|
استراحة الشفاء , وملتقى الإخاء والترحيب والمناسبات هنا نلتقي بالأعضاء الجدد ونرحب بهم , وهنا يتواصل الأعضاء مع بعضهم لمعرفة أخبارهم وتقديم التهاني أو المواساة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() لا أحد أحسن حكمًا من الله د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾[1] تمهيد: إن المتأملَ بصفاء فكره وطهارة فطرته يتيقن أن شريعة الله تعالى متصفة بالجمال المبهر، والكمال المطلق في كل شؤونها؛ لأنها من لدن حكيم خبير، ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾[2]. قال الطبري رحمه الله: "أحكم الله آياته من الدَّخَل والخَلَل والباطل، ثم فصَّلها بالأمر والنهي"[3]. وهو القائل عز وجل: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾[4]. قال ابن باز رحمه الله: "هذه أكبر نِعَم الله تعالى على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه"، وقال تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾[5]. قال السعدي رحمه الله: "هذا شامل لأصول الدين وفروعه، ظاهره، وباطنه، وأن ما جاء به الرسول يتعين على العباد الأخذ به واتباعه، ولا تحل مخالفته، وأنَّ نَص الرسول على حكم الشيء كنص الله تعالى، لا رخصة لأحد ولا عذر له في تركه، ولا يجوز تقديم قول أحد على قوله، ثم أمر بتقواه التي بها عمارة القلوب والأرواح والدنيا والآخرة، وبها السعادة الدائمة والفوز العظيم، وبإضاعتها الشقاء الأبدي والعذاب السرمدي، فقال: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ على من ترك التقوى، وآثر اتباع الهوى"[6]. أقوال العلماء في تفسير الآية موضوع المقال: قال ابن كثير رحمه الله: "أي: ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه، وآمن به وأيقن وعلم أنه تعالى أحكم الحاكمين، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء"[7]. قال ابن عثيمين رحمه الله: "قوله: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا ﴾ ﴿ مَنْ ﴾: اسم استفهام، لكن هذا الاستفهام بمعنى النفي، إذ إن معناه: لا أحسن من الله حكمًا، ولكن يأتي النفي بصيغة الاستفهام ليكون أبلغ، ويكون مشربًا بالتحدي، كأن المتكلم يتحدى ويقول: أروني حكمًا أحسن من حكم الله، لا أحد أحسن من الله حكمًا؛ لأن حكمه جلَّ وعلا مبني على علم بما يصلح العباد، ومبني على رحمة بما ينفع العباد، لا يمكن أن يحكم على عباده تبارك وتعالى بشيء يكون ضررًا، أو عاقبته ضررًا، لا يمكن هذا أبدًا؛ لأننا نعلم أن حكمه صادر عن علم، وحكمة، ورحمة، ﴿ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ يوقنون بالله، وبأسمائه، وصفاته، وبما تقتضيه هذه الأسماء والصفات؛ هؤلاء لا يرون حكمًا أحسن من حكم الله، أما من عنده ضعف في اليقين، فإنه قد يرى أن حكم غير الله أحسن من حكم الله، لذلك نقول: إن تَبيُّن حسن حكم الله إنما يكون للموقنين، أما ضعفاء اليقين فإنهم لا يرون أن حكم الله أحسن الأحكام، بل ربما يعتقدون أن حكم الله قد مضى عليه الدهر، واختلفت الأمة واحتاجت إلى حكم جديد. الملامح التربوية المستنبطة من الآية موضوع المقال: أولاً: لأول وهلة يُستنبط من الآية موضوع المقال؛ أنه لا أحد البتة أحسن حكمًامن الله تعالى خَلْقًا وتَقْدِيرًا، وكل ذلك في غاية الإحكام، ويجب أن يكون ذلك يقينًا راسخًا في وجداننا، وأعماق قلوبنا لا يخالجه أدنى شك، ويؤكده قوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ﴾[8].قال القرطبي رحمه الله: "أي: أتقن الحاكمين صنعًا في كل ما خلق، وقيل: بأحكم الحاكمين قضاء بالحق، وعَدْلًابين الخلق"[9]. وعليه؛ فإن الآية موضوع المقال يجب أن تكون قاعدة راسخة عند كل مسلم. قال ابن عثيمين رحمه الله بعد تفسيره للآية موضوع المقال: "إذًا: القاعدة: (لا أحد أحسن حكمًا من الله أبدًا). ثانياً: تُوجه الآية -موضوع المقال- إلى أهمية الالتزام بشرع الله تعالى، ونَبْذِ غيره من القوانين البشرية الوضعية، والأعراف، والعادات، والتقاليد البائدة، وقد عَبّر القرآن الكريم عن ذلك أروع تعبير: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ﴾. قال ابن كثير رحمه الله: "إنكار من الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم"[10]. قال ابن عثيمين رحمه الله: "حكم الشرع مبني على علم، وما سواه مبني على جهل، وهذا في غاية ما يكون من التوبيخ والتقريع أن تبتغي حُكْمًا جاهليًا وتَدع حُكْم العليم الخبير، ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾، وبه نعرف أن من ابتغى حُكمًا غير حكم الله فهو من أضل عباد الله، وأسْفه عباد الله، وأخسر عباد الله، وأنه لن تصلح له أمور دينه ولا دنياه والعياذ بالله". ثالثاً: إن أحكام البشر وتشريعاتهم وإن تم إتقانها وتفننوا في إعدادها من قِبَلِ خُبراء ومُختصين على أرقى درجات العلم فإنها قاصرة لا محالة، وإن بدا نفعها فيكون مؤقتًا محدوداً، ولا ترقى بحال إلى حكم الله تعالى أحكم الحاكمين، ولا يُوقن بذلك إلا أهل الإيمان واليقين والتقوى، قال ابن عثيمين رحمه الله: "لأن حكمه جلَّ وعلا مبني على علم بما يصلح العباد، ومبني على رحمة بما ينفع العباد، لا يمكن أن يحكم على عباده تبارك وتعالى بشيء يكون ضررًا، أو عاقبته ضررًا، أبدًا لا يمكن؛ لأننا نعلم أن حكمه صادر عن علم وحكمة ورحمة"[11]. وقال محمد رشيد رضا رحمه الله: "إن حكمَ الله عادل؛ وحكمه تعالى أحسن الأحكام لأهل الإيمان والإسلام؛ لأن حكمه هو العدل، الذي يستقيم به أمر الخلق، وأما حكم الجاهلية فهو تفضيل القوي على الضعيف، الذي يمكن الظالمين الأقوياء من استذلال، أو استئصال الضعفاء، وهو شر الأحكام المخرب للعمران، المفسد للنظام"[12]. رابعاً: هناك علاقة قوية بين اليقين والعلم، فلا يصل الإنسان إلى درجة اليقين بأن حكم الله هو أحسن الأحكام إلا بتوفيق الله تعالى، ثم بما لديه من علم، فقلة العلم والجهل بالله تعالى وشريعته سبب للانحراف عن الصراط المستقيم. قال البيضاوي رحمه الله: "﴿ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ هم الذين يتدبرون الأمور، ويتحققون الأشياء بأنظارهم فيعلمون أن لا أحسن حكمًا قال محمد رشيد رضا رحمه الله: "أمن الله سبحانه وتعالى"[13]. وقال الشوكاني رحمه الله: "لا أحسن من حكم الله عند أهل اليقين لا عند أهل الجهل والأهواء[14]. وقال ابن عثيمين رحمه الله: "كلما كان الإنسان أشد يقينًا، كان بيان حسن أحكام الله عنده أكثر وأشد، وإذا شئت أن تعرف هذا فانظر إلى العلماء المحققين كيف يستنبطون من الأحكام الشرعية ما تقتنع به العقول؛ لأنهم موقنون بأن حكم الله أحسن الأحكام فيفتح الله عليهم"[15]. وأستطيع القول: من كان بالله أعلم كان به أعرف، وكلما ازداد الإنسان علمًاازداد يقينًابالله تعالى وبحكمه وشرعه، والعكس صحيح، وصدق الله تعالى القائل: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾[16]. خامساً: هناك آيات كريمات واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار تؤكد أن الحكم لله وحده لا شريك له، لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد، أورد الشنقيطي رحمه الله جملة منها: الآية الأولي: قال الله تعالى: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾[17]. الآية الثانية: وقال عز وجل: ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾[18]. الآية الثالثة: وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾[19]. الآية الرابعة: وقال جل جلاله: ﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ﴾[20]. سادساً: يجب التنبيه لأمر مهم للغاية، وهو: التفريق بين الأنظمة والأحكام والتشريعات الوضعية المنظمة لشؤون الحياة، وبين الأنظمة والأحكام والتشريعات المخالفة لصريح القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وجميل تعليق الشنقيطي رحمه الله حول هذا الموضوع: "أن النظام قسمان: إداري، وشرعي، أما الإداري: الذي يراد به ضبط الأمور وإتقانها؛ فهذا لا مانع منه، ولا مخالف فيه من الصحابة، فمن بعدهم، وقد عمل عمر رضي الله عنه من ذلك أشياء كثيرة ما كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ككتبه أسماء الجند في ديوان لأجل الضبط، ومعرفة من غاب ومن حضر. فمثل هذا من الأمور الإدارية التي تُفعل لإتقان الأمور مما لا يخالف الشرع لا بأس به، كتنظيم شؤون الموظفين، وتنظيم إدارة الأعمال على وجه لا يخالف الشرع، فهذا النوع من الأنظمة الوضعية لا بأس به، ولا يخرج عن قواعد الشرع من مراعاة المصالح العامة، وأما النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السماوات والأرض فتحكيمه كفر بخالق السماوات والأرض، كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف، وأنهما يلزم استواؤهما في الميراث، وكدعوى أن تعدد الزوجات ظُلم، وأن الطلاق ظُلم للمرأة، وأن الرجم والقطع ونحوهما أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان، ونحو ذلك، فتحكيم هذا النوع من النظام في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم وعقولهم وأديانهم كفر بخالق السماوات والأرض، وتمرد على نظام السماء الذي وضعه من خلق الخلائق كلها وهو أعلم بمصالحها سبحانه وتعالى"[21]. سابعاً: يوجد متأثرون من أبناء المسلمين بالثقافة الغربية وصلوا غاية الانبهار بما وصلت إليه من تقدم ورقي في العصر الحديث، فهم يرون أن الإسلام لا يناسب العصر الحديث؛ بل يُعيق التقدم في مجالات الحياة الحيوية، وهذا من الغفلة، وقلة التوفيق، والجهل بالإسلام، والحضارة الإسلامية. قال الشنقيطي رحمه الله: "هذا ممن طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي"[22]. وإليكم تفصيل ابن عثيمين رحمه الله لهذه القضية المهمة: "أن حكم الله وإن تراءى لبعض الناس أنه ليس بصالح، أو أنه يُعيق التقدم الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو غير ذلك فإنه يكون خاطئًا؛ لأن العبرة بالنهاية، قد يتراءى للإنسان أن هذا الحكم لا يصلح الآن، لكن في النهاية لا شك أنه هو الصالح، وأن علينا أن نصبر وستكون العاقبة حميدة، مثلًا: الآن كثير من الناس يرون أنه لا بأس بالتعامل بالربا؛ لأنه على زعمهم يُنمي الاقتصاد من الآخذ والمعطي، فنقول: هذا وإن تراءى لكم لكن فيه مفاسد كثيرة، وانظروا إلى الدول التي تستعمل هذا ماذا كان حالها؟ تجد أن فيهم طبقات متباينة غاية التباين، هذا من أفقر الناس ربما يأكل التراب من الجوع والثرى من العطش، والآخر مثرٍ ثراءً زائدًا، فهذا الاختلاف العظيم في الطبقات كل ذلك بسبب التعامل المحرم، لكن لو أن الناس مشوا على ما سنه النبي صلي الله عليه وسلم لأمته لكان الاقتصاد متوازنًا، تجد الغني لا يثري ثراءً فاحشًا، ويعطي الفقير من الزكاة، وتكون الحال بين الغني والفقير متقاربة، لا يطغى أحد على أحد"[23]. [1] المائدة: 50. [2] هود: 1. [3] تفسير الطبري (15/ 227). [4] المائدة: 3. [5] الحشر: 7. [6] تفسير السعدي (ص: 851). [7] تفسير ابن كثير (3/ 119). [8] التين: 8. [9] تفسير القرطبي (20/ 117). [10] تفسير ابن كثير (3/ 119). [11] تفسير العثيمين (1/ 487). [12] تفسير المنار (6/ 349). [13] تفسير البيضاوي (2/ 130). [14] فتح القدير للشوكاني (2/ 56). [15] تفسير العثيمين (1/ 491). [16] الزمر:9. [17] يوسف: 40. [18] الشورى: 10. [19] القصص: 70. [20] الأنعام: 114. [21] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (3/ 260). [22] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (3/ 259). [23] تفسير العثيمين (1/ 489).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |