فضل العلم والعلماء والتذكير بالموت والفناء - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         مشروبات دافئة بالقرفة والتفاح لمواجهة تقلب الطقس فى الخريف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          5 طرق لتعطير حمامك ومنحه رائحة منعشة.. منها استخدام صودا الخبز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          مع بداية الخريف.. وصفات طبيعية تحافظ على نضارة وجمال بشرتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          5 خطوات بسيطة تساعد الأمهات على إدارة التوتر قبل عودة المدارس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          مقارنات الأطفال فى السابلايز والأدوات المدرسية.. إزاى تتعاملى معاها بحكمة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          5 تسريحات شعر تزيد التقصف ابعدى عنها.. أولها الكحكة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          4 مشروبات ديتوكس تعزز نضارة البشرة وتحافظ على ترطيبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          طريقة عمل تارت الشوكولاتة بمكونات خفيفة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          أفضل تنسيقات غرفة الأطفال لخلق مساحة مبهجة.. موضة ديكور 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          5 عادات بسيطة تساعدك على فقدان الوزن بسرعة مع بداية الخريف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم يوم أمس, 11:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,305
الدولة : Egypt
افتراضي فضل العلم والعلماء والتذكير بالموت والفناء

فضل العلم والعلماء والتذكير بالموت والفناء

الشيخ عبدالله محمد الطوالة

إنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون ﴾ [آل عمران:102].. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون ﴾ [الحشر:18]..﴿ ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:70].

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ في النار..

معاشر المؤمنين الكرام: إنّ من أعظمِ ما تميزت به هذه الأمةُ المباركة، ومن أجلِّ أسبابِ خيرِيتها وأفضليتها على سائر الأمم، ما ورِثتهُ عن نبيها الكريم صلى الله عليه وسلم من العلم الشرعي.. والعلمُ الشرعي هو العلمُ بكتاب الله، وسنةٍ رسوله صلى الله عليه وسلم، وما يعينُ على فهمهما من العقائد والأحكامِ والآدابِ والمعاملات، وهذا العلمُ هو الذي يُورثُ معرفةً بالله، ويثمرُ خشيةً منه، ويدفعُ بصاحبه إلى الورع والتقوى..

فالعلمُ الشرعي هو أشرفُ العلوم وأعلاها، وأهلهُ هم ورثةُ الأنبياء وخيارُ الأمة، رفعهم الله بهذا العلم، وأراد بهم خيراً، ووفقهم إلى طريق من طرق الجنة، ففي الحديث الصحيح: "من يرد الله به خيرًا يفقهُ في الدين".. وقال صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة»، فلو أيقن الناس ما في طلب العلم من الفضل والأجر لما أخطئوا طريقه..

وحقّ لأهل العلم أَن يُوصفُوا بِأفضلِ الأوصافِ وأعلاها، وأعظمِها وأزكاها؛ كيف لا وهُم الَّذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم: "ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُوَرِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما وَرَّثوا العلم، فمن أخذه أخذَ بحظ وافر".. فيا لله ما أعظمَ المورِّث والموروث.. وما أسعدَ الوارث.. وما ظنك بقومٍ قال الله فيهم: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ﴾ [فاطر:28].. فهم أعظمُ الناس خشيةً للرحمن، وأكثرهم بركةً على أهل الإيمان.. يقتدى الناسُ بأفعالهم وأقوالهم، ويقتصون آثارهم وآرائهم، وكلُّ رطبٍ ويابسٍ يستغفرُ لهم، حتى الحيتان في الماء؛ كما أخبر بذلك سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم بقوله: " وإن العالم ليستغفرُ له مَنْ في السموات ومن في الأرض حتى الحيتانُ في الماء، وفضلُ العالم على العابد كفضل القمرِ على سائر الكواكب".. والحديثُ صححه الألباني.. وفي حديث آخر صحيح قال عليه الصلاة والسلام: «فضلُ العالمِ على العابِدِ، كفَضْلِي علَى أدناكم»، وما ذلك إلا والعلم عند الله: أنّ العابد إنما ينفعُ نفسه فقط، أما العالم فنفعهُ عامٌ للبشرية جمعاء..

إنهم العلماء: تعلموا القرآن فعظمت قيمتهم، ودرسوا الفقه فنبل قدرهم، وحفظوا الحديث فقويت حجتهم.. مثلهم مع العلم والهدى؛ كمثل الغيثِ الكثير أصابَ أرضاً نقية طيبةً، فقبلت الماء، وأنبتت الكلأ، والعشبَ الكثير.. وذلك فضلُ الله يؤتيهِ من يشاء..

خصهم الله باستنباط الأحكام، وميزهم بضبط الحلال والحرام.. فهم نورٌ في الظلماء، ودواءٌ لكل داء.. يدعون الناس إلى الهدى، ويتحملون العنت والأذى، يُحيون بكتاب الله الموتى، فكم من قتيلٍ لإبليسَ أحيوه، وكم من تائهٍ بفضلِ اللهِ هدوه، ينفونَ عن كتاب الله تحريفَ الغالين، وانتحالَ المبطلين، وتأويلَ الجاهلين..

ملأ اللهُ قلوبهم وداً ورحمة، فهم أرحمُ الناس بالأمة، ولئن كان الآباءُ والأمهاتُ يحفظون أبناءهم من نار الدنيا ووصبها، فالعلماءُ يحفظون الناسَ من نار الآخرةِ وشقائها.. فما أحسنَ أثرهم على الناس، وما أسوأَ أثرُ الناسِ عليهم!.

إنهم مَشاعِلُ النور والهُدى، وأعلامُ الخير والتُّقى.. حملُوا همَّ هذا الدِّينِ، وسلَكُوا طرِيقَ سيدِ المرسلين.. فهُم ضوءُ الشَّمسِ للأبصارِ، ونُجومُ السَّائِرينَ في الأسفارِ، قالَ عنهم الإمام ابنُ القيِّمِ رحِمهُ اللهُ: "فَهُمْ فِي الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ، بِهِمْ يَهْتَدِي الْحَيْرَانُ فِي الظَّلْمَاءِ، وَحَاجَةُ النَّاسِ إلَيْهِمْ أَعْظَمُ مِنْ حَاجَتِهِمْ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَطَاعَتُهُمْ أَفْرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ طَاعَةِ الْأُمَّهَاتِ وَالْآبَاءِ بِنَصِّ الْكِتَابِ، فقَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء:59]..

رفعَ اللهُ عزّ وجلّ في الدارين ذكرهم، ونشرَ في العالمين فضلهم، ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير ﴾ [المجادلة:11].. وذكرهم الله في مقام الإشادة، ونظمَهم في أعظم شهادة، فقال تعالى: ﴿ شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران:18].. فلم يستشهد ربنا بذوي الجاه والنسب، ولا بأصحاب المال والمنصب، وإنما استشهد بذوي العلم وحملة المعرفة.. قال الإمام القرطبي: "هذا دليلٌ على فضل العلم، وشرفِ العلماء وفضلهم، فإنه لو كان أحدٌ أشرفَ من العلماء لقرنهم اللهُ باسمه واسم ملائكته، كما قرنَ اسم العلماء"..

فالعلماءُ هم كنزُ الملة، وحفّاظُ السنة، وحملةُ الشريعة، ولئن كان أهل المناصبِ يذهبُ قدرهم بذهاب مناصبهم، وأهل المال يذهبُ قدرهم بذهاب أموالهم، فإن أهل العلم لا يذهبُ قدرهم، ولا يُنسى ذكرهم، ولا يتوقفُ خيرهم، ولا ينقطعُ أجرهم.. ففي صحيح مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطعَ عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له".. وفي صحيح مسلم: يقول صلى الله عليه وسلم: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيء"..

ولذا فإن أعظم أنواعِ الفقدِ على النفوس وقعاً، وأشدهُ على الأمة لوعةً وأثراً، فقدُ العلماءِ الربانين، والأئمةِ المصلحين..

موتُ العلماءِ مصيبةٌ عظمى، وخسارةٌ كبرى.. لِأَنَّهم نُورُ البِلَادِ، وَهُدَاةُ العِبَادِ.. موتُ العالم ليس فقدًا لشخصه فحسب، ولكنه فقدٌ لجزءٍ من العلم وما ورِثهُ من ميراثُ النبوة.. قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا».. ويَقُولُ عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا: "خَرَابُ الأَرضِ بِمَوتِ عُلَمائِهَا وَفُقَهَائِهَا وَأَهلِ الخَيرِ فِيهَا".. وقال ابن المبارك رحمه الله: "موت العالم ثُلمةٌ في الإسلام لا يسدها شيءٌ ما اختلف الليل والنهار".. ويقول أبو مسلم الخولاني وهو من كبار التابعين: (العلماء في الأرض مثل النجوم في السماء إذا بدت للناس اهتدوا بها، وإذا خفيت عليهم تحيروا)..

وإن الأمة حين تودّع عالماً جليلاً من علمائها، فإنما تودع معه علماً وفقها وبصيرةً، وهي بهذا بأمسّ الحاجةِ إلى من يخلفه، وإلى من يحملُ الرايةَ من بعده.. وهذا يدعونا إلى أن نهتمَّ لهذا الأمرِ غاية الاهتمام، وأن نربي أبناءنا على محبة العلم والعلماء، وأن نغتنم حياة علمائنا الأحياء، فنتعلمَ منهم، ونقتدي بسمتهم، قبل أن نفقدهم ونندم على فوات فرصة التعلم منهم والاقتداء بهم.. فاللهم اغفر لعلمائنا أجمعين، الأحياءُ منهم والميتين، وارفع درجاتهم في المهديين، وأجزهم عنا وعن أمة الإسلام أعظم الجزاء وأفاه، وألحقنا بهم على الإيمان واليقين..

أقول ما تسمعون...

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى..

أما بعد فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا من ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَاب ﴾ [الزمر:18]..

معاشر المؤمنين الكرام: وإذا كان هذا بعضُ فضلِ العلماءِ ومكانتهم، فإن فقدهم مصيبةٌ عظيمة تذكرنا بالموت وحتميته، فالموتُ حتمٌ لا محيصَ عنه، ومصيبةٌ لا مفرَّ منها، ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ ﴾ [الأنبياء:35].. ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ﴾ [النساء:78]..

وحالُ الإنسانِ مع الموت حالٌ عجيب، فهو لا يدركُ أنه ضعيفٌ إلا عند الموت، ولا يدركُ أنه ظلمَ نفسهُ إلا عند الموت، ولا يدركُ أنه ضيعَ أوقاته, وفرطَ في الصالحات إلا عند الموت، ﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبّ ٱرْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون ﴾ [المؤمنون:99]..

على فراش الموت: يؤمنُ الكافر، ويوقنُ الفاجر، ويصدِّقُ المكذب، وتزولُ الأوهام، وتتبددُ الأحلام، ولكن بعد فوات الأوان.. تأمل ما قاله الله تعالى عن فرعون اللعين: ﴿ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِين * آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِين ﴾ [يونس:90]..

"على فراش الموت": موعظةٌ نقدمها إلى من ضيعَ الصلاة واتبعَ الشهوات، إلى من طغى وبغى، وآثر الحياة الدنيا، إلى المغتابينَ والنمامينَ والحاسدين وأكلة الربا، إلى من ألهاهم التكاثرَ فنسوا بعثرةَ المقابر، وتحصيلَ ما في السرائر، إلى من وغل في المحرمات وتعاطي المسكرات والمخدرات، إلى الكاسيات العاريات، وإلى كل العصاةِ، بل وإلى الطائعين جميعًا، ليت شعري كيف سيكون حالنا؟! ونحن على فراش الموت..

إنه يا عباد الله: موقفٌ يستحقُ الوقوف عنده طويلًا، والتفكُّر فيه مليًّا، والعملَ له كثيرًا!.. ففي الحديث الصحيح، قال عليه الصلاة والسلام: "أكثروا من ذكرِ هادمِ اللذاتِ".. إنه موقفٌ رهيبٌ مهيب، موقفٌ وصل إليه كلُّ من مضى قبلنا، وحتمًا ولا بدَّ سنصيرُ إليه كُلنا، بل وكلُّ من سيأتي بعدنا..
هو الموتُ ما مِنهُ ملاذٌ ومهربُ
متى حُطَّ ذا عن نعشه ذاك يركب
نؤمِلُ آمالاً ونرجوا نِتاجها
وعلَّ الردى ممَّا نرجيه أقرب
ونبني القصور المشمخرات في الهوى
وفي علمنا أنا نموت وتخرب
إلى الله نشكو قسوةً في قلوبنا
وفي كل يومٍ واعظُ الموتِ يندُب


أيها الأخ المبارك: هل وقفت يوماً على شفير قبرٍ لتتأملَ حال صاحبه وتتساءل: أفرِحٌ هو بمصيره أم حزين؟. أشقيٌّ هو أم سعيد؟. تُرى لو منِّي فماذا سيتمنى؟. وما الذي سيفعلُه لو أعيدَ إلى الدنيا؟.. يقول إبراهيم بن يزيد العبدي: أتاني رياح القيسي فقال: يا أبا إسحاق، انطلق بنا إلى أهل الآخرةِ نُحدثُ بقربهم عهداً، فانطلقت معه، فأتى المقابر فجلسنا إلى بعض تلك القبور، فقال: يا أبا إسحاق، ما ترى هذا متمنّيا لو مُنّيَ؟.. قلت: أن يُردَّ إلى الدنيا فيستمتعَ من طاعة الله ويُصلح، قال: فإن لم يكن هو فأنا وأنت..

فإذا زرت المقبرة فقف أمام قبرٍ مفتوح، وتأمل هذا اللحد الضيق، وتخيل أنك بداخله، وقد أُغلق عليك الباب، وانهال عليك التراب، وفارقك الأهل والأحباب، وقد أحاطك القبر بظلمته ووحشته، فلا ترى إلا عملك.. فماذا تتمنى في هذه اللحظة العصيبة؟.. ألا تتمنى الرجوع إلى الدنيا لتعملَ صالحا، لتتوب وتستغفر، لتركع ولو ركعة واحدة، لتقرأ ولو آية واحدة، لتتصدق ولو بريال واحد، لتذكر الله تعالى ولو مرةً واحدة؟!.. فها أنت على ظهر الأرض حيًّا معافى، فبادر بعمل صالحٍ قبل فوات الأوان..

قال إبراهيم التيمي: مثَّلتُ نفسي في النار آكلُ من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالجُ سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: أيُّ شيءٍ تريدين؟.. قالت: أن أعود إلى الدنيا لأتوب وأعمل صالحاً.. ثم مثلتُ نفسي في الجنة آكلُ من ثمارها، وأشربُ من أنهارها، وأعانق أبكارها، فقلت لنفسي: أيُّ شيءٍ تريدين؟.. قالت: أن أعود إلى الدنيا لأعمل صالحاً فأزداد من هذا النعيم.. فقلت: يا نفسي فها أنت في الأمنيةِ فاعملي بما قلت..

فإلى كل من ضيعَ وقتهُ أمامَ الملهيات والقنوات، أما والله لو علمت ماذا يتمنى الموتى لما ضيّعت دقيقةً من وقتك.. والله لو علمتَ ما بقي من أجلك، لزهدت في طول أملك، ولرغبت في زيادة عملك، فاحذر أن تزل قدمُك، وخِف من طول ندمك، واغتنم فراغك قبل شغلك، وصحتك قبل مرضك، وحياتك قبل موتك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك.. العمرُ يا هذا لحظات، فاستثمره في فعل الخيرات، وجمع الحسنات.. ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر: 56]..

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، واحبب من شئت فإنك مفرقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 80.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 78.78 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.14%)]