|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() فضائل القرآن الكريم: اهتمام القرآن بإصلاح النفوس -1- الشيخ عبد الله المراغي ![]() قال الله تعالى في كتابه الكريم:[وَآَتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ وَالمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا] {الإسراء:26-27}. عنى القرآن الكريم بإصلاح النفوس من داء الشح الذي اعتبره الإسلام مرضاً مهلكاً للفرد والمجتمع، والواقع أن الحرص على المال من طبيعة النفوس، فهي تميل إلى البخل، ولابدَّ لتطهيرها من هذا الوباء من علاج الطبيب الخبير والحكيم العليم بغرائز النفوس وظواهرها وخوافيها، وأحاسيسها ومراميها، علاجاً ناجعاً يجانب الافراط والتفريط، فإن فضيلة السخاء ترتكز على سماحة النفس بإنفاق المال فيما يُحمد من الأعمال، فإذا لم يرتكز السخاء على ذلك بل دفع إليه الرياء وحب الظهور، لم يكن محمدة، وإذا ارتكز على القسر كالتبرعات التي يراعى فيها مجاملة من يخشى من الناس، لم يكن فضيلة، وإذا أنفق المال فيما لا ينبغي من الأعمال كان ذلك رذيلة. والفضائل كثيراً ما تشتبه في مظهرها بالرذائل في مخبرها، وكثيراً ما يلبّس الشيطان على الناس الرذائل فيكسوها ثوب الفضائل، فالتبذير قد يسميه بعض الناس كرماً وسخاءً، والاقتصاد قد يسميه فريق منهم بخلاً وشحاً. والقانون الشرعي هو الذي يضبط الفضائل، ويزيد عنها الخفاء والإلباس، وقد بيَّنت التعاليم الإسلامية حدود الفضائل حتى لا تلتبس بالرذائل، ليسلم المجتمع من الشرور. والقرآن الكريم أوضح هذا فقال: [وَآَتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ وَالمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا] {الإسراء:26-27}. فقد أمر الله بإعطاء الحقوق لأهلها، كنفقة الزوجة والوالدين، والأولاد وصلة الرحم، وإعانة المساكين وأبناء السبيل، و نهى عن التبذير في هذا الإعطاء، وجعل المبذرين إخوان الشياطين، لأن المبذر مفسد لماله، والشياطين مفسدون في الأرض، والشيطان بلغ الغاية في كفران نعمة ربه، وكذلك المبذِّر كافر بهذه النعمة، لأن الشاكر من يصرف النعمة فيما خلقت له، والكافر من يجحدها أو يصرفها في غير ما خلقت له، ثم رسم لنا الطريقة المثلى في الانفاق، و بيَّن مضار التقتير والتبذير فقال: [وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا] {الإسراء:29}. هذا هو الطريق السليم الذي يجب أن يسلكه العقلاء في إنفاق المال: توسط في غير تفريط ولا إفراط، وقصد في غير إسراف ولا بخل، ويقول الله تعالى في هذا المعنى أيضاً:[وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا] {الفرقان:67}. هذه هي القنطرة التي أقامها الإسلام للنجاة من التقتير والتبذير والسلامة من اللوم الذي يلحق البخيل، والحسرة التي تلحق المبذر. والإسلام حين راعى مصالح البشر المتشعبة المتكاثرة، فطالب بإنفاق المال، راعى مصلحة صاحب المال أيضاً، لأن المال عامل من أهم عوامل إصلاح المجتمع، فكلَّفه أن يرعى مستقبله ومستقبل ذريته وأقاربه من بعده. جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عليه أن يتبرع بماله كله صدقة في سبيل الله فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك حتى عرض أن يتصدق بالثلث، فوافق رسول الله على ذلك وقال: (الثلث والثلث كثير). والاقتصاد والقصد في النفقة والمعيشة لا ينافي السخاء، ولا يجافي الجود والكرم، ولا يتنافر مع البذل والإحسان، ولا يشبه البخل والتقتير. فالاقتصاد ادخار جزء من المال لا تدعو إلى انفاقه مقتضيات الحياة، وذلك بقصد الانتفاع به عند الاقتضاء، ومن المعلوم أن القصد هو التوسط في الانفاق وأن السخاء هو إنفاق المال فيما ينبغي من الأعمال، وأن التبذير هو إنفاق المال في غير حقه، أما الشح فهو إمساك المال حيث ينبغي الإنفاق، كمانع الزكاة، و المضيق على نفسه، وأهله، وقاطع رحمه من الإكرام، ومانع بره عن المساكين، والفقراء والأيتام، وقابض يده عن التبرع لمشروعات الخير كإنشاء المدارس والمصحات، والمصانع وغيرها من معاهد الإصلاح التي تساعد على ترقية الأمة، والترفيه على أبنائها في حياتهم المادية والمعنوية. والشّح آفة اجتماعية خطيرة، وخلق ذميم، نهى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عنه، وبيَّن ضرره قال: (إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم)رواه مسلم (2581). وهذا تصوير رائع لضرر الشح، فهو من أسباب التقاتل وإراقة الدماء، واستحلال المحارم، والاعتداء على أموال الناس بالسلب والنهب والتلصص والاحتيال، والقرآن الكريم بيَّن هذا المعنى في كلمة جامعة إذ يقول: [وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ] {البقرة:195}. والإنفاق في سبيل الله باب واسع لبذل المال في جميع أنواع الخير والبر، وإمساك المال عن ذلك مضيعة لمصالح الأمة، ومتلفة لمنافعها، ومهلكة لحياتها، إذ هو سبب حقد نفوس الفقراء على الأغنياء فيتربصون بهم الدوائر للاعتداء على أموالهم ودمائهم. والآية الكريمة حين حثَّت على الانفاق في سبيل الله وحذّرت من التهلكة المترتبة على الإمساك، أمرت بالإحسان عند الانفاق، وهو مراقبة الله عند السخاء بالمال، فلا يقصد غير وجه الله تعالى، ولا يسرف ولا يقتر، فإن الله يبغض المرائين والمسرفين والمقترين، ويحب المحسنين. وهذا إغراء بالإحسان والسخاء أيّما إغراء، فإن محبة الله غنم تتطلع إليه القلوب الطاهرة، وتتعشقه النفوس الصالحة، وقد عالج القرآن الكريم النفوس الشحيحة، لانتزاع داء الشح منها، منعاً لشّره وتلافياً لضرره. ولما كان منشأ الشّح الحرص على المال، والخوف من الفقر، كما يزيِّنه الشيطان للناس، عنى القرآن الكريم بذلك فأكد للأسخياء أن سخاءهم طريق لنماء المال، وزيادة الثراء، لا إلى الفقر والإملاق، فضلاً عن الأجر الذي أعده الله لهم في الدار الآخرة. وذلك منتهى ما يرجو المرء في حياته ومعاده، قال تعالى: [وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ] {سبأ:39}. وقال جلَّ شأنه: [وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا] {المزمل:20}. وقارِن بين وعد الله وتخويف الشيطان، فقال:[الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] {البقرة:268}. هذان و عدان أحدهما من رب كريم، والآخر من شيطان رجيم فكيف يؤثر عاقل وعد الشيطان على وعد الرحمن؟!! ومن هذا نفهم جلياً مغزى قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد) مسند أبي داود الطيالسي (2573). فالبخل خلق ذميم، ينافي عملياً عقيدة الإيمان، ورذيلة من أشد الرذائل ضرراً بالمصالح العامة. أما السخاء ففضيلة من أجلِّ الفضائل، وحسبنا في المقارنة بينهما قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (السخي قريب من الله قريب من الناس، قريب من الجنة بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله بعيد من الناس بعيد من الجنة قريب من النار) المعجم الأوسط للطبراني(2363). وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. المصدر: مجلة كنوز الفرقان ربيع الأول 1368 العدد الثالث السنة
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() فضائل القرآن الكريم: اهتمام القرآن بإصلاح النفوس -2- الشيخ عبد الله المراغي قلنا في مقال سابق أن القرآن الكريم عنى بالروح، والنفس، و الفطرة، والضمير، والسريرة فلم يغفلها، مع أن الاهتمام بذلك كله يعد من خصائص علم النفس أو علوم الطبيعة، والقرآن كتاب تشريع أنزله الله هداية ونوراً للناس، وهو حين عرض لهذه الأمور عرض لها من ناحية الهداية. لذلك نجده يجيب على السؤال الذي وجهه المعاندون إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بخصوص حقيقة الروح جواباً يدل على أن حقيقة الروح قد استأثر الله بعلمها فيقول: [وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا] {الإسراء:85}. وقد عنى بالنفس فذكرها بما يهذبها وجعل أساس هذا التهذيب تذكيرها بالموت واليوم الآخر والبعث والحساب، و السؤال عما قدَّمت من الأعمال، ثم بالعذاب الأليم أو النعيم المقيم، [فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الغُرُورِ] {آل عمران:185}. وقال: [كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ] {الأنبياء:35}. وأعلن سبحانه أنه أرشدها إلى الطريقين فقال [وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا(10) ]. {الشمس}.. وأخبر جل شأنه أنه خلق لنا السمع والأبصار والأفئدة لنوجهها إلى شكر الله على نعمه، قال سبحانه:[وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] {النحل:78}. وحذَّر النفس عاقبة اتباع الهوى، ورغّبها في مخالفته، قال: [فَأَمَّا مَنْ طَغَى(37) وَآَثَرَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا(38) فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأْوَى(39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى(40) فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى(41)]. {النَّازعات}.. ويقول تعالى يقص علينا ما وعظ به نبيه داود عليه السلام:[يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الحِسَابِ] {ص:26}. ويصف جل وعلا للإنسان كيف ينجو من وساوس النفس إذا حدثته بسوء قال سبحانه:[وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ] {ق:16}. فإذا ايقن الإنسان أن الله مطَّلع على سريرته، وأنه يعلم خلجات نفسه، وإذا ت ذكر جلال ربه وأنه أقرب إليه من عرق الحياة، استطاع أن يدفع الوساوس التي تغريه بمخالفة أوامر الله. يوضح ذلك قوله تعالى:[وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ] {الأعراف:200}. فإذا استعاذ بربه من وساوس الشيطان أعانه وأعاذه، وبصره طريق الرشد وجنبه طريق الغواية، فصار على الطريقة المستقيمة. ويجليه أيضاً قوله سبحانه:[إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ] {الأعراف:201}. وهذه الآية الكريمة تصور لنا كيف يستطيع المؤمن التقي أن يتجنب نوازع الشر، ويستجيب لنوازع الخير، فإذا وسوس له الشيطان ارتكاب جريمة من الجرائم، أو معصية من المعاصي، أو عمل من أعمال السوء، اشعر قلبه خشية ربه فأبصر عاقبة أمره، وكانت نتيجة الإقدام والإحجام مائلة أمام ناظريه، فأقلع عن غيه، وكان له من ضميره اليقظ مانع، ومن شعوره الحي حاجز. وقد بيَّن الله لنا في كتابه العزيز أن خوف القلب من الله دليل الإيمان وعلاقة اليقين، قال تعالى:[إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ] {الأنفال:2-4}. فالمؤمن إذا أشعر قلبه جلال الله امتلأ قلبه بالوجل من هيبته والخشية من عظمته، فإذا تليت عليه آياته التي تذكره بربه، وتحثه على طاعته، وتزجره عن معصيته، ازداد إيماناً، ويقينا على يقينه، فلم يعتمد على أحد سواء، وكانت قرة عينه طاعته ورضاه، فأقام الصلاة، وأنفق مما آتاه الله، فاطمأن قلبه، وسما شعوره، وفي ذلك يقول الله تعالى:[الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ] {الرعد:28}. ولقد قصَّ علينا القرآن الكريم أن أم موسى عليه السلام لما أوحى الله إليها أن تلقيه في القيم، ألقته إيماناً بوعد الله لها أن يرده غليها، وأن يجنبه الردى، وأن يحفظه من الأذى، وأن يجعله من المرسلين، فكان إيمان قلبها داعياً إلى امتثال أمر الله بما لا يقدم عليه إلا أصحاب القلوب السليمة المؤمنة الموقنة، فلما التقطه آل فرعون ووقع في أيديهم خشيت عليه السوء، فلم يكن لها درع يقيها من المجاهرة بأمره إلا ما أنزل الله على قلبها من ثبات واطمئنان، وفي ذلك يقول الله تعالى:[وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ فَالتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ] {القصص:7-10}. وهل أقدم إبراهيم عليه السلام على امتثال أمر الله بذبح ولده إلا بقلب صادق وضمير حي مطئمن إلى رحمة الله و رأفته، فجعل الله له من أمره يسراً، وكان عاقبة أمره خيراً، فناداه الله: [وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ البَلَاءُ المُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ] {الصَّفات:107}. وانظر كيف جعل الرسول صلى الله عليه وسلم القلب مصدر إلهام المؤمن و وحيه، و مبعث أمره ونهيه، فقد روى وابصة بن معبد رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا اريد ألا أدع شيئاً من البر والإثم إلا سألت عنه، فقال لي: إدن يا وابصة، فدنوت منه حتى مست ركبتي ركبته، فقال لي: يا وابصة أخبرك ما جئت تسأل عنه؟ قلت يا رسول الله: اخبرني قال: جئت تسأل عن البر والإثم؟ قلت: نعم، فجمع أصابعه الثلاث فجعل ينكت بها في صدري ويقول: يا وابصة استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في القلب وتردد الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك). إن في يقظة الضمير صلاح المجتمع وسعادة الناس في معاشهم ومعادهم، فالقائم بطاعة ربه إذا صدقت نيته وطهر ضميره، أخلص في عبادته وتجنب الرياء فأرضى مولاه وسعد في دنياه وأخراه. والموظف إذا كان له من ضميره اليقظ ما يدفعه إلى إنجاز عمله خدمة لأمته ووطنه، أنتج ثمرة طيبة، ونعم برضاء رؤسائه ومثوبة ربه. والعامل والصانع والتاجر إذا أحسنوا في عملهم، فتجنبوا الغش والكذب والإهمال والتفريط والتلبيس والتدليس، قياماً بالواجب، وإرضاء للضمير، ومراقبة لأوامر الله، كان لذلك أعظم الأثر في نفعهم ونفع الأمة، هدانا الله ما فيه الخير، وهيأ لنا من أمرنا رشداً... وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. المصدر: مجلة كنوز الفرقان ربيع الثاني 1368هـ
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |