المصور جل جلاله وتقدست أسماؤه - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 150 - عددالزوار : 66240 )           »          مَحْظوراتِ الْإِحْرامِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 27 )           »          اغتنام وقت السحر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          الملل آفة العصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 25 )           »          الدعاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 27 )           »          عظمة الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          في انتظار الفرج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          رمضان شهر الرحمات وشهر البطولات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          المرأة في أوروبا القديمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          فقه بناء الأمم والحضارات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-05-2024, 05:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,469
الدولة : Egypt
افتراضي المصور جل جلاله وتقدست أسماؤه

الْمُصَـوِّرُ

جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ

الشيخ وحيد عبدالسلام بالي

الدِّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (المُصَوِّرِ):
المُصَوِّرُ في اللُّغَةِ اسْمُ فَاعِلٍ للْمَوْصُوفِ بالتَّصَوِيرِ، فِعْلُهُ صَوَّرَ وأَصْلُهُ صَار يُصَوِّرُ صَوْرًا، وصَوَّرَ الشَّيءَ أَيْ: جَعَلَ لَهُ شَكْلًا مَعْلُومًا، وَصَوَّرَ الشَّيْءَ قَطَعَهُ وَفَصَلَهُ وَمَيَّزَهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَتَصْوِيرُهُ جَعْلُهُ عَلَى شَكْلٍ مُتَصَوَّرٍ، وَعَلَى وَصْفٍ مُعَيَّنٍ، وَالصُّورَةُ هِيَ الشَّكْلُ والهَيْئَةُ، أَوِ الذَّاتُ الُمتَمَيِّزَةُ بِالصِّفَاتِ[1].

قَالَ الرَّاغِبُ: «الصُّورَةُ مَا يَنْتَقِشُ بِهِ الأَعْيَانُ وَيَتَمَيَّزُ بِهَا عن غَيْرِهَا، وَذَلِكَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا مَحْسُوسٌ يُدْرِكُهُ الخَاصَّةُ والعَامَّةُ، بَلْ يُدْرِكْهُ الإِنْسَانُ وَكَثِيرٌ مِنَ الحَيَوَانِ بِالُمعَايَنَةِ كَصُورَةِ الإِنْسَانِ وَالفَرَسِ وَالحِمَارِ، والثَّانِي مَعْقُولٌ يُدْرِكَهُ الخَاصَّةُ دُونَ العَامَّةِ كالصُّورَةِ الَّتِي اخْتَصَّ الإِنْسَانُ بِهَا مِنَ العَقْلِ وَالرَّوِيَّةِ، وَالَمعَانِي الَّتِي خُصَّ بِهَا شَيْءٌ بِشَيْءٍ»[2].

وَالمُصَوِّرُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي صَوَّرَ الَمخْلُوقَاتِ فِيهِ بِشَتَّى أَنْوَاعِ الصُّوَرِ الجَلِيَّةِ وَالخَفِيَّةِ وَالحِسِّيَّةِ وَالعَقْلِيَّةِ، فَلَا يَتَمَاثَلُ جِنْسَانِ، ولا يَتَسَاوَى نَوْعَانٍ، بَلْ لَا يَتَسَاوَى فَرْدَانِ، فَلِكُلٍّ صُورَتُهُ وَسِيرَتُهُ، وَمَا يَخُصُّهُ وَيُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ.

والصُّوَرُ مُتَمَيِّزَةٌ بِأَلْوَانٍ وأَشْكَالٍ في ذَاتِهَا وَصِفَاتِهَا، وَإِحْصَاؤُهَا في نَوْعٍ وَاحِدٍ، أَوْ حَصْرُهَا في جِنْسٍ وَاحِدٍ أَمْرٌ يُعْجِزُ العَقْلَ، وَيُذْهِلُ الفِكْرَ، فَالمُصَوِّرُ في أَسْمَاءِ اللهِ الحُسْنَى هُوَ مُبْدِعُ صُوَرِ المَخْلُوقَاتِ، وَمُزَيِّنُهَا بِحِكْمَتِهِ، وَمُعْطي كُلِّ مَخْلُوقٍ صُورَتَهُ عَلَى مَا اقْتَضَتْ مَشِيئَتُهُ وَحِكْمَتُهُ، وَهُوَ الَّذِي صَوَّرَ النَّاسَ في الأَرْحَامِ أَطْوَارًا، وَنَوَّعَهُمْ أَشْكَالًا كَمَا قَالَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الأعراف: 11]، وَاللهُ عز وجل كَمَا صَوَّرَ الأَبْدَانَ فَتَعَدَّدَتْ وَتَنَوَّعَتْ نَوَّعَ في الأَخْلَاقِ فَتَتَعَدَّدُ صُوَرُ الأَخْلَاقِ وَالطِّبَاعِ[3].

وَأَعْظَمُ تَكْرِيمٍ للإِنْسَانِ مِنَ اللهِ المُصَوِّرِ أَنَّهُ خَلَقَهُ عَلَى صُوَرتِهِ في المَعْنَى المُجَرَّدِ لِيَسْتَخْلِفَهُ في أَرْضِهِ، وَيَسْتَأْمِنَهُ في مُلْكِهِ.

رَوَى البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَلَقَ اللهُ آَدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ ستُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ المَلَائِكَةِ جُلُوسٌ، فَاْسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّها تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ؛ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ: فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ؛ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَكلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآن»[4].

وَالحَدِيثُ ظَاهِرُ المَعْنَى في أَنَّ اللهَ صَوَّرَ آدَمَ، وَجَعَلَ لَهُ سَمْعًا وَبَصَرًا وَعِلْمَا وحُكْمَا وَخِلَافَةً وَمُلْكًا، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الأَوْصَافِ المُشْتَرَكَةِ عِنْدَ التَّجَرُّدِ وَالَّتِي يَصِحُّ عِنْدَ إِطْلَاقِهَا اسْتَخْدَامُهَا في حَقِّ الخَالِقِ وَالمَخْلُوقِ، فَاللهُ عز وجل لَهُ صُورَةٌ وَآَدَمُ لَهُ صُورَةٌ.

وَلَفْظُ الصُّورَةِ عِنْدَ التَّجَرُّدِ لَا يَعْنِي أَبَدًا التَّمَاثُلَ، وَلَا يَكُونُ عِلَّةً لِلْتَشْبِيهِ، إِلَّا عِنْدَ مَنْ فَسَدَتْ فِطْرَتُهُ مِنْ المُشَبَّهَةِ والَمعَطَّلَةِ، أَمَّا الصُّورَةُ عِنْدَ الإِضَافَةِ وَالتّقْييدِ فَصُورَةُ الحَقِّ لَا يَعْلَمُ كَيْفِيَّتَهَا إِلَّا هُوَ؛ لَأَنَّنَا مَا رَأَيْنَاهُ، وَمَا رَأَيْنَا لَهُ مَثِيلًا، أَمَّا صُورَةُ آدَمَ فَمَعْلُومَةُ المَعْنَى وَالكَيْفيَّةِ، وَقَدْ خَلَقَ اللهُ آَدَمَ عَلَى صُورَتِهِ سُبْحَانَهُ في القَدْرِ المُشْتَرَكِ مَعَ ثُبُوتِ الفَارِقِ عِنْدَ أَهْلِ التَّوْحِيدِ.

وَقَدْ قَالَ ابنُ تَيْمِيَّةَ: «مَا مِنْ شَيئينِ إِلَّا بَيْنَهُمَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ وَقَدْرٌ فَارِقٌ، فَمَنْ نَفَى القَدْرَ المُشْتَرَكَ فَقَدْ عَطَّلَ، وَمَنْ نَفَى القَدْرَ الفَارِقَ فَقَدْ مَثَّلَ»[5]، وَالحَدِيثُ عَنْ ذَلِكَ لَهُ مَوْضِعُهُ.

وَالقَصْدُ أَنَّ المُصَوِّرَ سُبْحَانَهُ خَصَّ الإِنْسَانَ بِهَيْئَةٍ مُتَمَيِّزَةٍ مِنْ خِلَالِهَا يُدْرَكُ بِالبَصَرِ وَالبَصِيرَةِ، وَأَسْجَدَ لَهُ بَعْدَ تَصْوِيرِهِ المَلَائِكَةَ، وَلَيْسَ بَعْدَ ذَلِكَ شَرَفٌ أَوْ فَضِيلَةٌ[6].

وُرُودُ الاسْمِ بِالكِتَابِ العَزِيزِ[7]:
وَرَدَ الاسْمُ في قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ﴾ [الحشر: 24]، مَرَّةً وَاحِدَةً في القُرْآَنِ.

وَجَاءَ بِصِيغَةِ الفِعْلِ مَرَّاتٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ [آل عمران: 6].

وَقَوْلِهِ عز وجل: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ﴾ [الأعراف: 11].

وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [التغابن: 3].

المَعْنَى في حَقِّ اللهِ تَعَالَى:
قَالَ ابنُ جَرِيرٍ: «المُصَوِّرُ خَلَقَهُ كَيْفَ شَاءَ وَكَيْفَ يَشَاءَ».

وَقَالَ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾ [الانفطار: 7، 8]؛ «أَيْ: صَرَّفَكَ وَأَمَالَكَ إِلَى أَيْ صُورَةٍ شَاءَ، إِمَّا إِلَى صُورَةٍ حَسَنَةٍ، وَإِمَّا إِلَى صُوَرةٍ قَبِيحَةٍ، أَوْ إِلَى صُورَةِ بَعْضِ قَرَابَاتِهِ»[8].

وَقَالَ الزَّجَاجُ: «المُصَوِّرُ هُوَ مُفَعِّلٌ مِنَ الصُّورَةِ، وَهُوَ تَعَالَى مُصَوِّرُ كُلِّ صُورَةٍ لَا عَلَى مِثَالٍ احْتَذَاهُ، وَلَا رَسْمٍ ارْتَسَمَهُ، تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا»[9].

وَقَالَ ابنُ كَثِيرٍ رجمه الله في مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ﴾ [الحشر: 24]؛ «أَيِ: الَّذِي إِذَا أَرَادَ شَيْئًا قَالَ لَهُ: كُنْ؛ فَيَكُونُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يُرِيدُ، والصُّورَةِ الَّتِي يَخْتَارُ كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: ﴿ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾ [الانفطار: 8]، وَلِهَذَا قَالَ: (المُصَوِّرُ)؛ أَيِ: الَّذِي يُنَفِّذُ مَا يُرِيدُ إِيجَادَهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يُرِيدُهَا»[10].

وَقَالَ الخَطَّابِيُّ: «(المُصَوِّرُ) هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ خَلْقَهُ عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ ليَتَعَارَفُوا بِهَا، فَقَالَ: ﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾ [غافر: 64].

وَقَالَ: التَّصوُّرُ التَّخْطِيطُ والتَّشْكِيلُ، ثُمَّ قَالَ: وَخَلَقَ اللهُ جَلَّ وَتَعَالَى الإِنْسَانَ في أَرْحَامِ الأُمَّهَاتِ ثَلَاثِ خِلَقٍ: جَعَلَهُ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً ثُمَّ جَعَلَهَا صُورَةً؛ وَهُوَ التَّشْكِيلُ الَّذِي بِهِ يَكُونُ ذَا صُورَةٍ وَهَيْئَةٍ يُعْرَفُ بِهَا، وَيَتَمَيَّزُ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ بِسِمَاتِهَا: ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 14]»[11].

وَبِهَذَا يَكُونُ مَعْنَى (المُصَوِّرِ):
1- أَنَّ (الُمصَوِّرَ): هُوَ الَّذِي أَمَالَ خَلْقَهُ وَعَدَّلَهُمْ إِلَى الأَشْكَالِ وَالهَيْئَاتِ الَّتِي تُوَافِقُ تَقْدِيرَهُ وَعِلْمَهُ وَرَحْمَتَهُ، وَالَّتِي تَتَنَاسَبُ مَعَ مَصَالِحِ الخَلْقِ وَمَنَافِعِهِمِ، وَأَنَّ أَصْلَ (المُصَوِّرِ) مِنَ الصَوَرِ وَهُوَ الإِمَالَةُ.

2- أَنَّ (المُصَوِّرَ) هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ خَلْقَهُ عَلَى صِوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَهَيْئَاتٍ مُتَبَايِنَةٍ، مِنَ الطُّولِ وَالِقصَرِ، والحُسْنِ والقُبْحِ، والذُّكُورَةِ وَالأُنُوثَةِ، كُلُّ وَاحِدٍ بِصُورَتِهِ الخَاصَّةِ.

ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ
(الخَالِقِ - الخَلَّاقِ - البَارِئِ - المُصَوِّرِ)
1- أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ؛ أَنَّهُ هُوَ الخَالِقُ وَحْدَهُ، وَمَا سِوَاهُ مُخْلُوقٌ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الرعد: 16]. وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ﴾ [فاطر: 3].

فَكُلُّ مَا سِوَى اللهِ مَخْلُوقٌ مُحْدَثٌ، كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَكُلُّ المَخْلُوقَاتِ سَبِقَهَا العَدَمُ كَمَا قَالَ عز وجل: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ﴾ [الإنسان: 1].

وَهَذَا قَوْلُ الرُّسُلِ جَمِيعًا وَأَتْبَاعِهِمْ، وَخَالَفَ في ذَلِكَ الفَلَاسِفَةُ القَائِلُونَ بِقِدَمِ العَالَمِ وَأَبَدِيَّتِهِ، وَأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعْدُومًا أَصْلًا، بَلْ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، وَلَكِنَّ الكِتَابَ يَرُدُّ ذَلِكَ ويَرْفُضُهُ[12].

2- أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَزَلْ خَالِقًا كَيْفَ شَاءَ، وَمَتَى شَاءَ، وَلَا يَزَالُ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ﴾ [آل عمران: 47].

وَقَوْلِهِ: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ﴾ [القصص: 68]، وَقَوْلِهِ: سُبْحَانَهُ: ﴿ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [البروج: 15، 16].

وَلَيْسَ بَعْدَ خَلْقِ الخَلْقِ اسْتَفَادَ اسْمَ (الخَالِقِ)، وَلَا بِإِحْدَاثِهِ البَرِيَّةَ اسْتَفَادَ اسْمَ (البَارِي)، وَذَلِكَ مِنْ كَمَالِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَاقِدًا لِهَذَا الكَمَالِ، أَوْ مُعَطَّلًا عَنْهُ في وَقْتٍ مِنَ الأَوْقَاتِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 17][13].

3- إِنَّ اللهَ تَعَالَى ذَكَرُهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ تَعَالَى: ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ [غافر: 62].

وَمِنْ جُمْلَةِ مَخْلُوقَاتِهِ العِبَادُ، وَأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأَ لَمْ يَكُنْ، وَلَا يَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّ العَبْدَ لَيْسَ بِفَاعِلٍ عَلَى الحَقِيقَةِ، وَلَا مُرِيدًا، وَلَا مُخْتَارًا، بَلْ هُوَ فَاعِلٌ لِفِعْلِهِ حَقِيقَةً، وَأَنَّ إِضَافَةَ الفَعْلِ إِلَيْهِ إِضَافَةُ حَقٍّ، وَأَنَّهُ يُسْتَوْجَبُ عَلَيْهِ المَدْحُ والذَّمُّ وَالثَّوَابُ والعِقَابُ، وَلَكِنْ لَا يَدُلُّ هَذَا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِغَيْرِ مَشِيئَةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ العِبَادِ مَخْلُوقَةٌ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الصافات: 96][14]، فَأَفْعَالُهُم للهِ تَعَالَى خَلْقٌ، وَلَهُمْ كَسْبٌ، وَلَا يُنْسَبُ شَيءٌ مِنَ الخَلْقِ لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى، فَيَكُونُ شَرِيكًا وَنِدًّا وَمُسَاوِيًا لَهُ في نِسْبَةِ الفِعْلِ إِلَيْهِ، وَقَدْ نَهَى اللهُ سُبْحَانَهُ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 22].

وَقَدْ وَقَعَ في ذَلِكَ القَدَرِيَّةُ نُفَاةُ القَدَرِ، الَّذِينَ جَعَلُوا العِبَادَ خَالِقِينَ مَعَ اللهِ تَعَالَى، وَلِهَذَا كَانُوا (مَجُوسَ هَذِهِ الأُمَّةِ)، بَلْ أَرْدَأَ مِنَ المَجُوسِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ المَجُوسَ أَثْبَتُوا خَالِقَيْنِ، خَالِقًا للخَيْرِ وَخَالِقًا للشَّرِ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَقَدْ أَشْرَكُوا جَمِيعَ العِبَادِ في الخَلْقِ؛ فَقَالُوا: هُمْ يَخْلُقُونَ أَفْعَالَهُمْ، وَخَالَفُوا بِذَلِكَ الكِتَابَ والسُّنَّةَ وَأَهْلَ الحَقِّ[15].

4- خَلْقُ اللهِ عَظِيمٌ مُحْكَمٌ فَلَا يَسْتَطِيعُ مَخْلُوقٌ أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَخْلُقَ أَفْضَلَ مِنْهُ، قَالَ سبحانه وتعالى: ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [لقمان: 11]. وَفِي الآَيَةِ تَحَدٍّ لِجَمِيعِ الخَلْقِ مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ وَغَيْرِهِمْ.

وَقَدْ أَثْبَتَ اللهُ عَجْزَهُمْ عَنْ خَلْقِ خَلْقٍ ضَعِيفٍ حَقْيرٍ كَالذُّبَابِ مَثَلًا وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ، وَتَعَاوَنُوا عَلَيْهِ، قَالَ عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 73، 74].

5- وَلِذَلِكَ حَرَّمَ اللهُ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يُصَوِّرُوا الصُّوَرَ ذَاتَ الأَرْوَاحِ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ مُضَاهَاةٍ لِخَلْقِ اللهِ؛ أَيْ: تَشْبِيهُ مَا يَصْنَعُونَهُ وَيُصَوِّرُونَهُ مِنَ الصُّوَرِ بِمَا يَصْنَعُهُ وَيُصَوِّرُهُ اللهُ كَمَا جَاءَ في رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: «الذين يُشبِّهون بخَلقِ اللهِ»[16].

وَقَدْ وَرَدَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ في تَوَعُّدِ المُصَوِّرِينَ بِأَشَدِّ العَذَابِ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ»[17].

وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ»[18]، وَهُوَ أَمْرُ تَعْجِيزٍ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ صِفَةُ تَعْذِيبِ المُصَوِّرِ؛ وَهُوَ أَنْ يُكَلَّفَ نَفْخَ الرُّوحِ في الصُّورَةِ الَّتِي صَوَّرَهَا، وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَيَسْتَمِرُّ تَعْذِيبُهُ، قَالَه الحَافِظُ[19].

وَجَاءَ في الحَدِيثِ القُدْسِيُّ قَوْلُهُ تَعَالَى: «وَمِنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ – أَيْ: قَصْدَ - يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً، أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً، أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً»[20].

فَتَحَدَّاهُمْ الخَالِقُ سُبْحَانَهُ بِأَنْ يَخْلُقُوا ذَرَّةً وَهِيَ النَّمْلَةُ الصَّغِيرَةُ، ثُمَّ زَادَ في التَّحَدِّي بِأَنْ طَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ شَعِيرَةً وَهُوَ مِنَ الجَمَادِ الَّذِي لَا حَرَكَةَ فِيهِ نِسْبِيًّا إِذَا مَا قِيسَ بِالنِّسْبَةِ للنَّمْلِ الَّذِي يَتَحَرَّكُ.

وَقَالَ بَعْضُ المَلَاحِدَةِ يَوْمًا: أَنَا أَخْلُقُ! فَقِيلَ لَهُ: فَأَرِنَا خَلْقَكَ؟ فَأَخَذَ لَحْمًا فَشَرَّحَهُ، ثُمَّ جَعَلَ بَيْنَهُ رَوْثًا ثُمَّ جَعَلَهُ في كُوزٍ وَخَتَمَهُ وَدَفَعَهُ إِلَى مَنْ حَفِظَهُ عِنْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَيْهِ فَكَسَرَ الخَاتَمَ وَإِذَا الكُوزُ مَلآنٌ دُودًا، فَقَالَ: هَذَا خَلْقِي!! فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ: فَكَمْ عَدَدُهُ؟ فَلَمْ يَدْرِ، فَقَالَ: كَمْ مِنْهُ ذُكُورًا؟ وَكَمْ مِنْهُ إِنَاثًا؟ وَهَلْ تَقُومُ بِرِزْقِهِ؟ فَلَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ، قَالَ لَهُ: إِنَّ الخَالِقَ الَّذِي أَحْصَى كُلَّ مَا خَلَقَ عَدَدًا، وَعَرِفَ الذَّكَرَ مِنَ الأُنْثَى، وَرَزَقَ مَا خَلَقَ، وَعَلِمَ مُدَّةَ بَقَائِهِ وَعَلِمَ نَفَادَ عُمُرِهِ، قَالَ اللهُ عز وجل: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ [الروم: 40]، وَقَالَ: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ [السجدة: 7][21].

وقَدْ قَسَّمَ النَّوَوِيُّ رحمه الله الُمصَوِّرِينَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
«أ- مَنْ فَعَلَ الصُّوَرَةَ لِتُعْبَدَ، وَهُوَ صَانِعُ الأَصْنَامِ وَنَحْوِهَا، فَهَذَا كَافِرٌ وَهُوَ أَشَدُّهُمْ عَذَابًا.

ب- مَنْ فَعَلَ الصُّورَةَ وَقَصَدَ مَضَاهَاةَ خَلْقِ اللهِ تَعَالَى واعْتَقَدَ ذَلِكَ، فَهَذَا كَافِرٌ لَهُ مِنْ أَشَدِّ العَذَابِ مَا لِلْكُفَّارِ، وَيَزِيدُ عَذَابُهُ بِزِيَادَةِ قُبْحِ كُفْرِهِ.

ج- مَنْ لَمْ يَقْصُدْ بِالصُّورَةِ العِبَادَةَ وَلَا المُضَاهَاةَ، فَهُوَ فَاسِقٌ صَاحِبُ ذَنْبٍ كَبَيرٍ، وَلَا يَكْفُرُ كَسَائِرِ المَعَاصِي» اهـ[22].

6- وُجُودُ هَذَا الخَلْقِ العَظِيمِ المُحِيطِ بِنَا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ دَلِيلٌ عَلَى قُدْرَةِ الخَالِقِ، وَعَلَى عَظَمَتِهِ وَكَمَالِهِ، فَالإِنْسَانُ يَعْجَزُ في كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيَانِ عَنْ مِعْرِفَةِ جَوَانِبَ كَثِيرَةٍ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي يَعِيشُ عَلَيْهَا، مَعَ أَنَّهَا صَغِيرةٌ جِدًّا إَذَا مَا قِيسَتْ بِالنِّسْبَةِ لِبَقِيَّةِ الكَوْنِ الفَسِيحِ المَلِيءِ بِمَلايِينِ النُّجُومِ المُضِيئَةِ وَالشُّمُوسِ وَالأَقْمَارِ، وَالَّتِي يَعْجَزُ عَنْ حَصْرِهَا أَوْ عَدِّهَا، وَهَذَا كُلُّهُ في السَّمَاءِ الدُّنْيَا الَّتِي فَوْقَهَا سَتُّ سَمَاوَاتٍ طَبَاقٍ، بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَفَوْقَهُنَّ جَمِيعًا الكُرْسِيُّ، وَمِنْ عَظَمَةِ خَلْقِ هَذَا الكُرْسِيِّ وَاتِّسَاعِهِ أَنَّهُ يَسْتَوْعِبُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالأَرْضَ جَمِيعًا، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ [البقرة: 255]، وَالعَرْشُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَالخَالِقُ سُبْحَانَهُ فَوْقَ العَرْشِ، وَهُوَ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَأَعْظَمُ.

وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ خَلْقَ الإِنْسَانِ ضَعِيفٌ جِدًّا، إِذَا مَا قُورِنَ بِالسَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَالكُرْسِيِّ وَالعَرْشِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [غافر: 57]، وَقَالَ تَعَالَى ﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴾ [النازعات: 27 - 29].

7- وَأَخِيرًا يَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ اللهَ سبحانه وتعالى مَا خَلَقَ هَذَا الخَلْقَ العَظِيمَ لَهْوًا وَلَعِبًا، وَلَا خَلَقَهُ عَبَثًا وَإِنَّمَا خَلَقَهُ لِغَايَةٍ عَظِيمَةٍ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنون: 115، 116]؛ أَيْ: أَفَظَنَنْتُم أَنَّكُمْ مَخْلُوقُونَ عَبَثًا بِلَا قَصْدٍ وَلَا حِكْمَةٍ لَنَا فِيكُم، فَتَعَالَى اللهُ؛ أَيْ: تَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ العَرْشَ لَأَنَّهُ سَقْفُ جَمِيعِ الَمخْلُوقَاتِ[23].

وَقَالَ عز وجل: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾ [الأنبياء: 16 - 18].

قَالَ ابنُ كَثِيرٍ: «يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقِّ – أَيْ: بِالعَدْلِ - لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا، وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالحُسْنَى، وَأَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ ذَلِكَ عَبَثًا وَلَا لَعِبًا»[24].

وَأَبَانَ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الغَايَةِ العَظِيمَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ﴾ [الذاريات: 56، 57].

[1] اشتقاق أسماء الله (ص: 243).

[2] مفردات ألفاظ القرآن (ص: 497).

[3] الأسماء والصفات للبيهقي (ص: 44)، والمقصد الأسنى (ص: 72)، وشرح أسماء الله الحسنى (ص: 217).

[4] رواه البخاري (5873)، ومسلم (2841).

[5] الفتاوى (3/ 69).

[6] فتح الباري (5/ 183).

[7] النهج الأسمى (1/ 167 - 174).

[8] الطبري (28/ 37) (30/ 55).

[9] تفسير الأسماء (ص: 37).

[10] تفسير ابن كثير (4/ 344).

[11] شأن الدُّعاء (ص: 51 - 52)، وفتح القدير (5/ 208)، والاعتقاد للبيهقي (ص: 56).

[12] قال ابن تيمية في درء تعارُض العقل مع النقل (2/ 167): «وقد نقل غيرُ واحد أنَّ أوَّل مَن قال بقِدَم العالَم مِن الفلاسفة هو أرسطو».

[13] انظر: الطحاوية (ص: 137)، وقد خالف في ذلك المعتزلة والجهمية ومَن وافَقَهم مِن الكلَّابِية والأشاعرة؛ فإنهم قالوا: إنه تعالى صار قادرًا على الفعل بعد أن لم يكن قادرًا عليه، لكون الفعل صار ممكنًا بعد أن كان ممتنعًا، وأنه انقلب من الامتناع الذاتيِّ إلى الإمكان الذاتيِّ!!
وقد ردَّ عليهم أبو جعفر الطحاوي رحمه الله بقوله: «ما زال بصفاته قديمًا قبل خلْقه، لم يزدَدْ بكونهم شيئًا لم يكُن قبْلَهم مِن صِفته، وكما كان بصفاته أزليًّا، كذلك لا يزال عليها أبديًّا» اهـ.
راجع: الطحاوية (ص: 127) وانظر شرح ابن أبي العزِّ الحنفي فقد أجاد وأفاد.

[14] أورد ابن كثير عند تفسير هذه الآية حديثًا رواه البخاري في خلْق أفعال العباد (ص: 25): قال حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا معاوية أبو مالك، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله يصنع كلَّ صانعٍ وصنعَتَه» ثم قال البخاري «فأخبر أنَّ الصناعات وأهلها مخلوقة» اهـ.
والحديث إسناده صحيح، رجاله ثقات وأبو مالك هو سعد بن طارق الأشجعي، وأخرجه الحاكم (1/ 31) بالطريق السابق، والبيهقي في الأسماء (ص: 4914).

[15] انظر: العقيدة الطحاوية (ص: 493 - 502)، والفتح (13/ 491 - 495).

[16] مسلم بشرح النووي (14/ 88).
وبذلك تعلم حُرمة تصوير ذوات الأرواح بما يسمى بـ (الكاميرا)؛ لأن المضاهاة تكون فيها أشدَّ من الرسم باليد، والتفريق بينهما لا يستند إلى دليل مِن شرع أو عقل.

[17] رواه البخاري (5950)، ومسلم (2019) من حديث عبد الله بن مسعود.

[18] رواه البخاري (5951)، ومسلم (2108) من حديث ابن عمر.

[19] الفتح (10/ 384).

[20] رواه البخاري (5953 - 7559)، ومسلم (2111) من حديث أبي هريرة.

[21] الحجَّة في المحجَّة (ورقة 16 ب).

[22] شرح مسلم (14/ 91)، انظر: الفتح (10/ 383 - 384).

[23] من تفسير ابن كثير (3/ 259) ملخَّصًا.

[24] المصدر السابق (3/ 174 - 175).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 64.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 62.98 كيلو بايت... تم توفير 1.52 كيلو بايت...بمعدل (2.35%)]