قواعد نبوية - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13074 - عددالزوار : 345747 )           »          مكاسب الصحابة الكرام: نموذج في الكسب الحلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          رسول السلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 95 )           »          أسطورة تغيير الجنس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 110 )           »          كنز من كنوز الجنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 101 )           »          قواعد نبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 26 - عددالزوار : 4752 )           »          كتاب( مناظرة بين الإسلام والنصرانية : مناقشة بين مجموعة من رجال الفكر من الديانتين ) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 178 )           »          الشاكر العليم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 131 )           »          هل هذا شذوذ أو ازدواج في التوجه؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 163 )           »          زوجي مصاب بمرض الفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 141 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 17-07-2024, 05:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قواعد نبوية

قواعد نبوية (21)

ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعَةِ


قاعدة من القواعد العظيمة، جاءت في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكل أحاديثه - رضي الله عنه - فيها فائدة للإنسان في دينه ودنياه، هذه القاعدة هي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّديدُ الَّذي يملِكُ نفسَه عندَ الغَضبِ».
اليوم بعض الناس -مع الأسف- عندما يرى أن مفتول العضلات ولديه قوة وفتوة وشباب، يظن أن هذه هي القوة الحقيقية، وهي أنه يستطيع أن يقاتل الناس ويصرعهم ويعتدي عليهم، ولكن بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذه ليست هي القوة ولا الرجولة الحقيقية، ولكن القوة الحقيقية هي قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب».
اليوم -مع الأسف الشديد- أمثال هؤلاء تصرفاتهم قد تسبب في تخويف الآمنين وترويعهم ، والاعتداء عليهم، بل قد يصل الأمر إلى إصابتهم بعاهة، أو يتطور الأمر إلى القتل، نسأل الله العفو والعافية؛ لذلك بيّن لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن القوة والشدة ليست بحجم العضلات ولا بالتطاول على الناس؛ لأن بعض الناس يمشي متفاخرًا بجسمه وعضلاته، وغاب عنه أنَّ القوة الحقيقية للإنسان هي في أخلاقه، وفي أن يملك نفسه عند الغضب، هذه هي القوة الحقيقية.
عن سليمان بن صرد - رضي الله عنه - قال: استَبَّ رجُلانِ عندَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ونحنُ عندَه جلوسٌ، وأحدُهما يسُبُّ صاحبَه مغضَبًا قد احمَرَّ وجهُه! فقال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنِّي لَأعلَمُ كلمةً لو قالها لذهَب عنه ما يجِدُ: أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ» فقالوا للرَّجُلِ: ألا تسمَعُ ما يقولُ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: إنِّي لَسْتُ بمجنونٍ.
إذًا كيف تتعامل مع من يغضبك؟ لابد أولاً من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ثم العفو، وهذه من صفات المؤمنين، قال الله -تعالى-:{وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}، يغفر ويتجاوز، يمكن ذلك الشخص الذي أخطأ كلما تتعامل معه بالحسنى - سبحان الله - يتغير الأمر. قال الله -تعالى-: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}، وكم من المواقف التي تمر علينا، عندما يقابل الإنسان فيها السيئة بالحسنة، ولا يقابل السيئة بمثلها، ولا يقابل الخطأ بخطأ مثله، كيف تتغير الأمور.
بعضنا يخشى أن يقال عليه ضعيف، المسألة ليست بقول الناس، إنما المسألة في عدد الناس الذين أصيبوا إما عاهات أو اعتداء على المال أو اعتداء على الجسد وبعضهم أُدخل إلى مؤسسة إصلاحية وبعضهم تسبب في تشويه سمعة أسرته بسبب ثورة غضب، لكنه لو عفا وأصلح وتجاوز، لو تمالك نفسه عند الغضب اتباعًا لهذه القاعدة النبوية العظيمة، لتجنبنا كثيرا من الخلافات وكثيرا من المصائب.
هذا ما نحتاج أن نُربي أولادنا عليه اليوم، بعض الآباء -مع الأسف- يُكلّم أولاده وينصح أولاده ويظن أن هذه نصيحة صحيحة إذا اعتدى عليك أحد فاعتدِ عليه، وإذا تكلم عليك تكلم عليه، وإذا سبك شخص فرد عليه المسبة بمثلها، أبدا ليس هكذا يُربَى الأولاد، علينا أن نُربي أولادنا على العفو والصفح والتحمل، أما أن يُربى الأولاد سواء في المدارس أم في الطرقات والشوارع أن يرد الكلمة أو السيئة بمثلها فحدّث عن المشكلات ولا حرج، حدّث عن الاعتداء ولا حرج، واسمع بين الفينة والأخرى عن مثل هذه الاعتداءات التي تسبب في نهايتها إلى أمور لا تُحمد عقباها.
علينا أنَّ نتذكر هذا الأدب النبوي العظيم وهذه القاعدة النبوية الكريمة: «ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّديدُ الَّذي يملِكُ نفسَه عندَ الغَضبِ»، فالقوة والرجولة والمكانة هي للإنسان الذي يتمالك نفسه عند الغضب، جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقالَ يا رسولَ اللَّهِ، كم نعفو عنِ الخادِمِ؟ فصمتَ ثمَّ أعادَ عليهِ الكلامَ، فصَمَتَ فلمَّا كانتِ الثَّالثةُ قالَ اعفوا عنهُ كلَّ يومٍ سبعينَ مرَّةً.


اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 23-08-2024 الساعة 07:14 PM.
رد مع اقتباس
  #22  
قديم 17-07-2024, 05:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قواعد نبوية

قواعد نبوية (22) الصبر من أعظم العبادات


  • الصبر هو الإيمان الكامل واليقين الذي ليس فيه شكٌّ بأنَّ ما أصابك ما كان ليخطئَك وما أخطأك ما كان ليصيبَك وأنَّ كل شيء بقضاءِ وقدَر
  • الصبر من الإيمان بمنزله الرأس مِنَ الجسد وإذا قطع الرأس فسَد الجسد كذلك إذا زال الصبرُ فسدتِ الأمور
من القواعد النبوية العظيمة حديث نبوي كريم، يشمل قاعدة يحتاجها الإنسان في أمور الدين وأمور الدنيا، وفي أمور العبادة، وحتى في الأمور المادية في علاقته مع الناس، قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «وما أُعْطِيَ أحدٌ عطاءً هو خيرٌ وأوسَعُ مِنَ الصَّبرِ»، بمعنى أن عطاء الله -تعالى- كثير للناس، منهم من يعطيه الله -تعالى- مالا، ومنهم من يعطيه منصبا، ومنهم من يعطيه نسبا، وغيرها من الخيرات الكثيرة جدا، عطاء الله -تعالى- واسع، لكن ما أُعطي عطاء من الله -تعالى- خيرا وأوسع وأعظم من الصبر.
لذلك الصبر من أعظم العبادات، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ومَن يَصبِرْ يُصبِّرْه اللهُ، وما أُعْطِيَ أحدٌ عطاءً هو خيرٌ وأوسَعُ مِنَ الصَّبرِ»؛ فالصبر يحتاج إلى أن يتحمل الإنسان، وإلى أن يتصبر، وهذا الذي يتصبر، الله -تعالى- يعينه على الصبر.
أعظم ما يعين على الصبر
وأعظم ما يعين الإنسان على التصبر والصبر عندما يتذكر الأجر والثواب والحسنات، وما أعده الله -تعالى- لعباده الصابرين. قال الله -تعالى-: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، الصلاة لها أجور وثواب عندما يصلي الإنسان في جماعة تفضل عن صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة أو بخمس وعشرين درجة، وهكذا سائر العبادات، أما الصبر فليس له حساب {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
علام يصبر الإنسان؟
والسؤال الذي يطرح نفسه: علام يصبر الإنسان؟ هناك ثلاثة أمور ذكرها العلماء تحتاج إلى صبر وتصبر ومصابرة.
  • أولاً: الصبر على طاعة الله
أول هذه الأمور: الصبر على طاعة الله، فالعبادة تحتاج إلى صبر وتحتاج إلى مجاهدة {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}، العبادة مثل: الصلاة والصيام والزكاة والحج، كل هذه تحتاج إلى صبر ومصابرة، وأن يتصبر الإنسان ويحاول أن يبذل قصارى جهده بالصبر، مثلاً صلاة الفجر يستيقظ الإنسان ويقطع لذة نومه، ويخرج إن كان في الشتاء في شدة البرد، وإن كان في الصيف والليل قصير، لكن مع ذلك عندما يسمع المؤذن حي على الصلاة حي على الفلاح، يقوم ويستيقظ ويتوضأ ثم يذهب إلى المسجد، أو المرأة تقوم وتتوضأ وتصلي الصلاة في وقتها، لا يضيعونها عن أوقاتها، هذا يحتاج إلى صبر، وعندما يخرج إلى المسجد في شدة الحر أو في شدة البرد، هذا أيضا يحتاج إلى صبر، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ومن يتصبر يصبره الله» بمعنى أن من يُلزم نفسه بالصبر، فإن الله -تعالى- يعينه ويثبته ويصبره، {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}؛ فيحتاج الإنسان إلى أن يصبّر نفسه، وأن يجتهد، وأن يبذل ما في وسعه في طاعة الله -تعالى. الزكاة تحتاج إلى صبر أيضا، عندما يأتي الإنسان ويريد أن يزكي من أمواله ويأخذ من رصيده، يحتاج إلى صبر، الشيطان دائما يوسوس للإنسان بألا تبذل، ولا تتصدق، ولا تقلل من مالك، مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما نقصت صدقة من مال»؛ فالزكاة بركة للمال ونماء له، لكن الشيطان دائما يُخذّل الإنسان عن الطاعات، ومنها الزكاة والصدقة، {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ}، لكن لما يتصبر الإنسان ويأخذ من أمواله وينفقها لله -تعالى- في وجه من أوجه الخير، أو في الأوجه المشروعة إن كانت زكاة أو صدقة. الحج أيضا فيه مشقة، وفيه سفر، وفيه إنفاق ودفع للمال، وتنقل من منسك إلى منسك. ولما قالت أم المؤمنين -رضي الله عنها وأرضاها- للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟! قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لكُنّ جهاد لا شوكة فيه، الحج. فإذًا يحتاج أن يُصبّر الإنسان نفسه في هذه العبادة الجليلة وسائر العبادات.
  • ثانيًا: الصبر عن معصية الله
ثاني أنواع الصبر: الصبر عن معصية الله. النفس والشيطان والهوى يدعون الإنسان إلى أن يقترف معصيةً، أو أن يفعل ذنبًا، أو أن يترك واجبًا، فيُصبّر الإنسان نفسه، هذا أمر حرّمه الله فيبتعد عنه مع وجود مغريات! هذا المال سواء كان رشوة أم ربا أم مالا حراما مع أنه أموال مضاعفة، لكن طالما أن الله -تعالى- حرّمه فهو يتركه ويبتعد عنه، صبر عن معصية الله؛ لأن الله -تعالى- هو الذي حرّم هذا المال فلا يأخذه، الله حرّم هذا القول فلا يقله، الله حرّم هذا الطعام فلا يأكله، الله حرّم هذا الشراب فلا يشربه، مع أنها قليلة، من الشراب حرّم الله -تعالى- الخمر، ومن الطعام أو ما يُذبح حرّم الله -تعالى- الخنزير، فهي أمور قليلة، لكن الشيطان قد يدعوه إلى أن يقترف هذه المعصية، فيصبّر نفسه ألا يقترف هذه المعصية.
  • ثالثًا: الصبر على أقدار الله المؤلمة
ثالث أنواع الصبر: صبر على أقدار الله المؤلمة، فالإنسان في هذه الحياة مُعرّض لأمر يكرهه، يحدث له أمر لا يحبه، إما حادث لا قدّر الله أو مشكلة أو خسارة في تجارة أو رسوب في دراسة أو غير ذلك، «مَرَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقالَ: اتَّقِي اللَّهَ واصْبِرِي قالَتْ: إلَيْكَ عَنِّي، فإنَّكَ لَمْ تُصَبْ بمُصِيبَتِي، ولَمْ تَعْرِفْهُ، فقِيلَ لَهَا: إنَّه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فأتَتْ بَابَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقالَ: إنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى».
حقيقة الصبر وفضائله
  • حقيقة الصبر: هو حبسُ النفس عن الجزَع، واللسان عن الشكوى، والجوارح عن المعاصي والذنوب، بمعنى أن يتلقَّى العبد البلاءَ بصدر رحب دون شَكْوى أو سخط.
  • وقال العلماء: الصبر هو الإيمان الكامل واليقين الذي ليس فيه شكٌّ بأنَّ ما أصابك ما كان ليخطئَك، وما أخطأك ما كان ليصيبَك، وأنَّ كل شيء بقضاءِ وقدَر.
  • الصبر جاءتِ البشرى لأهله: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة: 155 - 157).
  • وأهل الصبر أخْبر الله أنَّه معهم: {إِنَّ اللَّهِ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة: 153)، قال ابن القيِّم: «وهي معيَّة خاصَّة، تتضمَّن حِفظَهم ونصْرَهم وتأييدهم»، اهـ.
  • وأهل الصبر هم أهلُ اليمين؛ قال -تعالى-: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ } (البلد: 17).
  • وأهل الصَّبْر هم أهلُ الصلاة والقادرون عليها؛ {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِين} (البقرة: 45).
  • وأهلُ الصبر هم الفائزون في كلِّ مكان وزمان؛ {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (العصر: 1- 3).
  • وأهل الصَّبْر هم أهلُ الخير والشُّكر؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عنه عمرُ بن سعد بن أبي وقَّاص، عن أبيه، قال: قال رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «عجبتُ للمؤمن؛ إذا أصابَه خيرٌ حمِد الله وشَكَر، وإنْ أصابتْه مصيبةٌ حمِد الله وصبَر، فالمؤمن يُؤجَر في كلِّ أمره، حتى يُؤجر في اللُّقمة يرفعها إلى فِي امرأته».
  • ويقول عليٌّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: إنَّ الصبر من الإيمان بمنزله الرأس مِنَ الجسد، وإذا قطع الرأس فسَد الجسد، كذلك إذا زال الصبرُ فسدتِ الأمور.


اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 27-08-2024 الساعة 03:30 PM.
رد مع اقتباس
  #23  
قديم 06-08-2024, 10:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قواعد نبوية

قواعد نبوية (23) وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا


  • العَفْوُ عن النَّاسِ سَبَبٌ في نَيلِ عَفوِ اللَّهِ فالجزاءُ مِن جِنسِ العمَلِ
  • العَفْوُ سَبيلٌ إلى الأُلفةِ والمودَّةِ بَيْنَ أفرادِ المجتَمَعِ وتقويةٌ لرَوابِطِ الأُخُوَّةِ
  • في العَفْوِ والصَّفحِ إنهاءٌ للمُنازَعاتِ والخُصوماتِ ونَزعٌ للغِلِّ والحِقدِ والشَّحناءِ
نتحدث عن أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا سيما تلك الأحاديث التي تمثل قواعد حياتية، قاعدة في السعادة، قاعدة في الأخلاق، قاعدة في العمل أو العبادة، حتى نأخذ منها العبرة والعظة والفائدة ما ينفعنا في ديننا ودنيانا، ومعنا اليوم حديث من أحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - العظيمة، التي تمثل قاعدة من قواعد التعامل والأخلاق مع الآخرين، حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «وما زاد الله بعفو عبدا إلا عزا».
عندما يعفو الإنسان عن الآخرين، يزيده الله -تعالى- عزًا ومكانة ورفعة ودرجة عنده وعند الخلق، فلا يظن إنسان أنه عندما يعفو عن مخطئ، أو يتجاوز عن مقصر، أو يسامح في خطأ ارتُكِبَ في حقه، أن هذا يكون سببًا في قلة مكانته أو ضعف إمكاناته، أو أنه لا يستطيع الرد، بل هذا من أخلاق الإسلام ومن عبادة الله -تعالى-؛ لأن ديننا دين أخلاق وتعامل مع الآخرين، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن المؤمنَ لَيُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه درجةَ الصائمِ القائمِ»، الله -تعالى- يجعل هذا الإنسان المتخلق بأخلاق الإسلام بدرجة ذلك الإنسان الذي يصلي طول الليل ويصوم طول النهار لله -تعالى-. هذا الإنسان الذي عنده أخلاق كريمة، أخلاق حسنة، قد يكون أقل منه في العمل، لكن يبلغ إلى درجته ومرتبته ومكانته عند الله؛ والسبب أنه تخلّق بأخلاق كريمة وأخلاق حسنة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ أحبَّكم إليَّ وأقربَكم منِّي في الآخرةِ محاسنُكم أخلاقًا».
البشر يصيبون ويخطئون
«وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا» نحن في تعاملاتنا مع الناس نتعامل مع البشر، ولا شك أن البشر والناس يصيبون ويخطئون، فتتعامل مع الجاهل، ومع المتعلم، ومع الكبير، ومع الصغير، وغيرهم من الأشخاص على اختلاف أنواعهم وأفهامهم ومستوى إدراكهم، فإذا ما أُخطئ في حقك، اعفُ وسامح وتجاوز؛ فمن تجاوز عن خلق الله، يتجاوز الله -تعالى- عنه، «وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا».
سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم
وإذا نظرنا وتأملنا سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، نرى كيف أنه كان يعفو عن المخطئ، ويتجاوز عن المسيء، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «كُنْتُ أَمْشِي مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وعليه بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فأدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حتَّى نَظَرْتُ إلى صَفْحَةِ عَاتِقِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قدْ أَثَّرَتْ به حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِن شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قالَ: مُرْ لي مِن مَالِ اللَّهِ الذي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ له بعَطَاءٍ». ومع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يستطيع بإشارة منه أن يؤخذ هذا الأعرابي ويُنتقم منه؛ بسبب أنه اعتدى على النبي - صلى الله عليه وسلم - بنوعين من الاعتداء: أولا/ أنه دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - باسمه! ولا يجوز مناداة النبي - صلى الله عليه وسلم - باسمه مباشرة، كما قال الله -تعالى- {لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا}، إنما تقول: يا رسول الله، أو يا نبي الله، فهذا تعدٍ بالقول وقال يا محمد. ثانيا/ تعدٍ بالفعل؛ حيث جذب النبي - صلى الله عليه وسلم - جذبة شديدة، حتى أثّر الرداء في رقبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومع هذا إلا أن رسول الله صلى الله عليه ما انتقم منه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - هو من علمنا هذه القاعدة الجميلة العظيمة.
تعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع غيرة السيدة عائشة
ولما جيء للنبي - صلى الله عليه وسلم - بإناء فيه طعام، فلما رأته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، وقد جاء هذا الطعام من إحدى أمهات المؤمنين، غارت أم المؤمنين -رضي الله عنها وأرضاها- فدفعت الإناء حتى سقط وانكسر، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يستطيع أن يتكلم معها ويعاتبها ويعنفها، لكن ما فعل ذلك رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي علمنا مكارم الأخلاق، التي من بينها العفو والتجاوز والصفح، وأن يسامح الإنسان ولو أخطئ في حقه، مع أن هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويُكسر الإناء بين يديه وقد أهدي إليه هذا الطعام، فماذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم ؟ سوغ لها هذا الموقف وهذا الخطأ! وقال: «غارت أمكم، غارت أمكم» أي أنها فعلت ذلك الأمر بسبب الغيرة، ثم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن تبدل هذا الإناء بإناء آخر مكانه وانتهت المشكلة. انظر كيف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تعامل مع المخطئ، تجاوز عن أم المؤمنين وعن عامة الناس، عن الصغير والكبير، وهكذا ينبغي علينا أن نتعامل بالتجاوز والصفح، وأن يسامح الإنسان من أخطأ في حقه، قال -تعالى-: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.
فضائل العفو والصفح
  • في العَفْوِ رَحمةٌ بالمُسيءِ، وتقديرٌ لجانِبِ ضَعفِه البَشَريِّ.
  • في العَفْوِ امتِثالٌ لأمرِ اللَّهِ، وطَلَبٌ لعَفوِه وغُفرانِه.
  • في العَفْوِ توثيقٌ للرَّوابِطِ الاجتماعيَّةِ التي تتعَرَّضُ إلى الوَهنِ والانفِصامِ؛ بسَبَبِ إساءةِ بعضِهم إلى بعضٍ، وجنايةِ بعضِهم على بعضٍ.
  • العَفْوُ والصَّفحُ عن الآخَرينَ سَبَبٌ لنَيلِ مَرضاةِ اللَّهِ -سُبحانَه وتعالى.
  • العَفْوُ سَبَبٌ للتَّقوى؛ قال -تعالى-: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237]، فـرغَّب في العَفْوِ، وأنَّ مَن عفا كان أقرَبَ لتَقواه؛ لكونِه إحسانًا مُوجِبًا لشَرحِ الصَّدرِ.
  • من يعفو ويصفَحُ عن النَّاسِ يَشعُرُ بالرَّاحةِ النَّفسيَّةِ.
  • بالعَفْوِ تُنالُ العِزَّةُ؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «... وما زاد اللَّهُ عبدًا بعَفوٍ إلَّا عِزًّا...».
  • العَفْوُ والصَّفحُ سَبيلٌ إلى الأُلفةِ والمودَّةِ بَيْنَ أفرادِ المجتَمَعِ، وتقويةٌ لرَوابِطِ الأُخُوَّةِ.
  • في العَفْوِ والصَّفحِ الطُّمَأنينةُ والسَّكينةُ وشَرَفُ النَّفسِ.
  • بالعَفْوِ تُكتَسَبُ الرِّفعةُ والمحبَّةُ عِندَ اللَّهِ وعِندَ النَّاسِ؛ فـمَن عُرِف بالصَّفحِ والعَفْوِ ساد وعَظُم في القُلوبِ.
  • العَفْوُ عن النَّاسِ سَبَبٌ في نَيلِ عَفوِ اللَّهِ؛ فالجزاءُ مِن جِنسِ العمَلِ، عن حُذَيفةَ - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ رجلًا كان فيمن كان قبلَكم، أتاه المَلَكُ ليَقبِضَ رُوحَه، فقيل له: هل عَمِلتَ من خيرٍ؟ قال: ما أعلَمُ، قيل له: انظُرْ، قال: ما أعلَمُ شيئًا غيرَ أنِّي كنتُ أبايِعُ النَّاسَ في الدُّنيا وأجازيهم، فأُنظِرُ الموسِرَ، وأتجاوَزُ عن المُعسِرِ؛ فأدخَلَه اللهُ الجنَّةَ)، قولُه: «وأتجاوَزُ عن المُعسِرِ» أي: أعفو عن الفقيرِ، وأُبرِئُ ذِمَّتَه عن الدَّينِ كُلِّه أو بعضِه.
  • في العَفْوِ والصَّفحِ إنهاءٌ للمُنازَعاتِ والخُصوماتِ، ونَزعٌ للغِلِّ والحِقدِ والشَّحناءِ.
  • العَفْوُ شُكرٌ للهِ على المَقدِرةِ على أعدائِك والمُسيئين إليك.


اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 27-08-2024 الساعة 03:31 PM.
رد مع اقتباس
  #24  
قديم 23-08-2024, 07:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قواعد نبوية

قواعد نبوية (24) ما نقصت صدقةٌ من مالٍ


  • الصَّدقات يزيد الله بها الأموال ويُنزل بها البركات ويُعَوِّض الله فيها صاحبها الخير العظيم
- كلما أردت التصدق فحدثتك نفسك بالمنع لقلة مالك والخوف من أن ينقص تذكر قوله صلى الله عليه وسلم : «ما نقص مالٌ من صدقة»
من قواعد النبي - صلى الله عليه وسلم - العظيمة، ومن جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم - قوله: «ما نقصت صدقةٌ من مالٍ، وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع عبدٌ إلا رفعه اللهُ»، قاعدة عظيمة جدًا يحتاجها الإنسان في إنفاقه، في بذله، في عطائه، في تطوعه لله -تعالى.
عندما ينفق الإنسان من المال يظن أنه قد قلّ ماله أو نقص، قال -عليه الصلاة والسلام-: «ما نقصت صدقةٌ من مالٍ»، وهذا فيه إشارة إلى أن الله -تعالى- يبارك في مال المتصدق، وأن الله -تعالى- يبارك في ذرية المتصدق، وهي بركة عظيمة، بل إنَّ الصدقة لتطهر المال وتزكيه وتنميه، فالصدقة كلها خير وبركة؛ لذلك قال نبينا - صلى الله عليه وسلم -: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ، ومنهم: ورَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ»، وهذا دليل على الإخلاص في الصدقة، الإخلاص في الإنفاق، الإخلاص في التطوع للفقراء والمساكين والبذل والعطاء لله -جل وعلا-، قال الله -تعالى-: {من ذا الذي يقرض الله مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (البقرة:245).
حاجة الإنسان إلى بذل الخير
فيحتاج الإنسان إلى أن يكون باذلا للخير، باذلا للمال، متصدقا في أوجه الخير الكثيرة جدا، مثل: الفقراء والمساكين، ونشر الخير بين المسلمين، وبناء المساجد، وحفر الآبار، وغيرها الكثير من أعمال الخير وأوجه الخير، المهم أن يكون الإنسان باذلا منفقا متصدقا، ويتعلم هذه القاعدة النبوية الكريمة (ما نقصت صدقةٌ من مالٍ)، لا تظن في يوم من الأيام أو في وقت من الأوقات أن مالك قد نقص، أو أن رصيدك قد نقص، بل الله -تعالى- يزيدك من الخير، وهذه الزيادة تكون في أمور عدة: أولا البركة في المال الذي بقي عند الإنسان؛ لأن بعض الناس عنده خير كثير، عنده الآلاف بل مئات الآلاف بل أكثر من ذلك، لكن سبحان الله! تجده مالا غير مبارك، قد يسبب له المشكلات، مال قد يورده المهالك، مال قد يكون عليه دينا، مال قد يشتري به ما حرّم الله -تعالى-، مال قد يتنافس عليه حتى الورثة فيتقاطعون؛ لأنه مال غير مبارك.
المال المبارك خير على الإنسان
أما المال المبارك يكون خيرا على الإنسان، خيرا على بيته، خيرا على أولاده، خيرا على أمواله، قد تكون الزيادة أولا بالبركة، ثانيا قد تكون الزيادة وعدم النقصان بأن الله -تعالى- يفتح على العبد، يفتح على ذلك المتصدق أبوابا لم تخطر له ببال؛ لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه القاعدة النبوية: (ما نقصت صدقةٌ من مالٍ).
دعوة من النبي - صلى الله عليه وسلم
هنا لما بيّن لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه القاعدة النبوية العظيمة، وفي هذا الحديث الشريف أن الصدقة لا تُنقص المال، ولو أخذت مئة مئتين، ألف ألفين، أكثر أو أقل، فإنها لا تنقص من المال، بل تبارك فيه، هي دعوة من النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن ينفق الإنسان النفقات الكثيرة وأن يتطوع، وأن يتصدق حتى يبارك الله له في ماله؛ فإن الصدقة نماء، فإن الصدقة خير، فإن الصدقة بركة على الإنسان وعلى أولاده.
الرَّجلُ في ظلِّ صدقتِه
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الرَّجلُ في ظلِّ صدقتِه حتَّى يُقضَى بين النَّاسِ»، إذا تصدق يأتي يوم القيامة والصدقة تظله، وكلنا يعلم أن يوم القيامة تدنو الشمس من الخلائق مقدار ميل، فمن الناس من يكون عرقه إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما، إلا أهل الصدقة وأهل الإنفاق، وأهل الخير فإنهم يكونون في ظل صدقاتهم يوم لا ظل إلا ظل الله. في ظل هذه الصدقات التي أنفقوها لله -جل وعلا- وأخلصوا فيها العمل لله -جل وعلا.
الملائكة تدعو للمتصدق
لذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما نقصت صدقةٌ من مالٍ»، قاعدة نبوية عظيمة، على الإنسان أن يكون متصدقا وأن يكون منفقا، قال -عليه الصلاة والسلام-: «ما من يومٍ يُصبحُ العبادُ فيه إلا وملَكانِ ينزلانِ، فيقولُ أحدُهما: اللهمَّ أعطِ مُنفقًا خلفًا، ويقولُ الآخرُ: اللهمَّ أعطِ مُمْسكًا تَلفًا»، ما نقصت صدقة من مال؛ لأن الملائكة تدعو لذلك المتصدق، الملائكة تدعو لذلك المنفق، لذلك المعطي، لهذا الإنسان الكريم.
الشيطان يعدكم الفقر
وكل يوم إذا لم يتصدق الإنسان، الملائكة تدعو عليه؛ لأنه لم ينفق، والله أعطاه من الخير الكثير، قال الله -جل وعلا-:{وآتوهم من مال الله الذي آتاكم}، بعض الناس ينفق ويتبرع ويبدأ بالمن على الله -تعالى! لا تمن على الله؛ لأن الله غني عنا وعن أموالنا وعن صدقاتنا، وعن كل عباداتنا، نحن المحتاجون إلى الله {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}، أنفق وتصدق؛ فما نقصت صدقة من مال، قاعدة نبوية عظيمة، وتأكد أن الشيطان سيصدك عن هذا الباب من أبواب الخير؛ لأنه دائما يذكر الإنسان بالفقر {الشيطان يعدكم الفقر}.
فضل الصدقة
من الأحاديث الدالة على فضل الصدقة قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلِّمُه اللهُ يومَ القيامةِ، ليس بينه وبينه تَرجمانُ، فينظرُ أيْمنَ منه، فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظرُ أشأَمَ منه، فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظرُ بين يدَيه، فلا يرى إلا النَّارَ تِلقاءَ وجهِه، فاتَّقوا النَّارَ، ولو بشِقِّ تمرةٍ، ولو بكلمةٍ طيِّبةٍ»، ومن فوائد الصدقة ما يلي:
  • أولًا: أنّها تطفئ غضب الله -سبحانه وتعالى- كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن صدقة السر تطفئ غضب الرب -تبارك وتعالى».
  • ثانيًا: أنّها تمحو الخطيئة، وتذهب نارها كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار».
  • ثالثًا: أنّها وقاية من النار كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فاتقوا النّار، ولو بشق تمرة».
  • رابعًا: أنّ المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة كما في حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كل امرئ في ظل صدقته، حتى يقضى بين الناس». قال يزيد: «فكان أبو مرثد لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة»، قد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه».
  • خامسًا: أنّ في الصدقة دواء للأمراض البدنية كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «داووا مرضاكم بالصدقة»، يقول ابن شقيق: «سمعت ابن المبارك وسأله رجل: عن قرحةٍ خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجها بأنواع العلاج، وسأل الأطباء فلم ينتفع به، فقال: اذهب فاحفر بئرًا في مكان حاجة إلى الماء، فإني أرجو أن ينبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرأ».
  • سادسًا: إنّ فيها دواء للأمراض القلبية كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - لمن شكى إليه قسوة قلبه: «إذا أردت تليين قلبك فأطعم المسكين، وامسح على رأس اليتيم».
  • سابعًا: أنّ الله يدفع بالصدقة أنواعًا من البلاء كما في وصية يحيى -عليه السلام- لبني إسرائيل: «وآمركم بالصدقة؛ فإن مثل ذلك رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم».
  • ثامنًا: أنّ العبد إنّما يصل حقيقة البر بالصدقة كما جاء في قوله -تعالى-: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} (سورة آل عمران: 92).


اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 11-09-2024 الساعة 06:13 PM.
رد مع اقتباس
  #25  
قديم 27-08-2024, 03:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قواعد نبوية

قواعد نبوية في الأخلاق والمعاملات (25)

– «وما تواضعَ أحدٌ للَّـهِ إلَّا رفعَهُ اللَّهُ»


التواضع خلق كريم من أخلاق المؤمنين ودليل محبة رب العالمين جل وعلا وهو الطريق الذي يوصل إلى مرضاة الله وإلى جنته وهو عنوان سعادة العبد في الدنيا والآخرة
من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم - العظيمة التي تعد قاعدة من القواعد العظيمة في الأخلاق وفي التعامل مع الآخرين، وديننا دين معاملة، أن الإنسان يتعامل مع الآخرين بخلق راق، بخلق كريم من أخلاق الإسلام، فإن هذا مما يرفع درجته عند الله -تعالى-، فكما أننا مأمورون بالصلاة والصيام والزكاة والحج وسائر العبادات، كذلك نحن مأمورون بأن نتعامل مع الآخرين بأخلاق كريمة وأخلاق حسنة، من أعظم هذه الأخلاق هذه القاعدة التي بين أيدينا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وما تواضعَ أحدٌ للَّهِ إلَّا رفعَهُ اللَّهُ»، فمن أراد أن يرفعه الله في الدنيا، وأن تكون له المكانة العظيمة عند الله -تعالى- في الآخرة فعليه بالتواضع، فالتواضع من أخلاق الإسلام العظيمة.
تحريم الكبر والخيلاء
وقد حرّم النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان مقابل هذا الخلق وهو الكبر والفخر والخيلاء، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - محذرا من الكبر والفخر والخيلاء وأن الإنسان يرى نفسه أرفع من الآخرين، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يدخلُ الجنَّةَ من كانَ في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ مِن كِبْرِ»، تخيل مثقال ذرة! يعني أمرا بسيطا جدا من الكبر، أنه يرى أنه أفضل من الناس إما بالنسب أو بالشرف أو بالمنصب أو بالمال. وبعض الناس يرى أنه أفضل بسيارته أو مكانته أو ملابسه أو غير ذلك، كل ذلك يكون مدعاة لأن يتكبر الإنسان على الآخرين، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يدخلُ الجنَّةَ من كانَ في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ مِن كِبْرِ»؛ فما بالكم بمن كان قلبه مملوءًا كبرا وفخرا وخيلاء، يتكبر على الناس ويترفع على الآخرين، ويرى أنه أفضل من الناس، بل حتى ولو كان في العلم الشرعي أو القرآن الكريم أو غير ذلك، لا يجوز للإنسان أن يترفع على الآخرين مهما كان يرى، أو أنه يتواضع لله -تعالى-، من تواضع لله رفعه.
تواضع نبينا - صلى الله عليه وسلم
وإذا نظرنا في سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وهو سيد الأولين والآخرين، وهو إمام المرسلين، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، وهو خير من وطئت قدمه الحصى، رسول رب العالمين، أقرب الناس إلى الله -تعالى-، مع ذلك ومع ما كان له من الشرف والنسب والمكانة، فهو من أشرف العرب من قريش، ومن أشرف قريش من بني هاشم، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - مع ما له من هذه المكانة العظيمة واصطفاء الله له واختياره له بأن يكون رسول رب العالمين، مع ذلك كان متواضعا، يمشي مع الكبير والصغير، يمازح الغني والفقير، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم في مهنة أهله في بيته، ومع أنه رسول رب العالمين ومع ذلك لما سئلت أم المؤمنين -رضي الله عنها وأرضاها- ما كان يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته؟ قالت: كان يقوم في مهنة أهله، يخصف نعله، ويرقع ثوبه، أو كما قالت -رضي الله عنها وأرضاها. النبي - صلى الله عليه وسلم - يخصف نعله أي يخيط هذه النعل إذا قطعت وهو رسول رب العالمين. ويمر الشهر والشهران والثلاثة ما يوقد في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - النار.
أما ترضى أن تكون لنا الآخرة؟
ولما جاء عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - مضطجعا في بيته أو في المسجد وقد أثّر التراب على جنب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، كسرى وقيصر تتمتع بالقصور والدور والفرش والنعيم، وأنت رسول رب العالمين تنام على الحصير! قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ياعمر، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا وتكون لنا الآخرة؟ إذًا هو رسول رب العالمين ومع ذلك ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرى أنه أفضل الخلق، وهو الذي قال عن نفسه - صلى الله عليه وسلم - «أنا سيدُ ولدِ آدمَ ولا فخر»؛ لذلك الإنسان دائما يتواضع لله -تعالى- ولا سيما مع الضعفاء والفقراء والمساكين والمحتاجين، مع العمال وغيرهم. كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو الفقراء والمساكين لأن يأكلوا معه، وهذا دليل على تواضعه - صلى الله عليه وسلم . من أراد الرفعة والمكانة، من أراد الدرجات العلا في الجنة، من أراد متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - فعليه بهذا الخلق الكريم من أخلاق الإسلام، أن يتواضع في كلامه، بعض الناس إذا تكلم، يتكلم بكبر وفخر وخيلاء، يتواضع في مشيه، «إن الله لا يحب كل مختال فخور».
إنها مشيةٌ يبغضُها اللهُ إلا في هذا الموضعِ
ولما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا دجانةَ يومَ أحدٍ أعلمَ بعصابةٍ حمراءَ فنظر إليه رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وهو مختالٌ في مِشيتِه بين الصَّفَّيْنِ فقال: «إنها مشيةٌ يبغضُها اللهُ إلا في هذا الموضعِ»، مشية المتكبر الله -تعالى- يبغضها إلا في حال القتال والغزو حتى يرى الكفار ما عند المسلمين من القوة والمَنَعَة، أما أن يكون في الأمور العادية فهذه المشية، مشية الكبر والخيلاء وأنه أفضل من الناس وأنه أعلى من الناس، هذه المشية يبغضها الله -تبارك وتعالى-، مهما آتاك الله -تعالى- من جاه أو مال أو منصب أو نسب أو سيارة أو غير ذلك من الأمور لا تترفع على خلق الله، تواضع لله؛ فإنه من تواضع لله رفعه.
هذه هي أخلاق ديننا
هذه هي أخلاق ديننا، هذه شريعتنا، أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - في تعامله مع الآخرين، وكيف أنه كان يعلمنا هذه الأخلاق الكريمة، الأخلاق العالية، الأخلاق الرفيعة، التي من بينها التواضع والتنازل، وألا يرى الإنسان أنه أرفع من غيره لا بنسب ولا بشرف ولا بمكانة ولا بمال ولا بغير ذلك من الأمور؛ فالناس عند الله -تعالى- سواسية، «إن أكرمكم عند الله أتقاكم».
التواضع في القرآن والسنة
قال الله -تعالى-: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (الفرقان: 63)، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (المائدة: 54)، وقال عزوجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (الإسراء: 23- 24)، وقال -تعالى-: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الشعراء: 215)، وقال -تعالى-: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} (الإسراء: 37) وقال -تعالى-: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لقمان: 18). وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله أوحي إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد»، وأخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملكٍ، فإذا تواضع قيل للملك: ارفع حكمته وإذا تكبر قيل للملك: دع حكمته». ووصف الله -عز وجل- عباده الذين هداهم للإيمان فقال -سبحانه-: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} (المائدة: 54)، قال ابن الحاج رحمه الله: «من أراد الرفعة فليتواضع لله -تعالى-؛ فإن العزة لا تقع إلا بقدرِ النزولِ، ألا ترى أن الماءَ لما نزلَ إلى أصلِ الشجرةِ صعدَ إلى أعلاها فكأن سائلاً سأله: ما صعدَ بِكَ هنا -أعني في رأس الشجرة- وأنت تحت أصلها؟ فكأن لسان حاله يقول: من تواضع لله رفعه».

اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 11-09-2024 الساعة 06:15 PM.
رد مع اقتباس
  #26  
قديم 11-09-2024, 06:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قواعد نبوية

قواعد نبوية في الأخلاق والمعاملات (26)

– من حُسنِ إسلا مِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيهِ


  • مما يستفاد من هذه القاعدة الحث على الاشتغال فيما يعني المرءَ من شؤون دِينه ودنياه فإذا كان مِن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه فمِن حُسنه إذًا اشتغالُه فيما يعنيه
  • قال الشافعي رحمه الله: ثلاثة تزيد في العقل: مجالسة العلماء، ومجالسة الصالحين، وترك الكلام فيما لا يعني
قاعدتنا النبوية اليوم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيهِ»، هذا الحديث يمثل قاعدة عظيمة من قواعد التعامل التي يجب أن يوليها الإنسان اهتمامه، فالأمر الذي لا يعنيك وليس لك فيه علاقة عليك ألا تتدخل فيه.
ومع الأسف اليوم افتقدنا هذا الخلق الكريم وهذا العمل الجليل، فأصبح بعض الناس اليوم يتكلمون فيما يعرفون ومالا يعرفون، فأصبحوا يتكلمون في الدين وفي الشريعة وفي الطب وفي التجارة وفي الأمور المالية وفي الأمور السياسية وفي أمور الدول والعلاقات وغيرها، وهو لا يعلم، ولابد أن نعلم هذه الحقيقة، أنه من كمال إسلام الإنسان ومن كمال دينه ومن كمال إيمانه بالله -جل وعلا-، أن الأمر الذي لا يعنيه لا يتدخل فيه.
الدين النصيحة
وهناك فرق بينه وبين النصيحة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ، إنَّ الدِّينَ لنَّصيحةُ، إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ، قالوا: لِمَن يا رسولَ للهِ؟ قال: للهِ، ولكِتابِه، ولنَبيِّهِ، ولأئمَّةِ المؤمِنينَ وعامَّتِهم»، فجعل الدين كله في النصيحة، فإذا ما رأى الإنسان مخطئًا فإنه يبدي له النصيحة على انفراد، ويظهر له الشفقة بآداب النصيحة المعروفة، لكن موضوع حديثنا - من حسن إسلام المرء تركه مالا يعني - أنه في الأمور العامة، الأمور التي لا تعني الإنسان؛ لأنه -مع الأسف- اليوم ولا سيما في مواقع التواصل الاجتماعي أصبح بعضهم يتكلمون في أمور لا تعنيهم، هم لا يعرفون عواقبها، لا يعرفون مآلاتها، لا يعرفون تفاصيل هذا الموضوع، فينتج عن ذلك الشائعات والأكاذيب واتهام الناس بالباطل، ومنها آراء معينة، ومنها التشويش على الآخرين، فلا تشوش على الناس ولا تقدم نصائح للناس وأنت لا تعلم، ولا تتكلم في أمور لا تعنيك؛ لأن هذا من كمال إيمانك وإسلامك.
نقص في دينه وإسلامه
فإذا تدخل الإنسان فيما لا يعنيه فإن هذا يعد نقصا في دينه وإسلامه، بقدر ما تدخل في أمور لا تعنيه بقدر ما ينقص، وهذا مفهوم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيهِ»، من أشد الأمور خطورة التي يتكلم فيها الناس وهم لا يعلمون، أمور الشريعة والدين، يقول هذا الأمر حلال أو إن هذا الأمر حرام، أو إن الأمر مكروه وإن ذاك مستحب، والله -تعالى- نهانا عن ذلك فقال -سبحانه-: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}، لا يفلح ذلك الإنسان الذي يفتري الكذب على الله -تعالى-، أو على رسوله فيقول هذا حلال، والله -تعالى- قد حرّمه، أو يقول هذا حرام والله -تعالى- قد أحله، إذًا الإنسان عليه أن يمسك هذا اللسان، ولا يتكلم إلا بخير، قال الله -تعالى-: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.
سوف تحاسب يوم القيامة
الإنسان سوف يحاسب يوم القيامة، يوم لا ولد ولا والد، لا مال ولا قريب، يوم القيامة يحاسب الإنسان على هذا القول الذي قاله وتفوّه به إن كان خيرا فخير، وإن شرا فشر، الأمور التي لا تعنيك لا تتكلم فيها ولا سيما في الأمور الشرعية والأمور الدينية؛ لأن الله -تعالى- قال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}، فإذا ما علم الإنسان مسألة من المسائل أو قضية من القضايا أو فتوى تهمه في أمور الدين، فعليه أن يرجع إلى أهل العلم، لا يرجع إلى من يتكلمون دون بينة ولا دليل ولا برهان؛ لأن الله -تعالى- سائله عن هذا الأمر. لا تقولوا على الله مالا تعلمون ولما عّدد الله -تعالى- الفواحش» قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون»، تقول أن هذا حرام وهذا حلال وأنت لا تعلم، وأن هذا جائز وهذا غير جائز وأنت لا تعلم، أرجع الأمر إلى أهله، ومثله في سائر الأمور، سواء كانت أمورا سياسية أو اقتصادية أو طبية.
إرجاع الأمر إلى أهل الاختصاص
وكلنا رأينا الجائحة التي مرت على العالم، وكيف كان الناس يتكلمون فيها وهم لا يعلمون، فبعضهم يقول: إن هذا اللقاح جيد، وهذا غير جيد ومضر بالصحة، فأصبح الناس مُشَوشين؛ لأن غير أصحاب الاختصاص يتكلمون في غير اختصاصهم! «من حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيهِ»، على الإنسان أن يرجع الأمر إلى أهله وهذا من معانيه قول الله -تعالى-: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}، فأهل الذكر في الطب هم الأطباء والاستشاريون المختصون، وأهل الذكر في الأمور المالية هم أهل الاقتصاد والمال وأرباب التجارة، وأهل الذكر في الأمور الشرعية هم العلماء، علماء الشرع والدين، وهكذا في سائر الأمور، لا يُفتي الإنسان دون علم لا في الأمور الشرعية، ولا في الأمور الدنيوية، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيهِ»، نحتاج إلى هذه القضية اليوم في دواويننا وفي مجالسنا، وفي مواقع التواصل الاجتماعي أن الأمر الذي لا يعنينا لا نتدخل فيه، وأن هذا من تمام الإسلام ومن كمال الإيمان بالله -تعالى.
فوائد في التعامل بالقاعدة
  • ينبغي للإنسان أن يدع ما لا يعنيه؛ لأن ذلك أحفظ لوقته، وأسلم لدينه.
  • ترك اللغو والفضول دليل على كمال إسلام المرء.
  • الحث على استثمار الوقت بما يعود على العبد بالنفع.
  • البُعد عن سفاسف الأمور ومرذولها.
  • التدخل فيما لا يعني يؤدي إلى الشقاق بين الناس.
  • الحديث أصل عظيم للكمال الخلقي، وزينة للإنسان بين ذويه وأقرانه.
  • مما يستفاد من هذه القاعدة الحث على الاشتغال فيما يعني المرءَ من شؤون دِينه ودنياه، فإذا كان مِن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، فمِن حُسنه إذًا اشتغالُه فيما يعنيه.
كلام السلف وأهل العلم في ترك الإنسان ما لا يعنيه
  • قال الشيخ عبدالرحمن السعدي -رحمه الله-: إن من لم يترك ما لا يعنيه، فإنه مسيء في إسلامه.
  • وقال ابن القيم -رحمه الله-: وقد جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - الورع كله في كلمة واحدة، فقال: «من حسن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه»، فهذا يعم الترك لما لا يعني: من الكلام، والنظر، والاستماع، والبطش، والمشي، والفكر، وسائر الحركات الظاهرة والباطنة، فهذه كلمة شافية في الورع.
  • قال عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله-: من عد كلامَه مِن عمله، قلَّ كلامه فيما لا ينفعه.
  • وقال الحسن البصري-رحمه الله-: علامة إعراض الله -تعالى- عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه.
  • وقال معروف الكرخي-رحمه الله-: كلام العبد فيما لا يعنيه خذلان من الله -تعالى.
  • وقيل للقمان: ما بلغ بك ما نرى؟ يريدون الفضل، قال: صِدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك ما لا يعنيني.
  • وقال الشافعي-رحمه الله-: ثلاثة تزيد في العقل: مجالسة العلماء، ومجالسة الصالحين، وترك الكلام فيما لا يعني.
  • وقال محمد بن عجلان-رحمه الله-: إنما الكلام أربعة: أن تذكر الله، وتقرأ القرآن، وتسأل عن علم فتخبر به، أو تكلم فيما يعنيك من أمر دنياك.


اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; يوم أمس الساعة 05:15 PM.
رد مع اقتباس
  #27  
قديم يوم أمس, 05:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قواعد نبوية

قواعد نبوية في الأخلاق والمعاملات(27)
– من دلائل الإيمان بالله واليوم الآخر



لعظم أمانة الكلمة بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنها من صفات المسلم الحق فقال صلى الله عليه وسلم : «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»
الكلمة ذات شأن جليل ولها تبعة دنيوية وأخروية ومسجلة ومكتوبة لن تضيع أبدا
قال الله -تعالى-: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}، هذه القاعدة تمثل أصلا من أصول الأدب، فعندما يتأدب الإنسان بهذا الأصل العظيم وهذه القاعدة تكتب له السلامة والسعادة في الدنيا والآخرة، وهي اتباع هدي النبي -صلى الله عليه وسلم - والاقتداء به، ومن القواعد العظيمة من الهدي النبوي في التعامل قول النبي -صلى الله عليه وسلم -: «مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ».
اليوم ومع وجود التواصل الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، أصبح الناس يتكلمون فيما يعرفون وفيما لا يعرفون، يتكلمون في الأمور الصغيرة، وفي عظائم الأمور، في الأمور الخاصة والأمور العامة، لكن علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم - هذا الأدب العظيم وهذه الخصلة التي هي من خصال الإيمان، وعندها نتوقف عندما يأتينا حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم - يمثل قاعدة عظيمة من قواعد الأدب (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ)، هذا يدلنا على أن هذه خصلة من خصال الإيمان، خصلة من خصال الإسلام، الإنسان عندما يحفظ لسانه، لا يتكلم إلا بخير، ولا يقول إلا خيرا، ولا يؤذي أحدا بلسانه، إنما دائما يقول خيرا، وإذا لم يكن لديه خير فإنه يصمت بلسانه ولا يتكلم.
فَلْيَقُلْ خَيْرًا
«مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا» خيرًا كأن يأمر بالمعروف، أو يبين حديثا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، أو يبين آية كريمة، أو يبين فضل عمل من الأعمال الصالحة، يقول هذا الخير أو إذا ما كان عنده شيء من الخير، أمر بمعروف أو نهى عن منكر، فإنه يصمت ولا يتكلم، هذا دليل على إيمانه، ودليل على خيريته.
سؤال يطرح نفسه
والسؤال الذي يطرح نفسه، الإنسان عندما يتكلم بالكلام، أو يكتب كلامًا في مواقع التواصل الاجتماعي، أو يصور مقطعا، فهل هو محاسب على هذا الأمر؟ نعم، يحاسب، ولما سأل معاذ بن جبل - رضي الله عنه - النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أوَ إنا لمآخذون بما نتكلم به يوم القيامة؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مجيبا له عن هذا السؤال قال: «ثكلتك أمك يا معاذ، أولا يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم».
احفظ لسانك أيها الإنسان
لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتل لسانه
كانت تهاب لقائه الشجعان
يقول ربنا -جل وعلا-: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، أي قول تتلفظ به فإنه مسجل إما لك أو عليك، فإن كان لك فإنه يسجل في ميزان الحسنات، أمر بمعروف، نهي عن منكر، دلالة لخير، بيان لمعروف، وإما أن تكون عليك إما يكون بالسب أو الشتم أو غير ذلك.
الحذر من حصائد الألسن
لذلك يحذر الإنسان -أيها الإخوة الكرام- من اللسان ومن حصائد الألسن؛ لأن الإنسان سيحاسب عليها يوم القيامة، إن خيرا فخير، إن قال قولا فيه خير سيكون خيرا له يوم القيامة «مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ»، بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم - أن الشر أو باب الشر يكون بكلمة واحدة، بعض الناس يقولون هي كلمة بسيطة، كلمة سهله، معقول اللسان يكون سببا لعذابه أو بعده عن الله بهذه الكلمة؟! نعم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الرجلَ لَيتكلَّمُ بالكلمةِ لا يرى بها بأسًا يهوي بها سبعين خريفًا»، يعنى كلمة سهلة مما يقولها الناس، فلان سارق، فلان كذا، فلان لا يفهم، يعنى مما يقوله الناس فيه اتهام لذمم الناس، فيه اتهام لشخصيات معينه، فيه طعن للذمم، فيه طعن في الأشخاص أو في غيرها من الأمور فإنه يحاسب عليها، تخيل سبعين خريفًا تهوى به في النار بسبب ماذا؟ بسبب كلمة واحدة!
كَلِمَة لَوْ مُزِجَتْ بماءِ البحْرِ لَمَزَجَتْهُ
ولما ذكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - أم المؤمنين صفية -رضى الله عنها وأرضاها- قيل له: يا رسول الله، حسبك من صفية أنها كذا ويذكرون أنها قصيرة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لقدْ قلتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بماءِ البحْرِ لَمَزَجَتْهُ»، لفظاعتها؛ لأنها معصية لله -تعالى-، ولأن فيها ازدراء واحتقارا واستصغارا لأم المؤمنين -رضي الله عنها وأرضاها.
أعد لكل كلمة جوابًا
فالمسألة ليست كثرة الكلام ولا كثرة النقاش، أو يقولون ما شاء الله فلان مثقف، أو فلان واع، أو فلان عنده طلاقة في لسانه، المسألة ليست هكذا، لكن المسألة أن يعد الإنسان لكل كلمة قالها جوابا عند الله -تعالى-؛ لأنه سيحاسب عليها عند الله -تعالى-، رب كلمة يلقيها العبد من رضوان الله فإن الله -تعالى- يرفعه بها الدرجات العلا، كلمة خير، نصيحة، توجيه، أمر بمعروف، نهي عن منكر، أما إذا كانت بالعكس، تكون سببا للوبال عليه ولخسارته في الدنيا والآخرة ولضياع حسناته.
أتَدرونَ ما المُفلِسُ؟
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أتَدرونَ ما المُفلِسُ؟ إنَّ المُفلسَ من أُمَّتي مَن يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ، وزكاةٍ، ويأتي وقد شتَم هذا، وقذَفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسفكَ دمَ هذا، وضربَ هذا، فيُعْطَى هذا من حَسناتِه، وهذا من حسناتِه، فإن فَنِيَتْ حَسناتُه قبلَ أن يُقضَى ما عليهِ، أُخِذَ من خطاياهم، فطُرِحَتْ عليهِ، ثمَّ طُرِحَ في النَّارِ». المسألة خطيرة، فيجب على الإنسان أن يحفظ لسانه من الغيبة والنميمة والبهتان واحتقار الناس وازدرائهم أو التقليل من شأنهم، أو أن ينشر الإنسان أو يكون مساهما لنشر الفساد، {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا}. مع الأسف اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي بعض الناس يسوّق للمعاصي والذنوب وفواحش الذنوب من خلال تصويرها ونشرها، قال الله -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. فلا يشيع الإنسان مثل هذه الفواحش ولا ينشرها ولا يساهم بنشرها.
قيمة الكلمة في الإسلام
الكلمة خفيفة على اللسان، سهلة النطق والجريان، ولكن لها قيمة في نظر العقلاء وفي نظر الشارع الحكيم، أما عند العقلاء: فيقول أكثم بن صيفي: «رب قول أشد من صول»، ويقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: «من كثر كلامه كثر سقطه» وحسبك به حاكماً ودليلاً - فإننا نجد في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة نصوصاً كثيرة تُؤكّد قيمة الكلمة وتُنوّه بشأنها وعظيم خطرها، ومن ذلك قول الله -عز وجل-: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (ق: 18)، وقال -تعالى-: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} (النور: 24، 25)، والكلمة في الإسلام ليست حركات يؤديها المرء دون شعور يتبعها بل إن الانضباط في الكلمة سمة من سمات المؤمنين الصادقين، وصدق الله -تعالى- إذ يقول: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} (المؤمنون:1-3)، ولعظم أمانة الكلمة بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها من صفات المسلم الحق فقال - صلى الله عليه وسلم -: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».

اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 14 ( الأعضاء 0 والزوار 14)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 135.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 130.48 كيلو بايت... تم توفير 4.67 كيلو بايت...بمعدل (3.45%)]