|
ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#2
|
||||
|
||||
![]() وبالطبع فإن هؤلاء المتعهدين كانوا لا يريدون إصلاحاً أو تيسيراً بل كان كل همهم أن يسترجعوا ما دفعوه لمعز الدولة أضعافاً مضاعفة بظلم وحرمان العامة من حقوقها في العدل والإنصاف، وبدأ كذلك يصادر أموال المواريث وبخاصة إن خلف المتوفى مالاً وفيرا ، فصادر 300.000 دينار في سنة 351 من تركة دَعْلَج السِّجْزِي أغنى رجل في بغداد حينذاك، ومن أطرف مصادرات معز الدولة مصادرته لأبي علي الحسن بن محمد الطبري، صادره على خمسمئة ألف دينار، فلما مات الوزير الصيمري طمع الطبري في الوزارة وبذل فيها مالاً عظيماً، قدم منه أول نوبة 300.000 دينار، فلما أخذها منه معز الدولة أعطى المنصب للوزير المهلبي! وكان أحد الأسباب وراء هذا الظلم المقيت أن معز الدولة باشر في بناء دار في الشِماسية ببغداد، صادر لأجلها دور الناس وأملاكهم، وكانت هائلة المساحة واسعة العمار، وتضمنت الدار اصطبلات لخيوله التي زادت على 10.000 فرس، ولتوفير موادها هدم سور الحبس في بغداد ونقض قصر المعشوق بسامراء وحمل الآجُر إلى داره ليبنى به، وقلع أبواب حديدية كانت على مدينة أبي جعفر المنصور داخل بغداد، وقلع كذلك أبواب الرصافة وقصر الرصافة، ونقلها إلى داره، وجعل لها مُسناة، أي سداً، كبيرة عرضها 100 آجُرّة لترد دجلة من أن تفيض على الدار، وكلفت الدار 40 مليون درهم، وهو مبلغ لم يكن موجوداً في خزانته، فأخذ يجمعه بمصادرة الناس والتجار، وتضمين المناصب بشكل يندى له الجبين، وبقيت هذه الدار قائمة قرابة 55 سنة، ثم نقضها أسلافه من البويهيين في سنة 418، فجاء من تعهد شراء ما في سقوفها من الذهب فقط بمبلغ 8.000 دينار. وإذ تحدثنا عن البناء نقول كذلك إن معز الدولة بدأ في سنة 355 في إنشاء مستشفى في بغداد على شاطئ دجلة، وأوقف عليه الأوقاف ولكنه مات قبل أن ينتهي المشروع، ويبدو أن بغداد عاد إليها الازدهار والعمران بعد سنوات القحط والعذاب، فقد ذكر إبراهيم بن هلال الصابي كاتب معز الدولة أن ركن الدولة الأخ الأكبر لمعز الدولة كتب إلى أخيه: ذُكِر لنا كثرةُ المساجد والحمامات ببغداد، واختلفت علينا فيها الأقاويل، وأحببنا أن نعرفها على حقيقة وتحصيل، فتعرِّفَنا الصحيح من ذلك. فأمر معز الدولة بعدِّ المساجد والحمامات، فبلغ عدد الحمامات بضعة عشر ألف حمام، فلما قال الصابي لمعز الدولة عددها، قال: اكتبوا لأخي في الحمامات أنها أربعة آلاف. تقليلاً من عددها لإشفاقه أن يحسده أخوه على بلد هذا عِظَمُه وكبره. قال الصابي: فأما المساجد فلا أذكر ما قيل فيها كثرة. وفي سنة 351 أمر معز الدولة الشيعة أن يكتبوا على أبواب المساجد لعن الخلفاء الراشدين والصحابة، فلما كان الليل محاه بعض الناس، فأراد معز الدولة إعادته، فأشار عليه الوزير المهلبي أن يكتب مكان ما محى: لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يذكر أحداً في اللعن إلا معاوية، ففعل ذلك. ثم أمر معز الدولة الناس في العاشر من المحرم من سنة 352 أن يغلقوا دكاكينهم، ويبطلوا الأسواق والبيع والشراء، وأن يظهروا النياحة، ويلبسوا ثيابا عملوها من المسوح، وأن تخرج نساء الشيعة منشرات الشعور مسودات الوجوه قد شققن ثيابهن، ويدرن في البلد بالنوايح، ويلطمن وجوههن على الحسين بن علي بن أبي طالب، ففعل الناس ذلك، وهو أول من استحدث النوح واللطم في عاشوراء. وفي 18 ذي الحجة من سنة 352 أمر معز الدولة بالاحتفال بيوم غدير خُمّ، بإظهار الزينة في البلد، وأشعلت النيران بمجلس الشرطة، وأظهر الفرح، وفتحت الأسواق بالليل، كما يفعل ليالي الأعياد، وضربت الطبول والبوقات، وقد ورد في غدير خم حديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر لنا، فنزلنا بغدير خم، ونودي الصلاة جامعة، وكُسِحَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين، فصلى الظهر، وأخذ بيد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أنّي أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، فأخذ بيد علي وقال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه؛ اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه. قال: فلقيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحتَ وأمسيتَ مولى كل مؤمن ومؤمنة. ومع هذا فإن الدولة البويهية على تشيع سلاطينها، ورغم ابتداعها للنياحة واللطم في عاشوراء، وللاحتفال بيوم الغدير، لم تحاول في أغلب الأحيان فرض مذهبها على الرعية أو نشره بينهم، بل تركت القضاء والمدارس على حالها في أيدي علماء السنة، وتعاملت معهم بكثير من الاحترام والتقدير، وكانت الدولة الفاطمية في مصر دولة شيعية كذلك، والمنطق الشرعي يقتضي من البويهيين أن يدينوا للفاطميين لأنهم في الظاهر ورثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن حتمت مصالح الحكام أن تكون العلاقات بين الدولتين أميل إلى البرودة والتباعد رغم بعض مظاهر المجاملات التقليدية. وينبغي أن نشير هنا إلى الديلم كانوا قد أسلموا على يد أحد الدعاة من الشيعة الذين جاءوا من العراق، وسبب ذلك أن العباسيين لما تولوا الحكم ضيقوا على العلويين الذين كانوا يعتقدون أنهم أحق بالولاية من بني العباس، فخرج كثير من العلويين يلتمس إيجاد دولة في أطراف المملكة، وقصد عدد منهم قزوين وخراسان وأذربيجان، وقامت لهم فيها ثورات ودويلات قضت عليها الدولة العباسية، فلم يكتب لها البقاء، وقد ذكرنا من قبل أهم شخصية شيعية في عصر معز الدولة؛ ابن الداعي محمد بن الحسن بن القاسم الحسني العلوي الطالبي، المولود سنة 304 والمتوفى سنة 359، والذي ولد في بلاد الديلم، وكان يتكلم لسانهم لأن أمه منهم، ونشأ بطبرستان، وكان معز الدولة يبالغ في تعظيمه حتى أنه قبل يده مرة، مستشفيا بها، وهو مريض، قال عنه الإمام الذهبي في السير: كان فيه تشيع بلا غلو، كان يمتنع من الترحم على معاوية رضي الله عنه، ولا يشتم الصحابة. وفي آخر أمره خرج ابن الداعي في غياب معز الدولة إلى بلاد الديلم فبايعه جماعة فيها وأسس دويلة تلقب فيها بالإمام وتركه البويهون فلم يواجهوه، ثم مات مسموماً من منافس له. ولا بد أن نذكر هنا أن بني بويه ومن معهم من الديلم، كانوا يرون أن بني العباس قد غصبوا الأمر من العلويين، وأن معز الدولة عزم على تحويل الخلافة إلى العلويين، واستشار أصحابه فكلهم أشار عليه بذلك، إلا رجلا واحدا من أصحابه، كان سديد الرأي فيهم، فقال: لا أرى لك ذلك. قال: ولم ذاك؟ قال: لأن العباسي خليفةٌ ترى أنت وأصحابك أنه غير صحيح الإمارة، حتى لو أمرتَ بقتله قتله أصحابُك، ولو وليتَ رجلا من العلويين اعتقدتَ أنت وأصحابك أن ولايته صحيحة، فلو أمرتَ بقتله لم تُطَع بذلك، ولو أمر هو بقتلك لقتلك أصحابك. فأعرض معز الدولة عن الأمر وبقيت الخلافة في بني العباس. وفي سنة 352 بدا لمعز الدولة أن يفتح عمان لخصومة استحكمت بينه وبين صاحبها يوسف بن وجيه، فأرسل الوزير المهلبي على رأس جيش، ولكنه اعتل علة شديدة، فأعيد إلى بغداد فمات في الطريق، وصادر معز الدولة أمواله وذخائره، واستخلص أموال أهله وأصحابه وحواشيه حتى ملاحيه ومن خدمه يوما واحدا، فاستعظم الناس ذلك واستقبحوه، فكانت خسارة مزدوجة لمعز الدولة، خسر فيها وزيره الفاضل الصالح، وخسر فيها احترام الناس له. وفي منتصف سنة 353 خرج معزّ الدولة إلى الموصل غضباناً على ناصر الدولة ابن حمدان، فملكها وهرب ناصر الدولة إلى نصيبين، فتبعه معز الدولة، ففارقها وبعث أولاده إلى الموصل لقتال من فيها، فرجع إليهم معز الدولة فهربوا، فسار نحو بغداد، فجمع ناصر الدولة أولاده وهاجم الموصل، فأسروا من قادة معز الدولة حوالي 70 قائداً و600 جندي، واستولوا على 130.000 درهم، فأخذها ناصر الدولة وخرج من الموصل ومضى إلى حلب عند أخيه سيف الدولة، وجرت محادثات للصلح انتهت بالاتفاق على إطلاق الأسرى وردِّ 80.000 درهم، وعاد ناصر الدولة إلى الموصل، ولم يزل بها إلى أن خلعه ابنه سنة 356. وفي سنة 354 سير معز الدولة جيشاً إلى عمان بعد سماعه بوفاة حاكمها، فدخل الحاكم الجديد في طاعة معز الدولة وضرب اسمه على الدراهم والدنانير، ولكن ما أن غادر جيش معز الدولة عمان حتى ثار بعض وجهائها وطردوا الحاكم وأدخلوا القرامطة إلى البلد، فسار الحاكم إلى معز الدولة وكان في منطقة البطائح يقاتل المتمرد عمران بن شاهين، فجهز جيشاً حمله في مئة مركب، واستعان بابن أخيه عضد الدولة فأرسل له جنداً وأبحر الجميع من ميناء سيراف في الجانب الفارسي من الخليج، فساروا إلى عُمان وفتحوها في آخر سنة 355، وخطب فيها لمعز الدولة وصارت تابعة له. وفي أوائل سنة 356 كان معز الدولة في واسط يحارب أحد الخارجين عليه، فأصيب بعلة الذّرب، أي الإسهال الدائم، فعاد إلى بغداد للاستشفاء، فبقي فيها شهرين والمرض يتفاقم، ولما شعر بدنو منيته استحضر بعض العلماء ليسأله عن التوبة ورد المظالم، فسأله عن الصحابة فذكر له سوابقهم وأن علياً زوّج ابنته من فاطمة بعمر رضي الله عنهم، فاستعظم ذلك وقال: والله ما علمتُ بهذا قط! وتبرأ مما كان قد فعله من قبل، وأعتق مماليكه وتصدق بأكثر ماله، وردَّ كثيراً من المظالم، وأدركته المنية في بغداد في 17 ربيع الآخر سنة 356 ، ودفن في داره، ثم نقل إلى مشهد بني له في مقابر قريش. ونعود هنا القهقرى لنتحدث عن نشأة معز الدولة وإخوته، فنقول: ولد أحمد بن بويه بن فَناخسرو في سنة 303، ويذكر المؤرخون له نسباً طويلاً ينتهي إلى الملك سابور ذي الأكتاف وبيت المُلك العريق في فارس، وكان أصغر إخوة ثلاثة بدأوا في عامة الناس وانتهوا إلى الإمارة، وكان أحمد بن بويه في أول أمره يحمل الحطب على رأسه ليبيعه، وتذكر بعض المصادر قصة عن والده بويه الملقب بأبي شجاع، وأنه كان صياداً وأن منجماً أخبره بعد وفاة زوجته أن أولاده الصغار سيكونون ملوكاً يملكون الأرض ويعلو ذكرهم في الآفاق، وهذه القصة وأمثالها مما يشيع كثيراً حول الملوك والأمراء الصاعدين، ولعلها وأمثالها مما أشاعه المتسلطون أنفسهم تمكيناً لهم في نفوس العامة وتوطيداً لسلطانهم في المجتمع. وخرج الوالد بأولاده، علي والحسن وأحمد، إلى خراسان فعملوا في عسكر مرداويج بن زيار الدَّيْلَمِي، إلى أن صار عليّ قائداً، فأرسله يستخرج له مالاً من الكُرْجِ، وهي جورجيا اليوم، فاستخرج خمسمئة ألف درهم، فأخذ المال وأتى همدان ليملكها ويستقل عن مرداويج، فغلّق أهلها في وجهه الأبواب، فقاتلهم وفتحها عَنْوةً وقتل خلقاً، ثم تحرك منها إلى إصفهان ثم أرجان وتنقّل في النّواحي، وانضم إليه خلْق، فأخذ الأموال، وصارت خزائنه خمسمئة ألف دينار، فقصد شيراز واستولى عليها، ولما تمكنت له الأمور راسل الخليفة العباسي الراضي في بغداد وطلب منه تقليده هذه الأقاليم استكمالاً لشرعيته، على أن يحمل مبلغاً من المال إلى خزانته في كل سنة، فأجابه الراضي لذلك وأرسل له رسولاً بالخلعة واللواء. وبسط أخوه الحسن سلطانه على أصبهان والري وجميع عراق العجم، وفي المعارك التي خاضوها برزت شجاعة الأخ الأصغر أحمد بن بويه، ويرد أول ذكر له في سنة 322 في الموقعة التي استولى بعدها أخوه عماد الدولة على شيراز. ولما تمكن أخواه أرسلاه في سنة 324 إلى إقليم كرمان ليستولي عليه ويصير أميره، فلما وصلها سمع به أميرها فتركها ورحل إلى سجستان من غير حرب، فملكها معز الدولة، وكان بتلك النواحي طائفة من الأكراد قد تغلبوا عليها، وكانوا يحملون لأمير كرمان في كل سنة شيئاً من المال بشرط أن لا يطأوا بساطه، فلما وصل معز الدولة سير إليه رئيس القوم، ويدعى علي كلويه، وأخذ عهوده ومواثيقه بإجرائهم على عادتهم، ففعل ذلك، ثم أشار عليه كاتبه بنقض العهد وأن يسري إليهم على غفلة ويأخذ أموالهم وذخائرهم، ففعل معز الدولة ذلك، وسار إليه في عدد غير كبير، ولكن علياً كان قد وضع الجواسيس على معز الدولة، فلما علم بغدره كمن له في مضيق ثم هاجمه فقتل أغلب أصحابه أو أسروا، وجرح معز الدولة عدة جراحات، وأصابته ضربة في يده اليسرى، فقطعتها من نصف الذراع، وأصابت ضربة أخرى يده اليمنى فسقط بعض أصابعه، وسقط إلى الأرض مثخناً بالجراح، ورآه في اليوم التالي علي فأحضر له الأطباء، وبالغ في علاجه، وأرسل إلى أخيه الكبير عماد الدولة يعرفه عذره في الهجوم عليه بسبب غدره، ويؤكد طاعته للبويهيين، فقبل منه عماد الدولة ذلك وصالحه. وعاد معز الدولة فيما بعد لينتقم من علي كلويه، فقتل منهم عددا كثيرا، وانهزم عليَ، وكتب معز الدولة إلى أخيه عماد الدولة بما جرى له معه، فأرسل إليه أخوه رسولاً يأمره بالوقوف مكانه وألا يتجاوزه وأن يعود إليه إلى فارس، فعاد إلى أخيه، وأقام عنده حتى جاءهم أبو عبد الله البريدي منهزماً من ابن رائق وبجكم، وأطمع عماد الدولة في العراق، فسير معه معز الدولة الذي رأينا كيف استولى في النهاية على العراق بجهوده ومثابرته وكذلك بضعف الدولة التي نخرها التسلط والفساد. وبقيت الدولة البويهية إلى سنة 447، حين جاء الملك السلجوقي طُغرل بك من فارس إلى بغداد وقبض على الملك الرحيم آخر ملوكها وسجنه حتى مات، وكانت دولة السلاجقة تتبع المذهب السني وتعاملت مع الخلفاء باحترام زائد وتعظيم لا مثيل له. كان معز الدولة حديد الطبع، بذيء اللسان، يكثر سب وزرائه وحاشيته، سهل الاستثارة، سريع الغضب، ضرب وزيره المهلبي 150 مقرعة على المظنة، وكان إذا غضب جداً يأمر بالقتل، ويكره أن يتم ذلك، ويعجبه أن يُسأل العفو، فإذا برد غضبه وسكن تدارك ما فرط منه. ومما استجد في زمانه رياضتان: هما المشي السريع والمصارعة، أما المصارعة فكان معز الدولة يهواها ويقيم لها حلبة في ميدانه، ويقيم قربها شجرة يابسة على أغصانها الجوائز من الثياب الفاخرة وتحتها أكياس فيها دراهم، وكان يأذن للعامة في دخول الميدان بالطبول والزمور يشجعون من ينحازون إليه من المتصارعين، ثم تجري المباراة على قرع الطبول الرسمية فمن غلب أخذ الثياب والشجرة والدراهم، وصارت رياضة المصارعة الشغل الشاغل لشباب بغداد، فصار في كل موضع حلبة، فإذا برع أحدهم، صارع بحضرة معز الدولة، فإن غلب، أجريت عليه المكافآت، وانتقل الأمر من المصارعة للتنافس في السباحة، فتعاطاها أهل بغداد حتى أحدثوا فيها الطرائف، فكان الشاب منهم يسبح قائماً، وعلى يده كانون فوقه حطب يشتعل تحت قدر، إلى أن تنضج، ثم يأكل منها، إلى أن يصل إلى دار السلطان. أما المشي السريع فقد نشأ من حاجة معز الدولة لتبادل الرسائل مع أخيه ركن الدولة في الري، فكان السعاة، ويسمى واحدهم الفيج، يقطعون المسافة من بغداد إلى أصفهان في مدة قريبة، وكان معز الدولة أول من استحدثه في الدول الإسلامية، وكان يثيب السعاة الجيدين بالمكافآت، فحرص أحداث بغداد وضعفاؤهم على ذلك، حتى انهمكوا فيه وأسلموا أولادهم إليه، وكان عند معز الدولة ركابيان، يعرف أحدهما بمرعوش، والآخر بفضل، يسعى كل واحد منهما ما يزيد على 30 فرسخاً في اليوم، أي 150 كيلومتراً، وكان أحدهما من السنة والآخر من الشيعة، فتعصب لكل منهما فرقة من الناس. وكما كان معز الدولة محظوطاً بالوزير المهلبي في مروءته وتدبيره، كان محظوظاً في كاتبه الذي كانت تصدر رسائله عنه؛ أبو اسحق الصابىء، إبراهيم بن هلال، صاحب الرسائل المشهورة والنظم البديع، وكان في هذا الفن أمة، وكان كلدانياً متشددا في دينه، وكان يصوم شهر رمضان، ويحفظ القرآن الكريم أحسن حفظ ويستعمله في رسائله، واجتهد به معز الدولة أن يسلم فلم يفعل. ![]()
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |