|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ﴿ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ﴾ د. خالد النجار يقول تعالى في سورة آل عمران: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ﴾ [آل عمران: 149، 150]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ تصديرُ الخطابِ بالنداء للتنبيهِ، ولإظهار الاعتناءِ بما في حيِّزه. ووصفُهم بالإيمان لتذكير حالِهم وتثبيتِهم عليها بإظهار مباينتِها لحال أعدائِهم. وفيه أيضًا من الإغراء والتشجيع على قبول ما يُلقى؛ لأن الإيمان هو الذي يحمل الإنسان على قبول ما أمره الله به، وعلى ترك ما نهى الله عنه. وأن قبول المذكور من مقتضيات الإيمان، وعدم قبوله نقص في الإيمان. ﴿ إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ الذين جحدوا ألوهيتي، ولم يؤمنوا برُسُلي من اليهود والنصارى والمنافقين والمشركين والملاحدة. والوصف بالكفر قصدًا إلى مزيد التنفيرِ عنهم والتحذيرِ عن طاعتهم. وفي آية أخرى سبقت: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾ [آل عمران:100]، لكن هنا قال: ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾؛ لأن الذين أوتوا الكتاب بعضهم فيه خير؛ كما قال تعالى: ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾ [آل عمران: 113]. أما الكفار فكلهم على ضلال يريدون منا أن نكفر، وأن ننقلب على أعقابنا خاسرين.. وهذا من بلاغة القرآن. قال علي- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: نزلت في قول المنافقين للمؤمنين عند الهزيمةِ: ارجِعوا إلى إخوانكم وادخُلوا في دينهم. وعن ابن عباس- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قذف الله في قلب أبي سفيان الرعب، فرجع إلى مكة، فقال النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((إنَّ أبَا سُفْيَانَ قَدْ أَصَابَ مِنْكُمْ طَرَفًا، وَقَدْ رَجَعَ، وقَذَفَ اللهُ فِي قَلْبِهِ الرُّعْبِ))؛ [رواه ابن أبي حاتم]. وقال ابن جريج والحسن: هم اليهود والنصارى. وفيه بيان أنه لَا يليق بهم بوصف كونهم مؤمنين أن يطيعوا الذين كفروا؛ فإن الكفر والإيمان نقيضان لَا يجتمعان، ولا يكونان في قلب رجل واحد. ولقد أشار سبحانه إلى بعد احتمال أن يطيع المؤمنون الكافرين بالتعبير في أداة الشرط بـ (إن) دون (إذا)؛ إذ إن (إذا) للتحقق؛ أي: تحقق الشرط، وتحقق الجزاء، أما (إن) فإنها لَا تفيد تحقق الشرط؛ ومن ثمَّ لَا يتحقق الجزاء. والمعنى في هذا هو التحذير من مسايرة الكافرين بأي نوع من أنواع المسايرة؛ إذ كل مسايرة طاعة، ولا يليق بالمؤمن أن يطيع كافرًا؛ لأنه يجب أن يكون في حذر دائم، وإنه لو فرض وأطاعوهم، فإنهم يرتدون على أعقابهم خاسرين. وقال أبو بكر الرَّازي: "فيها دلالة على النهي عن طاعة الكفار مطلقًا، لكن أجمع المسلمون على أنه لا يندرج تحته من وثقنا بنصحه منهم؛ كالجاسوس والخرِّيت الذي يهدي إلى الطريق، وصاحب الرأي ذي المصلحة الظاهرة، والزوجة تشير بصواب". وقال ابن عثيمين: "وقوله: ﴿ إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾؛ أي: فيما يتعبد به الله، أما في المسائل الأخرى كمسائل الصناعة مثلًا فإنه لا يدخل في الآية بلا شك، فلو أن مهندسًا من الكفار أمرك أن تصنع كذا لتكون النتيجة كذا؛ فإنه لا يدخل في الآية، إنما يقصد به ما يكون على سبيل التعبُّد كأن يأمرك بالفحشاء مثل شرب الخمر والسرقة وسوء الأخلاق، أو ينهاك عن المعروف.. ينهاك عن الصلاة، أو ينهاك عن الإخلاص لله وما أشبه ذلك. ﴿ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ﴾ جمع عقب، وهو مؤخرة القدم، ويقال له: العرقوب.. يعني: يجعلونكم تمشون إلى الخلف، ومعلوم أن الذي يمشي إلى الخلف سوف يقع في الحفر ويطأ الشوك والحصى. والمعنى: يضلونكم عن طريق الحق، وترتدُّون عن دينكم، فيردونكم إلى الكُفْر بعد الإيمان، والارتداد على العقب عَلَمٌ في انتكاس الأمر، ومثلٌ في الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ. ﴿ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾ في الدنيا والآخرة، غيرَ فائزين بشيء منهما. أما خسران الدنيا فلان أشَقَّ الأشياء على العُقلاء في الدنيا الانقياد إلى العَدُوِّ، وإظهار الحاجة إليه. وأما خُسْران الآخرة فالحرمان من الثواب المؤبَّد، والوقوع في العقاب المخلَّد. ﴿ بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ ﴾ إضرابٌ لإبطال ما تضمنه ما قبله عما يُفهم من مضمون الشرطيةِ، كأنه قيل: فليسوا أنصارَكم حتى تطيعوهم بل الله ناصرُكم لا غيرُه فأطيعوه واستغنوا به عن موالاتهم. وهو إضراب انتقالي؛ إذ هو انتقال من الكلام في موالاة الكافرين، وما يترتب عليها من نكوص على الأعقاب، واضطراب بين الحق والباطل، واستكانة وذلة وخسران مبين، إلى الكلام فيما هو سبب العزة والرفعة والكرامة والقوة والسؤدد والنصر المؤزر الثابت، وهو موالاة الله تعالى. ﴿ بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ ﴾؛ أي: إن الله الخالق لكل ما في الوجود، والذي بيده مقاليد كل شيء، والمسيطر القوي الجبَّار القاهر فوق عباده.. هو مولاكم، فعليكم أن تطلبوا ولايته، ومن اعتصم به فقد آوى إلى ركن ركين، وحصن حصين. وذكر هذا الأمر بصيغة الخبر للإشارة إلى أن المؤمن بمقتضى كونه مؤمنًا هو في ولاية الله تعالى فلا يخرج عنها. وهذه «ولاية خاصة»؛ لأن ولاية الله للخلق نوعان: ولاية عامة لكل أحد، وهذه معناها تولي الأمور سواء بنصر أو بخذلان أو غير ذلك، ومنه قوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ [الأنعام: 61، 62]. أما الولاية الخاصة فهي خاصة بالمؤمنين، قال تعالى: ﴿ اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ ﴾ [البقرة: 257] ﴿ وَاللَّهُ وَلِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 68]. فهو- عزَّ وجل- ولي المتقين، فالولاية هذه خاصة، ومعناها أو مقتضاها أن الله سبحانه وتعالى يتولَّى هذا الذي استحقها باللطف والعناية ويوفقه. ويفسر هذا حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال فيما يرويه عن ربِّه عز وجل: ((قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ))؛ [البخاري]؛ يعني أن الله يسدده في جميع تصرفاته. وولاية الله تعالى تقتضي أن يكون في ولاية المؤمنين، لَا يخرج عن جماعتهم ولا يسلك غير سبيلهم، ولا يطيع أعداءهم، أو يمالئهم، أو يسايرهم، فإن ذلك يكون محادة لله ولرسوله ومشاقّة لله ولرسوله، والله تعالى يقول: ﴿ لا تَجدُ قَوْمًا يؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَن حَادَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ... ﴾ [المجادلة: 22]، ويقول سبحانه جَلَّت حكمته: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115]. فالمولى هنا هو النصير، وإذا كان الله ناصره، فإنه لَا محالة غالب، فهو نعم المولى ونعم النصير. والمولى لَا تدل على النصرة فقط، بل تدل على كمال الصلة والمحبة والقرب، والنصرة تجيء لازمة لهذه المعاني. ﴿ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ﴾ فالنصر لا يخلو من مدحة؛ لأن فيه ظهور الشجاعة وإباء الضيم والنجدة، وهو عز وجل خير الناصرين لوجوهٍ: أولها: أنه تعالى هو القادرُ على نصرتك في كلِّ ما تريدُ، والعالم الذي لا يَخْفَى عليه دعاؤك وتضرُّعك، والكريم الذي لا يبخل في جوده.. ونصرة العبيد بعضهم لبعض بخلاف ذلك في كل هذه الوجوه. ثانيها: أنه ينصرك في الدُّنْيَا والآخرة، وغيره ليس كذلك.. وإن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة، فلا تظنوا أن الخلاف الذي يقع بين أهل الحق وأهل الباطل ينتهي بالدنيا.. كلا، سوف يحكم الله بينهم يوم القيامة وينصر أهل الحق، قال تعالى: ﴿ لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ ﴾ [الممتحنة: 3]، ﴿ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [المائدة: 48] ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ﴾ [الزمر: 30، 31]، ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51].. إذن إذا حكم الله لأهل الحق على أهل الباطل يوم القيامة فهذا نصر. ثالثها: أنه ينصرك قبل سُؤالك ومعرفتك بالحاجة؛ كما قال: ﴿ قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ [الأنبياء: 42] وغيره ليس كذلك. رابعها: ينصركم نصرًا خيرًا من نصرهم لو نصروكم، وكيف لا يكون خير الناصرين وهو ينصركم بغير قتال كالرعب الذي يمنعهم من الهجوم عليكم والإقدام على حرمكم كما في الآية التالية. أي إن الله تعالى هو الذي ينصر المؤمنين، ونصره هو المؤكد المحتوم الباقي، وهو نصر مالك القوى كلها، والمسيطر على العالم بكل ما فيه ومن فيه وما تجري به الأسباب، وما ارتبطت به شئون الناس والكون. ولذلك كان نصره خير نصر؛ إذ هو أدومه وأقواه، وما عند الناس من نصر فهو ظاهري، ولا يتحقق إلا بأسباب قدَّرها، فهو المسيطر المريد لكل ما يقع في الكون. ونصر الله تعالى معه العزة، ونصر الناس معه الذلة، فمن استنصر بالله عز، ومن استنصر بالناس ذل، وهذا على أن «خير» وهي من أفعل التفضيل على بابه، وقيل: إن أفعل التفضيل هنا على غير بابه، وأن المعنى أنه لَا ناصر إلا الله، ولا ناصر سواه، فنصره هو النصر، ونصر غيره ليس بنصر. واعلم أن ظاهر قوله: ﴿ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ﴾ يقتضي أن يكون من جنس سائر الناصِرِينَ، وهو منزَّه عن ذلك، وإنما ورد الكلامُ على حسب تعارفهم؛ كقوله: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ [الروم: 27]. وفي هذا دلالة على أن من قاتل لنصر دين الله لا يخذل ولا يغلب؛ لأن الله مولاه. ومع أن الخطاب ابتداء لهؤلاء له وجه عام، وهو نداء المؤمنين في كل الأجيال وفي كل الأحوال بألا يسايروا الكافرين، رجاء نصر، أو تحقق نفع، وألا يمالئوهم بأي نوع من أنواع الممالأة، فإن الكافرين في كل العصور لَا يريدون بالمؤمنين إلا خبالًا، ولا يرجون لهم إلا أن يكونوا قومًا بورًا. فالآية الكريمة تحذر المؤمنين تحذيرًا عامًّا بألا يطيعوا الكافرين، ولا يستنصروا بهم، ولا يجعلوا لهم ولاية عليهم؛ لأن ولايتهم غير ولاية الله، وولاية الله هي الولاية الحق، وهم موضع غضب الله تعالى دائمًا، والذي يتولَّاهم ويستنصر بهم، فإنما يتولَّى قومًا غضب الله عليهم، والله تعالى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ﴾ [الممتحنة: 13]. وقد ذكر الله سبحانه وتعالى نتيجة إطاعة الكافرين في أي عصر من العصور إن كان هناك احتمال لذلك. فذكر في جواب الشرط نتيجتين، كلتاهما مترتبة على الأخرى، أولاهما: أشار إليها بقوله سبحانه: ﴿ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ﴾، والثانية المترتبة عليها: أشار إليها بقوله عز من قائل: ﴿ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾. فالنتيجة الأولى، وهي ردهم على أعقابهم، معناها أن يرجعوا إلى موضع الذلة الذي كانوا فيه قبل أن يؤذن لهم بالجهاد أو يرجعوا إلى ما كانوا عليه في غير انتظام وفي اضطراب، والمضطرب دائمًا لَا يملك زمام نفسه، والأعقاب جمع عقب، وهو مؤخر القدم، والتعبير بـ: ﴿ يَرُدُّوكمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ﴾، فيه إشارات إلى أمور ثلاثة: أولها: أن هذا مطلب للكافرين، فإن أطعتموهم فقد حققتم لهم مقصدهم، وهو أن يردوكم؛ ولذا أسند الرد إليهم، ولم يقل ارتددتم. وثانيها: أن طاعتهم التي يترتب عليها ما ذكره سبحانه هي أقصى الهزيمة، وهي الكبوة التي لا قيام بعدها؛ ولذلك عبر عن هذا بالرجوع على الأعقاب، فهو رجعة إلى الوراء وليس وثبة إلى الأمام. ثالثها: أن زمام المؤمنين يكون نهائيًّا بأيدي الكافرين إذا أطاعوهم، وهذا هو ما آل إليه أمر المسلمين في العصور الأخيرة، وفي هذا تذكرة لمن يخشى. والنتيجة الثانية هي الانقلاب خاسرين، والتعبير بالانقلاب في قوله سبحانه: ﴿ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾ يفيد أن إطاعة الكافرين يكون حتمًا فيها تغيير حال أهل الإيمان، ولكنه تغيير هو انقلاب، وجعل أعلى ما فيهم أسفل، فهو نكسة تصيبهم، ويعز عليهم من بعد أن يعودوا مستقيمين يضعون أغلى ما فيهم وهو الإيمان في موضعه، وأن ذلك الانقلاب تلابسه لَا محالة الخسارة المؤكدة التي لا احتمال فيها؛ إذ يخسر المؤمنون إيمانهم، ويخسرون من وراء ذلك الآخرة، وينطبق عليهم قوله تعالى: ﴿ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِين ﴾ [الحج: 11]. وأن أولئك الذين يستخذون للكافرين ويسايرونهم، بل يطيعونهم وينتقلون من العزة والكرامة إلى الذلة والمهانة ويعتقدون القوة في الكافرين فيعطونهم الولاية.. ينسون الله تعالى وولايته؛ ولذلك قال سبحانه مطمئنًا المؤمنين الصادقين الذين لَا يرضون بولاية الكافرين: ﴿ بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ﴾.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |