًا فهِمًا - أو قال: فطِنًا - لقنًا فأعلمه علمي هذا، فإني أخاف أن أموت فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه، قال: فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة - قال معمر: أحسب أن أصحاب الصوامع كانوا يومئذٍ مسلمين - قال: فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مرَّ به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال: إنما أعبدُ الله، قال: فجعل الغلام يمكث عند الراهب ويبطئ عن الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام: إنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلامُ الراهبَ بذلك، فقال له الراهب: إذا قال لك الكاهن: أين كنت؟ فقل: عند أهلي، وإذا قال لك أهلك: أين كنت؟ فأخبرهم أنك كنت عند الكاهن، قال: فبينما الغلام على ذلك إذ مرَّ بجماعة من الناس كثيرٍ قد حبستهم دابة، فقال بعضهم: إن تلك الدابة كانت أسدًا، فأخذ الغلام حجرًا فقال: اللهم إن كان ما يقول الراهب حقًّا فأسألك أن أقتلها، قال: ثم رمى فقتل الدابة، فقال الناس: من قتلها؟ قالوا: الغلام، ففزع الناس فقالوا: قد علِم هذا الغلام علمًا لم يعلمه أحد، فأتى الراهب فأخبره، فقال له الراهب: أي بني، أنت اليوم أفضل مني؛ قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك ستُبتلى، فإن ابتُليتَ فلا تدل عليَّ، وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليسٌ للملك كان قد عميَ، فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: ما ها هنا لك أجمع، إن أنت شفيتَني، فقال: إني لا أشفي أحدًا إنما يشفي الله، فإن أنت آمنت بالله، دعوتُ الله فشفاك، فآمن بالله فشفاه الله، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي، قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله، فأخذه، فلم يزل يعذِّبه حتى دلَّ على الغلام، فجيء بالغلام، فقال له الملك: أي بني، قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص، وتفعل وتفعل، فقال: إني لا أشفي أحدًا؛ إنما يشفي الله، فأخذه، فلم يزل يعذبه حتى دلَّ على الراهب، فجيء بالراهب، فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدعا بالمِئشار، فوُضع المئشار في مَفرِق رأسه، فشقه حتى وقع شِقَّاه، ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فوضع المئشار في مفرق رأسه، فشقه به حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام، فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه، وإلا فاطرحوه، فذهبوا به فصعدوا به الجبل، فقال: اللهم اكفنِيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله، فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به فاحملوه في قُرقور، فتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه، وإلا فاقذفوه، فذهبوا به، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله، فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع، ثم خُذ سهمًا من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: باسم الله رب الغلام، ثم ارمني؛ فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهمًا من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: باسم الله، رب الغلام، ثم رماه فوقع السهم في صُدغه، فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، فأُتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ - أجزعت أن خالفك ثلاثة؟ - قد والله نزل بك حذرك - فهذا العالم كلهم قد خالفوك - قد آمن الناس، فخدَّ أخدودًا ثم ألقى فيها الحطب والنار، ثم جمع الناس، فقال: من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود، فأمر بالأخدود في أفواه السِّكك، فخُدت وأضرم النيران، وقال: من لم يرجع عن دينه فأحمُوه فيها، أو قيل له: اقتحم، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها، فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أمَّه، اصبري؛ فإنك على الحق، فأما الغلام فإنه دُفن، قال: فيُذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب وأُصبعه على صُدغه كما وضعها حين قُتل)).

بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه؛ إنه كان غفارًا.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حمدًا يليق بجلاله وعظمته، الحمد لله الحميد في جميع أفعاله وأقواله، وشرعه وقدره، الحمد لله العزيز المنيع الذي لا يُضام من لاذ بجنابه، الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا؛ فقال سبحانه وتعالى عن كتابه: ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ﴾ [البروج: 21]؛ واسع المعاني كثير العلم والخير والفضل، ما فرط الله فيه من شيء فهو ﴿ فِي لَوْحٍ ﴾ [البروج: 22] في أعالي السماء ﴿ مَحْفُوظٍ ﴾ [البروج: 22]، وفي صدور الخُلَّص من عباده المؤمنين، محفوظ من الزيادة والنقصان، والتحريف والتبديل، لا يستطيعه السحرة ولا البَطَلَة، ولا الكهَّان ولا أعتى الشياطين، والصلاة والسلام الأتمَّان الأكملان على سيد ولد عدنان، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق الجهاد حتى أتاه اليقين؛ أما بعد أيها المؤمنون:
فالله عز وجل حكم بحكمه على أهل الكفر والباطل باللعن والطرد عن رحمة الله تعالى؛ فقال: ﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ﴾ [البروج: 4].

الله عز وجل أجلى لنا هذه الحادثة العظيمة، فوضح لنا سبب إيقاد النار على هؤلاء الناس؛ ﴿ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [البروج: 8، 9].

الله عز وجل أشهد أهل الضلال على ضلالهم؛ فقال: ﴿ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ﴾ [البروج: 5 - 7].

وأشهد جل جلاله نفسه على هذه الحادثة المروِّعة فقال: ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [البروج: 9]، وقال تأكيدًا لما يفعله الكافرون في كل زمان ومكان: ﴿ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ ﴾ [البروج: 19، 20]، قادر عليهم، قاهر لا يفوتونه ولا يُعجزونه، فإذا أمِنت في هذه الدنيا بقوتك وكثرتك، فلن تأمن يوم القيامة من بطش ربك وشدته؛ ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ [البروج: 12]، إذا أخذ الظالم أخذه أخذًا أليمًا شديدًا، أخذَ عزيزٍ مقتدر؛ لأنه جل جلاله ﴿ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [البروج: 15، 16]، لا مُعقِّب لحكمه، ولا يُسأل عما يُفعل لعظمته وقهره، وحكمته وعدله، وقصص التاريخ تشهد شدةَ بطشه جل جلاله، مهما تفاخر الأعداء بقوتهم وعتادهم، والمثال واضح وجليٌّ؛ ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ﴾ [البروج: 17، 18].

فبطش ربك يلحق بأعداء الدين الجبابرة قساة القلوب، لأنهم جمعوا بين الكفر بآيات الله ومعاندتها، ومحاربة أهلها وتعذيبهم بهذا العذاب، الذي تنفطر منه القلوب، وحضورهم إياهم عند إلقائهم فيها، والحال أنهم ما نقموا من المؤمنين إلا خَصلة يُمدحون عليها، وبها سعادتهم؛ وهي أنهم كانوا يؤمنون بالله العزيز الحميد، وبطش ربك في الآخرة لهؤلاء الجبابرة لمن لم يتُب ويستغفر ويرجع إلى ربه نادمًا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴾ [البروج: 10]، رغم بطشهم وتنكيلهم بالمؤمنين، فإن توبة الله ومغفرته لن تحول بينهم وبينها، مهما كانت كبائر ذنوبهم وعظيمها، لو رجعوا إلى ربهم حق الرجوع.

وأما مصير المؤمنين الذين ثبتوا على الحق، وآثَروا الآخرة على الدنيا، بل وفدَوها بأنفسهم وأموالهم، وبيوتهم وأملاكهم وأولادهم، حتى يلقوا الله عز وجل على الإيمان والهدى، حصدوا ذلك الفوز الكبير الذي لا يساويه فوزٌ، بل ويَهُون أي بلاء، وأي عذاب، وأي فقدٍ نالوه في الدنيا أمام ذلك الفوز، حين فازوا بالإيمان والعمل الصالح؛ قال الله فيهم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ﴾ [البروج: 11].

وفي هذا المشهد العظيم - أيها المؤمنون - مشهد تجبُّر العصاة، وحرقهم للمؤمنين، مشهد تظهر فيه كبائر الذنوب وعظيمها وهولها، إلا أن الله عز وجل يذكِّر العبادَ جميعَ العباد الذين خلقهم ابتداءً، وأعاد خلقهم ثانيةً للجزاء والحساب: ﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ﴾ [البروج: 13، 14]، فالله يتودد لعباده وهو الغني عنهم، وهم المحتاجون إلى رحمته بأنه غفور، يغفر الذنوب لمن لا يشرك به، فمهما عظُمت هذه الذنوب، ومهما كثُرت، فإنه يغفرها سبحانه وتعالى، فتوبوا إلى الله أيها المؤمنون، واستغفروه؛ إنه غفور رحيم.

ثم صلوا وسلموا على أزكى البشرية وأطهرها وأفضلها؛ نبيِّ الرحمة، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدلون: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم انصر من نصر الدين، واخذل اللهم من خذل عبادك المؤمنين.

اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك، اللهم كن لهم عونًا ونصيرًا، ومُعينًا وظهيرًا، اللهم عجِّل لهم بالنصر والفرج يا قويُّ يا عزيز، اللهم وأدِرْ دوائر السوء على عدوك وعدوهم.

﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].

اللهم وفِّق إمامنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام.

عباد الله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدْكم، واستغفروه يغفر لكم، ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 77.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 75.29 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.24%)]