|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() وانتهى موسم عشر ذي الحجة أحمد بن عبدالله الحزيمي الحمد لله الذي يُبدئ ويعيد وهو الولي الحميد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل من صلى وصام واتَّقى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم المزيد، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: فاتقوا الله - أيها المسلمون - في كل حين؛ وتذكروا قول الحق في كتابه المبين: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]. أيها المؤمنون: قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "الأعمال لا تنتهي بانتهاء مواسمها، وإنما تنتهي الأعمال بانتهاء الأجل". عباد الله: أتى موسم رمضان المبارك بما فيه ثم مضى، وتبِعته ست شوال وذهبت، ثم دخلت عشر ذي الحجة وانقضت، ثم أتت بعدها أيام التشريق وتولَّت، وكان المسلمون حقًّا في كل ذلك، ما بين صيام وقيام، وتفطير وصدقة، وتعليم وإحسان ودعوة إلى الخير، وتكبير وذبح، ونحرٍ وحجٍّ، وذكر لله، فهل انتهت بذلك مواسم الخير وفرص الطاعة؟ وهل أُغلقت أسواق التزود من زاد الآخرة؟ وهل نقف لننتظر هذه المواسم في السنة المقبلة إن كتب الله لنا الحياة؟ بل هل لعمل المؤمن نهاية بانتهاء موسم أو فراق آخر؟ أيها المسلمون: لحظات الصالحات هي أحسن لحظات الحياة، بل هي الحياة الحق نفسها التي يعيشها الصالحون، فليس لهم في الدنيا ثمة سعادة إلا في رضا الله سبحانه وابتغاء مرضاته، سواءٌ أكان ذلك عبادةً مأمورةً، أم علمًا ينتفع به، أم إصلاحًا في الأرض، أم دعوةَ خيرٍ وصلاح، فلا قيمة لمال ولا زخرف، ولا ولد ولا منصب ولا مكانة، ولا عُمْر ولا عيش، إلا ما كان لله سبحانه؛ كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: ((اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة))؛ [متفق عليه]. أيها المؤمنون: كل عمل صالح نوفَّق إليه فهو بعون الله تعالى وهدايته وتوفيقه، وحقيق بالعباد أن يشكروا الله تعالى على ما هداهم لدينه، وعلى ما علَّمهم من شرائعه وشعائره، وعلى ما وفَّقهم من تعظيمها وأدائها؛ فإن الهداية نعمة، والعلم نعمة، والتوفيق للعمل نعمة، وكل نعمة تستوجب الشكر، والشكر نعمة تستوجب الشكر؛ حتى لا ينفك العبد في كل أحيانه عن شكر الله تعالى. لاحظوا - أيها الكرام - أن ثمة أناسًا مرَّ عليهم هذا الموسم العظيم، موسم عشر ذي الحجة بما فيه من فرص ومِنح، مرَّ عليهم كأن لم يكن، لم يفطَنوا له ولم يُعيروه اهتمامًا، ولمَّا يأخذوا منه بحظٍّ وافر، ففاتهم – والله - خيرات ومنحٌ لا تخطر ببال. عباد الله: علينا أن نستقيم على هذا الدين في رمضان وفي غير رمضان، وقبل الحج وبعد الحج، وليكن ما عمِلناه في هذه العشر المباركة دافعًا وحافزًا وسائقًا لنا إلى الخير، وأن تتجسَّد آثاره في كل وقت من حياة المسلم، فنستقيم على طاعة ربنا في كل أوقاتنا. أيها الإخوة: من علامات قبول الطاعة: المداومة عليها، فليس من المعقول أن تداوم على الطاعة في هذه العشر المباركة وتنقطع بعدها؛ قال ابن القيم رحمه الله: "إن من ثواب الحسنة الحسنةَ بعدها، فالعبد إذا عمل حسنةً قالت أخرى إلى جنبها: اعملني أيضًا، فإذا عملها، قالت الثالثة كذلك وهلم جرًّا، فتضاعف الربح، وتزايدت الحسنات، فلو عطَّل المحسن الطاعةَ، لضاقت عليه نفسه، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأحس من نفسه بأنه كالحوت إذا فارق الماء، حتى يعاودها، فتسكن نفسه، وتقر عينه"؛ ا. ه. ومن علامات قبول الطاعة أيضًا: أن يتغير سلوك الإنسان من سيئ إلى حسن، ومن حسن إلى أحسن، وأن تُترجم ذلك إلى علاقة دائمة مع الله في السر والجهر، والمَنْشَط والمكرَه، وأن تترجم الطاعة والعبادة التي حافظنا عليها في هذه العشر إلى سلوك راقٍ، ومعاملة طيبة بين الناس. اجعل - أخي الكريم - من نسمات هذه العشر المباركة مفتاحَ خيرٍ لسائر العام، واستقم على طاعة ربك، وداوم ولو على القليل من العمل الصالح، واسأله سبحانه الثبات حتى الممات. أيها المؤمنون: من عظمة شريعة الإسلام ومبانيه العِظام، أن فرص التقرب إلى الله لا تنقطع ولا تقف أبدًا، فحياة راغب الفردوس كلُّها فرصة للعمل الصالح، وأنه ما دام حيًّا فهو في مواسمِ عبادةٍ تتكرر، ليس في كل عام وكل شهر وكل أسبوع فحسب، بل في كل يوم وساعة ولحظة، طرف وزفرة نفس، فما قدَّمه بين يديه خالصًا لوجه الله وعلى سنة رسوله، فهو عمل صالح يزيده إلى الله قربًا، ويرتفع به عنده درجات، ويزداد به من الحسنات، وتُكفَّر عنه به ذنوبٌ وتُمحى سيئات، ألَا فما أجمله بالمسلم أن يكون على اتصال دائم بربه في كل ساعة ولحظة! فالجنة درجات، وبين كل درجة والتي فوقها كما بين السماء والأرض، وتلك الدرجات لا تُنال إلا بالأعمال الصالحة، وببذل كل غالٍ ونفيس من الوقت والمال والجهد. أيها المسلمون: إن سلعة الله غالية، وإنها لا تُنال بالكسل والخمول، والبخل والشح، بل لا بد من عمل وجدٍّ واجتهاد، وبذل للوقت والمال والجاه، مع الصبر والمصابرة والمرابطة؛ قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ جَهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]، نسأل الله عز وجل أن يثبتنا على دينه، وألَّا يُزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يُعيذنا من أسباب حبوط الأعمال، وأن يتقبل منا صالح العمل، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، بارك الله لي ولكم. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو يتولى الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، صلاةً وسلامًا دائمين إلى يوم الدين.أما بعد: فاستكثروا عباد الله من الأعمال الصالحة ولا تمَلوا، وداوموا على الصالح من العمل وإن قلَّ، ولتكن الفرائض هي أولى أولوياتكم، وأعظم ما تهتمون به في حياتكم. لا تنقطعوا - أيها المؤمنون - عن الأعمال الصالحة بعد مواسم الخيرات؛ ((فقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: أدومها وإن قلَّ))، وعن علقمة قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: هل كان صلى الله عليه وسلم يختص من الأيام شيئًا؟ قالت: ((لا، كان عمله ديمةً))؛ أي: دائمًا لا ينقطع. واسألوا الله الثبات؛ ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يصرِّفه حيث يشاء، ثم قال رسول الله: اللهم مُصرِّفَ القلوب، صرِّف قلوبنا على طاعتك)). وعن شهر بن حوشب، قال: قلت لأم سلمة: يا أم المؤمنين، ما كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندكِ؟ قالت: كان أكثر دعائه: ((يا مقلب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك)). أيها الإخوة: الطاعات كثيرة، والأعمال الصالحة عديدة ومتنوعة، فخُذ منها بحظٍّ وافر، وإياك والغفلةَ؛ فإنها داء، إن استحكم على النفس أصابها في مقتل: الناس في غفَلاتهم ![]() ورَحَى المنيَّة تطحن ![]() ما دون دائرة الردى ![]() حصن لمن يتحصنُ ![]() يا ساكن الحجرات ما ![]() لك غير قبرك مسكنُ ![]() اليوم أنت مكاثر ![]() ومفاخر متزينُ ![]() وغدًا تصير إلى القبو ![]() رِ محنط ومكفنُ ![]() أحدِث لربك توبةً ![]() فسبيلها لك ممكنُ ![]() اللهم اجزِ هذه البلاد خير الجزاء على ما يقدمونه للإسلام والمسلمين، وعلى عمَّار بيتك المقدس، وعلى كل ما يُبذل للحجاج والمعتمرين. اللهم اجزِ كل من خدم حجاج بيتك، وأعان على نجاح الحج يا رب العالمين. اللهم اكفِنا بمنِّك وكرمك كل من يريد سوءًا لهذه البلاد، اللهم ردَّ كيده في نحره، وافضحه للعالمين يا عظيم يا ذا البأس الشديد. اللهم كُنْ لإخواننا المستضعفين في كل مكان، فرِّج همَّهم، ويسر أمرهم، اللهم أمِّن خائفهم، وأطعِم جائعهم، وفكَّ أسيرهم، وداوِ جريحهم، اللهم أبدل خوفهم أمنًا، وأبدل حربهم سلمًا، وأبدل ذلهم عزًّا، وأبدل فقرهم غنًى يا أرحم الراحمين. اللهم تقبل منا صالح العمل، واغفر لنا الذنب والزَّلل، وثبتنا على طاعتك حتى نلقاك، وتوفَّنا وأنت راضٍ عنَّا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |