شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله - الصفحة 21 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         (صلاة الجمعة) من بلوغ المرام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          وأذن في الناس بالحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          الخيانة والجريمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          كيف نتجاوز كدر الحياة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          آيات تنسف الإلحاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب } (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          سبل استغلال الوقت بالإجازة الصيفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          الإيمان بالقدر والقضاء.. وجوبه وثمرته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          مراقبة الله عز وجل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          الاستعداد للحج بالتوبة ورد المظالم والديون لأصحابها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #201  
قديم 16-05-2024, 10:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,829
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث سعد بن أبي وقاص في شكوى أهل الكوفة منه

قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. هو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن حجاج الواسطي ، ثم البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عبيد الله أبي عون ]. هو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن جابر بن سمرة ]. جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد ]. هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (حزرنا قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد -يعني النفيلي - حدثنا هشيم ، أخبرنا منصور ، عن الوليد بن مسلم الهجيمي ، عن أبي الصديق الناجي ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (حزرنا قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر ثلاثين آية، قدر الم * تَنزِيلُ [السجدة:1-2] السجدة، وحزرنا قيامه في الأخريين على النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الأوليين من العصر على قدر الأخريين من الظهر، وحزرنا قيامه في الأخريين من العصر على النصف من ذلك) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، وفيه دلالة على مقدار ما يقرأ به، أو الحزر الذي حزره الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد حزروا صلاته صلى الله عليه وسلم في الأوليين من الظهر بمقدار ثلاثين آية في كل ركعة، كما جاء ذلك في بعض الروايات الصحيحة، وليس المقصود ثلاثين آية في الركعتين، وفي الأخريين على النصف من ذلك، أي: في كل ركعة من الركعتين الأخريين مقدار خمس عشرة آية، وهذا يدل على القراءة في الركعتين الأخريين غير الفاتحة، فكونه يقرأ في الركعتين الأوليين ثلاثين آية في كل ركعة، وفي الأخريين على النصف من ذلك لا يتأتى ذلك إلا إذا كان قرأ غير الفاتحة؛ لأن قراءة الفاتحة بالنسبة لثلاثين آية شيء يسير، ومعنى هذا أن هناك قراءة بغير الفاتحة، فتقرأ الفاتحة وغيرها، ويكون مجموع ذلك على النصف مما قرأ في الركعتين الأوليين، أي: خمس عشرة آية في كل ركعة. قوله: [ وحزرنا قيامه في في الأخريين من العصر فكانت على النصف من ذلك ] أي: على النصف من صلاة الظهر، فإذا كان يقرأ في الأخريين من الظهر خمس عشرة آية، فسيقرأ في الأوليين من العصر على النصف من ذلك، أي: سبع آيات، فهذا يدل على تخفيف الركعتين الأخريين، وعلى أنه يقرأ فيهما بغير الفاتحة، أي: في كل من الأخريين من الظهر ومن العصر، كما جاء في هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه وأرضاه. وهذا -أيضاً- يبين ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العناية بسنته، ومعرفة أحكام الشريعة والسنن التي تأتي عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإنهم كانوا يقدرون القراءة في الصلاة السرية يقدرون ذلك بمقدار طول القيام الذي فيه تلك القراءة، فيقدرونه بثلاثين آية في كل ركعة من الأوليين في الظهر، ومعناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ولكن مقدار قراءته في الركعتين الأوليين ثلاثون آية في كل ركعة وفي الركعتين الأخريين خمسة عشرة آية في كل ركعة، والعصر على النصف من ذلك، فالأوليان منها تساويان الأخيرتين من الظهر، والأخيرتان على النصف من ذلك، أي أنها ستكون القراءة سبع آيات في الركعتين الأخيرتين بعد الفاتحة.

تراجم رجال إسناد حديث (حزرنا قيام رسول الله في الظهر والعصر ...)


قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد -يعني النفيلي- ]. عبد الله بن محمد النفيلي هو عبد الله بن محمد بن نفيل النفيلي ، وكلمة (يعني) قالها من دون أبي داود ؛ لأن أبا داود لا يحتاج إلى أن يقول: (يعني النفيلي)، وإذا أراد أن ينسبه فسيقول (حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي)، فهو لم يأت إلا باسمه واسم أبيه، وأضاف من دون أبي داود هذه النسبة (النفيلي) وأتى بكلمة (يعني) حتى يعرف بأنها ليست من أبي داود ، وإنما هي مِنْ تصرّف مَنْ دونه على سبيل توضيح ذلك الرجل الذي لم يذكر أبو داود نسبته، وإنما ذكر اسمه واسم أبيه، والنفيلي هذا ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا منصور ]. هو ابن معتمر الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الوليد بن مسلم الهجيمي ]. هو ثقة، أخرج له البخاري في (جزء القراءة)، ومسلم وأبو داود والنسائي . [ عن أبي الصديق الناجي ]. اسمه بكر بن عمرو الناجي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته ونسبته. [ عن أبي سعيد الخدري ]. هو سعد بن مالك بن سنان ، مشهور بكنيته ونسبته، فكنيته: أبو سعيد ، ونسبته: الخدري ، واسمه: سعد بن مالك بن سنان ، وهو صحابي جليل، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر


شرح حديث (أن رسول الله كان يقرأ في الظهر والعصر بـ (السماء والطارق) ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر. حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، عن سماك بن حرب ، عن جابر بن سمرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر بـ (والسماء والطاق) (والسماء ذات البروج) ونحوهما من السور) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [ قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يخفف القراءة أحياناً في هاتين الصلاتين، وكان يطيلها أحياناً، والذي جاء في هذا الحديث هو التخفيف لهما، أي: للصلاتين، حيث كان يقرأ (والسماء والطارق) (والسماء ذات البروج)، وهذا من التخفيف، وجاء عنه أنه كان يدخل في الصلاة فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته، ويرجع إلى منزله، ويتوضأ ثم يأتي ويدرك الركعة الأولى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يتأتى إلا بإطالة الركعة الأولى، فيؤخذ من هذا أنه كان أحياناً يطيل هذه الصلاة، وأحياناً يخفف صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فقد جاء في حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: [ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر بـ (والسماء والطارق) (والسماء وذات البروج) ونحوهما من السور ] ، أي: ونحوهما من السور التي هي بهذا القدر، وسبق أن مر بنا حديث أبي سعيد الذي قال فيه: (فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قد ثلاثين آية)، والحديث الذي أشرت إليه هو أن الذاهب يذهب إلى البقيع ويقضي حاجته فيرجع ويتوضأ ويأتي ويدرك الركعة، ومعنى ذلك أن صلاته كانت أحياناً أطول من ذلك بكثير. إذاً: فكل ذلك جاء عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله كان يقرأ في الظهر والعصر بـ( السماء والطارق) ...)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. وهو التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. وهو ابن سلمة بن دينار البصري ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم ، وأصحاب السنن. وإذا جاء ذكر حماد يروي عنه موسى بن إسماعيل ، وهو غير منسوب، فالمراد به حماد بن سلمة ، وليس حماد بن زيد . [ عن سماك بن حرب ]. وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم ، وأصحاب السنن. [ عن جابر بن سمرة ]. جابر بن سمرة رضي الله عنه قد مر ذكره. وهذا الحديث من الرباعيات، وهي أعلى ما يكون عند أبي داود رحمه الله، فموسى بن إسماعيل يروي عن حماد بن سلمة ، وحماد يروي عن سماك بن حرب ، وسماك بن حرب يروي عن جابر بن سمرة ، فهو رباعي.

شرح حديث (كان رسول الله إذا دحضت الشمس صلى الظهر وقرأ بنحو من (والليل إذا يغشى)...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن سماك أنه سمع جابر بن سمرة رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دحضت الشمس صلى الظهر، وقرأ بنحو من: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل:1]، والعصر كذلك، والصلوات كذلك إلا الصبح، فإنه كان يطيلها) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دحضت الشمس) ] أي: زالت ومالت إلى جهة المغرب بعد أن كانت في كبد السماء، فالشمس تتجه إلى المغرب، والظل يتجه إلى المشرق، وهو الذي يسمى بالفيء، فيصلي بالناس الظهر في ذلك الوقت، وكان يقرأ بنحو: (والليل إذا يغشى) أي: مثل هذه السورة القصيرة، وهذا في بعض الأحيان كما هو معلوم، وكذلك في بقية الصلوات يقرأ مثل هذه السورة، إلا الفجر فإنه كان يطيل فيها القراءة أكثر من غيرها.

تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا دحضت الشمس صلى الظهر، وقرأ بنحو من (والليل إذا يغشى) ...)


قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ]. هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي . [ حدثنا أبي ]. هو معاذ بن معاذ العنبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. شعبة هو ابن الحجاج الواسطي ، ثم البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك ، عن جابر ]. قد مر ذكرهما.

شرح حديث (أن النبي سجد في صلاة الظهر، ثم قام فركع، فرأينا أنه قرأ (تنزيل السجدة) ..)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عيسى ، حدثنا معتمر بن سليمان ويزيد بن هارون وهشيم ، عن سليمان التيمي ، عن أمية ، عن أبي مجلز عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في صلاة الظهر، ثم قام فركع، فرأينا أنه قرأ تَنزِيلُ [السجدة:2] السجدة) . قال ابن عيسى : لم يذكر أمية أحدٌ إلا معتمر ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر فسجد، ثم قام وركع، فظنوا أنه قرأ (الم) السجدة، وهذا فيه إشارة إلى مقدار القراءة، وقد مر حديث أبي سعيد أنهم حزروا قراءته في الظهر فكانت ثلاثين آية على قدر (الم) السجدة، وهذا الحديث فيه: أنه قرأ في الظهر وأنه سجد سجود التلاوة، وقام، ثم ركع بعد قيامه صلى الله عليه وسلم، والإتيان بالحديث من أجل مقدار القراءة. لكن هذا الحديث فيه كلام من حيث ثبوته، وهو دال على أنه يقرأ في السرية سجدة ويسجد بها، والحديث -كما قلنا- متكلم فيه، وقد تكلم فيه الألباني بأنه منقطع، وأنه غير صحيح، ثم كونه يسجد في الصلاة السرية قد يشوش على الناس من جهة أنهم يظنون أنه ناسٍ، وأنه بدلاً من أن يركع سجد، فيقولون: سبحان الله، سبحان الله. فالسجود إنما يكون في الصلاة الجهرية، وأما الصلاة السرية فالسجود فيها يترتب عليه تشويش على المصلين، ولو ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان حجة، ولكن حيث إنه لم يثبت فإن عدم سجود التلاوة في الصلاة السرية هو الذي ينبغي؛ لما يترتب على السجود من التشويش.

تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي سجد في صلاة الظهر، ثم قام فركع، فرأينا أنه قرأ (تنزيل السجدة) ..)

قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. هو: محمد بن عيسى الطباع ، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً، وأبو داود والترمذي في (الشمائل)، والنسائي ، وابن ماجة . [ عن أبي مجلز ]. هو لاحق بن حميد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا معتمر بن سليمان ]. هو: معتمر بن سليمان التيمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ويزيد بن هارون ]. هو: يزيد بن هارون الواسطي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وهشيم ]. هو: ابن بشير الواسطي أيضاً، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان التيمي ]. هو: سليمان بن طرخان التيمي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أمية ]. هو مجهول، أخرج له أبو داود وحده. [ عن أبي مجلز ]. هو لاحق بن حميد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ قال ابن عيسى : لم يذكر أمية أحد إلا معتمر ]. أي: قال ابن عيسى -وهو شيخ أبي داود- : لم يذكر أمية إلا معتمر ، أي: من شيوخه الثلاثة؛ لأن محمد بن عيسى في هذا الحديث له ثلاثة شيوخ: الأول: معتمر بن سليمان والثاني: يزيد بن هارون ، والثالث: هشيم بن بشير ، والذي ذكر أمية هو شيخه الأول، وأما الآخران فإنما ذكرا رواية سليمان التيمي عن أبي مجلز ، وليس هناك واسطة.

شرح حديث ابن عباس وقد سئل (أكان رسول الله يقرأ في الظهر والعصر؟ فقال لا ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن موسى بن سالم حدثنا عبد الله بن عبيد الله قال: (دخلت على ابن عباس في شباب من بني هاشم، فقلنا لشاب منا: سل ابن عباس: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ فقال: لا لا، فقيل له: فلعله كان يقرأ في نفسه، فقال: خمشاً! هذه شر من الأولى، كان عبداً مأموراً بلغ ما أرسل به، وما اختصنا دون الناس بشيء إلا بثلاث خصال: أمرنا أن نسبغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة، وأن لا ننزي الحمار على الفرس) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس أنه سئل عن الرسول صلى الله عليه وسلم هل كان يقرأ في الظهر والعصر؟ فقال: لا، قيل: فلعله كان يقرأ في نفسه، فقال: [ خمشاً ]، وهي كلمة دعاء على السائل، ثم قال [ هذه شر من الأولى ]، يعني: شرّ من السؤال الأول، [ كان رسول الله عبداً مأموراً بلغ ما أرسل به ]، أي أن ابن عباس ما علم أنه كان يقرأ، وقد مر في الحديث: (ما أسمعناه أسمعناكم إياه، وما أخفاه علينا أخفينا عليكم) ، وهذا فيه أن ابن عباس ينفي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ، وسيأتي في الرواية التي بعدها أنه كان يشك هل كان يقرأ أو لا يقرأ، ولكن الإثبات قد جاء عن غيره من الصحابة، وجاء عنه -أيضاً- ما يوافق رواية الجماعة، وهي رواية الإثبات، وعلى هذا فإن القراءة في صلاة الظهر والعصر ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عرفنا أن من الأدلة على ذلك أنه كان يسمعهم الآية أحياناً، وأنهم كانوا يستدلون على ذلك باضطراب لحيته، وكذلك -أيضاً- حديث أبي سعيد أنهم حزروا قراءته صلى الله عليه وسلم في الظهر بثلاثين آية، أي: في كل ركعة من ركعات الصلاة. يقول عبد الله بن عبيد الله، وهو ابن عبيد الله بن عباس [ دخلت على ابن عباس في شباب من بني هاشم ] أي: مجموعة من شباب بني هاشم، وهو واحد منهم. قوله: [ فقلنا لشاب منا ] أي: لواحد من هؤلاء الشباب [ سل ابن عباس: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الظهر والعصر؟ فقال: لا، فقيل له: فلعله كان يقرأ في نفسه، فقال: خمشاً ] أي: دعا عليه بأن يخمش وجهه، ويحصل له شيء من هذا السوء، وهذا يقال في حالة الإنكار، وهو مثل بعض العبارات التي تذكر ولا يراد ظاهرها، مثل: (عقرى حلقى)، و(تربت يداك)، و(ثكلتك أمك)، وما إلى ذلك من الألفاظ. قوله: [ وما اختصنا ] أي: بني هاشم [ دون الناس بشيء ] أي: نتميز به. [ إلا بثلاث خصال: أمرنا أن نسبغ الوضوء ]. قوله: [ أمرنا بأن نسبغ الوضوء ] إسباغ الوضوء يكون بإبلاغه إلى ثلاث غسلات، ويكون بالدلك، ويكون -أيضاً- بالمبالغة في إيصال الماء إلى العضد، فهذا كله يدخل تحت الإسباغ، لكنّ ذلك لا يختص ببني هاشم، فقد جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أسبغ الوضوء، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، وهذا حكم عام. وأما الخصلة الثانية فهي قوله: [ وأن لا نأكل الصدقة ] وهذا خاص ببني هاشم. والخصلة الثالثة قوله: [ وأن لا ننزي الحمار على الفرس ] وهذا لا يختص ببني هاشم، بل هذا لهم ولغيرهم، والمقصود من ذلك أن لا ينقطع نسل الخيل التي هي عدة الجهاد في سبيل الله؛ لأنه إذا أنزي الحمار على الفرس يخرج منهما البغل، وليس فيه ما في الفرس من القدرة على الكر والفر الذي يكون في وقت القتال في سبيل الله تعالى، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) فإنزاء الحمار على الفرس يكون فيه تولد البغل بينهما، فيؤدي ذلك إلى عدم كثرة نسل الخيل التي هي العدة في الجهاد، والتي فيها الكر والفر أثناء الجهاد في سبيل الله، والحاصل أن هذه الثلاث الخصال واحدة منها مختصة ببني هاشم، والاثنتان الباقيتان ليستا مختصتين بهم. وقال بعض أهل العلم: لعل المقصود أن هذه تجب على بني هاشم، فيجب عليهم إسباغ الوضوء، وغيرهم لا يجب عليه ذلك، ويمكن أن يقال: إن هذا هو الذي بلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك مثلما جاء عن علي رضي الله عنه أنه قال: ما اختصنا بشيء دون الناس إلا فهماً يعطيه الله رجلاً في كتاب الله، وما في هذه الصحيفة. يعني أن ما في هذه الصحيفة ليس خاصاً بهم.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس وقد سئل (أكان رسول الله يقرأ في الظهر والعصر؟ فقال لا...)


قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث ]. مسدد مر ذكره، وعبد الوارث هو ابن سعيد العنبري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن موسى بن سالم ]. موسى بن سالم صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عبيد الله ]. هو عبد الله بن عبيد الله بن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث ابن عباس (لا أدري أكان رسول الله يقرأ في الظهر والعصر أم لا)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا زياد بن أيوب حدثنا هشيم أخبرنا حصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لا أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا. ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن ابن عباس ، وقد شك في كون النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر، فقال: [ لا أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا ]، فهنا شك في ذلك، وأما في الحديث السابق فإنه جزم بأنه ما كان يقرأ.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس (لا أدري أكان رسول الله يقرأ في الظهر والعصر أم لا)

قوله: [ حدثنا زياد بن أيوب ]. زياد بن أيوب ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي . [ حدثنا هشيم ، أخبرنا حصين ]. هشم هو هشيم بن بشير ، وحصين بن عبد الرحمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. وعكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. قد مر ذكره. والله تعالى أعلم."




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #202  
قديم 16-05-2024, 11:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,829
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [105]
الحلقة (136)


شرح سنن أبي داود [105]

من أحكام الصلاة المتعلقة بها القراءة فيها بعد الفاتحة، وصلاة المغرب هي من جملة الصلوات التي يقرأ فيها، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ فيها فأطال وقرأ فيها فقصر، وقرأ فيها من طوال المفصل ووسطه وقصاره، وكل ذلك جائز للمرء أن يصنعه في صلاته، وينبغي للإمام أن يسلك مسلك الرسول صلى الله عليه وسلم في تنويع القراءة فيها طولاً وقصراً.

قدر القراءة في المغرب


شرح حديث أم الفضل (إنها لآخر ما سمعت من رسول الله يقرأ بها في المغرب)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: قدر القراءة في المغرب. حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس : (أن أم الفضل بنت الحارث سمعته وهو يقرأ: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا [المرسلات:1] فقالت: يا بني! لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب قدر القراءة في المغرب ]، وقد وردت أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على قراءته فيها، فقرأ فيها من طوال المفصل مثل الطور، وقرأ فيها من أواسط المفصل مثل المرسلات، وقرأ فيها من قصار المفصل، وقرأ فيها -أيضاً- بسورة الأعراف، وهي من أطول سور القرآن، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم القراءة في المغرب على أوجه مختلفة، وكلها صحيحة، وكل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه سنة. ومما أورده أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة حديث أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية ، وهي أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله تعالى عن الجميع، وهي زوجة العباس بن عبد المطلب ، وأم أولاده الذين أكبرهم الفضل رضي الله تعالى عن الجميع. فكان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقرأ سورة المرسلات، فقالت أمه: (إنك ذكرتني بقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه السورة، وذلك في آخر صلاة جهرية سمعته صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بهذه السورة). فدل هذا الحديث على مشروعية قراءة سورة المرسلات في صلاة المغرب كما جاء بذلك هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدل -أيضاً- على أنها آخر قراءة سمعتها أم الفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وأم الفضل هي التي روت الحديث الذي فيه: (أن الناس لما حجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع كانوا يتساءلون: هل النبي صلى الله عليه وسلم صائم أو مفطر؟ فأرادت أن يبين النبي صلى الله عليه وسلم للناس على سبيل العموم حاله عليه الصلاة والسلام هل هو صائم أو مفطر، فقالت: أنا أدلكم على ذلك. فأعطتهم قدحاً فيه لبن فقالت: ناولوه إياه، وكان على ناقته، فشرب منه والناس يرون، وهذا من فطنتها وذكائها رضي الله تعالى عنها وأرضاه).

تراجم رجال إسناد حديث أم الفضل (إنها لآخر ما سمعت من رسول الله يقرأ بها في المغرب)


قوله: [ حدثنا القعنبي ]. القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو تابعي مشهور، أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويروي عن أمه أم الفضل، وهي لبابة بنت الحارث الهلالية رضي الله تعالى عنها، وهي -كما قلت- أخت أم المؤمنين ميمونة ، وهناك لبابة الكبرى أم خالد بن الوليد ، ولبابة الصغرى وهي أم الفضل رضي الله تعالى عن الجميع، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بـ(والطور) في المغرب)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بوَالطُّورِ [الطور:1] في المغرب) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث جبير بن مطعم النوفلي رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بالطور في المغرب) أي: يقرأ بسورة الطور في المغرب، وهي من طوال المفصل؛ لأن المفصل يبدأ بـ (ق) أو بالحجرات إلى آخر القرآن، على قولين، ومبنى هذين القولين على اعتبار بدء العدد من الفاتحة أو من البقرة، أي: تحزيب القرآن، فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزبون القرآن سبعة أحزاب، بحيث يقرأ الواحد منهم حزباً في اليوم، فيكمل القرآن في سبعة أيام، فكانوا يجعلونه أحزاباً سبعة. وقد جاء عن أوس بن أوس أنه قال: (سألت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاثاً، وخمساً، وسبعاً، وتسعاً، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل، وأوله (ق)،) فهي إذن سبعة أحزاب. فعلى القول بأن الفاتحة معدودة في السور الثلاث -وهي: الفاتحة والبقرة وآل عمران- ينتهى الحزب السادس بسورة الفتح، ثم يأتي حزب المفصل وأوله الحجرات، وعلى القول بأن سورة الفاتحة غير محسوبة وإنما العدد للسور الطوال، وهي: البقرة وآل عمران والنساء تكون (ق) هي أول المفصل، فتكون الحجرات هي آخر الثلاث عشرة التي هي نهاية الحزب السادس. فسورة الطور من طوال المفصل، وجبير بن مطعم النوفلي رضي الله عنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بالطور وكان إذ ذاك مشركاً، ولم يكن قد أسلم بعدُ، وقد جاء عنه في صحيح البخاري أنه قال: (لما بلغ قول الله عز وجل: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ [الطور:35-36] كاد قلبي أن يطير)، وكان ذلك سبباً في إسلامه، وكاد قلبه أن يطير من حسن هذا البيان، ومن هذه البلاغة والفصاحة، وهذا الحديث يدل على أن الكافر إذا تحمل في حال كفره، وأدى في حال إسلامه فإن روايته معتبرة؛ لأن العبرة في حال التأدية بالإسلام، وأما التحمل فسواء كان في حال الكفر، أو في حال الإسلام فإنه لا يضر، فالمهم أن يؤدي ما تحمله في حال إسلامه. ومثل ذلك -أيضاً- قصة أبي سفيان مع هرقل عظيم الروم، فإن الأشياء التي جرت بينهما، والإخبار عنه عليه الصلاة والسلام بما كانوا يعرفونه عنه من الصفات، كل ذلك حصل في حال كفره، ولكن هذا الذي جرى من المحاورة بينه وبين هرقل أداه بعد إسلامه، ولهذا يذكر العلماء في (علم المصطلح) أن الكافر إذا تحمل في حال كفره، وأدى ذلك في حال إسلامه فالرواية صحيحة، ومثله في ذلك الصغير، فإنه إذا تحمل في حال صغره، وأدى بعد بلوغه فإن روايته معتبرة صحيحة، فالمهم حال الأداء، وأما التحمل فيمكن أن يكون في الصغر، وهناك عدد من صغار الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم حدثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكبر، وقد تحملوا ذلك في حال الصغر، منهم النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه وعن أبيه وعن الصحابة أجمعين، فإنه كان من صغار الصحابة، وقد توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وعمره ثمان سنوات، وقد حدث بأحاديث بلفظ (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهذا لا يكون إلا في حال الصغر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مات وعمره ثمان سنوات، ومما حدث به حديث: (الحلال بين والحرام بين) وهو حديث مشهور متفق على صحته، فإنه قال فيه: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فالنعمان تحمله في حال صغره. فالحديث الذي معنا -وهو حديث جبير بن مطعم النوفلي رضي الله عنه- يدل على أن الكافر إذا تحمل في حال كفره، وأدى في حال إسلامه فذلك صحيح؛ لأن العبرة بحال الأداء وليست بحال التحمل.

تراجم رجال إسناد حديث (سمعت رسول الله يقرأ بـ(والطور) في المغرب )

قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه ]. محمد بن جبير بن مطعم النوفلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وأبوه جبير بن مطعم النوفلي رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الذي جاء هو وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالا: (يا رسول الله! إنك أعطيت بني المطلب ونحن وإياهم بدرجة واحدة) أي: أعطيت بني المطلب وهم من أولاد عبد مناف ، ونحن -أيضاً- من أولاد عبد مناف ولم تعطنا، فقال: (إن بني هاشم وبني المطلب شيء واحد)، فأعطاهم من الفي، وأما الزكاة فتحرم عليهم، ويعطون -أيضاً- من الغنائم. فأولاد عبد مناف هم: هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس ، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم وبني المطلب من الخمس، ولم يعط بني نوفل الذين منهم جبير ، ولا بني عبد شمس الذين منهم عثمان رضي الله تعالى عن الجميع، وقد أجابهم عليه الصلاة والسلام بقوله: (إنا وبني المطلب شيء واحد) . ومطعم والد جبير هو الذي أجار النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي قال فيه الشاعر: ولو أن مجداً خلد الدهر واحداً لأبقى مجده الدهر مطعماً وقد مات على الكفر. وأما أقسام المفصل فطوال وأواسط وقصار، وقد اختلف العلماء في تحديدها، ولا شك في أن بعضها يتبيّن بالنظر إليه، فالإنسان يستطيع أن يعرف القصار مثل: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ، وإِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا و(العاديات)، و(القارعة)، وما إلى ذلك، وبعضهم يدخل: لَمْ يَكُنِ فيها، والأوساط مثل: (البروج)، و(السماء والطارق)، والطوال مثل: (الذاريات)، و(الطور)، و(النجم) وغير ذلك.

شرح حديث (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بطولى الطوليين ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج حدثني ابن أبي مليكة عن عروة بن الزبير عن مروان بن الحكم أنه قال: قال لي زيد بن ثابت رضي الله عنه: (ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بطولى الطوليين؟ قال: قلت: ما طولى الطوليين؟ قال: الأعراف والأخرى الأنعام. قال: وسألت أنا ابن أبي مليكة ، فقال لي من قبل نفسه: المائدة والأعراف) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه يرويه عنه مروان بن الحكم أنه قال له -أي: زيد بن ثابت - : [ ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل؟ ] والمقصود من ذلك ملازمة القراءة بالقصار دون أن يقرأ شيئاً طويلاً، فهذا هو قصد زيد ، وليس ذلك منعاً للقراءة من القصار، وإنما المقصود من ذلك التنبيه على أن الإنسان لا يقتصر على شيء معين ويترك غيره، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك كله، فيقرأ من القصار، ومن الطوال، ومن الأواسط وهكذا، ولا يلازم ويداوم على شيء بعينه، فكل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه حق، والإنسان يقرأ به، فزيد بن ثابت رضي الله عنه إنما أنكر عليه الملازمة والمداومة، ولم ينكر عليه القراءة من القصار، فإن ذلك سائغ وجائز، فأنكر المداومة، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في المغرب بالسور الطوال، بل قرأ طولى الطوليين، والمقصود بقوله: (طولى) أي: أطول، و(الطوليين) أي: الطويلتين، يعني سورتين طويلتين، وهاتان السورتان هما: الأنعام والأعراف، والأعراف أطولهما، فهي إذن طولى الطوليين، وطولى تأنيث أطول، والطوليين تثنية طولى، فهي أطول السورتين الطويلتين، وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في المغرب بالأعراف؛ ليبين أن القراءة في المغرب تكون بالسور القصيرة وبالطويلة. وقد فسرت الطولى التي قرأ بها بأنها الأعراف، والأخرى هي الأنفال. وسأل ابن جريج ابن أبي مليكة عن ذلك، فقال من قبل نفسه -يعني: تفسيراً من قبل نفسه-: هي الأعراف والمائدة.

تراجم رجال إسناد حديث (رأيت رسول الله يقرأ بطولى الطوليين ...)

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي مليكة ]. ابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة بن الزبير ]. هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مروان بن الحكم ]. مروان بن الحكم كان إذ ذاك أمير المدينة، وقد تولى الخلافة، خرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن زيد بن ثابت ]. هو زيد بن ثابت رضي الله عنه الصحابي المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

التخفيف في صلاة المغرب


شرح أثر عروة أنه كان يقرأ في المغرب بـ(والعاديات)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: من رأى التخفيف فيها. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا هشام بن عروة أن أباه كان يقرأ في صلاة المغرب بنحو ما تقرءون وَالْعَادِيَاتِ)[العاديات:1] ونحوها من السور. قال أبو داود : هذا ما يدل على أن ذاك منسوخ ، وهذا أصح ]. أورد أبو داود التخفيف في صلاة المغرب، فقد ذكر في الأحاديث الماضية قراءة السور الطوال كسورة الأعراف، وسورة المرسلات، وسورة الطور، وهنا يذكر التخفيف في صلاة المغرب، فأخرج أثر هشام بن عروة بن الزبير رحمة الله عليه أن أباه عروة بن الزبير كان يقرأ بمثل ما تقرؤون: (والعاديات) ونحوها من السور، يعني: قصار المفصل. وفيه إشارة إلى أنهم كانوا يقرءون القصار، وهذا الأثر يقال له: مقطوع، فكل ما انتهى متنه إلى تابعي أو من دونه يقال له: مقطوع، وهو من صفات المتن، وما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: مرفوع، وما انتهى إلى الصحابي يقال له: موقوف، والمقطوع غير المنقطع، فالمقطوع من صفات المتن، والمنقطع من صفات الإسناد، فإذا سقط من الإسناد راوٍ أو راويان في الوسط فهذا انقطاع، وأما المقطوع فهو المتن الذي ينتهي إلى التابعي أو من دونه. قوله: [ قال أبو داود : هذا يدل على أن ذاك منسوخ ] يعني التطويل الذي ورد، وهذا غير واضح، وكيف يكون منسوخاً والنسخ لا يثبت بالاحتمال، بل جاء في الحديث الذي سبق عن أم الفضل: أنه قرأ بالمرسلات، وكانت هذه آخر صلاة جهرية سمعتها صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سمعتها أم الفضل بنت الحارث الهلالية رضي الله تعالى عنها، فالصحيح أنه لا نسخ، وأن كل ذلك سائغ وجائز وثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ قال أبو داود : وهذا أصح ] لا أدري هل المقصود أن القراءة بالقصار ناسخة للقراءة بالطوال، أم المقصود غير ذلك، وهذا الأثر مقطوع وليس مرفوعاً إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام.

تراجم رجال إسناد أثر عروة أنه كان يقرأ في المغرب بـ (والعاديات)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حماد ]. هو حماد بن سلمة ، وقد مر بنا مراراً وتكراراً أنه إذا جاء (حماد) غير منسوب -وهو الذي يسمى بالمهمل في علم المصطلح، وهو غير المبهم، فالمبهم أن يقول: عن رجل، وأما إذا ذكر اسم الشخص ولم ينسبه فإنه يقال له: مهمل- فإذا جاء (حماد) غير منسوب فيحتمل أنه حماد بن زيد أو حماد بن سلمة ، لكن إذا كان الراوي عنه موسى بن إسماعيل فالمراد به حماد بن سلمة ، و حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة. [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عروة بن الزبير وقد مر ذكره.

شرح حديث (ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلّا وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناس بها في الصلاة المكتوبة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن سعيد السرخسي حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: (ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناس بها في الصلاة المكتوبة) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناس بها في الصلاة)، وهذا يدل على قراءة سور المفصل قصيرها وطويلها، فهو دال على التخفيف في الجملة.

تراجم رجال إسناد حديث (ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلّا وقد سمعت رسول الله يؤم الناس بها في الصلاة المكتوبة)


قوله: [ حدثنا أحمد بن سعيد السرخسي ]. أحمد بن سعيد السرخسي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا وهب بن جرير ]. هو وهب بن جرير بن حازم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبي ]. أبوه هو جرير بن حازم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت محمد بن إسحاق ]. محمد بن إسحاق صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب ]. عمرو بن شعيب صدوق، أخرج حديثه البخاري في (جزء القراءة) وأصحاب السنن الأربعة. [ عن أبيه ]. أبوه هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، وهو -أيضاً- صدوق، أخرج حديثه البخاري في (الأدب المفرد) و(جزء القراءة) وأصحاب السنن الأربعة. [ عن جده ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص ، فشعيب يروي عن جده عبد الله بن عمرو ، وليست روايته عن أبيه محمد ؛ لأنها ستكون مرسلة، فهو تابعي، فإذا أضاف شيئاً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يكون متصلاً وإنما يكون منقطعاً، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن شعيباً صح سماعه من جده عبد الله بن عمرو ، إذاً فعمرو بن شعيب يروي عن شعيب ، و شعيب يروي عن جده عبد الله ، وليست روايته عن أبيه محمد بن عبد الله التابعي. و عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث ضعفه الألباني ، ولا أدري ما وجه التضعيف، اللهم إلا أن يكون من جهة محمد بن إسحاق فإنه مدلس، ولم يصرَّح بالتحديث.

شرح أثر ابن مسعود أنه قرأ في المغرب بـ(قل هو الله أحد)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا قرة عن النزال بن عمار عن أبي عثمان النهدي أنه صلى خلف ابن مسعود رضي الله عنه المغرب فقرأ بـ( قل هو الله أحد ) ]. أورد أبو داود أثر عبد الله بن مسعود أنه قرأ في المغرب بـ( قل هو الله أحد )، وهي من قصار المفصل، وهذا الأثر في إسناده النزال بن عمار وهو مقبول.

تراجم رجال إسناد أثر ابن مسعود أنه قرأ في المغرب بـ(قل هو الله أحد)


قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ]. هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري، ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أبيه ]. هو معاذ بن معاذ العنبري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا قرة ]. هو قرة بن خالد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن النزال ]. هو النزال بن عمار ، وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود وحده . [ عن أبي عثمان النهدي ]. أبو عثمان النهدي هو عبد الرحمن بن مل، بتثليث الميم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث فيه ذلك المقبول، فلا يعول على ما انفرد به، إلّا أنّ مسألة القراءة بقصار المفصل ثابتة.

إعادة السورة الواحدة في الركعتين


شرح حديث قراءته صلى الله عليه وسلم سورة الزلزلة في الركعتين في صلاة الصبح


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الرجل يعيد سورة واحدة في الركعتين. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو عن ابن أبي هلال عن معاذ بن عبد الله الجهني : (أن رجلاً من جهينة أخبره أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح: إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا في الركعتين كلتيهما، فلا أدري أنسي رسول الله صلى الله عليه وسلم أم قرأ ذلك عمداً؟!) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب الرجل يعيد سورة واحدة في الركعتين]، أي أنه يقرأ السورة في الركعة الأولى ثم يعيدها في الركعة الثانية. وأورد أبو داود رحمه الله حديث رجل من جهينة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصبح بـ(إذا زلزلت الأرض زلزالها) في الركعتين كلتيهما، قال: [ فلا أدري أنسي رسول الله صلى الله عليه وسلم أم قرأ ذلك عمداً؟ ] يعني: أنسي أنه قرأ بها في الركعة الأولى، أو أنه تعمد أن يقرأها في الركعة الثانية. وهذا الحديث يدل على ما ترجم له من جواز إعادة السورة مرة ثانية، ولكن المشهور والمعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غالب أحواله أنه لا يعيد، فهذا الحديث يدل على الجواز، ولو فعل بالنسبة لهذه السورة لكان مناسباً؛ لأن الإعادة لم ترد عنه صلى الله عليه وسلم إلّا في هذه السورة، وأما ما سواها فإن الأولى للإنسان ألا يعيد في الركعة الثانية ما قرأه في الركعة الأولى.

تراجم رجال إسناد حديث قراءته صلى الله عليه وسلم الزلزلة في الركعتين في صلاة الصبح


قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب ]. ابن وهب هو: عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عمرو ]. عمرو هو: ابن الحارث المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي هلال ]. ابن أبي هلال هو سعيد بن أبي هلال، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاذ بن عبد الله الجهني ]. معاذ بن عبد الله الجهني صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن. [ عن رجل من جهينة ]. أي أنه مجهول، والجهالة في الصحابة لا تؤثر كما عرفنا ذلك.

القراءة في الفجر


شرح حديث قراءته صلى الله عليه وسلم سورة التكوير في صلاة الفجر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: القراءة في الفجر. حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى - يعني ابن يونس - عن إسماعيل عن أصبغ مولى عمرو بن حريث عن عمرو بن حريث رضي الله عنه أنه قال: (كأني أسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الغداة: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ* الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ) ]. أورد أبو داود [ باب: القراءة في الفجر ]، وصلاة الفجر تطال فيها القراءة، وقد جاء التنصيص على قراءة الفجر في القرآن في قوله تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]. وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ فيها بسور طوال وسورٍ قصار، فمن الطوال أنه كان في فجر يوم الجمعة يقرأ بـ[السجدة:1]، و هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ ، وأما السور القصار فكما جاء في الحديث الذي مر قبل هذا، وهو قراءة ( إذا زلزلت الأرض زلزالها )، حيث قرأها في الفجر مرتين. وأورد أبو داود حديث عمرو بن حريث رضي الله عنه أنه قال: [ (كأني أسمع الرسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الغداة: (فلا أقسم بالخنس) )] . قوله: [ (كأني أسمع) ] المقصود من ذلك استحضاره لتلك القراءة، فكأنه يسمعها في حينه، وذلك يدل على تأكده من ذلك، وليس هناك شك، فهو إخبار عن شيء كأنه يشاهده ويعاينه، وذلك لقوة استحضاره إياه. وهذا الحديث فيه مشروعية القراءة في الفجر بـ( إذا الشمس كورت )، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم القراءة فيها بتطويل، وبتوسط، وبقصار المفصل.


تراجم رجال إسناد حديث قراءته صلى الله عليه وسلم سورة التكوير في صلاة الفجر


قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ]. إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عيسى يعني ابن يونس ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل ]. إسماعيل هو ابن أبي خالد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أصبغ مولى عمرو بن حريث ]. أصبغ مولى عمرو بن حريث ثقة، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن عمرو بن حريث ]. عمرو بن حريث رضي الله عنه صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.


الأسئلة



حكم من توفي وعليه صيام شهر

السؤال: رجل توفيت أمه وعليها صيام شهر رمضان فماذا يعمل؟


الجواب: إذا كانت متمكنة من القضاء ولم تقض فإنه يقضى عنها. وأما إذا ماتت ولم تتمكن من القضاء إما لقصر المدة بعد رمضان ولم تتمكن فيها، أو لطول المدة ولكنها بقيت مريضة وماتت في مرضها فإنه لا يقضى عنها، وإنما يقضى عنها إذا كانت قادرة على القضاء ولم تقضِ. وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)، فيصوم عنها ولدها، لكن هذا -كما قلت-: إذا كانت متمكنة من القضاء، بمعنى أنه جاء بعد رمضان وقت وهي غير مريضة وكانت متمكنة من القضاء وماتت قبل أن تقضي. ولا يلزمه أن يطعم عنها؛ لأنها لم يجب عليها القضاء، فهي قادرة، فلا يطعم عنها، وإنما يكون الإطعام عن الإنسان الذي لا يستطيع، والذي عنده عجز دائم، وأما الإنسان الذي أصابه مرض، أو حصل له سفر وكان عليه قضاء فإنه لا يطعم عنه، وإنما يصام عنه.


حكم الوضوء بالنسبة للصبي

السؤال: ما حكم الوضوء بالنسبة للصبي؟ وهل يؤمر به؟


الجواب: يعوّد الصبي على الوضوء كما يعوّد على الصلاة.


تعويد الأبناء الصغار على ستر عوراتهم

السؤال: بعض الآباء يأتي بابنه ليصلي، ومع ذلك يلبسه البنطلون القصير بحجة أنه صغير، فما الحكم؟


الجواب: على الإنسان أن يعود أبناءه أحكام الصلاة من ستر العورة، والوضوء وغير ذلك. وأما إذا كان الطفل صغيراً لا يعقل فهذا لا ينبغي أنه يوضع في الصف، وأما إذا كان مميزاً أو يعقل الصلاة فلا بأس، وأما إذا لم يكن كذلك فلا ينبغي له أن يجعله في الصف، وإنما يجعله أمام الصف، أو خلف الصف، فلا يكون في الصف وهو ليس من المصلين.


حكم تكليم الخاطب لمخطوبته بالتلفون


السؤال: هل يجوز للخاطب أن يكلم مخطوبته بالتلفون؟


الجواب: لا يصلح أن يحصل من الإنسان توسع في مثل هذا، فله أن يراها، ولها أن تراه، وأما أن يخاطبها ويتكلم معها بالتلفون فهذا لا يجوز.


الحافظ ابن حجر والإرجاء

السؤال: هل الحافظ ابن حجر رحمه الله في مسائل الإيمان مرجئ؟


الجواب: لا أعرف هذا عن الحافظ ابن حجر ، والإرجاء الباطل لا يقول به ابن حجر . ولكن هل عنده إرجاء الفقهاء؟ لا أدري.


حكم لبس البنطلون، والفرق بينه وبين السراويل

السؤال: ما ضابط لبس البنطلون؟ وما الفرق بينه وبين السروال الذي ورد في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتراه؟


الجواب: السراويلات -كما هو معلوم- تكون واسعة، ولا تصف الأحجام، وأما البنطلون فهو يحجم الجسم، فهذه ميزة البنطلون التي يتميز بها عن السراويلات.


حكم استماع الجنب للقرآن

السؤال: هل يجوز للجنب أن يستمع القرآن؟


الجواب: نعم.


حكم قراءة الجنب للكتب الدينية

السؤال: هل يقرأ الجنب الكتب الدينية؟

الجواب: نعم له ذلك، وله أن يذكر الله، وأما إذا أراد قراءة القرآن فإنه يغتسل ثم يقرأ، ولا يقرأ قبل أن يغتسل.


رفع المأموم صوته بالتكبيرات بعد الإمام

السؤال: هل للمأموم أن يرفع صوته في كل التكبيرات بعد تكبيرات الإمام؟


الجواب: لا يرفع المأموم صوته بالتكبير، وإنما يكبر سراً بينه وبين نفسه، ورفع الصوت بالتكبير إنما هو للإمام؛ حتى يسمع الناس.


تطويل الإمام للركوع لأجل الداخل

السؤال: هل يجوز تطويل الإمام في الركوع لأجل الداخل؟


الجواب: قال به بعض العلماء إذا لم يشق على المأمومين انتظار الداخل، وما أعلم شيئاً يدل عليه.


الدعاء في سجود التلاوة

السؤال: ماذا يقال في سجود التلاوة؟


الجواب: يقال في سجود التلاوة كما يقال في سجود الصلاة، ويقرأ ذلك الدعاء: (اللهم لك سجدت ...) إلخ الحديث الوارد في هذا.


حكم سجود التلاوة لمن يقرأ القرآن في السيارة

السؤال: كيف يسجد سجود التلاوة من مر على آية سجدة وهو يقرأ القرآن في السيارة؟


الجواب: سجود التلاوة -كما هو معلوم- ليس بواجب، وإنما هو مستحب، فمن فعله -كما جاء في الأثر عن عمر- فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه، ويبدو أن الذي لا يسجد على الأرض لا يفعل ذلك؛ لأن هذا قد يشغله عن قيادة السيارة، فإن خفض الرأس في السجود لا يناسب من يقود السيارة."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #203  
قديم 16-05-2024, 11:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,829
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [106]
الحلقة (137)


شرح سنن أبي داود [106]

القراءة في الصلاة جزء كبير منها، والواجب منها قراءة سورة الفاتحة، فلا صلاة لمن لم يقرأ بها، وللعلماء في القراءة بها أقوال معلومة في شأن قراءتها حال الانفراد وقراءتها خلف الإمام، وغير ذلك مما يتعلق بها من أحكام.

من ترك القراءة بالفاتحة في الصلاة


شرح حديث ( أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر)

قال المصنف رحمة الله عليه: [ باب: من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب. حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا همام عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: (أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب]، ثم أورد تحت هذه الترجمة الأحاديث التي جاء فيها الأمر بقراءة الفاتحة ولزومها وتعينها، وليس فيها ذكر تركها كما قد تشير إليه الترجمة، ولكن المراد بالترجمة -كما قال صاحب (عون المعبود)- حكم من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب، ومعنى ذلك أن صلاته غير صحيحة، فقد جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعيّن ولزوم قراءتها. إذا:ً يكون معنى الترجمة: (باب حكم من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب) والحكم أن صلاته غير صحيحة؛ للأحاديث الكثيرة التي أوردها أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة. ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: [أمرنا] وقوله: [أمرنا] له حكم الرفع؛ لأن الصحابي لا يقول مثل ذلك إلا إذا كان الآمر هو رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهذه صورة لها حكم الرفع، أن يقول الصحابي: أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا، أي أن الآمر والناهي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما إذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت بكذا أو نهيت عن كذا فإن الآمر له هو الله سبحانه وتعالى. فقول أبي سعيد : [ أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر ] يدل على أن قراءة فاتحة الكتاب وما تيسر مأمور بها ومطلوبة، فجمهور العلماء على أن قراءة الفاتحة واجبة في حق الإمام والمنفرد، وقال بعض أهل العلم: إن قراءة الفاتحة ليست متعينة ولا لازمة، بل المطلوب هو قراءة شيء من القرآن، سواء الفاتحة أو غير الفاتحة، ويستدلون على ذلك بما جاء في بعض الأحاديث من الأمر بقراءة ما تيسر من القرآن، وقالوا: الذي تيسر من القرآن يشمل الفاتحة وغير الفاتحة، وعلى هذا فلا تلزم الفاتحة، لكن جمهور أهل العلم على لزوم قراءة الفاتحة في حق الإمام والمنفرد، وذلك لوجود الأحاديث الكثيرة فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدالة على قراءتها. وأما بالنسبة للمأموم إذا صلى وراء الإمام فهل يلزمه قراءة الفاتحة أو لا يلزمه ففي ذلك ثلاثة أقوال لأهل العلم: فمنهم من قال: إنه يقرأ بها في الصلوات السرية والجهرية. والقول الثاني بعكس ذلك، وهو أن المأموم لا يلزمه القراءة وراء الإمام سواء في السرية أو الجهرية، ويستدلون على ذلك بحديث فيه ضعف وهو: (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة )، ولو صح فإنه يكون محمولاً على غير الفاتحة، وأما الفاتحة فإن قراءتها لازمة وواجبة. والقول الثالث يقول: إن المأموم يقرأ الفاتحة في الصلاة السرية دون الصلاة الجهرية، والقول الذي تدل عليه الأحاديث هو القول بوجوب القراءة خلف الإمام، سواء أكان في صلاة جهرية أم في صلاة سرية، وإذا تمكن من أن يأتي بها في سكتة الإمام إذا سكت في قراءته دعاء الاستفتاح، وإلا فإنه يقرأ بها والإمام يقرأ السورة؛ لأن قراءة الفاتحة مطلوبة، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن القراءة إلا بفاتحة الكتاب.
تراجم رجال إسناد حديث (أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر)

قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. أبو الوليد الطيالسي هو هشام بن عبد الملك، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا همام ]. هو همام بن يحيى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي نضرة ]. هو المنذر بن مالك، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي سعيد ]. أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مشهور بنسبته وكنيته، فنسبته: الخدري ، وكنيته: أبو سعيد ، و أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه واحد من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة و ابن عمر و ابن عباس و أبو سعيد و أنس و جابر وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، فهم ستة رجال وامرأة واحدة. وقوله: [ وما تيسر ] يعني قراءة شيء زائد على الفاتحة، وجمهور أهل العلم على القول بعدم وجوبها، وإنما هي مستحبة، وقال بعض أهل العلم: إنه يجب أن يُقرأ شيء مع الفاتحة.
شرح حديث (لا صلاة إلّا بقرآن، ولو بفاتحة الكتاب فما زاد)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى عن جعفر بن ميمون البصري حدثنا أبو عثمان النهدي قال: حدثني أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم: (اخرج فناد في المدينة: إنه لا صلاة إلا بقرآن ولو بفاتحة الكتاب فما زاد) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: [ (اخرج فناد في المدينة: إنه لا صلاة إلا بقرآن ولو بفاتحة الكتاب فما زاد ) ] وهذا يدل على أن الصلاة لابد فيها من قراءة، وجاء في آخره قال: [ ( ولو بفاتحة الكتاب وما زاد ) ] وهذا احتج به بعض أهل العلم، فقالوا: إنّ قراءة الفاتحة لا تتعين وإنما الذي يتعين هو شيء من القرآن سواء الفاتحة أو غير الفاتحة، وقوله: [ ( ولو بفاتحة الكتاب فما زاد ) ] لا يدل على ذلك؛ لأن المقصود من ذلك أن فاتحة الكتاب هي التي يقرأ بها، وإن جاء شيء معها فإنه لابد منه، لكن لا يعني ذلك أنه يجوز له ألّا يقرأ بفاتحة الكتاب ويقرأ بغيرها، فإنه لابد من القرآن، وأقل شيء فيه أن يقرأ بفاتحة الكتاب وما زاد على ذلك، فليس فيه دلالة على أنه لا تجب قراءة الفاتحة، بل جاءت أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دالة على وجوب قراءتها، وأما هذه الرواية ففي إسنادها من فيه كلام.
تراجم رجال إسناد حديث ( لا صلاة إلّا بقرآن، ولو بفاتحة الكتاب فما زاد )

قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ]. إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عيسى ]. عيسى هو ابن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جعفر بن ميمون البصري ]. جعفر بن ميمون البصري صدوق يخطئ، أخرج حديثه البخاري في (جزء القراءة) وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو عثمان النهدي ]. أبو عثمان النهدي هو عبد الرحمن بن مل بتثليث الميم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. حدثني أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

شرح حديث (... لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد) وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن بشار حدثنا يحيى حدثنا جعفر عن أبي عثمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي أنه: لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد) ]. هذه رواية أخرى لحديث أبي هريرة ، وفيها بيان أن قراءة الفاتحة مأمور بها، وليس للمصلي أن يقرأ أي قرآن غيرها، بل يقرأ بفاتحة الكتاب وما زاد على ذلك، فهذه الرواية تدل على ما دل عليه حديث أبي سعيد، وتدل -أيضاً- على أن ما جاء في الرواية السابقة ليس المقصود منه أنه يقرأ الفاتحة أو غيرها، فإن الفاتحة لابد منها وغيرها يضاف إليها. قوله: [ حدثنا ابن بشار ]. ابن بشار هو محمد بن بشار الملقب بندار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة. [ حدثنا يحيى ]. يحيى هو ابن سعيد القطان البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جعفر عن أبي عثمان عن أبي هريرة].
شرح حديث (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن أنه سمع أبا السائب مولى هشام بن زهرة يقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، فهي خداج، فهي خداج غير تمام). قال: فقلت: يا أبا هريرة ! إني أكوني أحياناً وراء الإمام. قال: فغمز ذراعي وقال: اقرأ بها -يا فارسي- في نفسك؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرءوا، يقول العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، يقول الله عز وجل: حمدني عبدي، يقول: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، يقول الله عز وجل: أثنى علي عبدي، يقول العبد: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، يقول الله عز وجل: مجدني عبدي، يقول العبد: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، يقول الله: هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، يقول العبد: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، يقول الله: فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ ( من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج، فهي خداج، فهي خداج غير تمام ) ] والمقصود بالخداج أنها غير صحيحة، أو أنها ناقصة غير تامة، وأصل الخداج مأخوذ من قولهم: أخدجت الناقة: إذا ألقت ما في بطنها قطعة من الدم قبل أن تتخلق جنيناً، فذلك يكون شيئاً فاسداً لا فائدة منه، فكذلك الصلاة التي لا يُقرأ فيها بأم الكتاب لا فائدة من ورائها، أو أنها لا تصح، إذاً فلابد من قراءة الفاتحة. فقال له الراوي عنه -وهو أبو السائب مولى بني زهرة-: [ إني أكون وراء الإمام ] فقال: [ اقرأ بها في نفسك ]، أي: لا تترك القراءة وراء الإمام، بل اقرأ بها في نفسك سراً، وليس المقصود من ذلك أنه يقرأ بها في نفسه بدون تحريك الشفتين؛ لأن هذه ليست قراءة، وإنما المقصود بذلك أن يقرأ بها سراً في نفسه، وليس استذكاراً أو تأملاً في النفس دون أن يحرك شفتيه ولسانه، فإن القراءة إنما تكون بذلك، قال: [ اقرأ بها في نفسك ] أي: ولو كان الإمام يقرأ، لكن لا تجهر بها، ولا تنازعه في القراءة، ولا تشوش عليه ولكن اقرأ بها في نفسك، سواء أسر الإمام أو جهر، ولكنه إذا كانت الصلاة سرية فللمأموم أن يقرأ شيئاً غير الفاتحة، وأما في الجهرية فلا يقرأ إلا الفاتحة ثم يستمع. ثم قال أبو هريرة رضي الله عنه: [ ( فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرءوا، يقول العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] يقول الله عز وجل: حمدني عبدي، يقول العبد: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] يقول الله عز وجل: أثنى علي عبدي، يقول العبد: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] يقول الله عز وجل: مجدني عبدي ) ] وهذه كلها لله عز وجل؛ لأنها ثناء عليه سبحانه وتعالى، فهذه ثلاث آيات من أول سورة الفاتحة كلها ثناء وتعظيم وتمجيد لله سبحانه وتعالى، [ ( يقول العبد: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] يقول الله: هذه بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل ) ] فقوله: (إياك نعبد) هذه لله؛ لأن العبادة لله عز وجل، وقوله: (وإياك نستعين) فيه طلب العون من الله عز وجل، وهذا سؤال، لذلك قال: [( ولعبدي ما سأل ) ] إذاً: فالآية الرابعة هي بين الله وبين عبده. ثم قال: [ ( يقول العبد: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7] يقول الله: هؤلاء لعبدي، ولعبدي ما سأل ) ]. فهذا الحديث ذكره أبو هريرة رضي الله عنه مستدلاً به على أن الإنسان يقرأ الفاتحة في نفسه، وذلك أن الصلاة قُسمت بين العبد وبين الله تعالى قسمان . والمقصود بالصلاة في قوله سبحانه: [( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) ] المقصود بها القراءة، فقد فسرها بقوله: [ ( يقول العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] وليس المقصود بها الصلاة التي هي أقوال وأفعال مبتدأة بالتكبير ومنتهية بالتسليم، فإن ذلك لله وحده، وإنما الذي يكون لله وللعبد هو ما اشتملت عليه الفاتحة، فبعضها دعاء يرجع إلى العبد، وبعضها ثناء على الله عز وجل وتعظيم له، ولهذا فكون الإنسان يقرأ الفاتحة، أو يدعو بهذا الدعاء الذي في الفاتحة بعد أن سبقه الحمد لله والثناء عليه هو من أسباب قبول الدعاء. ثم ختمت السورة بطلب الهداية: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، وحاجة الناس إليه فوق كل حاجة، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة؛ لأن هدايتهم للصراط المستقيم فيه خروجهم من الظلمات إلى النور، وفيه سعادتهم في الدنيا والآخرة، فلا شك في أن هذا أهم المهمات، وأعظم المطالب، وأجل شيء يدعو به الإنسان ربه أن يعطيه إياه. وقوله: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] هذا الدعاء يشتمل على أمرين: التثبيت على الهداية الحاصلة، وطلب المزيد من الهداية، فالهداية منها ما هو موجود فيطلب الإنسان التثبيت عليه، أو يطلب المزيد، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ [محمد:17]، فهو يطلب بقوله: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] أن يثبته الله على ما حصل له من الهداية، وأن يوفقه لتحصيل زيادة في الهداية. فقول الله عز وجل: [ ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ) ] المقصود به القراءة وليس المقصود به الصلاة، وأطلق على الفاتحة أنها صلاة لأنها لازمة ومتعينة على كل مصلٍ، حيث تجب قراءتها في الصلاة، ثم كون الإنسان يقرأ بها يحصل هذه المطالب التي في آخرها التي تتعلق بالعبد، وقد قال الله عز وجل: [ ( هذه لعبدي ولعبدي ما سأل ) ]. ثم إن هذا الحديث يدل على أن البسملة ليست آية من الفاتحة؛ لأنه لما قال: [ (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ) ]، وذكر هذه السورة التي تقرأ في الصلاة وهي الفاتحة قال: [ ( يقول العبد: الحمد لله رب العالمين ) ] ولم يقل: فإذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم. قال بعض أهل العلم: فدل هذا على أن البسملة ليست من الفاتحة، فهي آية من القرآن تأتي قبل كل سورة، ولكنها ليست من الفاتحة ولا من غير الفاتحة، إلا بسم الله الرحمن التي في وسط سورة النمل، فهي بعض آية من سورة النمل، وإنما الكلام في الآيات التي تكون في أوائل السور، فهي آية من القرآن ولكنها ليست من السور، ولم يرو عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم في المصحف إلا ما هو قرآن، ولو كانت غير قرآن لما وضعوها في وسط المصحف، ولميزوها عن غيرها، ولبينوا أنها ليست قرآناً، فما دام أنهم ذكروها في المصحف ولا يكون في المصحف إلا القرآن فهي قرآن، ولكنها ليست من الفاتحة، وعلى هذا فمن يقول: إنها من الفاتحة والفاتحة سبع آيات فتكون البسملة هي الآية الأولى، وتكون الآية الأخيرة هي: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، وأما على ما دل عليه حديث أبي هريرة هذا من أن البسملة ليست من الفاتحة فإن ما بعد: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] ثلاث آيات، وتكون: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] هي الآية المتوسطة، فهي متوسطة بين الثلاث الآيات الخاصة بالعبد، والثلاث الآيات الخاصة بالله، وهذه الآية المتوسطة نصفها الأول لله ونصفها الآخر للعبد، ونصفها الأول هو قوله: (( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ))، وهذا لله، فتكون تابعة للثلاث الآيات التي قبلها، وتكون جملة: (( وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )) -وهي من مطالب العبد- تابعة لما بعدها وهو: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، فتكون: (( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ )) آية، ويكون قوله: (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ )) آية، والقول الصحيح -كما سبق إن أشرت إلى ذلك من قبل- أن البسملة في أوائل السور آية من القرآن، ولكنها ليست من السورة التي جاءت في أولها، وإنما هي آية من القرآن، فقد مر بنا الحديث الذي فيه: أنه نزل على النبي صلى الله عليه وسلم (بسم الله الرحيم: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]) فذكر أن البسملة من جملة ما نزل، لكن جاء في هذا الحديث أن البسملة ليست آية من الفاتحة، وجعل أول الفاتحة هو قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، وهذا الحديث من الأحاديث القدسية التي تكلم بها الله عز وجل، والضمائر فيه ترجع إلى الله عز وجل، فهو من كلام الله عز وجل، وهو ليس من القرآن، وإنما هو من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فليس له حكمه حكم القرآن من حيث التعبد بالتلاوة، ولكن حكمه حكم القرآن من حيث العمل به؛ لأن السنة يعمل بها كما يعمل بالقرآن. وقول
تراجم رجال إسناد حديث (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ...)
قوله: [ حدثنا القعنبي ]. القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن العلاء بن عبد الرحمن ]. العلاء بن عبد الرحمن صدوق ربما وهم، أخرج حديثه البخاري في (جزء القراءة) و مسلم وأصحاب السنن. [ أنه سمع أبا السائب مولى هشام بن زهرة ]. أبو السائب مولى هشام بن زهرة ثقة، أخرج له البخاري في (جزء القراءة) و مسلم وأصحاب السنن . [ سمعت أبا هريرة ]. أبو هريرة رضي الله عنه مر ذكره.
شرح حديث (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعداً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد و ابن السرح قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت رضي الله عنهما يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعداً) قال سفيان : لمن يصلي وحده ]. أورد أبو داود حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعداً )]، وهذا مثل ما تقدم في حديث أبي سعيد وحديث أبي هريرة [ ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعداً ) ] أي: فما زاد على ذلك. ثم قال أبو داود: [ قال سفيان : لمن صلى وحده ] أي أنها تكون في حق المنفرد ولا تكون في حق المأموم، والأصل هو العموم والشمول، وتقييده أو إخراج شيء من أفراده غير صحيح، بل الأصل هو بقاء النص على عمومه، وأنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، وقد سبق أن مر حديث أبي هريرة عندما قال له أبو السائب : إني أكون وراء الإمام قال: اقرأ بها في نفسك، أي أن قراءة الفاتحة لا يتركها المأموم، فالقول بأن المقصود من الحديث من صلى وحده دون من كان مأموماً غير صحيح .

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #204  
قديم 16-05-2024, 11:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,829
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعداً)

قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و ابن السرح ]. ابن السرح هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي وابن ماجة . [ حدثنا سفيان ]. سفيان هو ابن عيينة المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله الزهري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمود بن الربيع ]. محمود بن الربيع صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبادة بن الصامت ]. عبادة بن الصامت رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم ]. هذا بمعنى: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) فهناك عبارات هي بمعنى: (قال)، أو (سمعت)، منها: (يبلغ به)، (يرفعه)، (ينميه)، فهذه كلها صيغ بمعنى (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أي أن ذلك مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس موقوفاً على الصحابي.
شرح حديث (لعلكم تقرءون خلف إمامكم ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت رضي الله عنهما أنه قال: (كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ قال: لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟! قلنا: نعم هذّاً يا رسول الله!. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الفجر فثقلت عليه القراءة فقال: [ ( لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ ) ] قالوا: نعم نصنع ذلك هذاً. أي أنهم يسرعون بالقراءة، فقال: [ ( لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ) ] وهذا يدل على أن المأموم لا يقرأ خلف إمامه شيئاً من القرآن إلا الفاتحة؛ لأن الفاتحة مستثناة، وقد جاءت نصوص تدل على قراءتها، وأما في غير الفاتحة فإن المأموم يستمع ولا يقرأ شيئاً إلا في الصلاة السرية، فإنه يقرأ الفاتحة وغير الفاتحة، وليس في هذا شيء إلا إذا كان هناك رفع للصوت، فهذا يؤثر ويشوش على الإمام، وقد جاء في بعض الأحاديث: (وإذا قرأ فأنصتوا)، فلا يقرءون وهو يقرأ إلا بفاتحة الكتاب، فإنها مستثناة.
تراجم رجال إسناد حديث (لعلكم تقرءون خلف إمامكم ...)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة الباهلي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في (جزء القراءة) و مسلم وأصحاب السنن. وهذا غير محمد بن سلمة المرادي المصري فإن المرادي المصري من شيوخ أبي داود . [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن مكحول ]. مكحول هو الشامي ، وهو ثقة فقيه، أخرج له البخاري في (جزء القراءة) و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت ]. محمود بن الربيع وعبادة بن الصامت مر ذكرهما.
شرح حديث ( لا تقرءوا بشيء من القرآن إذا جهرتُ إلّا بأم القرآن)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الربيع بن سليمان الأزدي حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الهيثم بن حميد أخبرني زيد بن واقد عن مكحول عن نافع بن محمود بن الربيع الأنصاري قال نافع : (أبطأ عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن صلاة الصبح، فأقام أبو نعيم المؤذن للصلاة فصلى أبو نعيم بالناس، وأقبل عبادة وأنا معه حتى صففنا خلف أبي نعيم ، و أبو نعيم يجهر بالقراءة، فجعل عبادة يقرأ بأم القرآن، فلما انصرف قلت لعبادة : سمعتك تقرأ بأم القرآن و أبو نعيم يجهر! قال: أجل، صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة، قال: فالتبست عليه القراءة، فلما انصرف أقبل علينا بوجهه وقال: هل تقرءون إذا جهرت بالقراءة؟ فقال بعضنا: إنا نصنع ذلك، قال: فلا، وأنا أقول: ما لي ينازعني القرآن؟! فلا تقرءوا بشيء من القرآن إذا جهرت إلا بأم القرآن) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبادة بن الصامت من طريق أخرى، وهو كالذي قبله، وفيه ذكر المناسبة التي حدّث فيها عبادة بن الصامت بهذا الحديث، وهي أن عبادة أبطأ على الناس، فتقدم المؤذن أبو نعيم فصلى بالناس وجهر بالقراءة لأن الصلاة كانت جهرية، وكان نافع بن محمود مع عبادة بن الصامت فصلى بجانبه، فسمع عبادة بن الصامت وهو يقرأ بالفاتحة في الوقت الذي كان فيه أبو نعيم يجهر بالقراءة، فسأله بعد أن سلم، فذكر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وهو مثل ما تقدم. والمنازعة هي المخالجة والمداخلة.

تراجم رجال إسناد حديث (لا تقرءوا بشيء من القرآن إذا جهرتُ إلّا بأم القرآن)


قوله: [ حدثنا الربيع بن سليمان الأزدي ]. الربيع بن سليمان الأزدي، ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الله بن يوسف ]. هو عبد الله بن يوسف التنيسي، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا الهيثم بن حميد ]. الهيثم بن حميد صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ أخبرني زيد بن واقد ]. زيد بن واقد ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن مكحول عن نافع بن محمود بن الربيع ]. مكحول مر ذكره، ونافع بن محمود بن الربيع مستور، أخرج له البخاري في جزء القراءة و أبو داود و النسائي . [ عن عبادة ]. عبادة مر ذكره. وكون هذه الطريق فيها مستور لا يضر؛ فقد سبقت طرق أخرى من غير هذا المستور.

شرح حديث (لا تقرءوا بشيء من القرآن إذا جهرت إلا بأم القرآن) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن سهل الرملي حدثنا الوليد عن ابن جابر و سعيد بن عبد العزيز و عبد الله بن العلاء عن مكحول عن عبادة رضي الله عنه نحو حديث الربيع بن سليمان ، قالوا: فكان مكحول يقرأ في المغرب والعشاء والصبح بفاتحة الكتاب في كل ركعة سراً، قال مكحول : اقرأ بها فيما جهر به الإمام إذا قرأ بفاتحة الكتاب وسكت سراً، فإن لم يسكت اقرأ بها قبله ومعه وبعده، لا تتركها على كل حال ]. أورد أبو داود حديث عبادة بن الصامت من طريق أخرى، نحو حديث الربيع بن سليمان وفيه أن مكحولاً قال: [ اقرأ بها فيما جهر به الإمام إذا قرأ بفاتحة الكتاب وسكت سراًَ ]. أي: لا تترك قراءة الفاتحة وراء الإمام، فإذا جهر الإمام فإن كان له سكتات اقرأ في السكتات، وإن لم يكن له سكتات فإنه يقرأ والإمام يقرأ، سواء أكان ذلك قبله أم معه أم بعده، فالمهم أن لا يتركها في حال من الأحوال، وله أن يقرأ قبله وقت أن يقرأ الإمام دعاء الاستفتاح، وليس في هذا مسابقة له؛ لأن القراءة مطلوبة، وكونه يقرأ في حال سكوت الإمام ثم يستمع للإمام أفضل. قوله: [ حدثنا علي بن سهل الرملي ]. علي بن سهل الرملي صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي في (عمل اليوم والليلة ). [ حدثنا الوليد ]. الوليد هو ابن مسلم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جابر ]. هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و سعيد بن عبد العزيز ]. هو سعيد بن عبد العزيز الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم وأصحاب السنن. [ و عبد الله بن العلاء ]. عبد الله بن العلاء ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن مكحول عن عبادة ]. مكحول وعبادة مر ذكرهما، و مكحول لم يدرك عبادة ، ففيه انقطاع، لكن الروايات السابقة فيها ذكر الواسطة.
كراهة القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام


شرح حديث (... هل قرأ معي أحد منكم آنفاً ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام. حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن ابن أكيمة الليثي عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال: هل قرأ معي أحد منكم آنفاً؟ فقال رجل: نعم يا رسول الله! قال: إني أقول: ما لي أنازع القرآن؟! قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة من الصلوات حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم) . قال أبو داود : روى حديث ابن أكيمة هذا معمر و يونس و أسامة بن زيد عن الزهري على معنى مالك ] . أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ باب: من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام ]، والمقصود من هذا الإشارة إلى أن من العلماء من قال بأن المأموم لا يقرأ بفاتحة الكتاب في حال الجهر، وقد سبق أن ذكرت أن هناك ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه يقرأ بفاتحة الكتاب في جميع الأحوال. والقول الثاني: إنه لا يقرأ بها في جميع الأحوال، ولا يلزمه ذلك. والقول الثالث: أنه يقرأ في السرية دون الجهرية، وهذه الترجمة هنا تدل على هذا القول. وأورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: [ ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال: هل قرأ معي أحداً منكم آنفا؟ فقال رجل: نعم يا رسول الله! ) ]. وهو مثل ما تقدم عن أبي هريرة، إلا إنه فيما مضى قال: (فلا تقرءوا إلا بفاتحة الكتاب) وهنا قال: [ ( إني أقول: ما لي أنازع القرآن؟ ) ] فانتهى الناس حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم. لكن يمكن أن يحمل ما جاء هنا من الإطلاق على ما جاء عنه فيما تقدم من التقييد، فيكون المقصود من ذلك أن الانتهاء والامتناع إنما يكون في غير الفاتحة، وأما الفاتحة فإنه يقرأ بها، فهنا عندما قال: [ ( ما لي أنازع ) ] قال بعد ذلك: (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب)، فعلى هذا لا يكون في هذا الحديث دليل على أن الفاتحة لا تقرأ؛ لأنه قد ورد في الأحاديث ما يدل على استثناء الفاتحة، وأن المنع إنما هو فيما إذا كان المأموم يقرأ غير الفاتحة، فليس له أن يقرأ في ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وإذا قرأ فأنصتوا) .
تراجم رجال إسناد حديث (... هل قرأ معي أحد منكم آنفاً ...)

قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن ابن أكيمة الليثي ]. قد مر ذكر الجميع إلا ابن أكيمة الليثي، وهو عمارة، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (جزء القراءة) وأصحاب السنن. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره. قوله: [ قال أبو داود : روى حديث ابن أكيمة هذا معمر و يونس و أسامة .. ]. معمر بن راشد الأزدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و يونس بن يزيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أسامة بن زيد ]. هو أسامة بن زيد الليثي، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري على معنى مالك ]. أي أن ما جاء عن الزهري هو بمعنى ما جاء في حديث مالك الذي تقدم في الإسناد السابق.
شرح حديث (هل قرأ معي أحد منكم آنفاً) من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد و أحمد بن محمد المروزي و محمد بن أحمد بن أبي خلف و عبد الله بن محمد الزهري و ابن السرح قالوا: حدثنا سفيان عن الزهري قال: سمعت ابن أكيمة يحدث عن سعيد بن المسيب أنه قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة نظن أنها الصبح. بمعناه إلى قوله: ما لي أنازع القرآن؟) . قال أبو داود : قال مسدد في حديثه: قال معمر : فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن السرح في حديثه: قال معمر عن الزهري : قال أبو هريرة : فانتهى الناس، وقال عبد الله بن محمد الزهري من بينهم: قال سفيان : وتكلم الزهري بكلمة لم أسمعها، فقال معمر : إنه قال: فانتهى الناس. قال أبو داود : ورواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري وانتهى حديثه إلى قوله: (ما لي أنازع القرآن؟) ، ورواه الأوزاعي عن الزهري قال فيه: قال الزهري : فاتعظ المسلمون بذلك، فلم يكونوا يقرءون معه فيما يجهر به صلى الله عليه وسلم. قال أبو داود : سمعت محمد بن يحيى بن فارس قال: قوله: (فانتهى الناس) من كلام الزهري ] . أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: [ ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة نظن أنها الصبح. بمعناه إلى قوله: ما لي أنازع القرآن؟ ) ] أي: بمعنى الحديث المتقدم، ثم ذكر روايات متعددة في بيان أن قوله: [ فانتهى الناس ] من كلام الزهري ، أو من كلام معمر ، وبعضهم قال: إنه من كلام أبي هريرة ، لكن قد سبق عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه غمز ذلك الرجل بيده وقال له: (اقرأ بها في نفسك يا فارسي) فيدل هذا على أن أبا هريرة رضي الله عنه يقول بالقراءة، ويستدل -أيضاً- على ذلك بما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في قسمة الصلاة بين الله تعالى وبين عبده نصفين، وعلى هذا فسواء أكان ذلك من قول أبي هريرة، أم من قول الزهري، أم من قول معمر فإنه يحمل على غير الفاتحة، وأما بالنسبة للفاتحة فقد تقدمت الأحاديث عن أبي هريرة وفيها التنصيص على استثناء الفاتحة.
تراجم رجال إسناد حديث (هل قرأ معي أحد منكم آنفاً) من طريق آخرى

قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ و أحمد بن محمد المروزي ]. أحمد بن محمد المروزي ثقة، أخرج له أبو داود . [ و محمد بن أحمد بن أبي خلف ]. محمد بن أحمد بن أبي خلف ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ و عبد الله بن محمد الزهري ]. عبد الله بن محمد الزهري صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ و ابن السرح ]. ابن السرح مر ذكره. [ حدثنا سفيان ]. سفيان هو ابن عيينة ، وقد مر ذكره. [ عن الزهري سمعت ابن أكيمة عن سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب أحد الثقاة التابعين، وهو أحد الفقهاء السبعة الذي كانوا في عصر التابعين، وهو ثقة، أخرج له الكتاب الستة. قوله: [ قال ابن السرح في حديثه: قال معمر : عن الزهري قال أبو هريرة : فانتهى الناس، وقال عبد الله بن محمد الزهري من بينهم: قال سفيان: وتكلم الزهري بكلمة لم أسمعها، فقال معمر : إنه قال: فانتهى الناس ]. أي أنه اختلف على معمر هل هذا الكلام من كلام الزهري أو من كلام أبي هريرة، وسواء أكان من كلام أبي هريرة أم من كلام الزهري أم من كلام معمر نفسه فإن ذلك الانتهاء يحمل على غير الفاتحة. قوله: [ قال أبو داود : ورواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري ]. عبد الرحمن بن إسحاق صدوق، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم وأصحاب السنن . قوله: [ وانتهى حديثه إلى قوله: [ ( ما لي أنازع القرآن؟ ) ] ورواه الأوزاعي عن الزهري ]. الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ قال فيه: قال الزهري : فاتعظ المسلمون بذلك فلم يكونوا يقرءون معه فيما يجهر به صلى الله عليه وسلم ] أي أنه من كلام الزهري . قوله: [ قال أبو داود : سمعت محمد بن يحيى بن فارس قال: قوله: (فانتهى الناس) من كلام الزهري ] . أورد هذا الكلام عن شيخه محمد بن يحيى بن فارس أن قوله: [ فانتهى الناس ] من كلام الزهري، وهو دائر بين أن يكون من كلام أبي هريرة أو من كلام الزهري، أو من كلام الاثنين. ومحمد بن يحيى بن فارس هو الذهلي، ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. وأما بالنسبة لسكتات الإمام فقد سبق أن مر بنا بعض الأحاديث في سكتات الإمام، وهي من رواية الحسن عن سمرة ، ورواية الحسن عن سمرة -كما هو معلوم- منقطعة، إلّا حديث العقيقة فهو متصل، وأما غيره فلا يصح، فإذا لم تثبت تلك الأحاديث فلا يسكت؛ لعدم وجود شيء ثابت يدل على أن الإمام يسكت ليقرأ الناس الفاتحة، ولكنه إذا سكت ليتأمل ما يريد أن يقرأ به، أو يريد أن يختار شيئاً يقرأ به فلا بأس بذلك، وأما أن يسكت من أجل أن يقرأ الناس الفاتحة فما نعلم شيئاً يدل على ذلك."




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #205  
قديم 16-05-2024, 11:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,829
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [107]
الحلقة (138)

شرح سنن أبي داود [107]

قراءة الفاتحة واجبة في الصلاة على الإمام والمأموم والمنفرد، إلا أنه ينبغي للمأموم ألا يجهر بها حتى يخالج الإمام ويشوش عليه، وإن كان في جهرية فالأولى له أن يقرأها في إحدى سكتات الإمام، فإن لم يتيسر له ذلك جاز له أن يقرأها والإمام يقرأ، ومن كان أمياً أو أعجمياً لا يحسن الفاتحة فعليه أن يقرأ سواها من القرآن، فإن لم يتيسر له ذلك اكتفى بالتسبيح والتهليل والدعاء، وعليه أن يسعى في حفظ الفاتحة بقدر استطاعته.

من رأى القراءة إذا لم يجهر الإمام بقراءته



شرح حديث (قد عرفت أن بعضكم خالجنيها...)

قال المصنَّف رحمة الله عليه: [ باب من رأى القراءة إذا لم يجهر الإمام بقراءته. حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة، ح: وحدثنا محمد بن كثير العبدي أخبرنا شعبة -المعنى- عن قتادة عن زرارة عن عمران بن حصين رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر فجاء رجل فقرأ خلفه بـ: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) فلما فرغ قال: أيكم قرأ؟ قالوا: رجل، قال: قد عرفت أن بعضكم خالجنيها) . قال أبو داود : قال أبو الوليد في حديثه: قال شعبة : فقلت لقتادة : أليس قول سعيد : أنصت للقرآن؟ قال: ذاك إذا جهر به، وقال ابن كثير في حديثه: قال: قلت لقتادة : كأنه كرهه، قال: لو كرهه نهى عنه ]. يقول الإمام أبو داود رحمه الله تعالى: [ باب من رأى القراءة إذا لم يجهر الإمام بقراءته ]. والمقصود من هذه الترجمة أن الإمام إذا أسر القراءة فإن المأموم يقرأ الفاتحة وغيرها ولكنه لا يجهر بحيث يشوش على الإمام وعلى غير الإمام، فليس هناك معارضة أو تنافٍ مع قراءة الإمام، فإذا جهر الإمام فإنه يستمع، وإذا أسر الإمام فليس هناك استماع، فعلى المأموم أن يقرأ الفاتحة وغيرها ولا يسكت، وقد عرفنا فيما مضى إن العلماء اختلفوا في قراءة المأموم الذي يصلي وراء الإمام على ثلاثة أقوال:- القول الأول: أنه يقرأ الفاتحة دون غيرها سواء جهر الإمام أو أسر. والقول الثاني: أنه لا يقرأ في الجهرية ولا في السرية، أي: ليس على المأموم قراءة سواء أسر الإمام أو جهر. والقول الثالث: التفصيل بين السرية والجهرية، فيستمع في الصلاة الجهرية، ويقرأ في الصلاة السرية، لأنه ليس هناك قراءة قرآن حتى يستمع لها. والراجح هو القول الأول الذي يقول بلزوم قراءة الفاتحة على المأموم في جميع الأحوال، سواء أسر الإمام أو جهر، وأما بالنسبة لغير الفاتحة فلا يقرأها في الجهرية، ولكن يقرأها مع الفاتحة في السرية، والدليل على هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب)، أو (إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب) . وقد أورد أبو داود حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر، فجاء رجل وقرأ خلفه: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) ] معنى ذلك أنه سمع صوت قراءته بها. قال: [ (فلما فرغ قال: أيكم قرأ؟ قالوا: رجل. قال: قد عرفت أن بعضكم خالجنيها) ] يعني: نازعني في القراءة، فالمخالجة هي المنازعة في القراءة والمداخلة، وهذا إنما يكون محذوراً وممنوعاً إذا جهر، وأما إذا كانت القراءة بدون جهر فإن هذا لا إشكال فيه، ولا يؤثر على الإمام شيئاً، ولهذا عرف الرسول صلى الله عليه وسلم أن الرجل قرأ بسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]؛ لأنه رفع صوته. قوله: [ قال أبو داود : قال أبو الوليد في حديثه: قال شعبة : فقلت لقتادة : أليس قول سعيد : أنصت للقرآن؟ قال: إنما ذاك إذا جهر به ] أي: وهذه الصلاة سرية، والصلاة السرية يقرأ فيها؛ لأنه ليس فيها قرآن ينصت له، وإنما يكون الإنصات في الصلاة الجهرية، ولا يقرأ إلا الفاتحة، وإن كان الإمام يجهر بالقراءة، فيحاول أن يقرأ في سكتات الإمام، كالسكتة الأولى التي يستفتح بها، وإن وجد غير ذلك من السكتات فإنه يقرأ في ذلك، وإن لم يكن هناك سكوت فإن الفاتحة تقرأ ولو كان الإمام يقرأ؛ لأنه قد جاء استثناؤها عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ وقال ابن كثير في حديثه: قال: قلت لقتادة : كأنه كرهه، قال: لو كرهه نهى عنه ]. ابن كثير هو شيخ أبي داود في الطريق الثانية، وأبو الوليد هو شيخ أبي داود في الطريق الأولى، و ابن كثير هو محمد بن كثير العبدي ، قال: [ قلت لقتادة : كأنه كرهه ] يعني: كره هذا الفعل، قال: [ لو كرهه لنهى عنه ]، والمقصود من ذلك أن القراءة لو كانت منهياً عنها لمنع منها، ولكن الشيء الذي يكره إنما هو الجهر؛ لأن الإمام لا يجهر وكذلك المأموم لا يجهر، فالجهر يحصل به التشويش والمخالجة وانشغال الإمام. وأما أصل القراءة فإنها مشروعة، وقد جاء ما يدل على ذلك عن الصحابة، فجاء أنهم كانوا يقرءون خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام كان يسمعهم الآية أحياناً؛ حتى يعرفوا السورة التي يقرأ بها من أجل أن يقرءوا بها.

تراجم رجال إسناد حديث (قد عرفت أن بعضكم خالجنيها ....)


قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. أبو الوليد الطيالسي : هشام بن عبد الملك الطيالسي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح: وحدثنا محمد بن كثير ]. قوله: [ح] للتحول من إسناد إلى إسناد، ومحمد بن كثير هو العبدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا شعبة المعنى ]. قوله: [المعنى] أي أن هاتين الطريقين لم تتفقا في الألفاظ، وإنما اتفقتا في المعنى مع وجود خلاف في الألفاظ، وهذه الطريقة يستعملها أبو داود رحمه الله عندما يذكر طرقاً متعددة، فيشير إلى أن الاتفاق إنما هو حاصل في المعنى وليس هناك اتفاق في الألفاظ كلها، وإنما هو اتفاق معنىً لا لفظاً. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زرارة ]. هو زرارة بن أوفى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد ذكروا في ترجمته أنه كان أميراً على البصرة فيما يظهر لي، وكان يصلي بالناس، فقرأ سورة المدثر فلما وصل إلى قول الله عز وجل: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ [المدثر:8-9] شهق وخر مغشياً عليه ومات، رحمة الله عليه، وذكره أيضاً ابن كثير في تفسير عند قوله: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ [المدثر:8] . [ عن عمران بن حصين ]. هو عمران بن حصين أبو نجيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ووجه المناسبة بين الترجمة وهذا الحديث أن الباب فيه القراءة إذا أسر الإمام بالقراءة، وهذا فيه أن ذلك المأموم قرأ بـ(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) وراء الإمام، إذاً فالمأموم يقرأ إذا أسر الإمام بالفاتحة وغيرها. وقوله: [(قد عرفت أن بعضكم خالجنيها)] يعني: لكونه سمع صوته، لا لكونه أسر بها، فكلهم يقرءون ويسرون، والمقصود عدم رفع الصوت بالقراءة من قبل المأموم، ولا يلزم أن يقرأ بـ(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى)، فالمخالجة في القراءة هي تداخل القراءات، فيكون هناك تشويش.
إسناد آخر لحديث (قد علمت أن بعضكم خالجنيها) وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن زرارة عن عمران بن حصين رضي الله عنه: (أن النبي الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر، فلما انفتل قال: أيكم قرأ بـ: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى)؟ فقال رجل: أنا، فقال: علمت أن بعضكم خالجنيها) ]. أورد حديث عمران بن حصين رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله. قوله: [ حدثنا ابن المثنى ]. ابن المثنى هو: محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بالزمن ، وهو مشهور بكنيته، ولهذا تجد في (تهذيب التهذيب) عند ذكر الشيوخ والتلاميذ من الرواة يقول: روى عنه أبو موسى ، أو روى عن أبي موسى ، والمقصود به محمد بن المثنى ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فقد رووا عنه مباشرة وبدون واسطة. [ حدثنا ابن أبي عدي ]. ابن أبي عدي هو: محمد بن إبراهيم بن أبي عدي منسوب إلى جده، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد ]. سعيد هو ابن أبي عروبة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة عن زرارة عن عمران بن حصين ]. قد مر ذكرهم.
ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة


شرح حديث (اقرءوا فكل حسن وسيجيء أقوام يقيمونه ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة. حدثنا وهب بن بقية أخبرنا خالد عن حميد الأعرج عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن، وفينا الأعرابي والأعجمي، فقال: اقرءوا فكل حسن، وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح، يتعجلونه ولا يتأجلونه) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [ باب: ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة ]. والأمي: هو الذي لا يقرأ ولا يكتب، والأعجمي: هو غير العربي، لذلك لا يحسن العربية؛ لأنه من العجم، ولغته لغة العجم. وقوله: [ ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة ] يحتمل أن يكون المراد به القرآن الذي يقرأ به وهو يجزئه، أو الذي يجزئ عن القراءة إذا لم يستطع القراءة في الصلاة ولم يكن عنده شيء من القرآن، وكلا الحالتين تكون بالنسبة للأمي والأعجمي، فقد يكون الأمي والأعرابي والأعجمي عندهم شيء من القرآن ولكنهم لا يقيمونه بإتقان وترتيل، ففي هذه الحالة يقرءون على حسب أحوالهم ما دام أنهم يقيمون الحروف ولا يحصل منهم خطأ، ولو لم يكونوا متمكنين من التجويد والترتيل. والحالة الثانية: أن يكون الواحد منهم ليس عنده شيء من القرآن، فما الذي يجزئه بدلاً منه؟ قد وردت في ذلك أحاديث تدل على أن الأعرابي والأعجمي يقرءان على ما يتيسر لهما، وورد أنه إذا لم يكن عنده شيء من القرآن فإنه يحمد الله ويسبحه ويهلله، وورد في هذه الترجمة أحاديث. فقوله: [ ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة ] يحتمل أن يكون المقصود به القرآن حيث يكون عنده شيء من القرآن ولكنه لا يقرأه كما يقرأه المتمكن في قراءته، فهنا يقرأ على حسب حاله، ويحتمل أن يكون ليس عنده شيء من القرآن، فهذا يأتي بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، ويكفيه ذلك عن القرآن، وهذا لا يعني أن الإنسان يكون كذلك باستمرار، ولكن حيث يعجز في الحال عن أن يتعلم شيئاً من القرآن فإنه يأتي بهذه الكلمات ويصلي، كأن يحين وقت الصلاة، أو دخل في الإسلام وهو لا يعرف شيئاً فإنه يصلي، ولكن عليه أن يتعلم. وأورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث، أولها حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: [ (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن، وفينا الأعرابي والأعجمي) ] أي أنهم يقرءون القرآن، ويتفاوتون في قراءته، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [ (اقرءوا فكل حسن) ] يعني ما عند الأعرابي وما عند الأعجمي وما يقدر عليه من القراءة حسن، قال: [ (وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح) ] وهو واحد السهام التي يرمى بها [ (يتعجلونه ولا يتأجلونه) ] يعني أنهم يتقنون القرآن، ويحسنون قراءته، ويتمكنون من ذلك، ولكن همهم الدنيا وليس همهم الآخرة، فيريدون تعجل الثواب دون أن يؤجلوا الثواب، فيكون همهم الفانية وليس همهم الباقية، وليس هذا تزهيداً في إقامة القرآن والعناية به فإن ذلك محمود، ولكن المحذور هو أنهم يجودون القرآن ويتقنونه فيتعجلون الثواب ولا يتأجلونه، فهذا هو المذموم. وأما إقامة القرآن وإتقانه، والحرص على إجادته دون تكلف أو مبالغة فهو أمر مطلوب، فهذا الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم هو إخبار عن أناس هذه صفتهم. وأما من يجيد القرآن ويتقنه ولا يكون همه الدنيا، ولا يكون متعجلاً للثواب، بل قصده أن يقرأ القرآن ويتدبره، ويحصل الأجر فيه بكل حرف واحد عشر حسنات كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا محمود، وإنما المذموم هو أوصاف هؤلاء الذين سيأتون، فهم متمكنون من القرآن، يقيمون حروفه، ويقيمون قراءته ولكنهم لا يعملون به، ويتعجلون الثواب ولا يتأجلونه، أي أن همهم الدنيا وليست همهم الآخرة، إذاً فليس في هذا تزهيد في إقامة القرآن وإتقانه، ولكن الذي لا يصلح هو المبالغة والزيادة التي تخرج عن الحد في قراءة القرآن. وفي هذا الحديث إخبار عن أمور مستقبلة، وكل ما أخر به الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه واقع ولابد؛ لأنه لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام، فهذا إخبار عن قوم سيأتون هذا شأنهم ووصفهم، ولا شك في أن هذا قد وقع، فهناك من يكون عنده إتقان للقرآن ولكن همه الدنيا وليس همه الآخرة، والعياذ بالله.
تراجم رجال إسناد حديث (اقرءوا فكل حسن وسيجيء أقوام يقيمونه ....)

قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. وهب بن بقية هو الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ أخبرنا خالد ]. خالد هو ابن عبد الله الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد الأعرج ]. حميد الأعرج لا بأس به، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن المنكدر ]. محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، الصحابي الجليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقترئ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو و ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن وفاء بن شريح الصدفي عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما أنه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ونحن نقترئ، فقال: الحمد لله، كتاب الله واحد، وفيكم الأحمر، وفيكم الأبيض، وفيكم الأسود، اقرءوه قبل أن يقرأه أقوام يقيمونه كما يقوم السهم، يتعجل أجره ولا يتأجله) ]. أورد أبو داود حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه -وهو مثل حديث جابر المتقدم- أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وفيهم الأحمر والأبيض والأسود، وقال: [(اقرءوه قبل أن يقرأه أقوام يقيمونه كما يقوم السهم)] أي أنه سيأتي أناس هذا شأنهم، فلا يكن شأن أحد منكم مثلهم، فهو مثل حديث جابر بن عبد الله المتقدم، وزاده توضيحاً بذكر التعجل والتأجل، أي: يتعجلون أجره وثوابه، ولا يتأجلونه، أي: يريدون الدنيا ولا يريدون الآخرة، ويريدون العاجلة ولا يريدون الآخرة. ولا يفهم من هذه العبارة أن المراد تعجلهم بقراءة القرآن دون العمل بمقتضى القرآن، فالحديث واضح في بيان أن التعجل هو للأجر.
تراجم رجال إسناد حديث (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقترئ ...)

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الله بن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عمرو ]. هو عمرو هو ابن الحارث المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و ابن لهيعة ]. ابن لهيعة هو عبد الله بن لهيعة المصري، وهو صدوق، احترقت كتبه فاختلط، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة ، وأما النسائي فما كان يحدث عنه، بل إذا جاء ذكره في مثل هذا الإسناد الذي فيه القرن بينه وبين غيره يقول النسائي : حدثنا فلان ورجل آخر، فيبهمه ولا يحذفه؛ لأن في الإسناد رجلين، فهو لا يخرج لهذا الرجل انفراداً، فيحافظ على الإسناد مع إبهام الثاني وهو ابن لهيعة كما هنا. [ عن بكر بن سوادة ]. هو بكر بن سوادة المصري أيضاً، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن وفاء بن شريح الصدفي ]. وفاء بن شريح الصدفي مصري أيضاً، وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن سهل بن سعد الساعدي ]. سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وكون وفاء بن شريح مقبول لا يؤثر في الحديث؛ لأنه بمعنى الحديث المتقدم.
شرح حديث (إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً فعلمني ما يجزئني منه...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح حدثنا سفيان الثوري عن أبي خالد الدالاني عن إبراهيم السكسكي عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً فعلمني ما يجزئني منه، قال: قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال: يا رسول الله! هذا لله عز وجل فما لي؟ قال: قل: اللهم ارحمني، وارزقني، وعافني، واهدني. فلما قام قال هكذا بيده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد ملأ يده من الخير) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! إنني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً فعلمني ما يجزئني منه. وليس معنى ذلك أنه لا يستطيع أن يأخذ من القرآن شيئاً أبداً، ولكنه لعله في ذلك الحال لا يستطيع، ويريد أن يصلي، فيريد من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه شيئاً يجزئه عن القراءة حتى يتمكن من أن يأخذ شيئاً، والذي يستطيع أن يعرف هذه الكلمات فإنه يمكنه أن يتعلم الفاتحة، فالمقصود هو التمكن من الإتيان بالصلاة قبل أن يتعلم. وقوله: [ما يجزئني منه] أي: عنه، وليس جزءاً منه، فالرسول صلى الله عليه وسلم علمه شيئاً غير القرآن وهو التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد، فكلمة ( منه ) تعني: بدلاً عنه، أي: يعلمه شيئاً يقوم مقام القرآن في حال قيامه. وكلمة ( منه ) تأتي بهذا المعنى وهو البدل، ومنه قول الله عز وجل: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ [الأنبياء:42] أي: بدل الرحمن، والمراد: من الذي يفعل هذا غير الرحمن؟ فليس هناك أحد غير الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يكلؤكم. ومنه قول الشاعر: جارية لم تأكل المرققا ولم تذق من البقول الفستقا. يعني: بدل البقول. وليس معنى ذلك أنه يستمر دائماً وأبداً لا يتعلم شيئاً من القرآن ويأتي بهذه الكلمات. قوله: [هذه لربي] أي: هذا كله ثناء على الله عز وجل وليس فيه سؤال ولا طلب شيء لي، فما لي؟ قال: [(قل: اللهم ارحمني وارزقني، وعافني، واهدني)] وهذه كلها مطالب وأسئلة من الله عز وجل تعود عليه، فقوله: (اللهم ارحمني) يطلب منه الرحمة، (وارزقني) يطلب منه الرزق الحلال، (وعافني) يطلب منه العافية والسلامة، (واهدني) أي: ثبتني على الهدى الحاصل، وزدني من الهدى، فهو يطلب التثبيت على ما قد حصل، ويطلب المزيد مما لم يحصل من الهداية، ولهذا نجد في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7] أنهم طلبوا الهداية من ناحيتين: التثبيت على الهداية الحاصلة، وطلب المزيد من الهداية. وفي قوله: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ [محمد:17] فهذا فيه التثبيت على ما هو حاصل، والمزيد مما لم يحصل. قوله: [(فلما قام)] أي: السائل أو الرجل [(قال هكذا بيده)] وقال هنا بمعنى (فعل)، أي: فعل بيده هكذا، ففيه الإتيان بالقول بدل الفعل، يعني: قال بيده هكذا. يعني: قبضها، كأنه قبض هذه الأشياء التي عدها وأمسكها حفظها وأبقى عليها، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(أما هذا فقد ملأ يده من الخير)] .

تراجم رجال إسناد حديث (إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً فعلمني ما يجزئني منه...)


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].عثمان بن أبي شيبة الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا وكيع بن الجراح ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان الثوري ]. سفيان الثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي خالد الدالاني ]. أبو خالد الدالاني هو يزيد بن عبد الرحمن ، صدوق يخطئ كثيراً، أخرج له أصحاب السنن . [ عن إبراهيم السكسكي ]. إبراهيم السكسكي ، هو إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي وهو صدوق ضعيف الحفظ، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي ، ولا يؤثر كونه سيء الحفظ، فقد احتج به البخاري . [ عن عبد الله بن أبي أوفى ]. هو عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح أثر (كنا نصلي التطوع ندعو قياماً وقعوداً ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع أخبرنا أبو إسحاق -يعني الفزاري - عن حميد عن الحسن عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (كنا نصلي التطوع ندعو قياماً وقعوداً، ونسبح ركوعاً وسجوداً) ] . أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر قال: [كنا نصلي التطوع فندعو قياماً وقعوداً، ونسبح ركوعاً وسجوداً] يعني أنهم كانوا يدعون في حال قيامهم بدل القرآن أو مع القرآن، لكن الحديث لم يثبت؛ لأن فيه انقطاعاً، ومع هذا هو موقوف على جابر ، وليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد جاءت نصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أنه لابد من قراءة الفاتحة، فهذا الحديث مع ضعفه مخالف للأحاديث التي فيها إيجاب قراءة القرآن في الصلاة.
تراجم رجال إسناد حديث (كنا نصلي التطوع ندعو قياماً وقعوداً ...)

قوله: [ حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ]. أبو توبة الربيع بن نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ أخبرنا أبو إسحاق -يعني الفزاري- ]. أبو إسحاق الفزاري هو: إبراهيم بن محمد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد مر ذكره. ولم يسمع الحسن من جابر، فهو منقطع، ومع ذلك هو موقوف على جابر ، فهو حديث لا يثبت، وهو مع ذلك معارض للأحاديث التي فيها لزوم القراءة في حال القيام، وإنما يكون الدعاء في حق من لم يقدر على القراءة، وذلك بصورة مؤقتة كما سبق في الحديث الذي قبل هذا، أما أن يكون عملهم في حال القيام الدعاء بدل القراءة فهذا لم يثبت .
شرح أثر قراءة الحسن للفاتحة مع التسبيح والتكبير والتهليل

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حميد مثله، لم يذكر التطوع قال: كان الحسن يقرأ في الظهر والعصر إماماً أو خلف إمام بفاتحة الكتاب، ويسبح ويكبر ويهلل قدر ( ق ) و ( الذاريات ) ]. أورد أبو داود الحديث عن جابر وقال: [مثله] يعني: مثل ما تقدم، وزاد : [ الحسن يقرأ في الظهر والعصر إماماً أو خلف إمام بفاتحة الكتاب، ويسبح ويكبر ويهلل قدر ( ق ) و( الذاريات ) ]، وهذا فيه تنصيص على أنه يقرأ الفاتحة، ويسبح ويكبر قدر قراءة (ق) والذاريات، وهذا شيء كثير في حال القيام، وهذا الإسناد متصل إلى الحسن من فعله، فهو ثابت عنه، ولكن لا حجة فيه؛ لأن الحجة إنما تكون بما جاء عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد أثر قراءة الحسن للفاتحة مع التسبيح والتكبير والتهليل

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد هو ابن سلمة، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن حميد ]. حميد هو ابن أبي حميد الطويل، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ مثله ]. قوله: [مثله] أي: مثل ما تقدم عن الحسن عن جابر، وبعد ذلك قال: [وكان الحسن ...] وهو ثابت إلى الحسن، فتبين من ذلك أن الحديث المرفوع لم يثبت رفعه، وأن الصواب فيه أنه من فعل الحسن، فقد كان يدعو طويلاً قدر (ق) والذاريات، وهذا -كما قلنا- ثابت إلى الحسن."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #206  
قديم 16-05-2024, 11:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,829
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [108]
الحلقة (139)

شرح سنن أبي داود [108]

الصلاة عبادة عظيمة شرع لها الله تعالى من الأحكام ما يخصها ويرفع قدرها، ومن تلك الأحكام مشروعية التكبير فيها عند كل خفض ورفع، إلا في الرفع من الركوع، ومن أحكامها كذلك كيفية الهوي إلى السجود، وعلى أي عضو يعتمد المرء من يديه وركبتيه، وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بها.

تمام التكبير


شرح حديث (صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب فكان إذا سجد كبر وإذا رفع كبر ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تمام التكبير. حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن غيلان بن جرير عن مطرف أنه قال: (صليت أنا و عمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه فكان إذا سجد كبر، وإذا ركع كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر، فلما انصرفنا أخذ عمران بيدي وقال: لقد صلى هذا قبل -أو قال: لقد صلى بنا هذا قبل- صلاة محمد صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب تمام التكبير]، يعني أنه يؤتى بالتكبير في جميع الأحوال التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي عند كل خفض ورفع في الصلاة، إلا عند القيام من الركوع فيقال: (سمع الله لمن حمده) وإلا عند التسليم فيقال: (السلام وعليكم ورحمة الله)، وما عدا ذلك فكله تكبير، فهناك تكبيرة الإحرام، والتكبير عند الركوع، وعند السجود، وعند القيام من السجدة الأولى، وعند السجدة الثانية، وعند القيام من السجدة الثانية، ففي كل ذلك تكبير، وهذا هو تمام التكبير، فيؤتى به في جميع الأحوال، ويؤتى به في كل الانتقالات من ركن إلى ركن، في الانتقال من القيام إلى الركوع، ومن القيام إلى السجود، ومن القيام من السجود، ومن السجود بعد الجلوس، ومن القيام بعد السجدة الثانية، فهذا المقصود بتمام التكبير، أي أنه يؤتى به في جميع المواضع التي ورد فيها، فيكون في الفجر إحدى عشرة تكبيرة؛ لأن كل ركعة فيها خمس، وتكبيرة الإحرام هي الحادية عشرة، وصلاة المغرب فيها سبع عشرة تكبيرة، فهي ثلاث ركعات، وكل ركعة فيها خمس تكبيرات، وتكبيرة الإحرام، وتكبيرة القيام من التشهد الأول، والصلوات الرباعيات كل صلاة فيها اثنتان وعشرون تكبيرة، فتكون تكبيرات الصلوات الخمس في اليوم والليلة أربعاً وتسعين تكبيرة، وصيغة التكبير: (الله أكبر)، فهذا هو تمام التكبير، فيؤتى به في جميع المواضع. وقد ذكر المصنف هنا تمام التكبير، وسيأتي أن هناك حذف التكبير في بعض المواضع، وأنه لا يؤتى به، لكن لعل ذاك محمول على أن فيه إخفاء التكبير، لا أن يحذف كله ولا يؤتى به. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عمران بن حصين أن علياً رضي الله عنه صلى بهم صلاة فكان إذا سجد كبر، يعني: إذا هوى من القيام إلى السجود كبر. قوله: [وإذا ركع كبر] أي أنه يكبر عندما يكون قائماً، ويكبر بعدما يرفع من الركوع، ويكبر عند الهوي للسجود. قوله: [وإذا نهض من الركعتين كبر] يعني بذلك القيام من التشهد الأول. قوله: [ قال مطرف : فلما انصرفنا أخذ عمران بيدي وقال: لقد صلى هذا قبل -أو قال: لقد صلى بنا هذا قبلُ- صلاة محمد صلى الله عليه وسلم ]. أي: لقد صلى بنا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، أي أنها مشتملة على التكبير.

تراجم رجال إسناد حديث (صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب فكان إذا سجد كبر وإذا ركع كبر ...)


قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد هو ابن زيد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وإذا روى سليمان عن حماد وهو غير منسوب فالمراد به حماد بن زيد ، وهذا عكس موسى بن إسماعيل التبوذكي ، فإنه إذا روى عن حماد غير منسوب فهو حماد بن سلمة . [ عن غيلان بن جرير ]. غيلان بن جرير، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مطرف ]. هو مطرف بن عبد الله بن الشخير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمران بن حصين ]. عمران بن حصين رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث من مسند عمران بن حصين؛ لأنه قال: إن صلاة علي هذه هي صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم، أي أن صفة الصلاة هذه كصفة صلاة رسول الله، فالذي رفعه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام هو عمران بن حصين رضي الله عنه.
شرح حديث بيان صلاة أبي هريرة وتشبيهها بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا أَبي و بقية عن شعيب عن الزهري أنه قال: أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن و أبو سلمة : (أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها، يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، ثم يقول: ربنا ولك الحمد قبل أن يسجد، ثم يقول: الله أكبر حين يهوي ساجداً، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يقوم من الجلوس في اثنتين، فيفعل ذلك في كل ركعة حتى يفرغ من الصلاة، ثم يقول حين ينصرف: والذي نفسي بيده إني لأقربكم شبهاً بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا). قال أبو داود : هذا الكلام الأخير يجعله مالك و الزبيدي وغيرهما عن الزهري عن علي بن حسين ، ووافق عبد الأعلى عن معمر شعيب بن أبي حمزة عن الزهري ] . أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه أنه صلى بالناس وكان يكبر حين يقوم - أي: تكبيرة الإحرام -، ويكبر حين يركع، ويكبر حين يسجد، ويكبر حين يقوم من السجود، ويكبر حين يسجد، ويكبر حين يقوم، ثم عند القيام من الركعتين -أي: في الصلاة الثلاثية والرباعية-، ثم يقول: إني أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا فيه تمام التكبير الذي أشار إليه المصنف، وهو الإتيان به في المواضع كلها. وقد اتفق العلماء على أن تكبيرة الإحرام لابد منها، بل إن الصلاة لا تنعقد بدونها، وقد قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحريمها التكبير)، فالإنسان لا يكون داخلاً في الصلاة إلا إذا كبر، ولا يصح أن يدخل في الصلاة بدون تكبيرة الإحرام. وأما التكبيرات الأخرى -وهي تكبيرات الانتقال- فقد اختلف فيها العلماء، فمنهم من قال باستحبابها، ومنهم من قال بوجوبها، وأما التكبيرة الأولى وهي تكبيرة الإحرام فهي ركن لابد منه، فكان أبو هريرة رضي الله عنه يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها، أي: في الفرائض والنوافل. قوله: [يكبر حين يقوم] يعني تكبيرة الإحرام، والمراد: عندما يكون قائماً، وليس المقصود أنه عندما يقوم من السجود أو غيره؛ لأن هذا القيام في أول الصلاة فمن أين يقوم؟! والمقصود: حين يكون قائماً، فإذا أراد أن يدخل في الصلاة كبر. وقوله: [ثم يكبر حين يركع] أي: حين يوجد منه الهوي للركوع. وقوله: [ثم يقول: سمع الله لمن حمده] أي: عندما يقوم من الركوع، فليس هناك تكبير في هذا المقام، وإنما فيه التسميع. وقوله: [ثم يقول: ربنا ولك الحمد قبل أن يسجد] أي: في حال قيامه بعد الركوع وقبل السجود. وقوله: [ثم يقول: الله أكبر حين يهوي ساجداً] أي: يكبر حين يهوي، فلا يكبر وهو قائم ثم يسجد، ولا يكبر وهو ساجد على الأرض، وإنما يكون ذلك حين يهوي. وقوله: [ثم يكبر حين يرفع رأسه] أي: من السجود في السجدة الأولى. وقوله: [ثم يكبر حين يسجد] أي: السجدة الثانية. وقوله: (ثم يكبر حين يرفع رأسه) أي: من السجدة الثانية. وقوله: [ثم يكبر حين يقوم من الجلوس في اثنتين، فيفعل ذلك في كل ركعة حتى يفرغ من الصلاة] أي أن كل ركعة فيها خمس تكبيرات: تكبيرة عند الركوع، وتكبيرة عند السجود، وتكبيرة عند القيام من السجود، وتكبيرة عند القيام من السجود، وتكبيرة عند السجود الثاني، وتكبيرة عند الرفع من السجدة الثانية، ويضاف إلى ذلك تكبيرة الإحرام، وتكبيرة القيام من الركعتين بالنسبة للصلاة الثلاثية والرباعية. ثم قال أبو هريرة: [إني أقربكم شبهاً بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم]. ومقصود أبي هريرة رضي الله عنه من قسمه بأنه أشبههم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم تنبيههم إلى أن يعرفوا أن هذه الهيئة في الصلاة التي صلاها هي هيئة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون بذلك حاثاً لهم على أن يتأملوا في أفعاله وفي صلاته؛ لأنه يصلي كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس المقصود من ذلك التمدح والثناء، وإنما يقصد بذلك حثهم وإخبارهم بأن هذه الهيئة التي فعلها هي صفة صلاة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وقوله: [إن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا] يعني أنه استمر على ذلك، وبهذه الهيئة التي فيها هذه التكبيرات، وبهذه الكيفية التي صلاها بهم أبو هريرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته وعليه.

تراجم رجال إسناد حديث صلاة أبي هريرة وتشبيهها بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم


قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ]. عمرو بن عثمان هو: عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا أبي ]. هو عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و بقية ]. بقية هو بقية بن الوليد وهو صدوق كثير الرواية عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن شعيب ]. شعيب هو ابن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن ]. هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، والفقهاء السبعة كانوا في المدينة في عصر التابعين، ستة منهم متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه خلاف على أقوال ثلاثة، والستة المتفق على عدهم من الفقهاء السبعة هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، و خارجة بن زيد بن ثابت ، و سعيد بن المسيب ، و القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، و سليمان بن يسار ، وعروة بن الزبير بن العوام ، فهؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وأما السابع ففيه ثلاثة أقوال: فقيل: هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المذكور هنا، وقيل: هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وقد جاء هنا في نفس الإسناد مع أبي بكر بن عبد الرحمن ، والقول الثالث أنه سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعلى هذا فأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أحد فقهاء المدينة السبعة الذين اشتهروا بهذا اللقب على اختلاف فيه، وليس متفقاً عليه، وهؤلاء الفقهاء السبعة يذكرون بهذا اللقب فيغني ذلك عن عدهم، كما يذكر ذلك في بعض المسائل الفقهية كمسألة زكاة عروض التجارة، فعندما يذكر العلماء الكلام عليها يقولون: وقد قال بها الأئمة الأربعة، والفقهاء السبعة. فالأئمة الأربعة هم أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة : أبو حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد ، والفقهاء السبعة هم هؤلاء السبعة الذين مرّ ذكرهم. وقد اجتمع في هذا الإسناد اثنان من الذين اختلف في عدهم في الفقهاء السبعة، وهم أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، و أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وكل منهما ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة و ابن عمر و ابن عباس و أبو سعيد و أنس و جابر وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، فهم ستة رجال وامرأة واحدة، وهؤلاء السبعة هم الذين رووا الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ قال أبو داود : هذا الكلام الأخير يجعله مالك و الزبيدي وغيرهما عن الزهري عن علي بن الحسين ]. يعني بذلك قوله: [إن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا] حيث يجعله مالك و الزبيدي وغيرهما عن الزهري عن علي بن الحسين . و مالك بن أنس رحمة الله عليه هو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة المعروفة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. و الزبيدي هو محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن الزهري عن علي بن الحسين ]. الزهري مر ذكره. وعلي بن حسين هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب زين العابدين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ ووافق عبد الأعلى عن معمر شعيب بن أبي حمزة عن الزهري ]. أي أن عبد الأعلى هو الذي وافق شعيب بن أبي حمزة في الرواية، فعبد الأعلى عن معمر عن الزهري ، و شعيب عن الزهري ، فوافق عبدَ الأعلى عن معمر شعيباً عن الزهري وهذه الموافقة في كون الزهري يروي عن شيخين، وهما أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام و أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، فهذا هو المقصود بالموافقة، فقد جاء عن الزهري أنه روى عن أبي بكر بن عبد الرحمن وحده، وجاء عنه -أيضاً- أنه روى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وحده، ولكن جاء عن عبد الأعلى عن معمر عن الزهري مثل ما جاء عن شعيب بن أبي حمزة عن الزهري في أن الزهري يروي عن شيخين وهما: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، و أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف . و عبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و معمر هو معمر بن راشد الأزدي البصري، ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وشعيب والزهري مر ذكرهما في الإسناد السابق.

شرح حديث ابن أبزى أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لا يتم التكبير

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار و ابن المثنى قالا: حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن الحسن بن عمران -قال ابن بشار : الشامي ، وقال أبو داود : أبو عبد الله العسقلاني- عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه رضي الله عنه: (أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لا يتم التكبير) . قال أبو داود : معناه: إذا رفع رأسه من الركوع وأراد أن يسجد لم يكبر، وإذا قام من السجود لم يكبر ] . أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن أبزى [أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لا يتم التكبير]، وهذا يخالف ما تقدم عن أبي هريرة من إتمام التكبير، والإتيان بالتكبيرات عند كل خفض ورفع، وقد ترجم له أبو داود فقال: [باب تمام التكبير]، وهذا الحديث فيه عدم إتمام التكبير، أي: حذف شيء منه وعدم الإتيان به، فيحمل هذا الحديث -لو صح- على إخفائه، وأنه كان لا يظهره في هذين الموضعين الذين أشار إليهما أبو داود وهما: إذا سجد، وإذا قام من السجود، ففي هاتين الحالتين كان لا يتم التكبير، لكن الحديث غير صحيح؛ لأن في إسناده من هو ضعيف، وعلى هذا فلا يثبت، والمعتمد في ذلك ما جاء في حديث أبي هريرة ، وحديث علي الذي قبله رضي الله تعالى عنهما، وفي ذلك إتمام التكبير، والإتيان بالتكبيرات كلها، ولو صح حديث عبد الرحمن بن أبزى لأمكن حمله على إخفائه وعدم إظهاره كما ينبغي، وليس المقصود أن يتركه ولا يأتي به، وعلى كل فالحديث ضعيف من أجل أحد رواته، وهو الحسن بن عمران ، فهو لين الحديث.
تراجم رجال إسناد حديث ابن أبزى أنه صلى مع رسول الله وكان لا يتم التكبير

قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. محمد بن بشار هو الملقب ببندار البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فقد رووا عنه مباشرة بلا واسطة. [وابن المثنى] هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بالزمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. فهذان الشيخان هما من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وهم: البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة ، وهما من شيوخ البخاري الصغار، وقد ماتا في سنة واحدة، وذلك قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، وقد كان ذلك في سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وتوفي البخاري سنة ست وخمسين ومائتين. وممن كان من شيوخ أصحاب الكتب الستة ومات في السنة التي ماتا فيها: يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، فهؤلاء الثلاثة من صغار شيوخ البخاري ، وهم شيوخ لأصحاب الكتب الستة كلهم، وقد مات الثلاثة قبل وفاة البخاري بأربع سنين. وقد قال الحافظ ابن حجر لما ذكر ترجمة محمد بن المثنى : وكان هو و بندار كفرسي رهان، وماتا في سنة واحدة. يعني أنهما متماثلان في أمور كثيرة: فهما متفقان في الشيوخ والتلاميذ، وهما من أهل البصرة، وماتا في سنة واحدة وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين. [حدثنا أبو داود ]. أبو داود هو سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة. [ حدثنا شعبة ]. شعبة هو ابن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن بن عمران ]. الحسن بن عمران لين الحديث، أخرج حديثه أبو داود وحده. قوله: [ قال ابن بشار : الشامي ، وقال أبو داود: أبو عبد الله العسقلاني ]. أي أن ابن بشار شيخ أبي داود الأول من الشيخين أضاف في إسناده وفي ذكر هذا الشيخ الذي هو الحسن بن عمران فقال: [الشامي] أي أن محمد بن المثنى في إسناده قال: الحسن بن عمران الشامي. و أبو داود قال في إسناده: [العسقلاني]. فذكر كنيته أبا عبد الله، وذكر نسبته وهي العسقلاني، وليس بينها وبين الشامي فرق؛ لأن عسقلان من بلاد الشام، فالشامي نسبة عامة والعسقلاني نسبة خاصة، فقال ابن بشار : [الشامي]، وقال أبو داود: [أبو عبد الله العسقلاني]، لكن يشكل على هذا الكلام أن محمد بن بشار يروي هنا عن أبي داود، فهو شيخه، فلا أدري هل هذا الكلام صحيح، وعلى كل فهذه النسبة هي زيادة إيضاح لهذا الرجل وهو الحسن بن عمران ، ففي الأول ذكر نسبته إلى الشام، وفي الثاني ذكر نسبته إلى عسقلان، وذكر بكنيته وهي أبو عبد الله ، والحديث ضعيف بسبب الحسن بن عمران هذا. [ عن ابن عبد الرحمن بن أبزى ]. ابن عبد الرحمن بن أبزى هو سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه هو عبد الرحمن بن أبزى رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #207  
قديم 16-05-2024, 11:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,829
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

كيف يضع ركبتيه قبل يديه


شرح حديث (رأيت النبي إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه. حدثنا الحسن بن علي و حسين بن عيسى قالا: حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر رضي الله عنه أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه) ] . أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب: كيف يضع ركبتيه قبل يديه] وعقد الترجمة لوضع الركبتين قبل اليدين، وصدر ذلك بقوله: [كيف] وأورد تحت هذه الترجمة حديثاً عن وائل بن حجر فيه تقديم الركبتين على اليدين، وأورد حديثاً عن أبي هريرة في تقديم اليدين على الركبتين، وقد اختلف العلماء في ذلك: فمن العلماء من قوى حديث وائل بن حجر فقال بتقديم الركبتين على اليدين، ومنهم من قوى حديث أبي هريرة رضي الله عنه -الذي سيأتي- فقال بتقديم اليدين على الركبتين، وكلا القولين مبني على تصحيح الحديث، فالذين قالوا بتقديم الركبتين على اليدين صححوا حديث وائل بن حجر، والذين قالوا بتقديم اليدين على الركبتين صححوا حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وكلا الحديثين فيه كلام، فمن العلماء من قدح في هذا، ومنهم من قدح في هذا، ولكن ذكر بعض أهل العلم -كشيخ الإسلام ابن تيمية- أن الصلاة بكليهما جائزة باتفاق العلماء، وإنما اختلفوا في الأفضل. إذاً: فالاختلاف إنما هو في الأفضل، ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله في فتاواه: والأمر في ذلك واسع، فله أن يقدم اليدين على الركبتين، وله أن يقدم الركبتين على اليدين. وهو يرجح القول بتقديم الركبتين على اليدين، وقال: إنه أصح قولي العلماء في ذلك، وعلى هذا فمن صح عنده حديث أبي هريرة، وأخذ بموجبه فقد أخذ بدليل، ومن صح عنده حديث وائل بن حجر فأخذ به فقد أخذ بدليل، وإن لم يترجح للإنسان ذلك وأخذ بأي واحد منهما فإن الكل جائز باتفاق العلماء كما حكى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وكما ذكر ذلك الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه. ثم إن الترجمة التي أوردها أبو داود -وهي قوله: كيف يضع ركبتيه قبل يديه- قد يكون فيها إشارة إلى اختياره تقديم الركبتين على اليدين، فقد ذكر الحديث الذي فيه تقديم الركبتين على اليدين، والحديث الذي فيه تقديم اليدين على الركبتين، لكنه ترجم بتقديم الركبتين على اليدين وقال: [باب: كيف يضع ركبتيه قبل يديه؟] فيفهم منه أنه يقول بذلك، ثم هذا الاستفهام في الترجمة -وهو قوله: كيف يضع- لعله متجه إلى الهيئة التي يكون عليها تقديم الركبتين على اليدين، فتقديم الركبتين على اليدين قد يكون كما ينبغي، وذلك بأن يضع الركبتين قبل اليدين بهدوء ويسر وسهولة، وقد يكون فيه محذور، وذلك لو قدم الركبتين وهوى وضرب بهما على الأرض فإنه يصدر لهما صوت مثل الصوت الذي يصدر من البعير إذا نزل بركبتيه على الأرض، فإذا كان النزول بهذه الهيئة التي تشبه فعل البعير فإنه يكون ممنوعاً، وأما إذا كان النزول بيسر وسهولة بحيث تصل الركبتان إلى الأرض دون أن يصدر لهما صوت فهو جائز. ثم ذكر حديث وائل بن حجر قال: [(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد)] أي: إذا أراد أن يسجد [وضع ركبتيه قبل يديه] أي: تصل الركبتان إلى الأرض أولاً، ثم تصل اليدان، ثم يصل الوجه، وإذا قام رفع رأسه، ثم يديه، ثم ركبتيه، فيكون ذلك على عكس ما حصل في الأول، فهذا هو مقتضى حديث وائل بن حجر، وقد صححه جماعة من أهل العلم، وقال بمقتضاه أكثر أهل العلم، أي أن جمهور العلماء على تقديم الركبتين على اليدين.

تراجم رجال إسناد حديث (رأيت النبي إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه...)


قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي. [ و حسين بن عيسى ]. حسين بن عيسى صدوق، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي. [ حدثنا يزيد بن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وقد تغير حفظه لما ولي القضاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة. [ عن عاصم بن كليب ]. عاصم بن كليب صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة. [ عن أبيه ]. أبوه هو كليب بن شهاب، وهو صدوق أيضاً، أخرج حديثه البخاري في (جزء رفع اليدين) وأصحاب السنن الأربعة. [ عن وائل بن حجر ]. هو وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في (جزء القراءة) و مسلم وأصحاب السنن الأربعة. وقد تكلم بعضهم في حديث وائل بن حجر من أجل شريك بن عبد الله النخعي الكوفي، فهو صدوق يخطئ كثيراً، وقد تغير لما ولي القضاء، إلا أن يزيد بن هارون الواسطي الذي روى عنه هنا إنما روى عنه قديماً قبل أن يلي القضاء، فإذا كان الأمر كذلك فإن هذا التعليل يزول، ويقوى ما قاله بعض أهل العلم من تصحيح الحديث، والاعتماد على رواية شريك، على أنه قد جاء له بعض المتابعات والشواهد، وسيأتي عند أبي داود رحمه الله ذكر إسنادٍ آخر إلى وائل بن حجر ، وفيه انقطاع بين ابنه عبد الجبار وبينه، ولكنه يقوي تلك الطريق التي فيها شريك بن عبد الله النخعي الكوفي.

شرح حديث (... فلما سجد وقعتا ركبتاه إلى الأرض قبل أن تقع كفاه)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن معمر حدثنا حجاج بن منهال حدثنا همام حدثنا محمد بن جحادة عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ... فذكر حديث الصلاة، قال: (فلما سجد وقعتا ركبتاه إلى الأرض قبل أن تقع كفاه). قال همام: وحدثني شقيق حدثني عاصم بن كليب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا، وفي حديث أحدهما -وأكبر علمي أنه في حديث محمد بن جحادة -: (وإذا نهض نهض على ركبتيه، واعتمد على فخذيه) ]. أورد أبو داود حديث وائل بن حجر رضي الله عنه من طريق أخرى، وهي مثل التي قبلها. وقوله: [(فلما سجد وقعتا ركبتاه)] فيه جمع بين الضمير والاسم الظاهر، وهذه اللغة تسمى: ( لغة أكلوني البراغيث )، وقد جاءت في القرآن وفي السنة، فمما جاء في القرآن قول الله عز وجل: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأنبياء:3]، ففيه الجمع بين الاسم الظاهر والضمير. وفي الحديث: (يتعاقبون فيكم ملائكة)، فجمع بين الضمير والاسم الظاهر. واللغة المشهورة هي عدم الجمع بين الضمير والاسم الظاهر، فيقال: وقعت ركبتاه. قوله: [ حدثنا محمد بن معمر ]. محمد بن معمر هو البحراني، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فقد رووا عنه مباشرة وبدون واسطة. [ حدثنا حجاج بن منهال ]. حجاج بن منهال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا همام ]. هو همام بن يحيى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن جحادة ]. محمد بن جحادة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الجبار بن وائل ]. عبد الجبار بن وائل ثقة، أرسل عن أبيه، أي أنه لم يسمع من أبيه، فروايته عنه مرسلة. و وائل بن حجر مر ذكره. وهذا الإسناد ليس فيه إلا إرسال عبد الجبار عن أبيه، ولكن هذه الطريق التي فيها الإرسال تقوي تلك الطريقة السابقة التي فيها شريك بن عبد الله النخعي الكوفي. قوله: [ قال همام: وحدثني شقيق حدثني عاصم بن كليب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا ]. ذكر أبو داود هنا طريقاً أخرى ولكنها مرسلة، أي: ليس فيها ذكر وائل بن حجر، وإنما يرويها همام عن شقيق عن عاصم بن كليب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو مرسل؛ لأن كليب بن شهاب -وهو والد عاصم - من التابعين وليس من الصحابة. قوله: [ قال همام ]. همام مر ذكره. [ وحدثني شقيق ]. شقيق هو أبو الليث، وهو مجهول، أخرج له أبو داود وحده. [ عن عاصم بن كليب عن أبيه ]. عاصم بن كليب وأبوه مر ذكرهما. قوله: [ وفي حديث أحدهما -وأكبر علمي أنه في حديث محمد بن جحادة (وإذا نهض نهض على ركبتيه، واعتمد على فخذه) ] أي: رفع يديه قبل ركبتيه، فيكون مطابقاً لحديث وائل بن حجر المتقدم من طريق شريك، ففيه أنه يرفع اليدين قبل الركبتين، وهنا قال: [(نهض على ركبتيه، واعتمد على فخذه)] أي أنه رفع يديه قبل ركبتيه، ثم اعتمد على ركبتيه بعد أن رفع يديه. يقول أبو داود: إنه في أحد الطريقين: إما الطريق المرسلة، وإما الطريق التي فيها انقطاع بين عبد الجبار وأبيه، وأغلب ظني أنه في الطريقين الأولى التي فيها محمد بن حجادة.

تراجم رجال إسناد حديث (... فلما سجد وقعتا ركبتاه إلى الأرض قبل أن تقع كفاه)

قوله: [ حدثنا محمد بن معمر ]. محمد بن معمر هو البحراني وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فقد رووا عنه مباشرة وبدون واسطة. [ حدثنا حجاج بن منهال ]. حجاج بن منهال ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا همام ]. همام بن يحيى وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن جحادة ]. محمد بن جحادة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الجبار بن وائل ]. عبد الجبار بن وائل وهو ثقة، أرسل عن أبيه، أي: أنه لم يسمع من أبيه، فروايته عنه مرسلة. و وائل بن حجر مر ذكره. وهذا الإسناد ليس فيه إلا إرسال عبد الجبار عن أبيه، ولكن هذه الطريق التي فيها الإرسال تقوي تلك الطريقة السابقة التي فيها شريك بن عبد الله النخعي الكوفي. [ قال همام: وحدثني شقيق حدثني عاصم بن كليب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا ]. ثم ذكر أبو داود طريقاً أخرى ولكنها مرسلة، أي: ليس فيها ذكر وائل بن حجر، وإنما يرويها همام عن شقيق عن عاصم بن كليب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو مرسل؛ لأن كليب بن شهاب -وهو والد عاصم - من التابعين وليس من الصحابة. قوله: [ قال همام ]. همام مر ذكره. [ وحدثني شقيق ]. شقيق هو أبو الليث وهو مجهول أخرج له أبو داود وحده. [ عن عاصم بن كليب عن أبيه ]. عاصم بن كليب وأبوه مر ذكرهما. [ وفي حديث أحدهما، وأكبر علمي أنه في حديث محمد بن جحادة: (وإذا نهض نهض على ركبتيه، واعتمد على فخذه) ] أي: رفع يديه قبل ركبتيه، فيكون مطابقاً لحديث وائل بن حجر المتقدم من طريق شريك، ففيه: أنه يرفع اليدين قبل الركبتين، وهنا قال: (نهض على ركبتيه، واعتمد على فخذه) أي: أنه رفع يديه قبل ركبتيه، ثم اعتمد على ركبتيه بعد أن رفع يديه. يقول أبو داود: إن في أحد الطريقين: إما الطريق المرسلة، أو الطريق التي فيها انقطاع بين عبد الجبار وأبيه، وأغلب ظني أنه في الطريقة الأولى التي فيها محمد بن حجادة.
شرح حديث (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد العزيز بن محمد حدثني محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وهو يعارض حديث وائل بن حجر المتقدم، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)]، وهذا الحديث اعتمد عليه بعض أهل العلم في قولهم بتقديم اليدين على الركبتين. وقوله: [(فلا يبرك كما يبرك البعير)] فيه نهي عن مشابهة الحيوانات، فلا يبرك الإنسان كما يبرك البعير، وهنا سؤال، وهو: كيف يبرك البعير؟ في هذا الحديث أنه قال: [(وليضع يديه قبل ركبتيه)]، وجاء في بعض الأحاديث النهي عن البروك كما يبرك البعير، وليس فيها ذكر: (وليضع بيديه قبل ركبتيه)، فمن العلماء من قال: إن هذه الجملة الأخيرة فيها انقلاب، وبذلك يطابق حديث وائل بن حجر؛ لأنه لا يبرك كما يبرك البعير، فإذا قدم ركبتيه فإنه يتصور أن يبرك كما يبرك البعير، وذلك بالهيئة التي أشرت إليها آنفاً بأنه ينزل بقوة ويظهر صوت لركبتيه أثناء نزوله على الأرض، حيث ينزل بجسمه كله عليهما، فهذا فيه مشابهة حتى ولو قدم الركبتين، فالإنسان إذا فعل ذلك وأنزل ركبتيه بقوة وكان لهما صوت فإنه يصير مشابهاً للبعير، فقالوا: إن الحديث فيه انقلاب، ومعناه: وليضع ركبتيه قبل يديه، وبذلك يكون موافقاً لحديث وائل بن حجر. وقال بعض أهل العلم: إنه لا قلب في ذلك، وإن المقصود أنه يضع يديه قبل ركبتيه حتى لا يكون مشابهاً للبعير؛ لأن ركبتي البعير في يديه، فهو يضع ركبتيه التي في يديه على الأرض، لكن إذا نظرنا إلى البعير عندما يبرك فإنه يقدم اليدين على الرجلين، فقال أصحاب هذا المذهب: إن هذا الحديث ليس فيه قلب، وإنه فيه مخالفة لهيئة البعير؛ لأن البعير يقدم ركبتيه اللتين في يديه، وقد جاء في حديث سراقة في قصة الهجرة أنه قال: (ساخت يدا فرسي بالأرض حتى بلغت الركبتين) فمعناه أن الركبتين في اليدين بالنسبة للحيوان، فقالوا: إن البعير يقدم ركبتيه، فإذا قدم المصلي يديه لم يشابه البعير، والقائلون بمقتضى حديث وائل بن حجر يقولون: إن البعير يقدم يديه قبل رجليه، والرجلان فيهما الركبتان، وإن كانت اليدان فيهما ركبتان إلا أن حديث وائل بن حجر يدل على تقديم الركبتين قبل اليدين، وفي ذلك مخالفة لفعل البعير الذي يقدم يديه قبل ركبتيه، أي: الركبتين اللتين في يديه قبل الركبتين اللتين في رجليه، وعلى هذا إما أن يكون حديث أبي هريرة قد وقع فيه القلب، والصواب: (وليضع ركبتيه قبل يديه)، ويكون بذلك مطابقاً لحديث وائل بن حجر، أو أنه لم يقع فيه شيء، فبعض الذين صححوا حديث وائل ضعفوا هذا الحديث من جهة عبد العزيز بن محمد الدراوردي أحد رجاله.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير...)


قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد العزيز بن محمد ]. هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وهو صدوق، كان يحدث من كتب غيره، فيخطئ، وروايته عن عبيد الله منكرة. [ حدثني محمد بن عبد الله بن حسن ]. محمد بن عبد الله بن حسن ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي. [ عن أبي الزناد ]. أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان المدني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و أبو الزناد لقب، وقد اشتهر بهذا اللقب، وهو لقب على صيغة الكنية، وكنيته أبو عبد الرحمن، وهو مدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعرج ]. الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و الأعرج لقب له، وهو مشهور بهذا اللقب، ومعرفة ألقاب المحدثين مهمة، وفائدتها أن لا يظن الشخص الواحد شخصين، فإذا ذكر باسمه مرة وبلقبه أخرى فقد يظن من لا يعرف أن هذا اللقب لصاحب هذا الاسم أنه رجل آخر. [ عن أبي هريرة ]. قد مر ذكره.

شرح حديث (يعمد أحدكم في صلاته فيبرك كما يبرك الجمل)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله بن حسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يعمد أحدكم في صلاته فيبرك كما يبرك الجمل!) ]. أورد حديث أبي هريرة [(يعمد أحدكم في صلاته فيبرك كما يبرك الجمل)] وهذا استفهام إنكاري، وهمزة الاستفهام محذوفة أي (أيعمد أحدكم) وهذا إنكار، أي: لا يفعل ذلك، وهذا فيه النهي عن مشابهة الجمل في البروك، وإذا قدم ركبتيه فإنه يتصور أن يبرك كما يبرك الجمل كما أشرت إلى ذلك سابقاً، وإذا قدم يديه أيضاً فإنه يتصور أنه يبرك كما يبرك الجمل، وذلك إما بالهيئة كأن ينزل بقوة، أو لأن البعير يقدم يديه على ركبتيه، أي: الركبتين اللتين في الرجلين.
تراجم رجال إسناد حديث (يعمد أحدكم في صلاته فيبرك كما يبرك الجمل)

قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله بن نافع ]. عبد الله بن نافع هو الصائغ، وهو ثقة صحيح الكتاب في حفظه لين، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن عبد الله بن حسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ]. محمد بن عبد الله بن حسن و أبو الزناد و الأعرج و أبو هريرة مر ذكرهم. وهذا الحديث لا يقال إنه شاهد لحديث أبي هريرة المتقدم؛ لأن هذا الحديث فيه النهي عن مشابهة بروك البعير، والذين يقولون بتقديم الركبتين على اليدين يقولون بالنهي عن البروك كما يبرك البعير، ولكنه يصلح شاهداً لو جاء فيه: (وليضع يديه قبل ركبتيه) لكنه لما جاء خالياً من ذكر كيفية البروك بقي محتملاً، فلا يعارض ما جاء في حديث وائل بن حجر؛ لأنه ليس فيه إلا النهي عن مشابهة بروك البعير، والقائلون بحديث وائل يقولون: إن ذلك مخالف لبروك البعير؛ لأن البعير يقدم الركبتين اللتين في اليدين على الركبتين اللتين في الرجلين.

الأسئلة



اكتفاء المصلي بقوله في سجوده (سبحان ربي الأعلى)


السؤال: هل يكتفي المصلي في حال السجود بقوله: سبحان ربي الأعلى، أم أنه يقول: سبحان ربي الأعلى وبحمده؟


الجواب: يكفيه أن يقول: سبحان ربي الأعلى، فهذا هو الذي لابد منه، ويأتي بذلك مرة واحدة، وهذا هو المعروف في الأحاديث.

حكم اعتبار غسل اليدين ثلاثاً بعد النوم من الوضوء

السؤال: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً)، فهل هذه الثلاث الغسلات من الوضوء، أي أنه يتمضمض بعدها مباشرة، أم أنها مستقلة؟


الجواب: هي مستقلة وليست من الوضوء، فإذا كان القيام من النوم فإنه يجب أن يغسلها، وإذا كان من غير ذلك فيستحب أن يغسلها، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هذا من فروض الوضوء، وإنما هو من الأمور التي تسبق الوضوء، لكنه يجب عليه عند القيام من نوم الليل.

حكم جلوس المرأة مع أقارب زوجها وهي محتجبة

السؤال: هل يجوز للمرأة أن تجلس في مجلس فيه أقارب زوجها وهم ليسوا من محارمها، مع العلم أنها ساترة لوجهها؟


الجواب: يجوز ذلك، ولكن الأولى أن تكون المرأة حريصة على الابتعاد عن الرجال ولو كانت متسترة، فابتعاد النساء عن الرجال، وحرصهن على ألا يظهرن أمام الرجال هو الذي ينبغي، وأما من حيث الجواز فيجوز.

حكم ستر وجه المرأة في الصلاة

السؤال: ما حكم ستر وجه المرأة في الصلاة؟

الجواب: بالنسبة للصلاة فإنها تترك وجهها مكشوفاً، وذلك حيث لا يراها أحد، والله تعالى أعلم."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #208  
قديم 16-05-2024, 11:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,829
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [109]
الحلقة (140)

شرح سنن أبي داود [109]

يستحب في الصلاة جلسة الاستراحة، وهي جلسة خفيفة لا ذكر فيها، وتكون قبل القيام إلى الركعة الثانية والرابعة بعد السجود، ولا بأس بالإقعاء بين السجدتين، وهو أن ينصب قدميه ويضع أليتيه عليهما، وإذا رفع المصلي رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد إن كان إماماً أو منفرداً، وإن كان مأموماً اقتصر على التحميد بعد قول الإمام: سمع الله لمن حمده.

كيفية النهوض من الركعة الوتر



شرح حديث مالك بن الحويرث في جلسة الاستراحة


قال المصنف رحمة الله عليه: [ باب النهوض في الفرد. حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل -يعني ابن إبراهيم- عن أيوب عن أبي قلابة أنه قال: جاءنا أبو سليمان مالك بن الحويرث رضي الله عنه إلى مسجدنا فقال: (والله إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة، ولكني أريد أن أريكم كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي. قال: قلت لأبي قلابة: كيف صلى؟ قال: مثل صلاة شيخنا هذا -يعني عمرو بن سلمة إمامهم- وذكر أنه كان إذا رفع رأسه من السجدة الآخرة في الركعة الأولى قعد ثم قام) ]. أورد أبو داود رحمه الله تعالى: [باب النهوض في الفرد] يعني: كيفية النهوض من الركعة المفردة في الصلاة الثنائية أو الثلاثية أو الرباعية، أي: بعد الركعة الأولى؛ لأن الركعة الأولى تعتبر فرداً. وقد جاء في حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه: أنه كان يجلس بعد السجدة الثانية من الركعة الأولى ثم يقوم، ولكنه جاء في بعض روايات حديثه: (إذا كان في وتر)، وهذا أشمل من كلمة الفرد؛ لأن الوتر يشمل الفرد وهي الأولى، ويشمل إذا قام من الثالثة في الصلاة الرباعية، فإن هذا وتر، فالترجمة فيها ذكر الفرد، وجاء ذكر الركعة الأولى وجاء ذكر الوتر، ولفظ الوتر أشمل من الفرد؛ لأنه يشمل القيام من الأولى والقيام من الثالثة في الصلاة الرباعية؛ لأنه يقوم من وتر. فكان يجلس قبل أن ينهض جلسة يسيرة جداً ليس لها دعاء وليس لها ذكر، وإنما يقوم من سجوده ويجلس قاعداً يسيراً جداً ثم يقوم، وهذه يسميها العلماء: (جلسة الاستراحة)، وقد جاءت بها الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك حديث مالك بن الحويرث الذي معنا في هذا الباب، فقد أورد أبو داود رحمه الله أن أبا قلابة قال: جاءنا أبو سليمان مالك بن الحويرث رضي الله عنه وقال: [إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة] يعني: ما كان قصدي أن أكون إماماً وأن أتقدم عليكم في الصلاة، وإنما أريد أن أعلمكم، فهذا قصدي من الإمامة وكوني أصلي بكم، فليس قصدي أن أتقدم عليكم أو أن أكون إماماً لكم أو أريد أن أصلي بكم، هذا هو مقصوده من النفي، أي أنه ما كان يريد أن يكون إماماً لهم، ولكنه أراد أن يعلمهم بصلاته بهم كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يبين لنا حرص الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم على بيان السنن وبيان هدي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، حيث كان الواحد منهم يقدم على العمل فيكون إماماً لا من أجل كونه إماماً أو لأنه يريد الإمامة، وإنما يريد أن يصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من حرص الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم على بيان السنة، ومثل هذا ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم)، يريد من ذلك حثهم على أن يتلقوا عنه كيفية الصلاة وأنه يصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: [ولكني أريد أن أريكم كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي]، أي: لتقتدوا به، ولتأخذوا هذه السنة عني، وقد أخذتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو مقصوده من هذا الكلام رضي الله عنه وأرضاه. قوله: [قال: قلت لأبي قلابة: كيف صلى؟] أي: قال أيوب السختياني لأبي قلابة شيخه: كيف صلى؟ فقال: [مثل صلاة شيخنا هذا -يعني عمرو بن سلمة-] ثم ذكر من صلاته وأنه [كان إذا رفع رأسه من السجدة الآخرة في الركعة الأولى قعد ثم قام] ومعنا أنه يقوم من جلوس لا من سجود بعد الأولى، كان يجلس جلسة قصيرة ثم يقوم، فقيامه من جلوس وليس من سجود، وهذه الجلسة يسميها العلماء [جلسة الاستراحة]، وهنا قال: [في الركعة الأولى] وهذا هو معنى قوله: [في الفرد]؛ لأن الأولى هي فرد، فإذا أتم الأولى وقام منها إلى الثانية من السجود جلس جلوساً قليلاً لا ذكر فيه ولا دعاء، ثم يقوم إلى الركعة الثانية، لكن هذا الحكم لا يختص بالأولى، نعم يكون في الأولى في كل صلاة، سواءٌ أكانت ثنائية أم ثلاثية أم رباعية، فريضة أم نافلة، ما دام أنه يصلي ركعتين ويقوم بعد الأولى، سواءٌ أكان بعد الركعتين ثالثة أو رابعة أو ليس بعدهما شيء، لكن ورد في بعض روايات حديث مالك بن الحويرث (إذا كان في وتر)، وكلمة ( وتر ) تشمل بعد الأولى وبعد الثالثة، ولكن هذا إنما يكون في الرباعية فقط؛ لأن بعد الثالثة لا يكون إلا في الرباعية، أما المغرب والفجر فليس فيهما جلسة الاستراحة إلا بعد الأولى، ولكن في الرباعية بعد الأولى وبعد الثالثة، ولهذا قال: (إذا قام من وتر)، فالوتر في الصلوات المفروضة إنما يكون بعد الأولى وبعد الثالثة، وبعد الثالثة خاص بالرباعية، وبعد الأولى في كل صلاة، سواءٌ أكانت نافلة أم فريضة.
تراجم رجال إسناد حديث مالك بن الحويرث في جلسة الاستراحة

قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو ابن مسرهد البصري، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي. [ عن إسماعيل يعني ابن إبراهيم ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي المشهور بابن علية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ]. وهو ابن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. هو عبد الله بن زيد الجرمي، وهو ثقة يرسل، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سليمان مالك بن الحويرث ]. هو أبو سليمان مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه، صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (فقعد في الركعة الأولى..)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا زياد بن أيوب حدثنا إسماعيل عن أيوب عن أبي قلابة أنه قال: جاءنا أبو سليمان مالك بن الحويرث رضي الله عنه إلى مسجدنا فقال: (والله إني لأصلي وما أريد الصلاة، ولكني أريد أن أريكم كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي. قال: فقعد في الركعة الأولى حين رفع رأسه من السجدة الآخرة) ]. أورد أبو داود حديث مالك بن الحويرث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، فبعد أن قام من الركعة الأولى قعد ثم قام، فيكون قيامه إلى الركعة الثانية من جلوس لا من سجود. وجلسة الاستراحة اختلف فيها العلماء: فمنهم من استحبها لحديث مالك بن الحويرث، ومنهم من لم يستحبها وقال: إنه لا يجلس لها، وقالوا: إن ذلك إنما كان بعدما كبر النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون ذلك الجلوس إنما هو لحاجة، لكن الأصل هو الاقتداء به، وليس هناك شيء يدل على أن ذلك كان لأمر عارض لرسول صلى الله عليه وسلم، والأصل هو الاقتداء به فيما جاء عنه، إلا ما جاء التنصيص عنه صلى الله عليه وسلم بأن ذلك الفعل الذي فعله إنما هو لعارض، مثل كونه صلى بالناس جالساً وأشار إليهم أن يجلسوا بعد أن صلوا وراءه قياماً لأمر عارض، وأما هنا فليس هناك شيء يدل على أن ذلك كان لعارض.
تراجم رجال إسناد حديث (فعقد في الركعة الأولى..)

قوله: [ حدثنا زياد بن أيوب ]. هو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي. [ عن إسماعيل عن أيوب عن أبي قلابة ]. إسماعيل هو ابن علية، و أيوب و أبو قلابة و مالك بن الحويرث قد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.

شرح حديث مالك بن الحويرث (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا هشيم عن خالد عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً) ]. أورد هنا حديث مالك بن الحويرث من طريق أخرى، وهو أعم من الطريقين الأوليين؛ لأن الأوليين فيهما التنصيص على أنه في القيام من الركعة الأولى، وأما هنا فأتى بلفظ الوتر، وهو يشمل ما بعد الأولى وما بعد الثالثة في الرباعية، فقوله: [(إذا كان في وتر من صلاته)] معناه: بعد وتر وليس بعد شفع، فإذا كان بعد وتر من صلاته يقوم بعد الأولى وبعد الثالثة، والثالثة إنما تكون في الرباعية، فهذه الرواية أعم وأوسع، وتفيد أن جلسة الاستراحة تفعل في موضعين من الصلاة يشملهما كلمة (في وتر) وذلك بعد الركعة الأولى في أي صلاة، سواء أكانت ثنائية أم ثلاثية أم رباعية، وبعد الثالثة وذلك خاص بالصلوات الرباعية.

تراجم رجال إسناد حديث مالك بن الحويرث (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً)


قوله: [ حدثنا مسدد عن هشيم ]. مسدد مر ذكره، و هشيم هو ابن بشير الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد ]. هو خالد بن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بلقب الحذاء ، قيل: لأنه كان يجالس الحذائين، ولم يكن يبيع الأحذية ولا يصنعها، والأصل أن الحذاء نسبة إلى بيع الأحذية وصناعتها، مثل أبي صالح السمان و الزيات لأنه كان يبيع السمن ويبيع الزيت فقيل له: الزيات والسمان، لكن هذا لم يكن بائعاً للأحذية ولا صانعاً لها، ولكنه كان يجلس عند الحذائين فنسب إليهم، وهذا -كما يقولون- من باب النسبة إلى أدنى مناسبة، وهي كونه يجلس عند الحذائين، وقيل: إنه كان يذهب للحذاء الذي يصنع الأحذية ويعطيه قياساً ويقول: احذ على كذا، أي: اصنع الحذاء وفقاً لهذا المقياس ولهذا التقدير المعين، وهو يسمى الخلق في اللغة، ومنه كلام الحجاج لأهل العراق: إنني لا أخلق إلا فريت. أي: لا أقدر وأقص إلا على قدر التخطيط الذي وضعته، ومنه قول الشاعر: وأراك تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري أي: أنت ترسم وتقص طبقاً للرسم، وغيرك يرسم ولكن لا يستطيع أن يقص طبقاً للرسم. فقيل لخالد: الحذاء لأنه كان يجلس عند الحذائين، أو لأنه كان يقول للحذاء: احذ على كذا. أي: اصنع وفقاً لهذا المقياس أو وفقاً لهذا التقدير. [ عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث ]. قد مر ذكرهما.

حكم الإقعاء بين السجدتين



شرح حديث ابن عباس في الإقعاء على القدمين بين السجدتين


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإقعاء بين السجدتين. حدثنا يحيى بن معين حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع طاوساً يقول: قلنا لابن عباس رضي الله عنهما في الإقعاء على القدمين في السجود فقال: هي السنة، قال: قلنا: إنا لنراه جفاء بالرجل. فقال ابن عباس رضي الله عنهما: هي سنة نبيك صلى الله عليه وسلم ]. أورد أبو داود رحمه الله: [باب الإقعاء بين السجدتين]، والإقعاء: هو الجلوس على العقبين، أن يجعل القدمين منصوبتين مستقبلاً بظهورهما القبلة ويجعل إليته على العقبين، فلا يفترش ولا يتورك، لا يفترش رجله اليسرى ولا يجعل وركه على الأرض، وإنما يجعل إليتيه على عقبيه، وتكون قدماه منصوبتين على الأرض كما ينصب اليمنى في حال التشهد أو في حال الجلوس بين السجدتين سواء كان مفترشاً أم متوركاً؛ لأن اليمنى تنصب، فالإقعاء أن تكون اليمنى واليسرى منصوبتان وهو جالس عليهما، هذا هو الإقعاء الذي جاء في حديث ابن عباس، والذي جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهناك إقعاء محرم لا يجوز، وهو إقعاء الكلب، وهو أن يجلس على إليتيه ويرفع ساقيه ويضع يديه على الأرض كالكلب إذا أقعى، فهذه الهيئة لا تجوز. ولكن هيئة الإقعاء الجائزة إنما تكون بين السجدتين فقط؛ لأنها وردت بين السجدتين، والجلوس بين السجدتين معلوم أنه جلوس خفيف، بخلاف التشهد فإنه جلوس طويل ولم يأت ما يدل على الإقعاء فيه، وأيضاً فيه مشقة؛ لأن كون الإنسان يجلس مدة طويلة وهو جالس على عقبيه في ذلك مشقة، ولكنه ورد بين السجدتين -أي: الإقعاء بهذه الطريقة -عن ابن عباس رضي الله عنه وقال: [هي السنة] أي أن ذلك مرفوع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولما قيل له: [إنا لنراه جفاء بالرجل] أي: كونه يجلس على عقبيه ويجعل إليتيه على عقبيه، قال: [هي سنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم]. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن الإنسان يكون بين السجدتين مفترشاً، كما أنه يكون في التشهد الأول في الصلاة التي فيها تشهدان مفترشاً، بمعنى أنه يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى، وفي التشهد الأخير يكون متوركا في الصلاة التي فيها تشهدان، وهي صلاة المغرب والصلاة الرباعية التي هي: الظهر والعصر والعشاء، وعلى هذا فقد جاء الإقعاء في حديث ابن عباس هذا، وجاء الافتراش في الأحاديث الأخرى، والغالب على فعله صلى الله عليه وسلم الافتراش، فإذا فعل الافتراش أو الإقعاء بين السجدتين فكل ذلك سنة، وأما بالنسبة للتشهد ففيه الافتراش والتورك، وليس فيه إقعاء، -أي: الإقعاء الذي جاءت به السنة بين السجدتين-، وأما الإقعاء الذي هو كإقعاء الكلب فإنه لا يجوز في أي حال من الأحوال. وقول طاوس: [ قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين في السجود ]. أي: بعد السجود بين السجدتين، فإن السجود ليس فيه إقعاء؛ لأن السجود تكون الإلية فيه مرفوعة وليست على القدمين، وإنما الكلام عما بين السجدتين، ولهذا قال في الترجمة: [الإقعاء بين السجدتين]. وقوله: [ قلنا: إنا لنراه جفاء بالرجل ]. أي: كأنهم لم تعجبهم هذه الهيئة، ويرون أن فيها شيئاً من الجفاء وعدم الاطمئنان، فكأن الإنسان يريد أن يقوم بسرعة أو ينتهي من تلك الجلسة بسرعة، فقال: [هي سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم] أي: ليست جفاء بل جاءت بها السنة فيجب التسليم لها.
تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في الإقعاء على القدمين بين السجدتين

قوله: [ حدثنا يحيى بن معين ]. هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حجاج بن محمد ]. هو حجاج بن محمد الأعور المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس ، وهو صدوق يدلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طاوس ]. هو طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ما يقال بعد الرفع من الركوع


شرح حديث دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رفعه رأسه من الركوع


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع. حدثنا محمد بن عيسى حدثنا عبد الله بن نمير و أبو معاوية و وكيع و محمد بن عبيد كلهم عن الأعمش عن عبيد بن الحسن أنه قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع يقول: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد). قال أبو داود: قال سفيان الثوري و شعبة بن الحجاج عن عبيد أبي الحسن: هذا الحديث ليس فيه: (بعد الركوع) قال سفيان : لقينا الشيخ عبيداً أبا الحسن بعد فلم يقل فيه: (بعد الركوع). قال أبو داود: ورواه شعبة عن أبي عصمة عن الأعمش عن عبيد أنه قال: (بعد الركوع) ]. قوله: [ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع] أي: ما هو الذكر أو الدعاء الذي يقوله إذا رفع رأسه من الركوع. ومعلوم أن الإمام والمنفرد كل منهما يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد.. إلى آخر الدعاء، أو: اللهم ربنا لك الحمد، أو: اللهم ربنا ولك الحمد. وأما المأموم فإنما يقول: (ربنا ولك الحمد) ولا يقول: (سمع الله لمن حمده)، فكل من الإمام والمنفرد يجمع بين التسميع والتحميد: (سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد)، وأما المأموم فلا يجمع بينهما، وإنما يأتي بالتحميد فقط دون التسميع. واختلف أهل العلم في التسميع للمأموم: هل يسمع كما يسمع الإمام والمنفرد أم أنه يقتصر على التحميد فقط؟ فيه قولان لأهل العلم: جمهور أهل العلم على أنه لا يقول: (سمع الله لمن حمده)، وإنما يقول: (ربنا ولك الحمد)، أو: (اللهم ربنا ولك الحمد)، ولا يجمع بين التسميع والتحميد، ويستدلون على ذلك بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)، فلو كان المأموم يقول مثلما يقول الإمام لقال: وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، كما يقول الإمام. فلكونه صلى الله عليه وسلم بين أنه عندما يقول الإمام: (سمع الله لمن حمده) يقول المأموم: (ربنا ولك الحمد) معناه أن هذا هو الذي يقوله المأموم. وبعض أهل العلم قال: إنه يجمع بين التسميع والتحميد، ويستدلون على ذلك بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وقد كان يجمع بين التسميع والتحميد لكونه إماماً يصلي بالناس، فمادام أنه صلى الله عليه وسلم كان يسمع فالمأموم يسمع مثله. لكن الحديث الذي فيه ما يقوله المأموم بعد قول الإمام: (سمع الله لمن حمده) -وهو: (اللهم ربنا لك الحمد)- يخرج عن هذا العموم، وهو نظير قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن)، ثم لما جاء في التفصيل قال: (وإذا قال: حي على الصلاة حي على الفلاح فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله)، فما قال: قولوا: حي على الصلاة حي على الفلاح، فهو إذاً مستثنى من قوله: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن)، فهذا عام يخرج منه ما دل الدليل على أنه لا يقول فيه مثل المؤذن، وكذلك هنا يخرج منه ما دل الدليل على أنه لا يقول فيه مثل الإمام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد). فالأرجح -فيما يبدو من حيث الدليل- هو القول بأنه لا يقول: سمع الله لمن حمده، وإنما يقول: ربنا ولك الحمد. وسمع معناها: (استجاب)، ولهذا جاء ذكر التحميد بعد ذلك، وقد جاء عن بعض السلف أنه سئل عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه، لأن بعض أهل البدع وبعض أهل الانحراف تكلموا في معاوية رضي الله عنه وأرضاه، فقيل لأحد السلف: ماذا تقول في معاوية ؟ فقال: ماذا أقول في رجل صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي عليه الصلاة والسلام في الصلاة: سمع الله لمن حمده، فقال معاوية وراءه: ربنا ولك الحمد؟! أي: ماذا أقول في رجل هذا شأنه أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة عندما رفع من الركوع: سمع الله لمن حمده، و معاوية وراءه يقول: ربنا ولك الحمد، وهذا فيه ثناء على معاوية رضي الله عنه وصحبته للرسول صلى الله عليه وسلم، وكونه يصلي وراءه ويحمد عندما يسمع الرسول صلى الله عليه وسلم هو يحمد. قوله: [ عن عبد الله ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع يقول: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد)]. هذا فيه جمع الإمام بين التسميع والتحميد، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: (سمع الله لمن حمده)، فإذا استقر قائماً معتدلاً بعد الاعتدال من الركوع قال: (ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء والأرض وملء ما شئت من شيء بعد)، وجاء في بعض الروايات: (حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد). وقوله: [ (اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض) ]. معناه أنه يثني عليه كثيراً ويعظمه كثيراً ويمجده كثيراً، وقوله: [(وملء ما شئت من شيء بعد)] أي: بعد ملء السموات والأرض.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #209  
قديم 16-05-2024, 11:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,829
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


تراجم رجال إسناد حديث دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رفعه رأسه من الركوع

قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. هو محمد بن عيسى الطباع، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة. [ حدثنا عبد الله بن نمير ]. هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبو معاوية ]. هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و محمد بن عبيد ]. هو محمد بن عبيد الطنافسي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ كلهم عن الأعمش ]. أي: هؤلاء الذين ذكرهم، وهم أربعة: عبد الله بن نمير، و أبو معاوية، و وكيع، و محمد بن عبيد، وهم شيوخ شيخه محمد بن عيسى؛ لأنه يروي عن شيخ واحد، وشيخه يروي عن أربعة شيوخ، وهؤلاء الأربعة الذين مر ذكرهم كلهم يروون عن الأعمش. و الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد بن الحسن ]. هو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و ابن ماجة. [ عن عبد الله بن أبي أوفى ]. هو -رضي الله عنه- صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
بيان الخلاف في ذكر (بعد الركوع) بين الرواة وتراجم رجال الإسناد

قوله: [ قال أبو داود: قال سفيان الثوري و شعبة بن الحجاج عن عبيد أبي الحسن: هذا الحديث ليس فيه: (بعد الركوع) ]. ذكر أبو داود أن سفيان الثوري و شعبة قالوا في هذا الإسناد: [عن عبيد أبي الحسن] ولم يقولوا كما قال الأعمش: [ عبيد بن الحسن]، ولا تنافي بين هذا وهذا؛ لأن عبيد بن الحسن كنيته أبو الحسن، فالذي قال: (أبو الحسن) كلامه صحيح، والذي قال (ابن الحسن) كلامه صحيح؛ لأن كنيته وافقت اسم أبيه، فمن قال: عبيد أبو الحسن فقد أصاب، ومن قال: عبيد بن الحسن فقد أصاب؛ لأنه أبو الحسن وهو ابن الحسن ، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث، وهو النوع الذي يقولون له: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة هذا النوع: ألا يظن التصحيف؛ لأن كلمتي (أبي) و(ابن) متقاربتان في الرسم، فالذي لا يعرف أن عبيد بن الحسن كنيته أبو الحسن إذا رآه في موضع آخر مكتوباً أبي الحسن يقول: أبي هذه مصحفة؛ لأنه عبيد بن الحسن، فصحفت (ابن) إلى أبي، ولا تصحيف؛ لأنه مادام أن كنيته أبو الحسن فالذي قال: أبو الحسن ذكره بكنيته، والذي قال: ابن الحسن ذكره بنسبه. إذاً: شعبة و سفيان الثوري لما رووا هذا الحديث ذكروا عبيداً بكنيته ولم يذكروه بنسبه فقالوا: عبيد أبو الحسن ، هذا هو المقصود من هذا التنبيه، وكما هو معلوم لا تنافي بينهما؛ لأن كل الكلام صحيح. قوله: [ قال سفيان الثوري و شعبة بن الحجاج عن عبيد أبي الحسن : هذا الحديث ليس فيه: (بعد الركوع) ]. أي: هذا الحديث في رواية شعبة و سفيان الثوري ليس فيه لفظ: (بعد الركوع)، وإنما فيه: كان يقول كذا وكذا، وليس فيه: إذا قام من الركوع أو بعد الركوع، فلا وجود لهذا الكلام في رواية شعبة و سفيان الثوري ، ولكنه موجود في رواية الأعمش التي ساقها المصنف بالإسناد: (إذا قام من الركوع) ومعناها: أنه بعد الركوع يقول هذا الكلام وهو التسميع والتحميد. قوله: [ قال سفيان: لقينا الشيخ عبيداً أبا الحسن بعد فلم يقل فيه: (بعد الركوع) ]. ذكر سفيان هنا عبيداً أبا الحسن كما ذكره سابقاً بكنيته، وقوله: [فلم يقل: (بعد الركوع)] معناه أنه ذكره بدون ذكر الركوع. [ وقال أبو داود كذلك: ورواه شعبة عن أبي عصمة عن الأعمش عن عبيد أنه قال: (بعد الركوع) ]. ذكر عن شعبة أنه رواه بطريق أخرى وقال: (بعد الركوع) مثلما قال الأعمش؛ لأنه جاء عنه مع سفيان أنه ما ذكر بعد الركوع، وجاء من هذه الطريق الثانية التي فيها أبو عصمة قال: (بعد الركوع) كرواية الأعمش. قوله: [ قال سفيان الثوري ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ و شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد وصف أيضاً بأنه أمير المؤمنين في الحديث، فهما أميران من أمراء المؤمنين في الحديث، فهذان الشخصان اللذان جاء ذكرهما كل منهما وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل والتوثيق، وقد ذكر أن سفيان أحفظ من شعبة، وكيف عرفوا أن سفيان أحفظ من شعبة ؟ عدوا الأغلاط التي غلطها هذا والأغلاط التي غلطها هذا فوجدوا أن سفيان أقل غلطاً فقالوا: إنه أحفظ منه، أو: إنه أوثق منه أو أقوى منه، وإن كان كلاهما في نهاية الإتقان، وقد كانوا إذا أرادوا أن يقارنوا بين الرجلين القويين فإن القياس عندهم عد الأخطاء، فإذا جمعوا أخطاء هذا وأخطاء هذا ورأوا أن هذا أقل وهذا أكثر جعلوا هذا مقدماً على هذا. [ عن أبي عصمة ]. أبو عصمة هو نوح بن أبي مريم، وهو كذاب كذبوه، وأخرج حديثه الترمذي و ابن ماجة في التفسير، فليس هو من رجال أبي داود، ولهذا لم يذكر أنه من رجال أبي داود لأنه ما جاء في الإسناد وإنما جاء في المتابعات.

شرح حديث قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم ربنا لك الحمد ملء السماء ..) بعد تسميعه


قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني حدثنا الوليد (ح) وحدثنا محمود بن خالد حدثنا أبو مسهر (ح): وحدثنا ابن السرح حدثنا بشر بن بكر (ح): وحدثنا محمد بن محمد بن مصعب حدثنا عبد الله بن يوسف كلهم عن سعيد بن عبد العزيز عن عطية بن قيس عن قزعة بن يحيى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول حين يقول: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السماء -قال مؤمل: (ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، زاد محمود: (ولا معطي لما منعت) ثم اتفقوا- ولا ينفع ذا الجد منك الجد) وقال بشر: (ربنا لك الحمد) لم يقل: (اللهم) لم يقل محمود: (اللهم) قال: (ربنا ولك الحمد) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري أنه كان حين يقول: (سمع الله لمن حمده) يقول: (اللهم ربنا لك الحمد)، أي أنه حين يسمع يحمد، فيجمع بين التسميع والتحميد صلى الله عليه وسلم، وهو إمامهم، وقد عرفنا أن الإمام والمنفرد يجمعون بين التسميع والتحميد، وأما المأموم فيأتي بالتحميد دون التسميع على خلاف بين أهل العلم، لكن الأقوى أنه لا يجمع بينهما وإنما يأتي بالتحميد وحده، فحديث أبي سعيد يدل على الذكر بعد الركوع وما يقال بعد الركوع، وأن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد). قوله: [ (أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت) زاد محمود: (ولا معطي لما منعت) ]. محمود هذا هو محمود بن خالد، وهو أحد شيوخه الأربعة؛ لأن عنده أربع طرق وله أربعة شيوخ، وكل واحد يروي عن شيخ ثم يجتمعون فيلتقون عند الشيخ الثالث الذي تلتقي الطرق الأربع عنده ثم تصعد بطريق واحد، فهي أربع طرق كل طريق فيها اثنان، ثم بعد ذلك تلتقي هذه الطرق الأربع عند طريق واحد وتصعد إلى النهاية، فقوله: [زاد محمود] أي: أحد شيوخه. وقوله: [ ثم اتفقوا ]. أي: الشيوخ الأربعة.
معنى قوله (ولا ينفع ذا الجد منك الجد)

قوله: [ (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) ]. المقصود بالجد: الحظ والنصيب، أي: لا ينفع صاحب الحظ حظه عندك، وإنما ينفعه العمل الصالح، فلا ينفع عندك الحظ والمنزلة والجاه والمال؛ لأن العبرة بالعمل الصالح، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) أي: من أخره عمله عن دخول الجنة فليس نسبه هو الذي يسرع به إليها. فالجد هنا: الحظ والنصيب، يقول الشاعر: الجد بالجد والحرمان بالكسل فانصب تصب عن قريب غاية الأمل يعني أن الثمرة والنتيجة والحظ والنصيب إنما هو بالجد، والحرمان يكون بالكسل؛ لأن الجد يورث جداً وحظاً ونصيباً، والكسل يورث حرماناً. فالجد يأتي بمعنى: الحظ والنصيب، ويأتي بمعنى: الجد الذي هو أبو الأب، فيقال له: جد، ويأتي بمعنى: العظمة، كما قال عز وجل: وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا [الجن:3] أي: عظمته، وجاء في الحديث: (وتعالى جدك) أي: تعالت عظمتك؛ لأن الجد هنا بمعنى العظمة. قوله: [ وقال بشر: (ربنا لك الحمد) لم يقل: (اللهم) ]. بشر هنا لم يقل: (اللهم)، ولم يأت بالواو في: (ربنا ولك الحمد). قوله: [ لم يقل محمود: (اللهم) قال: (ربنا ولك الحمد) ]. و محمود -أيضاً- لم يقل: (اللهم) ولكنه قال: (ربنا ولك الحمد) فأتى بالواو، و بشر قال: (ربنا لك الحمد) بدون واو، وكل منهما لم يقل: (اللهم)، والفرق بينهما هو في الإتيان بالواو وعدمه، ولفظة (اللهم) متفقان على عدم ذكرها، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر (اللهم) و (ربنا ولك الحمد) بالواو وبدون واو، فكلها واردة.

تراجم رجال إسناد حديث قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم ربنا لك الحمد ملء السماء ..) بعد تسميعه


قوله: [ حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني ]. هو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي. [ عن الوليد ]. هو ابن مسلم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ (ح) وحدثنا محمود بن خالد ]. هذه هي الطريق الثانية، و محمود بن خالد دمشقي أيضاً، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة. [ عن أبي مسهر ]. هو عبد الأعلى بن مسهر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ (ح) وحدثنا ابن السرح ]. هذه هي الطريق الثالثة، و ابن السرح هو أحمد بن عمر بن السرح المصري ، وهو ثقة، أخرج له الإمام مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة. [ حدثنا بشر بن بكر ]. هو ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة. [ (ح) وحدثنا محمد بن محمد بن مصعب ]. هذه هي الطريق الرابعة، وقوله: [ح] أي: تحول من إسناد إلى إسناد، و محمد بن محمد بن مصعب الصوري صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي. [ عن عبد الله بن يوسف ]. هو عبد الله بن يوسف التنيسي، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي. [ كلهم عن سعيد بن عبد العزيز ]. أي: هؤلاء الأربعة الذين هم شيوخ شيوخه كلهم يلتقون عند سعيد بن عبد العزيز الدمشقي. فهذه الأربع الطرق كلها اجتمعت عند سعيد بن عبد العزيز، و سعيد بن عبد العزيز الدمشقي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عطية بن قيس ]. هو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن قزعة بن يحيى ]. هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري ]. هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث (إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن سمي عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) ]. هذا الحديث دليل على أن المأموم يحمد ولا يسمع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(إذا قال ... فقولوا)]، فلو أن الإمام يسمع لقال: وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: سمع الله لمن حمده، لكنه ذكر أنه بعدما يقول هذا يقول بعده ربنا ولك الحمد. وقوله: [ (فإنه من وافق قوله قول الملائكة) ] هذا يدل على أن الملائكة يقولون: (ربنا ولك الحمد)، إذاً: هو يقول: ربنا ولك الحمد ليكون بذلك موافقاً لقول الملائكة، فبعدما يقول: (سمع الله لمن حمده) يقول: (ربنا ولك الحمد)، وهذا مثلما جاء في التأمين: (إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا: آمين، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)، فهذا فيه دليل على أن الملائكة تحمد، وأن من قال: (ربنا ولك الحمد) بعد قول الإمام: (سمع الله لمن حمده) فإنه قد يوافق قوله قول الملائكة، فالملائكة تحمد والمأمومون يحمدون بعد قول الإمام: (سمع الله لمن حمده). وقوله: [ (غفر له ما تقدم من ذنبه) ] المقصود بالذنوب هنا: الصغائر، وأما الكبائر فإنه لابد لها من توبة، فالتكفير هنا إنما هو للصغائر، وأما الكبائر فلا تكفرها إلا التوبة. ومعلوم أن الملائكة يحضرون مجالس الذكر ويؤمنون، فهم يحمدون بعدما يقول الإمام: (سمع الله لمن حمده)، وكذلك هم يقولون: (آمين) إذا قال الإمام: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له، وكذلك من وافق قوله قول الملائكة في التحميد، فهم يحمدون، ومن يحمد مثل الملائكة ويقول في الوقت الذي يقول فيه الملائكة: (ربنا ولك الحمد) يغفر له ما تقدم من ذنبه. ولا يلزم من ذلك أنهم يصلون مع الناس، وإنما يحضرون الصلاة مع الناس.
تراجم رجال إسناد حديث (إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد..)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة. [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن سمي ]. هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. هو ذكوان السمان، اسمه ذكوان وكنيته أبو صالح ولقبه السمان أو الزيات، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح أثر الشعبي (لا يقول القوم خلف الإمام سمع الله لمن حمده...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا بشر بن عمار حدثنا أسباط عن مطرف عن عامر أنه قال: لا يقول القوم خلف الإمام: سمع الله لمن حمده، ولكن يقولون: ربنا لك الحمد ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن عامر الشعبي أنه قال: [لا يقول القوم] أي: المأمومون [خلف الإمام: سمع الله لمن حمده، ولكن يقولون: ربنا لك الحمد] أي أنهم يحمدون ولا يسمعون، فهو مطابق للحديث الذي قبله، وهذا الأثر جاء وفقاً لما جاء في الحديث الذي قبله، والشعبي من الذين يقولون بأن المأموم لا يسمع وإنما يحمد فقط، وجمهور العلماء على أنه يحمد ولا يسمع، وبعض أهل العلم قال بأن المأموم يجمع بين التسميع والتحميد استناداً إلى حديث: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وذكرنا أن هذا لفظ عام ولكنه يستثنى منه ما جاء في السنة بأن المأموم لا يقول كما يقول الإمام، ويدل عليه حديث أبي هريرة المتقدم حيث قال صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد).
تراجم رجال إسناد أثر الشعبي (لا يقول القوم خلف الإمام سمع الله لمن حمده...)

قوله: [ حدثنا بشر بن عمار ]. هو صدوق، أخرج له أبو داود . [ عن أسباط ]. هو أسباط بن محمد ، وهو ثقة ضعف في الثوري ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن مطرف ]. هو مطرف بن طريف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عامر ]. هو عامر بن شراحيل الشعبي ، مشهور بنسبته ومشهور باسمه، ولهذا يأتي باسمه أحياناً وبنسبته أحياناً، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. وعامر الشعبي هذا هو الذي نقل عنه أنه قال في الرافضة القول المشهور: إذا قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وإذا قيل للنصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى، وإذا قيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. يعني أن اليهود والنصارى أحسن منهم بالنسبة لأصحاب أنبيائهم، فاليهود يقولون عن أصحاب موسى: إنهم خير الناس، ويقول النصارى عن أصحاب عيسى: إنهم خير أهل ملتهم، والرافضة يقولون عن أصحاب محمد: إنهم شر أهل ملتهم! وهذا الذي قاله الشعبي رحمة الله عليه قاله رافضي شاعر في قصيدة سيئة قال فيها نفس الكلمة التي قالها الشعبي، وذلك بعد موت الشعبي بمئات السنين، يقول ذلك الشاعر السيئ: أهم خير أمة أخرجت للناس هيهات ذاك بل أشقاها أي: هيهات أن يكون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة أخرجت للناس، بل أشقاها، أي: أشقى أمة أخرجت للناس! وهذا يدل على خبث الرافضة، وأن خبثهم متناهٍ للغاية؛ إذ إن خير الناس عندهم شر الناس، وهذه انتكاسة عظيمة، كما قال ابن كثير رحمه الله عند تفسير قول الله عز وجل في سورة التوبة: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ [التوبة:100] قال عن الرافضة: أفهامهم منكوسة وكذا معكوسة، وذكر كلاماً يدل على سوئهم وعلى خبثهم."




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 11 ( الأعضاء 0 والزوار 11)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 286.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 281.16 كيلو بايت... تم توفير 5.39 كيلو بايت...بمعدل (1.88%)]