|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أولو الألباب (1) الشيخ مجد أحمد مكي العقلُ موهبةٌ إلهيَّةٌ وهبه اللهُ تعالى للإنسان، وشرَّفه به على جميع أنواع الحيوان، به يَعرفُ العاقلُ حَسَنَ الأشياء وقبيحها، وكمالها، ونقصانها، وبه يُعلم خَيْر الخيرين وشرّ الشرَّين. ولقد بَلَغَ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرجحيَّة العقل وكماله الغايةَ القُصوى التي لم يبلغها أحدٌ سواه، وذلك بفضل الله تعالى عليه ونعمته. قال الله تعالى: [ن وَالقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ(1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ(2)]. {القلم}.. أي: أنت في أعلى مستوى كمال العقل، وسمو الفكر. فلقد أقسم سبحانه بالقلم، وبما يسطِّره المسطرون في المستوى الأعلى الذي سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صريف أقلامه، وما تُسطِّره الأقلام المُستمدَّة من القلم الأول، أقسم بهذا القسم العظيم على سعة عقل هذا الرسول الكريم وإنه ليس فيه شائبة جنون، وإنما هو صاحب العقل الأكمل، والعلم الواسع الأفضل، وكيف لا يكون عقله فوق العقول، وقد أنعم الله عليه وخصَّه بالنبوَّة الجامعة والخاتمة، والرسالة العامَّة، ونزول القرآن الجامع للعلوم كلها، فإنَّ هذه النعم لا يتحمَّلها إلا من خصَّه الله بأكمل العقول، وأرجحها؛ ولذا قال تعالى: [مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ] {القلم:2}. أي: ما أنت بسبب نعمة ربك عليك بالنبوة والرسالة والقرآن الجامع لأنواع العلوم والحكمة، ما أنت بمجنون، فهو ينفي عنه ما اختلقه أعداؤه صلى الله عليه وسلم، ويثبت له بالدليل القاطع أرجحيَّة العقل والحكمة. وذلك أنَّ من أوحي إليه القرآن، وأوحي إليه الحكمة التي هي فوق كل حكمة، كيف يتصوَّر أن يكون فيه شائبة خَلَلٍ أو نَقْص؟!. [وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ] {القلم:3} بسبب صبرك على طعنهم بك [غَيْرَ مَمْنُونٍ] غير مقطوع. [وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ] {القلم:4} فهو صلى الله عليه وسلم أكمل الناس خُلُقاً وعقلاً. إنَّ العقل الكامل هو الأصل الذي تنشأ عنه الخصال الحميدة والمواهب الرشيدة، وبه تقتبس الفضائل، وتُجتنب الرذائل، وهو الذي يُسلم صاحبه إلى مجامع الفضل والخير، كما ورد في حديث إسلام خالد بن الوليد رضي الله عنه حين دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلَّم عليه بالنبوَّة قال: فردَّ عليَّ السلام بوجهٍ طَلْق، فقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال له صلى الله عليه وسلم: تعال فأقبل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي هداك قد كنتُ أرى لك عقلاً رجوتُ أن لا يُسلمك إلا إلى الخير... (البيهقي في الدلائل 4: 455). وروى الطبراني (في الكبير 70) عن قرة بن هبيرة رضي الله عنه أنَّه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّه كان لنا أرباب وربات الغيد هنَّ من دون الله عزَّ وجل، فدعوناهن فلم يجبن، وسألناهنَّ فلم يُعطينَ، فجئناك فهدانا الله بك، فنحن عبيد الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أفلح من رُزق لباً، عقلاً راجحاً، اهتدى به إلى الإسلام وفعل المأمورات، وترك المنهيات: [ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ] {الرعد:19}. فالإسلام لا يأمر إلا بخير ولا ينهى إلا عن شر، ولهذا قال ابن مسعود: إذا سمعت:[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا] فأرْعها سمعك، فكل من استمع إلى هذا الدين وعَقَله ووعاه لابدَّ أن يُسَلِّم له ويَستسلم إليه. ولما دخل الأعرابيُّ الفطريُّ العاقل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيَّن له صلى الله عليه وسلم أوامر الإسلام ومناهيه، فخرج الأعرابي وأعلن إسلامه فقال له قومه: بم عرفت أنه رسول الله ؟ فقال: ما أمر محمدٌ بأمر قال العقل: ليته نَهَى عنه، ولا نهى عن شيء فقال: ليته أمر به. وقد أدرك عبد المطلب حقيَّة الآخرة بعقله، وذلك أنَّه قال يوماً: ما من ظالمٍ يشتدُّ ظُلمه إلا سَينتقم الله منه قبل أن يموت، فقيل له: فلان طغى وجار، فقال انتقم الله منه يوم كذا، فقيل له: فلان. فقال: انتقم الله منه يوم كذا، فقيل له: فلان جار وطغى، ولم يصبه شيء! ففكَّر طويلاً ثم قال: إذاً لابدَّ من يوم آخر ينتقم الله منه. وإلى ذلك تعبَّد الله تعالى العقلاء فقال سبحانه: [أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ] {الجاثية:21}. ومن ثَمَّ قال تعالى مخبراً عما يقول الكفار يوم القيامة: [وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ] {الملك:11} يعني: أنَّهم لو سمعوا لهذا الدين لعلموا وعقلوا أوامره ومعانيه وحكمه، وأحكامه، لكنهم عَمُوا وصمُّوا. فأوسع العقولِ وأكملُها وأرجحُها هو عقلُ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويتجلَّى لك كمالُ عقله، وسعةُ فكره، في جميع قضاياه وأعماله وأقواله وأحواله: 1 ـ مواجهته للعالم الذي انتشرت فيه الجاهلية الجهلاء في جميع طبقاته ومِلَله. 2 ـ أساليب حجَّته على عَبدَة الأوثان، وأدلته على اليهود والنصارى، وإلزامهم الحجة وإفحامهم وإلقامهم حجر الخذلان. 3 ـ حُسن تأليفه بين قومه الذين كانوا أشتاتاً مُنقسمين على بعضهم ورفعه الخلاف من بينهم وإبعادهم عن الشحناء والبغضاء، لاسيما في محازِّ الاختلافات، ومثار العصبيات والقبليات من أكبر الشواهد على سموِّ فكره وسعة عقله. 4 ـ مَواقفه اليقظة من المتصدين له بالعداوة، وأخذه بأنواع الحذر، وردّه مكرهم عليهم. 5 ـ سعة علومه العظمى ومَعَارفه الكبرى، التي لا يحصيها إلا الله تعالى. إنَّ جميع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوامر والإرشادات والجزئيات والكليات هي أماني العقلاء والحكماء وغايات أهل النظر والفكر: 1 ـ إنَّ موضع التكاليف الشرعية هو العقل، حتى إذا فُقِد العقل ارتفع التكليف.. 2 ـ ولو كانت أوامره ونواهيه غير معقولة، لكان التكليف بها تكليفاً بما لا يُطاق. 3 ـ ولو كان فيما جاء فيه مُناقضة للمعقول، لكان الكفار ردوا عليه بذلك، فتارة يقولون: ساحر، وتارة شاعر، وتارة مجنون، وكيف يتفق الشعر والسحر مع الجنون.. 4 ـ جميع العقلاء شهدوا بحقيقة ما جاء به صلى الله عليه وسلم ولهذا سلموا وأسلموا. هذا النجاشي حين قال له جعفر: إنا كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي فينا الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولاً نعرف نسبه وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله عزَّ وجل لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نحن وآباؤنا نعبد من دون الله: من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة وصلة الرحم، وحق الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وشهادة الزور، وأكل مال اليتيم. فقال النجاشي بعد ذلك: مرحباً بكم وبمن جئتم من عنده، أشهد أنه رسول الله وأنَّه الذي نجد في الإنجيل، وإنه الرسول الذي بشَّر به عيسى بن مريم، والله لولا ما أنا فيه من الملك، لأتيت هذا النبي حتى أكون أنا الذي أحمل نعليه، كما في مسند أحمد (1740). وفي رواية الطبراني: لأتيته حتى أقبل نعليه. وهذا أكثم بن صيفي، يبعث جماعة من قومه إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين بلغه مخرج النبي صلى الله عليه وسلم فأتيا النبي فقالا له: نحن رسل أكثم، وهو يسألك: من أنت؟ وما أنت؟ وبم جئت ؟ فقال أما من أنا: فأنا محمد بن عبد الله، وأما ما أنا؟ فأنا عبد الله ورسوله، جئتكم بقول الله: [إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ] {النحل:90}.فقالا: ردِّد علينا هذا القول فردَّده عليهم حتى حفظوه. فأتيا أكثم فقالا له: أبى أن يرفع نسبه، فوجدناه أزكى النسب وسطاً في مضر، وقد روى لنا بكلمات قد سمعناها، فلما سمعهن أكثم قال: إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق، وينهى عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رؤوساً، ولا تكونوا أذناباً. (أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة 3: 285). فجميع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المعقول المحكم، ولا يمكن أن يأتي بمتناقضات عقلية، أو محالات فكرية، لكن قد يأتي بعظائم من الحكمة العالية التي تعجز العقول البشرية عن الإحاطة بها، واستيعاب جميع أسرارها، لضعف العقول عن ذلك، كما تضعف الأبصار عن التحديق في صفاء الشمس والإحاطة بنورها، وإنما ترى الأبصار من نور الشمس ما لا يسعها إنكاره، ولكنها لا تستطيع إدراكه وإحاطته، فالشريعة هي أحكام الله، وأحكام الله صادرة عن علمه، وحكمه، وأنى للمخلوق أن يحيط علماً بذلك كله. القرآن يعرض صوراً لبعض النماذج البشرية ليتأسَّى بها الناس، ومن هذه النماذج: نموذج المتقين في أول سورة البقرة، ونموذج المؤمنين في أوائل سورة الأنفال، وأوائل سورة المؤمنون. ومنها: نموذج عباد الرحمن في أواخر سورة الفرقان.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() أولو الألباب (2) الشيخ مجد أحمد مكي نموذج أولو الألباب في سورة الرعد: [أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ] {الرعد:19} . تعجُّب وإنكار، وهذا الإنكار يتكرَّر في القرآن الكريم، فلا يستوي أهل الحق والباطل: [أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] {الأنعام:122}. [أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ] {محمد:14}. [أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] {الملك:22}. لا يستوي من عَرَف الحق بما أقام الله عليه من الشواهد والبراهين، ومن عَمي عن الحق وضلَّ عنه؟ والمراد بالعمى: عمى البصيرة الذي لا يدرك الشيء رغم وضوحه ونصوعه. [إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ]: أصحاب العقول، والألباب جمع لُب، وهو حقيقية الشيء وجوهره، فجوهر الإنسان عقله، وهو مناط التكليف وأساس الثواب والعقاب. وأولو الألباب هم الجديرون بمعرفة أسرار الله في شرائعه وحكمه، فهم الذين يدركون حكمة شرعية القصاص: [وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] {البقرة:179}. 1 ـ هم الذين يدركون حِكمة الله وأسراره في خلقه وكونه:[إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ] {البقرة:164}. 2 ـ هم الذين يَعتبرون بالتاريخ وقصص القرآن، فلا تمرُّ على أسماعهم وحسب، ولكنها تمرُّ على قلوبهم، ولذلك نجد في القرآن الكريم:[لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الأَلْبَابِ] {يوسف:111}. [إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ] {الزُّمر:21}. 3 ـ هم الذين يَنتفعون بآيات الله الكونية والتنزيلية: [كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ] {ص:29}. 4 ـ هم الذين يعرفون قيمة العلم ويتميزون عن الجهلاء:[ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ] {الزُّمر:9} . 5 ـ هم الذين يَستمعون المواعظ والأقوال فيتَّبعون أحسنها، يميزون بين الحسن والأحسن؛ لأنهم أصحاب عقول فهم يرنون دائماً إلى الأحسن: [الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ] {الزُّمر:18}. لا يقفون عند الحسن بل يتطلَّعون إلى الأحسن. 6 ـ هم الذين يُؤمنون بالمحكمات ويصدِّقون بالمتشابهات ولا يهلكون عندها، بل لرسوخهم في العلم يقولون عند المتشابه:[ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ] {آل عمران:7}. فهم أصحاب العقول، الذين وصفهم الله بقوله: [وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ] {البقرة:269}، [إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ] {الرعد:19}. بصيغة الحصر: وما يذكر.... إنما يتذكر.... فالحقائق معروفة، مركوزة في داخل الفطرة الإنسانية، وخارج الفطرة الإنسانية بما بثَّ الله في الكون من آيات ومذكرات... وصفت أولو الألباب بجملة من الفضائل الخلقية الرفيعة، فربطت بين الكمال العقلي والكمال الخُلُقي، وهو ما نلحظه في نفي الجنون عن النبي صلى الله عليه وسلم: [مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ] {القلم:2}. [وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ] {القلم:4}. أول ما وَصفهم الله تعالى به، أنَّهم يوفون بعهد الله، وهو: ما عَهِد إليهم من الإيمان به وتوحيده وطاعة رسله، وهو الذي غَرَسه في فِطَر البشر حين أخذ عليهم العهد: [أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى] {الأعراف:172}، [أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ] {يس:60}. ويوفون بما عاهدوا الله عليه، وما عاهدوا عليه الناس: [وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ] {النحل:91}. ومن صفات أهل البر، الآية الجامعة: [وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ] {البقرة:177}، على عكس صفات المنافقين الذين إذا عاهدوا غدروا، وإذا خاصموا فجروا، وإذا ائتمنوا خانوا، وإذا حدَّثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، فشتان بين الفريقين. [الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلَا يَنْقُضُونَ المِيثَاقَ] {الرعد:20} تأكيد للوفاء بالعهد، فلا يتركون الوفاء بالعهد لمصلحة تبدو عاجلة، وبعض الناس لا يبالي بما عاهد عليه الله، وما عاهد عليه الناس. فالمسلم لا ينقض الميثاق، وإن تبدَّت له مصلحة: [وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا] {الإسراء:34} حتى ولو كان العهد مع كافر، فالقرآن الكريم قدَّم رعاية المواثيق مع الذين بينهم وبين المسلمين مواثيق على نصرة الذين لا يعيشون في دار الإسلام من المسلمين: [وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ] {الأنفال:72}. فأولو الألباب يحترمون المواثيق أياً كان نوعها، ومنها ميثاق الزوجية: [وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا] {النساء:21}. أولو الألباب: أصحاب العقول، ولبُّ الشيء حقيقته وجوهره... وأول ما وصفهم الله به، أنَّهم يوفون بعهد الله، ولا ينقضون الميثاق. ومن أوصاف أولي الألباب: [وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ] {الرعد:21} يَصِلون ما أمرَ الله به أن يوصل، بهذا التعميم والإجمال، الذي يشمل كل العلائق والصلات المتنوعة في الحياة، من رحم وزوجية وجوار وصحبة، فهي مما أمر الله به أن يوصل، فالإسلام جاء ليوثق الصلة بين الله وعباده، وبين الناس بعضهم ببعض، فهناك الصلات الخاصَّة كالرحم والزوجية والمصاهرة والجوار، وهناك الصلات العامة: [إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ] {الحجرات:10}، فكل المؤمنين ينبغي أن يوصل، وأن ينصر على من ظلمه، أن ينصح له، ويذبَّ عنه، ونساعده عند الشدَّة. ما هو دافعهم إلى هذا؟: [وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ] {الرعد:21} فخشية الله هي المفتاح. والخشية خوف مع تعظيم من المخوف سبحانه، وعلم بقدرته، ولذلك قال تعالى: [إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ] {فاطر:28}. والتعبير بقوله سبحانه: يخشون ربهم، كما قال تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ] {الملك:12}، [مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ] {ق:33} فهي خشية ممزوجة بنوع من الرجاء، فهم يخشون ربَّهم الذي ربَّاهم بنعمه، ورعاهم بفضله، وغَمَرهم بإحسانه. [وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ] {الرعد:21} يستحضرون الآخرة، فليست الآخرة غائبة عنهم، فهي نصب أعينهم، وليس كشأن صنف الناس لا يرجون لقاء الله: [إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ] {يونس:7}. وسوء الحساب: المناقشة والاستقصاء، فهناك الحساب اليسير الذي لا مُناقشة فيه، وهناك الحساب العسير إذا أوقف الإنسان للمساءلة ونوقش: ماذا فعلت؟ وكيف فعلت؟ ولمَ فعلت؟. فأولو الألباب يخافون سوءَ الحساب، لا يزعمون أنَّ صفحتهم بيضاء، فليسوا من الملائكة، وليسوا أنبياء مَعْصومين، إنَّهم يخافون الله تعالى دائماً كما قال سبحانه: [إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ] {المؤمنون:57}، [وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ] {المؤمنون:60}. والصبر: حَبْس النفس على ما تكره مما يقتضيه الشرع أو العقل، والصبر ضرورة دينية ودنيوية، ولا يمكن للإنسان أن يفلح أو يفوز إلا بالصبر. فأولو الألباب يَصبرون على البلاء، كما صبر أيوب عليه السلام: [إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ] {ص:44}. وأولو الألباب يَصْبرون عما نهى الله عزَّ وجل عنه من المعاصي، مثل صبر يوسف عليه السلام إذ راودته التي هو في بيتها، وتهيَّأت له أسباب المعصية فأبى واستعصم، وقال: [قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الجَاهِلِينَ] {يوسف:33}. وأولو الألباب يصبرون على طاعة الله عزَّ وجل مهما كان منها، كما صبر إسماعيل عليه السلام الذي قال له أبوه: [فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ] {الصَّفات:102}. ويصبرون على مشاقِّ الدعوة ومَتَاعب الطريق مهما طال، كما صبر نوح عليه السلام الذي ظلَّ ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعو إلى الله تعالى، يدعو قومه ليلاً ونهاراً، وسرَّاً وجَهَاراً. أولو الباب وصفهم الله بأنَّهم صبروا، ولم يذكر على أي شيء صبروا، ولا عن أي شيء صبروا، وعبَّر بصيغة الماضي... وغيَّر صيغة المضارع [الذين يوفون]، [ولا ينقضون]، و[يصلون]، و[يخشون]، و[يخافون]..، إلى الماضي مما يدلُّ على تحقق الصبر. ولذلك نجد في آية البر: [وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ] {البقرة:177} نصبت على الاختصاص أو المدح أي: أخصُّ الصابرين وأمدحهم. صبروا ابتغاء وجه ربهم، هناك من يصبر مُراءاة للناس، مُراعاة للخلق ليقولوا: ما أصبره عند النوازل؟ وما أثبتَه عند النوازل؟ قد يوجد من يصبر كي لا يشمت به الأعداء، كما قال الشاعر: وتجلدي للشامتين أريهم أني لريب الدهر لا أتضعضع ومن يصبر لأنَّه لا يجد غير أن يصبر، ولا يخطر بباله أن يرضي الله. مزية أولي الألباب أنَّهم صبروا ابتغاء وجه ربهم، ابتغاء ثَوابه، كما قال سبحانه: [وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ] {المدَّثر:7} ولهذا كان صبرهم عبادة، والعبادات ليست هي العبادات الظاهرة من صلاة وزكاة وحج وذكر وتسبيح، هناك عبادات باطنة: الأخلاق الربانية، وهناك: أخلاق إنسانية، الصدق والتعاون والنظام، والعدل والوفاء، وهذه تشترك فيها الأمم دينية أم غير دينية، وثنية أو غير وثنية. [وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ]: أدَّوها قائمة مستوفية للأركان والشروط والآداب، والله سبحانه لم يقلْ: صلَّوا. وإنما قال: [وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ]. وهو تعبير يفيد أنهم يؤدُّونها مستكملة لحقوقها، [وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ] {الرعد:22} فحينما يخرجون من أموالهم ما ينبغي أن يخرج فإنما يخرجون مما رزقهم الله، فالمال ليس لهم في الحقيقة، وإنما هو مال الله عندهم، وهم لا يُخرجون هذا المال كله، ولكنهم يخرجون بعضَه، فالله يطلب البعض لا الكل: [إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ] {محمد:37}. فلو سألكموها كلها وأحفاكم أي: لم يُبقِ لكم شيئاً هنالك تبخلوا... [سِرًّا وَعَلَانِيَةً]: فأحياناً يُنفقون سراً، إن كان السر أولى، كأن يكون أبعد عن الرياء، وخصوصاً في صدقة النفل، يخرجونها سراً بعيداً عن التظاهر، وأحياناً ينفقون عَلانية، إذا كان الإنفاق فَريضة، حتى لا يتهمهم الناس بالتفريط في الواجب، وحتى يقتدي بهم غيرهم، إذا أمنوا على أنفسهم الرياء، فهم يقدرون المواقع التي تكون أولى بالسر، أو العلن. وقد وصف الله المؤمنين: [الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ] {البقرة:274}، [إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ] {البقرة:271} . ويدرؤون بالحسنة السيئة: يَدفعون بالحسنة السيئة، لا يُقابلون الإساءة بالإساءة، بل يُقابلون الإساءة بالإحسان، لا يريدون أن يقضوا حياتهم في المخاصمة مع الناس، والشجار مع الخلق، فالعمر أقصر والحياة أهون من أن يقضوها في المشادَّة، والملاحاة مع الآخرين، إنما تتسع قلوبهم وصدورهم، ليقابلوا المسيء بالإحسان، فهم يصلون من قطع، ويبذلون لمن منع، ويعطون من حرَم، ويعفون عمن ظلم، ويحسنون إلى من أساء... كما وصف عباد الرحمن: [وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا] {الفرقان:63}، [وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الجَاهِلِينَ] {القصص:55}. يجزون من ظلمِ أهلِ الظلم مغفرة ** ومن إساءة أهل السوء إحساناً كما قال تعالى: [وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ] {فصِّلت:34} لا يستطيع أن يقف هذا الموقف إلا الذين صبروا، وهذا يدلُّ على أهمية الصبر في الأمور كلها... [وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ] {الرعد:22} الجنة... جنان عدن... هي جنات، وليست جنة واحدة: جاءت أم حارثة بن سراقة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله، ألا تحدثني عن حارثة ـ وكان قد قتل يوم بدر أصابه سهم ـ فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، فقال: يا أم حارثة إنَّها جنان في الجنَّة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى (رواه البخاري من حديث أنس بن مالك). فهي جنان.. وجنان عدن معناها: الاستقرار والإقامة والخلود: [جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ] {الرعد:23}: فالله تعالى يكرمهم بأن يدخل معهم من يحبون من الآباء والأزواج.. فالرجل تَدخل معه زوجته الجنة، والمرأة الصالحة يدخل معها زوجها كرامةً لها، حتى تكمل البهجة، ويتم السرور، حينما يلتئم الشمل. إنَّها نعمة عظيمة ولكن هذا لا يكون إلا بشرط الصلاح، ومن صلح، أما غير الصالحين فلا يدخلون الجنة معهم: [لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ] {الممتحنة:3}، [فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ] {المؤمنون:101}. فالكافر لا يَنفعه نسب، ولا ينفعه أب ولا زوج ولا ابن... لكن الأنساب تنفع أهل الإيمان، فإذا مَات أحدهم على الإيمان فإنَّ الله ينفعه بأهله، ولو كان أقل درجة منهم: [وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ] {الطُّور:21} فالأدنى يرتفع إلى الأعلى دون أن ينقص الأعلى شيئاً. [جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ] {الرعد:23} يدلُّ على كثرة الأبواب، لتتسع للداخلين، ويكثر التحية والسلام لهم... [سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ] {الرعد:24}. وهنا نجد أهمية الصبر مرة أخرى، فالعبادة تحتاج إلى صبر: [رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا] {مريم:65}. الوفاء بعهد الله، ودفع السيئة بالحسنة , والإنفاق من رزق الله:[وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا] {الإنسان:12}. تسليمات تأتيهم من كل ناحية: [لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا] {مريم:62}. والجنة: دار السلام، لكثرة ما فيها من السلام، ولأنها دار الأمان: [لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] {الأنعام:127} ومن أسمائه سبحانه: السلام، والمسلمون تحيتهم السلام. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() أولو الألباب (3) الشيخ مجد أحمد مكي الحكمة رزق كريم، وفضل عميم، من تحلّى بها فقد نال الكرامة في الدنيا وأوصلته مع الإيمان بالله والعمل الصالح إلى جنة عرضها السماوات والأرض، ولا ينالها إلا المحظوظ. ورسول الله صلى الله عليه وسلم آتـاه الله الحكمة ليعلمها المسلمين، فينتفعوا "لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم، يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين" آل عمران (164). وقال تعالى في الآية الثانية من سورة الجمعة: "هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين" . وقال تعالى منبهاً إلى الطريقة المثلى في الدعوة إلى الله: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" النحل (125) قال القرطبي في تفسيرها: الحكمة: تلطف ولين دون مخاشنة وتعنيف. وعيسى عليه السلام آتاه الله الحكمة كذلك: "وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل" المائدة (110). وأخبرنا عن داوود عليه السلام: "وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب" ص (20). وقال في حق لقمان الحكيم: "ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله". لقمان (12) فما هي الحكمة؟ قال مالك: المعرفةُ بالدين، والفقه بالتأويل، والفهمُ الذي هو سجيّة ونورٌ من الله تعالى. وقال قتادة: هي السنّة، وبيان الشرائع. وقيل: هي الحكم والقضاء خاصة. وقيل: الحكمة شكر الله تعالى.. ألم يقل الله تعالى: "ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله؟!" وأرى أن الحكمة في الدعوة تراعي مقتضى الحال: 1 – فمن كان ذا عقل وبصيرة خوطب بالحجة والبرهان. 2 – ومن كان عالماً بُسِطت له الأدلة ووسائل التدبُّر. 3 – ومن كان لطيفاً مهذباً خوطب بما يناسبه. 4 – ومن كان جاهلاً عُلِّم واعتني به. 5 – ومن سفِه وتطاولَ قُمعَ، ونُهر. وقال تعالى- [وهنا بيت القصيد في مقالنا هذا]: "يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ" (269) البقرة. فلا ينال الحكمة إلا من شاء الله تعالى له المكانة العالية في الدارين ، ولهذا جاء قولُه سبحانه:" يؤتي الحكمة من يشاء " شرحها ابن عباس رضي الله عنهما: (المعرفة بالقرآن ناسخِه ومنسوخِه ومحكمِه ومتشابهِه ومقدمِه ومؤخرِه وحلالِه وحرامِه وأمثاله) وقال الحسنُ البصري رحمه الله تعالى : هي الوَرَعُ وقال مجاهد: (الحكمةُ الإصابة في القول والعلم والفقهُ والقرآن). وقال أبو العالية : الحكمة خشية الله فإن خشية الله رأس كل حكمة ، وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه، وقال بعضهم : السنّة والفهمُ والفقهُ في دين الله وقال السدي : الحكمة النبوةُ .والصحيح أن الحكمة كما قاله الجمهور لا تختص بالنبوة بل هي أعم منها وأعلاها النبوة والرسالة أخص ،( قالها ابن كثير). وقال القرطبيُّ في تفسيره ![]() عن ابن مسعود قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول ![]() وذكرَ ثابتُ بن عجلان الأنصاري قال : كان يقال : إن الله ليريد العذاب بأهل الأرض فإذا سمع تعليم المعلم الصبيان الحكمة صرف ذلك عنهم . والحكمة ( القرآن) فمن أوتي هذه الفضائل فقد دخل ابوابَ الخير كلها، وأعطي ما لم يُعطَ غيرُه. ولعلنا نذكر قوله تعالى" وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " [ الإسراء : 85 ] . فسمى عطاء الحكمة خيراً كثيراً ; وكان العلم إلى جانبها قليلاً ،فكانت الحكمة جوامع الكلم . وحين أعطى الله بعض أهل الدنيا مالاً كثيراً سمّاه متاعاً ، والمتاع زائل فقال " قل متاعُ الدنيا قليل" وسمّى الحكمة خيراً كثيراً وما ينتفع بالموعظة والتذكار إلا من له لبٌّ وعقلٌ يعي به الخطاب ومعنى الكلام .وما يعرف الحكمة وفضلها إلا أولو الألباب ، ولا ينالها سواهم ، فهم وحدهم من يعرف فضلها ،ويعمل بها ، وصاحب اللب ذكي زكي ، أديب اريب... اللهم ارزقنا الفهم والدراية وحُسن العمل واجعلنا من ( أولي الألباب)
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() أولو الألباب (4) الشيخ مجد أحمد مكي إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ (190) البقرة. روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لما نزلت هذه الآية على النبي قام يصلي , فأتاه بلال يؤذِنه بالصلاة ( يُعلمُه) فرآه يبكي فقال : يا رسول الله , أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ! فقال : ( يا بلال , أفلا أكون عبدا شكورا ولقد أنزل الله عليَّ الليلة آية " إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب " - ثم قال : ( ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها ) . فمن معاني الآية – كما ذكر ابن كثير رحمه الله تعالى : أنه سبحانه ينبهنا إلى ارتفاع السماء واتساعها وخفض الأرض وكثافتها واتضاعها وما فيهما من الآيات المشاهدة العظيمة من كواكب سيارات وثوابت وبحار وجبال وقفار وأشجار ونبات وزروع وثمار وحيوان ومعادن ومنافع مختلفة الألوان والطعوم والروائح والخواص فهذا الخلق المتناسق العظيم يدل على وجود خالق بديع أوجَدَهما، وأنّ تعاقب الليل والنهار وتقارضهما الطول والقصر . فتارة يطول هذا ويقصر هذا، ثم يعتدلان ثم يأخذ هذا من هذا ،فيطولُ الذي كان قصيرا ، ويقصر الذي كان طويلا بتقدير العزيز العليم " فيه آياتٌ لأصحاب العقول التامة الزكية التي تدرك الأشياء بحقائقها على جلياتها . وليسوا كالصم البكم الذين لا يعقلون ،الذين قال الله فيهم " وكأيّن من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ". فلا بدّ من التفكر والتدبّر،إذ لا تصدر إلا عن حيٍّ قيوم قدير وقدوس غني عن العالمين حتى يكون إيمانهم مستندا إلى اليقين لا إلى التقليد .( قاله القرطبي رحمه الله). ويقوله معه أهل القلوب الحية والأفئدة الطيبة والعقول الصحيحة الذين يستعملون عقولهم في التأمل والاستدلال.إنهم أولو الألباب. فما سمات أولي الألباب في الآيات التي تلي هذه الاية الكريمة؟. 1- أول ما نلقاه من سماتهم: ذكرُهم الدائم لله تعالى في قيامهم وقعودهم وتحوّلهم إلى النوم وبعد استيقاظهم، حياتهم كلها لله تعالى ، وألسنتهم رطبة بذكر ربهم تسبيحاً وحمداً واستغفاراً وتهليلاً ، لا يفتأون يذكرون الله ويعظمونه. 2- يتفكرون في ما خلق اللهُ من سماء وأرض ودقة في الصنع وعظمة في الإبداع وحكمة في السبب ، ويعلمون ان الله تعالى ما خلق هذا لعباً – حاشا وكلاّ- إنما خلقه لأمر يريده وهدف ،علينا أن نعمل له ونسعى بين يديه، فمن أحسن فله الثواب ومن أنكر وأساء وتجافى فله العقاب ، فكان دعاء المسلم العاقل:" سبحانك ، فقنا عذاب النار" .فمن سقط في الامتحان ونال العقاب خاب وخسر. 3- من أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم وأجاب نداءه فآمن بالله وأطاعه غفر الله ذنوبه وكفّر عنه سيئاته وحشره حين يتوفاه مع الصالحين الأبرار، وما أسعده إذ ذاك وما أكرمه حين ينال رضا ربه، فيقربه ويدخله جنته بعفوه ومنّه وكرمه. 4- قلوبهم معلقة بالله تعالى يسألونه الهدى والتقى والعفاف والغنى ويرجونه أن يكرمهم يوم تبيضُّ وجوه وتسوَدُّ وجوه ‘ إنه يوم القيامة ، يوم الحسرة والندامة ،وهو يوم الجود والكرم لمن كان من عباد الله الصالحين. 5- وهم الذين هاجروا إلى بلاد الإيمان وهجروا المعاصي ،وهم الذين صبروا على الابتلاءات حين أوذوا في سبيل الله وقاتلوا وقُتِلوا ، وبذلوا الغالي والرخيص في سبيل الله ،وما وهنوا لما أصابهم في سبيله تعالى. قال العلماء : يستحب لمن انتبه من نومه أن يمسح على وجهه , ويستفتح قيامه بقراءة هذه الآيات العشر اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم , ثبت ذلك في الصحيحين ، ثم يصلي ما كتب له , فيجمع بين التفكر والعمل , وهو أفضل العمل على ما يأتي بيانه في هذه الآية بعد هذا . اللهم اجعلنا من أولي الألباب. وأدخلنا الجنة مع الأحباب.
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() أولو الألباب (5) الشيخ مجد أحمد مكي قالت العرب: اللبُّ = العقل. وإذا تحزّم الرجل وتشمّر فقد تلبّبَن (صار ذا لُبٍّ.) قال تعالى: هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ (7) آل عمران بدأت سورة آل عمران بتوحيد الله تعالى ،فهو الحي القيّوم ، ولمّا كان هو الإلهَ الحقَّ وجبت عبادته فهو الذي أنزل الكتب السماوية على أنبيائه ومنها القرآن ليهتدوا بها فمن جحد وكفَرَ هُدِّد بالعذاب الشديد فالله قادر يفعل ما يشاء.ولا يغيب عن مولانا شيء في الأرض ولا في السماء, يصور الناس كما يشاء . إن في القرآن آياتٍ محكمات واضحاتِ الدلالة بينات لا التباس فيها على أحد ،هن أم الكتاب ، وفيه آيات أخرُ فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس فمن رد ما اشتبه إلى الواضح منه وحكَّم محكمَه على متشابهه عنده فقد اهتدى ،ومن عكس ضلّ ،والمتشابهات تحتمل دلالتها موافقة المحكَم ، وقد تحتمل شيئا آخر من حيث اللفظ والتركيبُ لا من حيث المراد . وقال العلماءُ:إن المتشابه هو الكلام الذي يكون في سياق واحد والمثاني هو الكلام في شيئين متقابلين كصفة الجنة وصفة النار وذكر حال الأبرار وحال الفجار ونحو ذلك( تفسير القرطبي). وقيل:المتشابه هو الذي يقابل المُحكم ، وقال محمد بن إسحق بن يسار رحمه الله " منه آيات محكمات " فهن حجة الرب وعصمة العباد ودفعُ الخصوم الباطلَ ،ليس لهن تصريف ولا تحريف عما وضعْنَ عليه . إنّ أهل الضلال والخروج عن الحق يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه ،أما المحكم فلا نصيب لهم فيه لأنه دافع لهم وحجة عليهم ، ويُدَلِّس أصحابُ الأهواءِ على المخدوعين بهم إيهاماً لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن ، وهو حجة عليهم لا لهم، كما لو احتج النصارى أن القرآن ذكر أنَّ عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ،وتركوا الاحتجاج بقوله " إن هو إلا عبد أنعمنا عليه " وبقوله " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ،ثم قال له كن فيكون " وغير ذلك من الآيات المُحكمة المُصرِّحة بأنه خلقٌ من مخلوقات الله وعبدٌ ورسولٌ من رسل الله . فعن عائشة رضي الله عنها قالت : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات " إلى قوله " وما يذَّكرُ إلا أولو الألباب " قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى اللهُ ،فاحذروهم " رواه البخاري إنَّ أول بدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج ،وكان مبدؤهم بسبب الدنيا حين قسم النبي صلى الله عليه وسلم غنائم حنين ،فكأنهم رأوا- وهم مخطئون- أنه صلى الله عليه وسلم لم يعدل في القسمة ففاجأوه بهذه المقالة فقال قائلهم - وهو ذو الخويصرة - :اعدل فإنك لم تعدل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني " فلما قفا الرجلُ( انصرف) استأذن عمر بن الخطاب -وفي رواية خالد بن الوليد - في قتله فقال " دعه فإنه يخرج من ضِئضِئِ هذا أي من جنسه قومٌ يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وقراءته مع قراءتهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميَّة،فأينما لقيتموهم فاقتلوهم،فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم" قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى" وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ:..." التفسير على أربعة أنحاء : 1- فتفسيرٌ لا يُعذر أحدٌ في فهمه 2- وتفسيرٌ تعرفه العرب من لغاتها 3- وتفسيرٌ يعلمه الراسخون في العلم 4- وتفسيرٌ لا يعلمه إلا الله . عن ابن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضُه بعضاُ، فما عرفتم منه فاعملوا به ،وما تشابه منه فآمنوا به " . يقول تعالى:" أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا "إنّ الراسخين في العلم يعلمون ويؤمنون بما أنزل الله لأنهم أولو الألباب، ولهذا قال تعالى " وما يذكر إلا أولو الألباب " فما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها إلاّ أولو العقول السليمة والفهوم المستقيمة . إنّ أنساً وأبا أمامة وأبا الدرداء رضي الله عنهم ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الراسخين في العلم فقال " من برَّتْ يمينه وصدق لسانه واستقام قلبه ومن عف بطنه وفرْجُه ،فذلك من الراسخين في العلم " وقال العلماءُ: الراسخون في العلم المتواضعون لله المتذللون لله في مرضاته ،لا يتعاظمون على من فوقهم ،ولا يحقرون مَن دونهم . هؤلاء أولو الألباب 1- يدعون ربهم قائلين " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ". يسألونه تمام الهداية وثباتهم عليها. 2- يعلنون أنهم مؤمنون بما أنزله الله تعالى عليهم ، ويعملون بما أمرهم. 3- قلوبهم معلقة بالله لا يغفلون عن ذكر الله. 4- يستوهبونه – سبحانه- الرحمة والعفو والغفران . 5- يمدحونه باسمائه الحسنى ومنها ( الوهاب) فمن وهبه الله الهداية فقد فاز؟ 6- مؤمنون باليوم الآخر ويعملون له ، زادهم التقوى ، ويسرعون إلى ذلك . سبحانك اللهم ارزقنا الفهم والعمل واجعلنا من ذوي الألباب.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |