"سبحان الملك القدوس": دراسة حديثية تحليلية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}ا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 234 - عددالزوار : 27976 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4478 - عددالزوار : 984020 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4014 - عددالزوار : 502527 )           »          عيد أضحى مبارك ، كل عام وانتم بخير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 128 )           »          سفرة إفطار عيد الأضحى.. كبدة مشوية بخطوات سهلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 102 )           »          9 نصائح لمطبخ نظيف خلال عزومات عيد الأضحى.. التهوية أساسية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 95 )           »          فتياتنا وبناء الذات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 80 )           »          إضاءات سلفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 70 )           »          ابن أبي الدنيا وكتابه “العيال” (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 75 )           »          خطبة عيد الأضحى المبارك 1445هـ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-05-2024, 01:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,504
الدولة : Egypt
افتراضي "سبحان الملك القدوس": دراسة حديثية تحليلية

"سُبْحان الْمَلِكِ القُدُّوس"

دراسة حديثية تحليلية

أ. د. فهمي أحمد عبدالرحمن القزاز
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
سُنَّةٌ قولية وفِعْلِيَّة مهجورة، تركها معظم الأئمة في المساجد بعد صلاة الوتر في رمضان، فضلًا عن عموم الناس، وهذه السنة كان يجهر بها المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد صلاته للوتر في كل يوم، سمعها الصحابة من فيه صلى الله عليه وسلم، فنقلوها لنا بالحرف والمعنى والأداء، وهي سنة صحيحة رُوِيَت بأسانيد صحيحة لا شكَّ ولا مِراءَ فيها.

ولا يخفى على ذي لُبٍّ أجرُ من أحيا سُنَّة من سُنَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هُجِرت؛ فعن كثير بن عبدالله، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال بن الحارث: ((إنه من أحيا سنةً من سنتي قد أُمِيتت بعدي، فإن له من الأجر مثل من عمِل بها، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا تُرضي الله ورسوله، كان عليه مثل آثام من عمِل بها، لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئًا))[1].

وفي لفظ: ((من أحيا سنةً من سنتي، فعمِل بها الناس، كان له مثل أجر من عمل بها، لا ينقص من أجورهم شيئًا، ومن ابتدع بدعةً، فعمِل بها، كان عليه أوزارُ مَن عمِل بها، لا ينقص من أوزار من عمل بها شيئًا))[2].

وهذه السُّنَّة القولية والفعلية المهجورة هي قوله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة للوتر: "سُبْحان الْمَلِكِ القُدُّوس"؛ ثلاثًا؛ فعن أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوتِر بثلاث ركعات، كان يقرأ في الأولى بـ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾[الأعلى: 1]، وفي الثانية بـ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾[الكافرون: 1]، وفي الثالثة بـ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾[الإخلاص: 1]، وفي رواية: ويقنت قبل الركوع، فإذا سلَّم قال: سُبْحان الْمَلِكِ القُدُّوس، سُبْحان الْمَلِكِ القُدُّوس، سُبْحان الْمَلِكِ القُدُّوس، ويرفع بسُبْحان الْمَلِكِ القُدُّوس صوته بالثالثة، وفي رواية: يُطيل في آخرهن، وفي رواية: يمد صوته في الثالثة ثم يرفع[3]، وفي رواية: ثلاث مرات يمد بها صوته في الأخيرة، يقول:((رب الملائكة والروح))[4].

قال النووي: "قوله: (سُبُّوح قُدُّوس): هما بضم السين والقاف وبفتحهما، والضم أفصح وأكثر".

قال الجوهري في فصل (ذرح): "كان سِيبَوَيهِ يقولهما بالفتح"، وقال الجوهري في فصل (سبح): "سُبُّوح من صفات الله تعالى.

قال ثعلب: "كل اسم على فُعُّول فهو مفتوح الأول إلا السُبُّوح والقُدُّوس فإن الضم فيهما أكثر، وكذلك الذُّرُّوح؛ وهي دُويبةٌ حمراءُ، منقَّطة بسواد تطير، وهي من ذوات السموم".

وقال ابن فارس والزبيدي وغيرهما: (سُبُّوح): هو الله عز وجل، فالمراد بالسُبُّوح القُدُّوس: الْمُسَبَّح الْمُقَدَّس، فكأنه قال: مُسبَّح مُقدَّس رب الملائكة والروح.

ومعنى سُبُّوح: المبرأ من النقائص والشريك، وكل ما لا يليق بالإلهيَّة.

وقُدُّوس: الْمُطهَّر من كل ما لا يليق بالخالق.

وقال الهروي: "قيل القُدُّوس: المبارك".

قال القاضي عياض: "وقيل فيه: سُبُّوحًا قُدُّوسًا، على تقدير: أُسبِّح سُبُّوحًا، أو أذكر، أو أُعظِّم، أو أعبُد".

وقوله: (رب الملائكة والروح)، قيل: الروح مَلَكٌ عظيم.

وقيل: يحتمل أن يكون جبريل عليه السلام.

وقيل: صنف من الملائكة أفرده بالذكر للتشريف.

وقيل: خَلْقٌ لا تراهم الملائكة، كما لا نرى نحن الملائكة، والله سبحانه وتعالى أعلم[5].

وقال ابن الملك: "والفرق بين التسبيح والتقديس أن التسبيح للأسماء، والتقديس للآلاء، وكلاهما يؤدي إلى العظمة، وأفرد الروح بالذكر للتشريف"[6].

وقال ابن الجوزي: "وقوله: (سُبُّوح قُدُّوس)، قال الخطابي: لم يأتِ من الأسماء على فُعُّول، بضم الفاء، إلا قُدُّوس وسُبُّوح، وقد يُفتحان، وهو القياس في الأسماء كسَفُّود وكَلُّوب.

والقُدُّوس: الطاهر من العيوب، قال أبو الحسن الهنائي اللغوي: ومعنى: (سُبُّوح قُدُّوس): أنه يُسبَّح ويُقدَّس: أي: يُعظَّم.

فأما الملائكة: فجمع مَلَك، واسمه مشتق من المألكة؛ وهي الرسالة، فسُمُّوا بذلك لأنهم رُسُلُ الله عز وجل إلى أنبيائه.

والروح مختلَف فيه، والأظهر أنه جبريل عليه السلام"[7].

وقال القرطبي: "ورب الملائكة؛ أي: مالكهم وخالقهم ورازقهم؛ أي: مصلح أحوالهم، وقد تقدم الكلام في الملائكة، والروح هنا: جبريل عليه السلام؛ كما قال: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ ﴾ [الشعراء: 193، 194]، وخصَّه بالذكر وإن كان من الملائكة تشريفًا وتخصيصًا؛ كما قال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ﴾ [البقرة: 98]، فخصَّهما بالذكر تشريفًا لهما"[8].

والمتتبع للسنة المطهرة الشريفة يجد أن هذا الذكر قد أخذ حيزًا واسعًا من قوله صلى الله عليه وسلم وفعله.

فهذا الذكر هو تسبيح النبي صلى الله عليه وسلمفي الركوع والسجوع في صلاته؛ فعن مطرف بن عبدالله بن الشِّخِّير، أن عائشة نبَّأته: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلمكان يقول: في ركوعه وسجوده: سُبُّوح قُدُّوس، رب الملائكة والروح))[9].

وهو صلاة الله رب العالمين؛ فعن أبي هريرة، ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال لجبريل: هل يصلي ربك؟ قال: نعم، قلت: وما صلاته؟ قال: سُبُّوح قُدُّوس، سبقت رحمتي غضبي))[10].

وهو ما يبتدأ به المصطفى صلى الله عليه وسلم صلاته بالليل؛ فعن شريق الهوزني، قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها، فسألتها: بِمَ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح إذا هبَّ من الليل؟ فقالت: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، ((كان إذا هبَّ من الليل كبَّر عشرًا، وحمِد عشرًا، وقال: سبحان الله وبحمده عشرًا، وقال: سُبْحان الْمَلِكِ القُدُّوس عشرًا، واستغفر عشرًا، وهلَّل عشرًا، ثم قال: اللهم إني أعوذ بك من ضيق الدنيا، وضيق يوم القيامة عشرًا، ثم يفتتح الصلاة))[11].

وعن علي بن عبدالله بن عباس، عن أبيه قال: ((أمرني العباس بن عبدالمطلب قال: بَتْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت إلى المسجد، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلمبالناس صلاة العشاء الآخرة، حتى لم يبقَ في المسجد أحد غيره، قال: ثم مرَّ بي فقال: من هذا؟ قلت: عبدالله، قال: فَمَهْ؟ قلت: أمرني العباس أن أبيتَ بكم الليلة، قال: فالْحَقْ، قال: فلما انصرف دخل فقال: أفرشوا عبدَالله، فأُتيت بوسادة من مُسُوح، قال: وتقدم إليَّ العباس: لا تَنَمْ حتى تحفظ صلاته، قال: فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلمفنام حتى سمعت غطيطه، فاستوى على فراشه فرفع رأسه إلى السماء فقال: سُبْحان الْمَلِكِ القُدُّوس؛ ثلاث مرات، ثم تلا هذه الآية من آخر سورة آل عمران حتى ختمها: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [آل عمران: 190]، ثم قام، ثم استنَّ بسواكه وتوضأ، ثم دخل في مُصلَّاه فصلى ركعتين ليستا بقصيرتين ولا بطويلتين، ثم عاد إلى فراشه فنام حتى سمعت غطيطه، ثم استوى على فراشه، ففعل كما فعل في المرة الأولى، ثم استنَّ بسواكه وتوضأ، ثم دخل مُصلَّاه فصلى ركعتين ليستا بطويلتين ولا قصيرتين، ثم عاد إلى فراشه فنام حتى سمعت غَطِيطَه، ثم استوى على فراشه ففعل كما فعل، فصلى ثم أوتَرَ، فلما قضى صلاته سمعته يقول: اللهم اجعل في بصري نورًا، واجعل في سمعي نورًا، واجعل في لساني نورًا، واجعل في قلبي نورًا، واجعل عن يميني نورًا، واجعل عن شمالي نورًا، واجعل لي من أمامي نورًا، واجعل من خلفي نورًا، واجعل من فوقي نورًا، واجعل من أسفلي نورًا، واجعل لي يوم القيامة نورًا، وأعْظِم لي نورًا))[12].

وهذا الذكر هو نداء الملائكة للعباد في كل صباح؛ فعن الزبير بن العوام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من صباح يصبح العبد فيه إلا ومنادٍ ينادي: سبِّحوا الْمَلِكَ القُدُّوسَ))[13].

قال علي القاري: "قال الطيبي: (صباح) نكرة وقعت في سياق النفي، وضمت إليها (من) الاستغراقية لإفادة الشمول، ثم جيء بقوله: (يصبح) صفةً مؤكدةً لمزيد الإحاطة؛ كقوله تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ﴾ [الأنعام: 38]، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ ﴾ [النحل: 26]، (إلا منادٍ ينادي: سبِّحوا)؛ أي: نزهوا، (الملك القُدُّوس)؛ أي: عما هو مُنَزَّهٌ عنه في باطن الأمر، والمعنى: اعتقِدوا أنه منزه عنه كذلك، وليس المراد إنشاء تنزيه، لأنه مُنزَّهٌ أزلًا وأبدًا، أو اذكروه بالتسبيح؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ [الإسراء: 44]، ولذا قال الطيبي: أي: قولوا: سُبْحان الْمَلِكِ القُدُّوس، أو قولوا: سُبُّوح قُدُّوس رب الملائكة والروح، أي: ونحوها من قول سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم وبحمده"[14].

وعن عبدالله بن ضمرة، عن كعب قال: ((ما من صباح إلا ومَلَكَان يناديان: يا باغي الخير، هَلُمَّ، ويا باغي الشر، أقْصِرْ، وملكان يناديان: اللهم أعْطِ منفقًا خَلَفًا، وأعطِ مُمْسِكًا تَلَفًا، ومَلَكَان يناديان يقولان: سُبْحان الْمَلِكِ القُدُّوس، وملكان موكَّلان بالصُّور، ينتظران متى يؤمران فينفخان))[15].

وفي البزار عن أبي سعيد الخدري بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من صباح، إلا ومَلَكَان يناديان: سُبْحان الْمَلِكِ القُدُّوس، وملكان يناديان: اللهم أعْطِ منفقًا خلفًا، وأعطِ ممسكًا تلفًا، ومَلَكَان موكَّلان بالصور، ينتظران، متى يؤمران، فينفخان، وملكان يناديان: يا باغي الخير، هَلُمَّ، ويا باغي الشر، أقْصِرْ، وملكان يناديان: ويل للرجال من النساء، وويل للنساء من الرجال))[16].

وهو ذِكْرُ الملائكة في السماء؛ كما رُوِيَ في الأثر عن أبي جعفر، عن أبيه، أنه سُئل عن ذي القرنين، قال: "كان ذو القرنين عبدًا من عباد الله عز وجل صالحًا، وكان من الله بمنزلة ضخم، وكان قد مَلَكَ ما بين المشرق والمغرب، وكان له خليلٌ من الملائكة يُقال له: زيافيل، وكان يأتي ذا القرنين يزوره، فبينا هما ذات يوم يتحدثان، إذ قال له ذو القرنين: حدثني كيف كانت عبادتكم في السماء؟ قال: فبكى، ثم قال: يا ذا القرنين، وما عبادتكم عند عبادتنا في السماء؛ ملائكة قيام لا يجلسون أبدًا، ومنهم ساجد لا يرفع رأسه أبدًا، وراكع لا يستوي قائمًا أبدًا، ورافع وجهه لا يطرق شاخص أبدًا، يقول: سُبْحان الْمَلِكِ القُدُّوس، رب الملائكة والروح، ربِّ ما عبدناك حق عبادتك، قال: فبكى ذو القرنين بكاءً شديدًا..."[17].

وهو وصية النبي صلى الله عليه وسلم للنساء ومن بعدهم الأمة بالتسبيح بهن؛ فعن حميضة بنت ياسر، عن جدتها يسيرة، وكانت من المهاجرات، قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس، واعقِدْنَ بالأنامل؛ فإنهن مسؤولات مُسْتَنْطَقَاتٌ، ولا تغفُلْنَ فتَنْسَينَ الرحمة))[18].

قال ابن الملك: "والتقديس؛ أي: قول: سُبُّوح قُدُّوس رب الملائكة والروح، والمراد: جنس الذكر أي لفظ كان"[19].

قال القاري: "(بالتسبيح، والتهليل، والتقديس)؛ أي: قول: سُبْحان الْمَلِكِ القُدُّوس، أو سُبُّوح قُدُّوس رب الملائكة والروح، ويمكن أن يُراد بالتقديس التكبير، ويدل عليه ذكره في المعدودات على وفق نظائره من الروايات".

قال ابن حجر: "هذا عادة العرب أن الكلمة إذا تكررت على ألسنتهم اختصروها؛ ليسهُلَ تكررها بضم بعض حروف إحداها إلى الأخرى؛ كالحوقلة والحيعلة والبسملة وكالتهليل، فإنه مأخوذ من لا إله إلا الله، يقال: هَيْلَلَ الرجل وهلَّل، إذا قال ذلك"؛ ا.هـ.

وهو غير مستقيم من وجوه:
الأول: أن البسملة ونحوها من الكلمات المصنوعة لا العربية الموضوعة.

والثاني: أن هذا مُسلَّم في الحوقلة والحيعلة والبسملة، وأما التسبيح والتهليل، فمصدران قياسيان، وكذا التقديس، ومعناها جَعْلُ اللهِ مُسبَّحًا ومُقدَّسًا؛ أي: منزهًا بالذكر والاعتقاد عن صفات الحدوث والحلول والاتحاد، ومهلَّلًا أي: مرفوع الصوت بذكر توحيده وإثبات تفريده، نعم هَيْلَلَ من قبيل بَسْمَلَ، وكذا سَبْحَلَ، وكذا قَدْسَلَ، لو سُمِعَ أو بُنِيَ لوجود دلالة بعض من كل منهما على كلمة في مقابلتها، بخلاف ما ذُكِرَ من التسبيح والتهليل والتقديس، وأيضًا فهذه مصادر باب التفعيل على طِبقِ الموضوع، والمصدر المصنوع مختص بباب الفَعْلَلَةِ، مُلْحَق به في التصريف، كما هو مقرر ومحقق، ولا يضرنا تفسيرهم التسبيح بسبحان الله، والتهليل بلا إله إلا الله، والتقديس بسُبْحان الْمَلِكِ القُدُّوس، فإنه تفسير معنوي مجزَّأ من معنًى كليٍّ هو المفهوم المصدري[20].

وهذا الذِّكْرُ يُذهِب الوَحْشَة كما ذُكِرَ في حديث ضعيف يُعمَل به في فضائل الأعمال؛ فعن البراء قال: ((أتى رجلٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلمفشكا إليه الوَحْشَةَ، فقال: أكْثِرْ من أن تقول: سُبْحان الْمَلِكِ القُدُّوسِ، ربِّ الملائكة والرُّوح، جَلَّلتَ السماواتِ والأرضَ بالعزة والجبروت، قال: فقالَهُنَّ الرجلُ فأذهب الله عنه الوحشة))[21].

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

[1] ينظر: سنن الترمذي، ت: شاكر (5/ 45) (2677)، وقال: هذا حديث حسن.

[2] ينظر: سنن ابن ماجه (1/ 76) (209).

[3] ينظر: سنن أبي داود (2/ 65) (1430)، السنن الكبرى للنسائي (1/ 252) (446)، سنن النسائي (3/ 244) (1729)، مسند أحمد، ط: الرسالة (24/ 72) (15354)، مصنف ابن أبي شيبة (2/ 93) (6873)، صحيح ابن حبان مخرجًا (6/ 202) (2450)، المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 406) (1009)، وغيرهم الكثير.

[4] أخرجه السنن الكبرى للبيهقي، ت: التركي (5/ 458)، سنن الدارقطني (2/ 355) (1660)، وأخرجه النسائي (1698)، وابن ماجه (1182).

[5] ينظر: شرح النووي على مسلم (4/ 204).

[6] ينظر: شرح المصابيح لابن الملك (3/ 130).

[7] ينظر كشف المشكل من حديث الصحيحين (4/ 398).

[8] المفهم لِما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (2/ 91)، وينظر للمزيد: شرح أبي داود للعيني (4/ 78)، وحاشية السيوطي على سنن النسائي (2/ 190)، وشرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (3/ 1015)، وفيض القدير (4/ 355).

[9] ينظر: صحيح مسلم (1/ 353) (487).

[10] ينظر: المعجم الأوسط (1/ 42) (114)، المعجم الصغير للطبراني (1/ 48) (43)، قال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير والأوسط، ورجاله وُثِّقوا، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (10/ 213)؛ قال الشوكاني: رجاله ثقات، لكنه موقوف على عطاء، فلعله سمعه ممن لا يُوثَق به، وفي إسناده: محمد بن يحيى الحفار، قال الذهبي: لا ندري من ذا، وأورد له هذا الحديث، وقال: هذا منكر، قال في اللآلئ: لكن رأيت له طريقًا أخرى، قال محمد بن نصر في كتاب الصلاة، وذكر نحوه، وكذلك ذكر نحوه عبدالرزاق في مصنفة: كلاهما عن ابن جريج عن عطاء، قال: بلغني، وفيها: أن الله سبحانه يقول: ((سُبُّوح قُدُّوس، رب الملائكة والروح، سبقت رحمتي غضبي))؛ [ينظر: الفوائد المجموعة (ص: 444)].
قلت: وله أصل في مصنف عبدالرزاق؛ فقال: فبلغني ((أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أُسْرِيَ به كان كلما مرَّ قسمًا، سلمت عليه الملائكة، حتى إذا جاء السماء السادسة قال له جبريل: هذا مَلَكٌ فسلِّم عليه، فبدره الملك فبدأه بالسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وددت لو أني سلمت عليه قبل أن يسلِّم عليَّ، فلما جاء السماء السابعة، قال له جبريل: إن الله عز وجل يصلي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أهو يصلي؟ قال: نعم قال: وما صلاته؟ قال: يقول: سُبُّوح قُدُّوس رب الملائكة والروح، سبقت رحمتي غضبي، فأتبع ذلك قال: قلت: أقُدِّم بعض ذلك قبل بعض؟ قال: إن شئت))؛ [مصنف عبدالرزاق الصنعاني (2/ 162)]، وسُئِل عنه الدارقطني فقال: يرويه الأعمش، واختلف عنه، فرواه أبو مسلم قائد الأعمش، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة، وقال مرة: عن جابر بن عبدالله، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وغيره يرويه، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن عطاء بن أبي رباح، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل، وهذا أصح؛ [العلل الواردة في الأحاديث النبوية (8/ 287) (1573)].
قلت: وله أصل أيضًا في صحيح البخاري عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لما قضى الله الخَلْقَ، كتب كتابًا عنده: غَلَبَتْ - أو قال: سبقت - رحمتي غضبي، فهو عنده فوق العرش))؛ [صحيح البخاري (9/ 160) (7553)]، وفي مسلم بلفظ: ((قال الله عز وجل: سبقت رحمتي غضبي))؛ [صحيح مسلم (4/ 2108) (2751)].

[11] ينظر: سنن أبي داود (4/ 322) (5085)، قال ابن حجر: هذا حديث حسن؛ ينظر: نتائج الأفكار: (1/ 120).

[12] ينظر: مسند أبي يعلى الموصلي (4/ 419) (2545)، والمعجم الكبير للطبراني (10/ 275) (10648)، المستدرك على الصحيحين للحاكم (3/ 617) (6286)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وقال الذهبي: على شرط البخاري ومسلم.

[13] ينظر: سنن الترمذي، ت: شاكر (5/ 563) (3569)، وقال: وهذا حديث غريب، والمنتخب من مسند عبد بن حميد، ت: صبحي السامرائي (ص: 63) (98).

[14] ينظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1598).

[15] ينظر: الزهد والرقائق لابن المبارك، والزهد لنعيم بن حماد (1/ 378) (1070).

[16] ينظر: كشف الأستار عن زوائد البزار (4/ 153)، باب في الصور (3424)، قلت: عند ابن ماجه طرف منه، قال البزار: لا نعلم رواه بهذا الإسناد إلا خارجة، وهو صالح، وقال الهيثمي: روى ابن ماجه طرفًا منه، رواه البزار، وفيه خارجة بن مصعب الخراساني، وهو ضعيف جدًّا، وقال يحيى بن يحيى: مستقيم الحديث، وبقية رجاله ثقات؛ [ينظر مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (10/ 331)].

[17] ينظر: العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني (4/ 1461).

[18] ينظر: سنن الترمذي، ت: بشار (5/ 463) (3583)، مسند أحمد، ط: الرسالة (45/ 35) (27089)، وقال: هذا حديث إنما نعرفه من حديث هانئ بن عثمان، وقد رواه محمد بن ربيعة، عن هانئ بن عثمان.

[19] ينظر: شرح المصابيح لابن الملك (3/ 130).

[20] ينظر مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1605).

[21] ينظر مسند الروياني (1/ 212) (292)، والطبراني في الدعوات الكبير (1/ 277) (192). المعجم الكبير للطبراني (2/ 24) (1171)، وعمل اليوم والليلة لابن السني (ص: 595) (639)، قال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه محمد بن أبان الجعفي، وهو ضعيف. ينظر مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (10/ 128):







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 63.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 61.85 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.63%)]