|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
الوفاء بالوعد وإخلاف الوعيد
الوفاء بالوعد وإخلاف الوعيد (1) كتبه/ طلعت مرزوق الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فالمراد بالوعد هنا: النصوص المتضمنة وعد الله -عزَّ وجلَّ- لأهل طاعته بالثواب. والوعيد: النصوص المتضمنة وعيد الله -عزَّ وجلَّ- لأهل معصيته بالعقاب. والوعد في اللغة يكون بالخير والشر. أما الوعيد فلا يكون إلا بالشر. (ينظر: مجمل اللغة لابن فارس). قال الله -تعالى-: (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (الحج: 72). وفى حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (تَحاجَّتِ الجَنَّةُ والنَّارُ، فَقالتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بالمُتَكَبِّرِينَ، والْمُتَجَبِّرِينَ، وقالتِ الجَنَّةُ: فَما لي لا يَدْخُلُنِي إلَّا ضُعَفاءُ النَّاسِ وسَقَطُهُمْ وغِرَّتُهُمْ؟ قالَ اللَّهُ لِلْجَنَّةِ: إنَّما أنْتِ رَحْمَتي أرْحَمُ بكِ مَن أشاءُ مِن عِبادِي، وقالَ لِلنَّارِ: إنَّما أنْتِ عَذابِي أُعَذِّبُ بكِ مَن أشاءُ مِن عِبادِي، ولِكُلِّ واحِدَةٍ مِنْكُما مِلْؤُها) (متفق عليه). وهذا وعدٌ منه -سبحانه- أيضًا. قال الله -تعالى-: (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ . أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ . مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ . الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ . قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ . قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ . مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ . يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) (ق: 23-30). وقد ذهبت المرجئة في باب الوعد والوعيد إلى تغليب نصوص الوعد، وإغفال نصوص الوعيد؛ قالوا: كل ذنب غير الشرك مغفور، فلا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة. وضلال المرجئة في الوعيد: القطع بغفران كل ذنبٍ غير الشرك؛ قال -تعالى-: (إِنَّ الله لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (النساء: 48)؛ فكيف علموا تفاصيل مشيئته -سبحانه-؟! وأحاديث الشفاعة دلت على دخول بعض عصاة الموحدين النار دون الخلود فيها. وذهب الخوارج والمعتزلة إلى أن الله -عزَّ وجلَّ- يُنجِز وعده ووعيده، ولا يصح أن يُخلِف أيًّا منهما؛ وهؤلاء ضلوا في الوعد والوعيد؛ أما الوعد فلإيجابهم ذلك على الله -سبحانه- بطريق الاستحقاق والعِوض، وأما الوعيد فلقولهم بخلود أصحاب الكبائر في النار. وأما توضيح قول أهل السنة ففي المقال القادم -إن شاء الله-.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: الوفاء بالوعد وإخلاف الوعيد
الوفاء بالوعد وإخلاف الوعيد (2) كتبه/ طلعت مرزوق الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فأهل السُّنة هداهم الله لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ، وقالوا: إن الله لا يُخلِف وعده لأهل طاعته، بحكم وعدِه لهم بذلك، لا بحكم استحقاقهم عليه، فإن العبد لا يستحق بنفسه على الله شيئًا. أما الوعيد فيجوز أن يعفو الله -سبحانه- عن المُذنِب، وأن يُخرِج أهل الكبائر مِن النار؛ فلا يُخلد فيها أحدٌ مِن أهل التوحيد. (ينظر: منهاج السنة لابن تيمية). وأعمال العباد لا تبلغ حق عبادته، أو تكافئ نعمه -سبحانه وتعالى-، ولا تدخلهم الجنة إلا أن يرحمهم؛ كما في الحديث عن عائشة -رضي الله عنها-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (فَإِنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ أَحَدًا عَمَلُهُ). قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ) (متفق عليه). وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا فِي السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ مَوْضِعُ قَدِمٍ وَلَا شِبْرٍ، وَلَا كَفٍّ إِلَّا وَفِيهِ مَلَكٌ قَائِمٌ، أَوْ مَلَكٌ رَاكِعٌ، أَوْ مَلَكٌ سَاجِدٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَالُوا جَمِيعًا: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ، إِلَّا أَنَّا لَمْ نُشْرِكْ بِكَ شَيْئًا) (رواه الطبراني في المعجم الكبير، وقال ابن حجر في تحفة النبلاء: رجاله لا بأس بهم). وعن عَدِيَّ بْنَ أَرْطَاةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ لِلَّهِ -تَعَالَى- مَلَائِكَةً تُرعَد فَرَائِصُهُمْ مِنْ خِيفَتِهِ، مَا مِنْهُمْ مَلَكٌ تَقْطُرُ مِنْهُ دَمْعَةٌ مِنْ عَيْنِهِ إِلَّا وَقَعَتْ عَلَى مَلَكٍ يُصَلِّي، وَإِنَّ مِنْهُمْ مَلَائِكَةً سُجُودًا مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَمْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ وَلَا يَرْفَعُونَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ مِنْهُمْ مَلَائِكَةً رُكُوعًا لَمْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَرْفَعُونَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ نَظَرُوا إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالُوا: سُبْحَانَكَ! مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ) (رواه محمد بن نصر المَرْوَزِي في كتاب الصلاة، وقال ابن كثير في (سورة المدثر): "وهذا إسناد لا بأس به"). وروي عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "خَرَج مِنْ عندي خَليلي جبريلُ آنفًا، فقالَ: يا محمَّدُ! والَّذي بَعَثك بِالحَقِّ؛ إنَّ لله عَبْدًا مِنْ عِبادهِ عَبدَ الله خَمْسَماِئَةِ سَنَةً على رأسِ جَبَلٍ في البَحْرِ؛ عَرْضُهُ وطوله ثلاثونَ ذِراعًا في ثلاثينَ ذراعًا، والبحرُ مُحيطٌ به أربَعَة آلافِ فَرْسَخ مِنْ كلِّ ناحيَة، وأخْرَجَ لَهُ عَيْنًا عَذْبَةً بِعَرْضِ الإصْبَع، تَفيضُ بِماءٍ عَذْبٍ، فيَسْتَنْقِعُ في أسْفَلِ الجَبل، وشَجرةَ رُمَّانٍ تُخْرِج لهُ في كل ليلةٍ رمَّانَةً يتَعَبَّدُ يومَهُ، فإذا أَمْسى نَزلَ فأصابَ مِنَ الوضوء، وأخذَ تِلْكَ الرُّمَّانَةَ فَأكَلها، ثمَّ قامَ لِصَلاتِهِ، فسأل رَبَّه عند وقْتِ الأَجلِ أن يَقْبضَهُ ساجِدًا، وأنْ لا يجْعَل للأرض ولا لِشَيْءٍ يُفْسِدُه عليه سَبيلًا؛ حتى يَبْعَثَهُ الله وهو ساجِدٌ. قال: ففعَلَ. فَنَحنُ نَمُرُّ عليه إذا هَبَطْنا وإذا عَرَجْنا، فنجِدُ له في العِلْمِ أنَّه يُبْعَثُ يومَ القيامَةِ، فيوقَفُ بينَ يدَيِ الله، فيقولُ له الربُّ: أدْخلوا عبدي الجنة برحْمَتي، فيقولُ: ربِّ! بَلْ بِعَمَلي. فيقولُ: أدْخِلوا عَبْدي الجنَّةَ بَرَحْمتي، فيقولُ: ربِّ! بَلْ بعملي، فيقولُ الله: قايِسُوا عبدي بِنِعْمَتي عليْهِ وبِعَمَلِه، فتوجَدُ نِعْمَةُ البَصَر قدْ أحاطَتْ بعِبادة خَمْسِمئَة سنَة، وبقيَتْ نِعْمَةُ الجَسَد فَضْلًا عليه، فيقولُ: أَدْخِلوا عبديَ النارَ، فيُجَرُّ إلى النارِ، فينادي: رَبِّ! بِرَحْمَتِك أدْخلني الجنَّةَ! فيقول: رُدّوهُ، فيوقَفُ بينَ يديْهِ، فيقولُ: يا عبدي! مَنْ خَلَقك ولمْ تَكُ شَيْئًا؟ فيقولُ: أنت يا ربِّ! فيقولُ: مَنْ قَوَّاك لِعِبادَةِ خَمْسِمِئَةِ سنَةٍ؟ فيقولُ: أَنْتَ يا ربِّ! فيقولُ: مَنْ أنْزَلَك في جبَلٍ وسَطَ اللُّجَّةِ، وأَخْرَجٍ لك الماءَ العَذْبَ مِنَ الماءِ المالِح، وأخْرَجَ لكَ كلَّ ليْلَةٍ رُمَّانَةً، وإنَّما تَخْرُج مرَّةً في السنةِ، وسَألْتَهُ أنْ يقْبِضك ساجِدًا ففَعل؟ فيقولُ: أنْتَ يا ربِّ! قال: فذلك بِرَحْمَتي، وبرَحْمتي أُدْخلُكَ الجنَّةَ، أدْخِلوا عبديَ الجنَّةَ، فنِعْمَ العبدُ كنتَ يا عَبْدي! فأدْخلَهُ الله الجنَّة. قال جبريلُ: إنَّما الأشْياءُ بِرَحْمَةِ الله يا محمدُ!" (رواه البيهقي في شعب الإيمان، والحاكم في المستدرك، وضعَّفه الألباني في السلسلة الضعيفة، وضعيف الترغيب). وللحديث بقية إن -شاء الله تعالى-.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
رد: الوفاء بالوعد وإخلاف الوعيد
الوفاء بالوعد وإخلاف الوعيد (3) كتبه/ طلعت مرزوق الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ قال الله -عز وجل-: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) (الأنبياء: 23)؛ فهو -عز وجل- يهدي مَن يشاء، ويعصم ويُعافي فضلًا، ويضل مَن يشاء، ويخذل ويبتلي عدلًا. وفيه ردٌ على المعتزلة في التحسين والتقبيح العقلي، القائلين بوجوب فعل الأصلح للعبد على الله، فالظلم عند أهل السنة ليس مجرد التصرف في ملك الغير بغير إذنه، بل غياب العلم والحكمة في التصرف في المِلْك ظلم. وقد فسَّر كثير مِن العلماء الظلم بأنه وضع الأشياء في غير مواضعها، والله -سبحانه- حرَّم الظلم على نفسه، وأفعاله كلها عن علمٍ وحكمة. وعن ابن الديلمي، قال: وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْقَدَرِ، خَشِيتُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيَّ دِينِي وَأَمْرِي، فَأَتَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، فَقُلْتُ: أَبَا الْمُنْذِرِ، إِنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْقَدَرِ، فَخَشِيتُ عَلَى دِينِي وَأَمْرِي، فَحَدِّثْنِي مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ، فَقَالَ: "لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ، لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ لَكَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ كَانَ لَكَ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا، أَوْ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ تُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا قُبِلَ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، فَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَأَنَّكَ إِنْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ"، وَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَأْتِيَ أَخِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، فَتَسْأَلَهُ. فَأَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ، فَسَأَلْتُهُ، فَذَكَرَ مِثْلَ مَا قَالَ أُبَيٌّ، وَقَالَ لِي: وَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَأْتِيَ حُذَيْفَةَ. فَأَتَيْتُ حُذَيْفَةَ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَا، وَقَالَ: ائْتِ زيْدَ بْنَ ثابتٍ، فَاسْأَلْهُ. فَأَتَيْتُ زيْدَ بْنَ ثابتٍ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (لوْ أَنَّ اللَّهَ عذَّبَ أهْلَ سَمَاوَاتِهِ وأهْلَ أرْضِهِ، لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ لَكَانَتْ رَحْمَتُهُ خيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ كَانَ لَكَ مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا، أوْ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا تُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا قَبِلَهُ مِنْكَ حتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ، فَتَعْلَمَ أنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَأَنَّكَ إِنْ مُتَّ عَلَى غيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ) (رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وصححه الألباني). قال ابن رجب -رحمه الله-: "وفي هذا الحديث نظر. ووهب بن خالد ليس بذلك المشهور بالعلم. قال: وقد يُحمل على أنه لو أراد تعذيبهم، لقدر لهم ما يعذبهم عليه، فيكون غير ظالمٍ لهم حينئذٍ". وكونه خلق أفعال العباد وفيها الظلم، لا يقتضي وصفه بالظلم -سبحانه وتعالى-، كما أنه لا يُوصف بسائر القبائح التي يفعلها العباد، وهي خلقه وتقديره، فإنه لا يُوصف إلا بأفعاله، لا يُوصف بأفعال عباده، فإن أفعال عباده مخلوقاته ومفعولاته، وهو لا يُوصف بشيء منها، إنما يُوصف بما قام به مِن صفاته وأفعاله. والله أعلم. قال الشيخ الشنقيطي -رحمه الله-: (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) (ق: 14). هذه الآية الكريمة تدل على أن من كذَّب الرسل يحق عليه العذاب؛ أي: يتحتم ويثبت في حقه ثبوتًا لا يصح معه تخلفه عنه، وهو دليل واضح على أن ما قاله بعض أهل العلم من أن الله يصح أن يُخلف وعيده؛ لأنه قال إنه لا يخلف وعده، ولم يقل إنه لا يخلف وعيده، وأن إخلاف الوعيد حسن لا قبيح، وإنما القبيح هو إخلاف الوعد. لا يصح بحال؛ لأن وعيده -تعالى- للكفار حق، ووجب عليهم بتكذيبهم للرسل كما دَلَّ عليه قوله هنا: (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ)، وقد تقرر في الأصول أن الفاء من حروف العلة كقوله: سها فسجد؛ أي: لعلة سهوه. وسَرَق فقطعت يده؛ أي: لعلة سرقته، ومنه قوله -تعالى-: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) (المائدة: 38)، فتكذيبهم الرسل علة صحيحة لكون الوعيد بالعذاب حق ووجب عليهم، فدعوى جواز تخلفه باطلة بلا شك. (ينظر: أضواء البيان). قال ابن تيمية -رحمه الله-: "والذي عليه أهل السنة والجماعة الإيمان بالوعد والوعيد؛ فكما أن ما توعد الله به العبد من العقاب قد بيَّن -سبحانه- أنه بشروط: بأن لا يتوب، فإن تاب تاب الله عليه، وبأن لا يكون له حسنات تمحو ذنوبه، فإن الحسنات يذهبن السيئات. وبأن لا يشاء الله أن يغفر له، فـ (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (النساء: 48). فهكذا الوعد له تفسير وبيان، فمن قال بلسانه لا إله إلا الله وكذب الرسول فهو كافر باتفاق المسلمين، وكذلك إن جحد شيئًا مما أنزل الله؛ فلا بد من الإيمان بكل ما جاء به الرسول، ثم إن كان من أهل الكبائر فأمره إلى الله؛ إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، فإن ارتد عن الإسلام ومات مرتدًا كان في النار، فالسيئات تحبطها التوبة، والحسنات تحبطها الردة. ومن كان له حسنات وسيئات فإن الله لا يظلمه، بل مَن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره، والله قد يتفضل عليه ويحسن إليه بمغفرته ورحمته، ومن مات على الإيمان فإنه لا يخلد في النار" (مجموع الفتاوى).
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |