عيسى ابن مريم عليه السلام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         المعلقات عند الإمام البخاري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          التنافس في قيام الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          تخريج حديث: أن عبد الله بن زيد، وعثمان، حكيا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالا: (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          إثبات رواية الزهري أحاديث في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          حديث: إسلام غيلان بن سلمه وله عشر نسوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          اجتماع أهل الحديث على تصحيح الأحاديث حجة على الناس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          لا تقدموا بين يدي الله ورسوله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          دلالة السياق وأثرها في ترتيب الدليل وبناء الحكم من كتاب إحكام الأحكام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 30 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4028 - عددالزوار : 563414 )           »          كتاب (قطوف دانية من الكتاب والسنة) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-06-2024, 06:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,954
الدولة : Egypt
افتراضي عيسى ابن مريم عليه السلام

عيسى ابن مريم عليه السلام

ساير بن هليل المسباح

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102] ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون، إن أفضل خلق الله تعالى هم الأنبياء الذين أرسلهم الله تعالى إلى خلقه يدعونهم إلى عبادته وتوحيده، وقد رفع الله بعضهم فوق بعض درجات، وخير الأنبياء هم أولو العزم من الرسل: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ومحمد صلى الله عليه وسلم.

ولكل نبي قصة وواقع مختلف عن غيره من الأنبياء؛ لكن تجمعهم رسالة واحدة ودعوة واحدة، هي عبادة الله وحده ولا يشرك معه في عبادته أحدًا؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الأنبياء إخوة لعلَّات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد"؛ رواه البخاري ومسلم.

ولعل من أغربهم قصة في بدايته ونهايته التي لم تنتهِ بعد: عيسى ابن مريم عليه السلام، الذي خلقه الله تعالى من غير أب ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 59]، وفي طريقة الخلق إظهار لقدرة الله تعالى على خلق الخلق بصورة مختلفة، وأن الله تعالى لا حدود لقدرته في الخلق، فهو خلق آدم من تراب، وخلق حواء من ضلع آدم، وخلق منهما ذرية آدم الباقية، وخلق مع هذه الذرية صورة جديدة هي خلق عيسى ابن مريم من غير أب ﴿ قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ﴾ [مريم: 20، 21].

وإذا كانت سورة المائدة من أكثر السور التي جادلت أهل الكتاب الذين ألَّهوا عيسى ابن مريم وأمه؛ لأنهم لم يستوعبوا الطريقة والكيفية التي وُلِد بها عيسى ابن مريم، كانت السورة تبدأ في كثير من آياتها بقول الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [المائدة، الآيات: 1، 2، 6، 8، 11، 35، 51، 54، 57، 87، 90، 94، 95، 101، 105، 106] فهي تنادي الإيمان في قلوبهم والتسليم لأمر الله عز وجل لا كما فعل الذين تجاوزوا الحد وانتقلوا إلى الشرك بالله وتأليه عيسى ابن مريم، فالإيمان هو ما يجعلنا نستوعب أوامر الله تعالى ونفهمها كما أراد سبحانه وتعالى من غير غلوٍّ أو تكذيب.

وأيضًا إذا كانت الآيات في سورة المائدة تبدأ بقول الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ فإنها تنتهي كذلك بقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [المائدة: 17، 19، 40]، إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فلا حدود لقدرة الله تعالى وقوته سبحانه وتعالى.

وإذا ذهبنا إلى سيرة المسيح عليه السلام فإننا نجد أنفسنا أمام شخصية عظيمة وهبها الله أشياء عظيمة لا يقدر عليها إلا الله تعالى، ومع ذلك كان المسيح عيسى ابن مريم في كامل الخضوع لله تعالى والاستسلام له، فهو كما الله قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي ﴾ [المائدة: 110].

هذه الأفعال: الخلق والشفاء وإحياء الموتى، هذه من أفعال الله تعالى، وهبها الله كمعجزات لعيسى ابن مريم، ومع ذلك كان عيسى ملتزمًا بما وهبه الله تعالى، لم يتجاوز الحد، ولم يدَّعِ الألوهية، واسمعوا لجوابه لربه تبارك وتعالى تروا كيف يكون الخضوع للمولى عز وجل: ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [المائدة: 116، 117].

هذا جواب عيسى المؤيد بالمعجزات العظيمة، وقارنوا بينه وبين كلام قارون الذي وهبه الله مالًا عظيمًا كما يهبه لكثير من الناس ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [القصص: 78].

وهذا ليس جواب قارون وحده المغرور بماله، فإن أشباه قارون كثير الذين تطغيهم كثرة الأموال ويعميهم لمعان الذهب وكثر الأرصدة في حساباتهم فيكون حال أحدهم: ﴿ فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾ [الزمر: 49 - 51].

فأول ما يأخذه المسلم من سيرة عيسى عليه السلام هو الاستسلام لله تعالى بلا مكابرة ولا غرور، ولا غفلة من مكر الله تعالى.

والأمر الثاني الذي يأخذه المسلم من سيرة هذا النبي العظيم إظهار العبودية التامة لله عز وجل ﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ﴾ [مريم: 30].

لا يخجل المرء من إظهار عبوديته لله تعالى، وقيامه بشرع الله تعالى، واتباع نبيه، وتطبيق سننه في أي مكان من الأرض وأمام أي ملأ من الناس.

فإن هذا الدين هو أعز الأديان، وشعائره أعظم الشعائر ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].

بل إن وصف العبودية هو أعظم الأوصاف التي يوصف بها المسلم ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ﴾ [الفرقان: 63] ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ ﴾ [الزمر: 17].

والله تبارك وتعالى قد وصف نبيه وهو في أعلى المقامات التي وقعت له بأنه عبدٌ لله تعالى ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾ [الإسراء: 1].

فلا تخجل من أنك عبدٌ لله تعالى؛ فتلك أرفع المقامات، ولا تخجل من تطبيق سنة نبيك صلى الله عليه وسلم؛ فإن ذلك من أشرف المهمات، السير على طريق الأنبياء والمرسلين.

ثم إن عيسى عليه السلام لما أظهر عبوديته لله تعالى، قال مفاخرًا بواجبه نحو والدته مريم العذراء عليها السلام: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾ [مريم: 32].

لم ينس الواجب الثاني المناط به وهو بره بوالدته والعناية بها، فلم تشغله النبوة والرسالة العظيمة التي وكل بها لهداية الناس ودعوتهم إلى الخير، إلى إهمال والدته أو توكيل غيره في العناية بها.

تُرى ماذا يقول أولئك الذين يتحججون بكثرة الأعمال وتعدد المشاغل عن الاهتمام بآبائهم والعناية بأمهاتهم، والتقصير في ذلك تقصيرًا شديدًا، يشتكي منه الآباء والأمهات، فلن تكون مهمتك في الحياة أعظم من مهمة الأنبياء، ومع ذلك ها أنت ترى كلامهم في برهم بوالديهم، فهل لك عذرٌ بعد اليوم في التقصير في حق والدتك أو والدك.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب وإثم وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الهادي الأمين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن سار على نهجه، واقتفى أثره، واتبع سنته إلى يوم الدين.

أيها المسلمون، ومن العلامات الفارقة في حياة المسيح عليه السلام، فإنه مع عظمة ما وهبه الله من المعجزات فإنه في آخر الأمر يقول لمن حوله: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴾ [الصف: 14].

كان يستطيع بما معه من معجزات أن ينتصر وحده، لكن النبي صاحب الرسالة لا يريد أن يقتصر نصر دين الله عليه، بل إنه يشرك من معه في نصرة الدين والدعوة إليه، ونشره من بعده؛ فالدين دين الله تعالى، ليس حصرًا على أحد ولا ملكًا لأحد.

وإذا نظرنا في سيرة أصحاب الأنبياء وجدنا دورهم البارز في نشر الدين، فالحواريون بعد عيسى نشروا دينه.

والصحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم نشروا دينه في الأرض.

والمستفاد من هذا أن المؤمن لا يقتصر في أعمال الخير على نفسه، بل إنه يشرك الآخرين معه خاصة فيما يتعلق بنشر الدين وتعليمه للناس.

ومن اللافت في سيرة عيسى ابن مريم عليه السلام أنه كان يُبشِّر بمن بعده كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [الصف: 6].

لم ينكر أن يأتي بعده من هو أفضل منه، بل يأمر أتباعه باتباع النبي القادم وطاعته، فشأن الدعوة إلى الله تعالى أعظم من الأمجاد الشخصية وكثرة الأتباع والتفاخر بهم، فالذي ينبغي للمؤمن أن يدل على غيره إذا كان خيرًا منه في علم من العلوم، أو في مجال من المجالات، فإن هذا شأن الأنبياء والمرسلين، الدلالة على الخير، بل والبحث عن الخير بلا استكبار كما قال موسى عليه السلام: ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [الكهف: 66] وموسى كان أفضل وأكرم من الخضر عليه السلام.

وإذا رأيتم الرجل كثير التحذير من غيره، كثير الصرف عن علم غيره، فكن منه على حذر؛ فإن العالم الحقيقي مهمته الأولى الدلالة على الخير والإرشاد إليه، مع حسن ظن بالناس وبعلمهم.

والأمر الأخير مما نأخذه من سيرة المسيح عليه السلام أن المؤمن يحذر أشد الحذر من المكر بالصالحين أو المشاركة في إيذائهم وإلحاق السوء بهم، فإن عقوبة الله تنتظرهم في أبدانهم وفي أرزاقهم كما قال الله تعالى: ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا * فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء: 157 - 161].

أيها المسلمون، لم تنته حكاية المسيح عيسى ابن مريم بعد؛ فإن له يومًا منتظرًا ينزل فيه إلى الأرض تظلله الملائكة بأجنحتها، ينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق، على عصبة من المؤمنين يتهيئون لصلاة الفجر فيصلي معهم، ثم يقتل الدجَّال، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ولا يقبل إلا الإسلام، ويحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم أربعين سنة تُخرج الأرضُ أطيبَ ما فيها، ثم يخرجُ بالمؤمنين إلى الطور كما أمره الله تعالى حتى تنتهي فتنة يأجوج ومأجوج، ثم يعود ويموت ويدفن بجوار النبي صلى الله عليه وسلم.

وبعد موته تؤذن الدنيا بنهايتها وخرابها، واقتراب الآخرة وقيامتها.

أحيانا الله وإياكم على الإسلام والهدى، وختم لنا ولكم بالإيمان والحسنى، إنه سميع مجيب.

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وانصر عبادك المجاهدين، اللهم إنَّا نسألك الهدى والتُّقى، والعفاف والغِنى، اللهُمَّ إنا نسألك حُبَّك وحُبَّ عَمَلٍ يُقرِّبنا إلى حُبِّك، اللهُمَّ حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم احفظنا بحفظك، ووفِّقْنا لطاعتك، وارحمنا برحمتك، وارزُقْنا من رزقك الواسع، وتفضَّل علينا من فضلك العظيم، اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خير مَن زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها.

اللهُمَّ أصلِح إمامنا ولي أمرنا، واحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الكائدين وفجور الفاجرين واعتداء المعتدين.

﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.13 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.85%)]