|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الشهود يوم القيامة أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري الخطبة الأولى الحمد والثناء...، أما بعد:فإن الوصية المبذولة لي ولكم ـ عباد الله ـ هي تقوى الله عز وجل؛ إذ بها النجاة يوم الهول، والأمن يوم الفزع، والفوز يوم التغابن، من استمسك بها أفلح، ومن اعتصم بها ربح، وعليها يكون التفاضل في الدنيا: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]. عباد الله، يقول ربنا جل في علاه: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49]. فيا عباد الله، ثمة شهود يشهدون عليكم يوم القيامة، فأعِدُّوا الزاد ليوم التناد، فأنتم في دار العمل، فاستكثروا من العمل، وأنتم على وشك الرحيل، فتتركوا الدنيا وما فيها من زوجات وأولاد ومحلات وتجارات وأراضٍ وسكنات، وفرش طرية ناعمة، إلى حفرة هاوية، ووحشة مظلمة، فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله. في يوم فظيع، تقر فيه الجموع بعدل الله تعالى، فكل ما قدم العبد مسطور في كتاب. ما هي إلا أيام ـ أيها الناس ـ وتلتقون عند ربكم حفاةً عراةً غُرْلًا، ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ﴾ [التغابن: 9]، فتحاسبون على الصغير والكبير والفتيل والقطمير، يقول الإمام ابن القيم في كتابه الوابل الصيب: "والظلم عند الله يوم القيامة له دواوين ثلاثة: ديوان لا يغفر الله منه شيئًا، وهو الشرك به؛ وديوان لا يعبأ الله به شيئًا، وهو ظلم العبد نفسه بينه وبين ربه، وديوان المظالم لا يمحى إلا بالخروج منها إلى أربابها، واستحلالهم منها)؛ ا هـ. فويل للظالم نفسه المجاهر بالمعاصي، المفتخر بها، ويل للهَمَّاز واللَّمَّاز والمشَّاء النميم والكذَّاب، ويل للمطففين، ويل للغشَّاشين، أخرج الترمذي وابن ماجه من حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارًا، إلا من اتقى الله وبر وصدق))؛ [صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة]. إلى متى يا آكل الحرام، ويا آكل الميراث، ويا سارق حقوق الآخرين، ويا آكل أعراض الناس، ويا سيئ الخلق، ويا بشع المعاملة مع الزوجة، ويا قبيح التعامل مع العمال...ألا فلتعلم ـ يا عبد الله ـ أن كل شيء يشهد عليك يوم القيامة، بدءًا بالرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، ثم الملائكة الكرام، قال تعالى: ﴿ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ﴾ [ق: 21]؛ أي: ملك يسوقه للمحشر، وملك يشهد عليه بأعماله. كما أن الأرض التي تطؤها تشهد بما كان عليها يوم القيامة، قال تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ﴾ [الزلزلة: 4، 5]، قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "أتدرون ما أخبارها؟"، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، تقول: عمل يوم كذا، كذا وكذا، فهذه أخبارها"؛ (أخرجه الترمذي وصححه). ومن عظيم عدل الله عز وجل، وتمام إنصافه، أن يقيم العبد شهيدًا على نفسه؛ قال تعالى: ﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [الإسراء: 14]، وتكون هذه الشهادة من لحظة خروج الروح، فقد أخبرنا سبحانه عن حال أهل النار عند خروج الروح بقوله: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [المؤمنون: 99، 100]. وهذه شهادة عليهم من أنفسهم، بتفريطهم في حق ربهم جل جلاله؛ قال تعالى: ﴿ وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ﴾ [الأنعام: 130]. عباد الله، إن الجوارح التي يتمتع بها الإنسان، بها يأكل ويشرب، ويمشي ويقعد، وينظر ويتكلم، ويسمع ويبطش، كل هذه الجوارح يجعلها الله عز وجل يوم القيامة شهودًا مستنطقةً، تشهد بما صنعت، وتنطق بما فعلت؛ قال أنس رضي الله عنه: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك، فقال: "هل تدرون مم أضحك؟"، قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: "من مخاطبة العبد ربه، يقول: يا رب، ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول: بلى، قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدًا مني، قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا، وبالكرام الكاتبين شهودًا، قال: فيختم على فيه فيقال لأركانه: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، قال: ثم يخلى بينه وبين الكلام، قال: فيقول: بعدًا لكم وسحقًا؛ فعنكن كنت أناضل"؛ (أخرجه مسلم). وإن أعظم الشاهدين يوم القيامة ـ يا معاشر المسلمين ـ الله ـ جل جلاله وعز سلطانه ـ، فهو خير الشاهدين، وأصدق القائلين، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأي شهادة أكبر من شهادة رب العالمين؟! قال عز وجل: ﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾ [الأنعام: 19]؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ﴾ [يونس: 61]، وقال جلت قدرته: ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [فصلت: 53]. بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة... الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين...عباد الله، اعلموا أن السعادة الحقيقية، هي الاستقامة على دين الإسلام، واتباع منهج سيد المرسلين، والتزود من الدنيا بالأعمال الصالحات، قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97]، وذلك في الدنيا حتى ولو كان قليل المال والجاه والشهرة، وأما في الآخرة، فقال سبحانه: ﴿ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، وقوله عز وجل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأحقاف: 13]. فيا عباد الله، إنكم قادمون على ما قدمتم، ومجزيون على ما أنجزتم، فاتقوا الله عز وجل، واشتغلوا بالآخرة، واعلموا أن الموت يعمنا، والقبور تضمنا، والقيامة تجمعنا، والله يحكم بيننا، وهو خير الحاكمين: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [المائدة: 48]، اللهم ارزقنا خشيتك في الغيب والشهادة، ومراقبتك في السر والعلانية.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |