مع اسم الله (الوكيل) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         النظرية التربوية عند المفكر النمساوي (محمد أسد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          حكم طواف الإفاضة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          الحلق أو التقصير في الحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          حكم قصر أهل مكة في الحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          الأضحية في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          حكم طواف الوداع للمعتمر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          القطار الأفغاني والكابح الداعشي! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          السودان بين الاندثار والانبعاث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          هزيمة حزب العدالة والتنمية التركي.. الأسباب والتداعيات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          البحر الأحمر وصراع النفوذ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-05-2024, 06:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,026
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مع اسم الله (الوكيل)

مع اسم الله (الوكيل) (2)

د. أمير بن محمد المدري



الحمد لله شرح صدور المؤمنين للإيمان بفضله ورحمته، وأضل من شاء من عباده بعدله وحكمته.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، جعل للمتقين عُقبى الدار، ولأهل الكفر والضلال الخزي والبوار، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، المصطفى المختار صلى الله عليه وعلى المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم القرار، أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله، واعتصموا بحبل الله، وتوكلوا في أموركم كلها على الله، قال تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ وقال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [الحج:78].

ما زلنا وإياكم مع اسم الله الوكيل لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا، سلّم أمورك إليه، فوّض حياتك عليه.

نعم إنّه المتولي لِشؤون عِباده يصرّفها كيف يشاء، لذلك قالوا: إذا تولى الله عبده بِجميل العِناية كفاه كل شُغل وأغناه عن كل غَيْرٍ، هو الكافي لِمن توكل عليه، إذا اتجه العبد إلى الله مُتَوَكِّلاً تولاه بِحُسن رِعايته فإذا استقام ختم له بِجميل وِلايته.

التوكل عباد الله من أجلّ صفات المؤمنين وارفع درجات السالكين وأعلى مقامات الموحدين وأوثق صفات الربانيين الصديقين قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2]

أي: لا يرجون سواه، ولا يقصدون إلا إياه، ولا يلوذون إلا بجنابه، ولا يطلبون الحوائج إلا منه، ولا يرغبون إلا إليه، ويعلمون أنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه المتصرف في الملك، وحده لا شريك له، ولا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب؛ ولهذا قال سعيد بن جبير: «التوكل على الله جماع الإيمان».

من عاش مع الوكيل فهو المؤمن فلا إيمان لمن لا توكل له: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة: 23].

روي أن أمير بلدة حاتم الأصم اجتاز على باب حاتم فاستسقى ماء، فلما شرب رمى إليهم شيئا من المال، فوافقه أصحابه، ففرح أهل الدار سوى بنية صغيرة فإنها بكت. فقيل لها: ما يبكيك؟ قالت: مخلوق نظر إلينا فاستغنينا فكيف لو نظر إلينا الخالق ـ!!
كُن عن الهموم معرِضا
وكِلِ الهموم إلى القضا

فَلَرُبّ أمرٍ مُسْخِطٍ
لك في عواقبِه رِضا
وَلَرُبَّما ضاق المضيق
وَلَرُبما اتسع الفضا
الله يفعل ما يشاء
فلا تكونن مُعتَرِضا
الله عَوَّدك الجميل
فَقِسْ على ما قد مضى

عباد الله:
الرسل أئمة المتوكلين وقدوتهم، قال تعالى عن نوحٍ عليه السلام أنه قال لقومه: ﴿ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ ﴾ [يونس: 71]، وقال الخليل عليه السلام في قوله تعالى: ﴿ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [الممتحنة: 4]، وقال هودٌ عليه السلام: ﴿ إِنّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبّى وَرَبّكُمْ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ﴾ [هود: 56]، وقال يعقوب عليه السلام: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكّلُونَ ﴾ [يوسف: 67]، وقال شعيبٌ عليه السلام: ﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [الشورى: 10]، وقال رسل الله لأقوامهم: ﴿ وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [إبراهيم: 12].

سار إبراهيم الخليل عليه السلام بزوجه هاجر وابنه الرضيع إسماعيل من بلاد الشام حتى وصل بهما إلى الأرض المباركة إلى جبال فاران بمكة ووضعهما في ذلك الوادي الموحش وتركهما هناك.

تتعلق هاجر بثيابه وهو يهم بالرجوع وتقول له: يا إبراهيم أين تذهب وتدعنا ليس معنا ما يكفينا؟ فلم يجبها.

لم يجبها الخليل لأنه لا يعلم إلا أن الله أمره بوضعهما في ذلك الوادي المقفر، ولا بد من الطاعة والامتثال له.

قالت هاجر: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: فاذهب إذاً فإن الله لن يضيعنا.

إيمان عميق، وثقة بالله عجيبة.

امرأة وطفل رضيع في مكان ليس به أنيس ولا حسيس، في مكان ليس به طعام ولا ماء، ومع ذلك تذعن لأمر الله وتثق بوعد الله ورحمته. فيأتيها الفرج.

هذه هي قمة اليقين، وهذه هي ذروة التوكل يا عباد الله، أما كيف لن يضيعنا؟ أو بأي شيء سينقذنا؟ أو ماذا سيرسل لنا؟ هذا كله لا يهم، المهم أنه طالما كان الأمر من الله فإنه لن يضيعنا، لو نصل ـ يا عباد الله ـ إلى بعض هذا اليقين أو بعض هذا التوكل إذا لانقلبت حياتنا كلها سكينة وطمأنينة، ولرأينا في أحلك الظروف وأصعب الأوقات نافذة ربانية يشع منها النور، ولكن ضاع اليقين بالله وبموعود الله وبنصرة الله، فغاب التوكل وأصبحت حياة الإنسان جحيما، يفكر في الرزق، ويخاف من الغد، ويضخم الأمور، وتركبه الوساوس لأتفه الأسباب، رغم أنه غير مأمور بهذا الغم وهذا الهم وهذا التفكير، بل هو مأمور بعبادة الله عز وجل والسعي في مصالحه قدر استطاعته مجتنبا ما حرم الله.

يا رب ماذا فقَد من وَجَدك وماذا وجد من فقدَك؟ وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فَمن معك.

قال ابن القيم: «التوكل أصل لجميع مقامات الإيمان والإحسان ولجميع أعمال الإسلام، وإن منزلته منها منزلة الجسد من الرأس».

في التوكل راحة البال، واستقرارٌ في الحال، ودفع كيد الأشرار، ومن أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم، وبه قطع الطمع عما في أيدي الناس.

والشيطان لا سلطان له على عباد الله المتوكلين، قال عز وجل: ﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النحل: 99]، والتوكل مانعٌ من عذاب الله كما قال سبحانه: ﴿ قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أهلكني اللَّهُ وَمَن معي أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَـافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ قُلْ هُوَ الرَّحْمَـانُ ءامَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ﴾[الملك: 29].

وموجب لدخول الجنات كما قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [العنكبوت: 58].

من عاش مع الوكيل وكان من المتوكلين نال وسام محبة الله عزو جل قال تعالى: ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 159].. بل المتوكلون حقاً يدخلون جنة ربهم بغير حساب، ففي الصحيحين في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب «هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون».

روى الإمام النووي في كتابه الأذكار عن ابن السني، عن طلق بن حبيب قال: جاء رجل إلى أبي الدرداء فقال: يا أبا الدرداء قد احترق بيتك، فقال: ما احترق، لم يكن الله عز وجل ليفعل ذلك بكلمات سمعتهن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، من قالها أول نهاره لم تصبه مصيبة حتى يمسي، ومن قالها آخر النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح: « اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أعلم أن الله على كل شيءٍ قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علما، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم ». فجاؤوا إلى بيته فوجدوا البيوت حوله احترقت إلا بيته.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا وأستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، واشهد أن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- الداعي إلى رضوانه وعلى آله وصحبه وجميع اخوانه.
وبعد:
أيها الأخوة، من ذاق طعم التوكل على الله، يصبح عنده أمن، عنده راحة، عنده شعور أن الله لن يتخلى عنه، نحن نفتقد لحياة نفسية عالية، الإنسان قد يكون قوياً وغنياً لكن عنده خوف وقلق مستمر، أما إذا كنت مع الله كان الله معك، لأن الله ـ يقول: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إلّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾[التوبة: 51].

وإذا العناية لاحظتك عيونها
نم فالمخاوف كلهن أمان



إذا أردت أن تكون أقوى الناس فَتَوَكَّل على الله، وإذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتّقِ الله وإذا أردت أن تكون أغنى الناس فَكُن بِما في يَدَيْ الله أوْثق منك مما في يديك ما توكَّل على الله أحدٌ وخَيَّب ظنَّه وما توكَّل على الله أحدٌ إلا وكَفَاه وأرضاه وأكرمه. ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الزمر: 62].

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانا» [صحيح، أخرجه أحمد (1/ 30)، والترمذي].

انظر إلى ذلك الطائر الصغير الحقير الذي لا يملك قوةً ولا عقلا ولا تدبيرا يخرج من عشه في الصباح الباكر ليبحث عن رزقه بهدوء واطمئنان، لم يقض ليله مفكرًا في قوته ولم يشغل باله في أمر طعامه وإنما عرف أن الله الذي خلقه قد تكفل برزقه، فاكتفى بمجرد فعل السبب المشروع، فما هو إلا أن خرج فإذا برزقه يأتيه فيمتلأ بطنه بالطعام فيعود إلى عشه مسبحا لله عز وجل.

من الذي رزق ذلك الطائر؟ من الذي أشبعه؟ من الذي هداه إلى طريق الحبة؟ من الذي علمه طرق الكسب والسعي في الأرض؟

إنه الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. إنه الذي يقول: ﴿ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ في كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ [هود: 6].

إنه القائل: ﴿ وَكَأَيّن مّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [العنكبوت: 60].

روى عن ابن عباس -رضى الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للمؤمنين بمكة حين أذاهم المشركون: "اخرجوا إلى المدينة وهاجروا ولا تجاوروا الظلمة" قالوا: ليس لنا بها دار ولا عقار ولا من يطعمنا ولا من يسقينا فنزلت: ﴿ وَكَأَيّن مّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ﴾ [العنكبوت: 60] أي ليس معها رزقها مدخرا، وكذلك أنتم يرزقكم الله في دار الهجرة.

واستمع إلى قول الله تعالى: ﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ[التوبة: 129]، أي عندما يتركك الناس ويهجروك فلا تخف.

وقال شفيق البلخي: التوكل أن يطمئن قلبك لِوَعْدِ الله، فإذا وعدك الله بالتوفيق والرزق والحياة الطيبة وعدك الله بالنصر ما دمت من أولياءه فلما الخوف.

عبد الله:
لو أغلقت في وجهك الأبواب اذهب إلى الوكيل،، فالنبي يذهب إلى الطائف سيراً على الأقدام ثم يُضرب بالحجارة، وتكون النتيجة صفر، ولكن وهو عائد يقابل صبياً من العراق يدعى عدّاس فيؤمن به، ثم يؤمن الجن، ثم رحلة الإسراء والمعراج، وفي النهاية يسلم الأنصار. فهو أراد الطائف والله أراد المدينة.. هو أراد أهل الطائف والله أراد شاباً من العراق.. هو أراد الإنس والله أراد الجن.. هو أراد أهل الأرض والله أراد أهل السماء.

لا تأكل حراما: من أكل فلساً من حرام فليس بمتوكل، فأنت عندما أكلت مالاً حراماً صرت غير مؤمن بأنه الوكيل برزقك.

اُنظر إلى مَثل الجنين الذي في بطن أمه.. كان مصدر رزقه الوحيد هو الدم، فعندما خرج إلى الدنيا بكى، لأن مصدر الرزق انقطع، فإذا بالله يبدله بمصدرين للرزق ثديي الأم، وبكى عند الفطام لفقدانه اللبن، فوجد أن الوكيل قد أعدّ له أربعة مصادر للرزق، لحوم وأسماك واللبن والمياه. وعند الموت يبكي لفقدان مصدر الرزق، فتجده أعد للمؤمنين ثمانية أبواب للجنة! فكل مرة تبكي فيها تجد أن الوكيل قد أعدّ لك مصادر رزق أكثر.

من معاني التوكلصلاة الاستخارة: عندما تكون في مشكلة اذهب للوكيل وصلي ركعتين ثم أدعو بهذا الدعاء: «اللهم أني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فانك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري فقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري فأصرفه عني وأصرفني عنه وأقدر لي الخير حيثما كان ثم أرضني به» ثم نأخذ بالأسباب.

التوكل لا يأتي مع التواكل: فعندما جاء الرجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال له «عندي ناقة أأعقلها أم أتوكل؟ » فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- «أعقلها وتوكل»، وعندما رأى عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- ناقة جرباء فسأل صاحبها.. ألا تعالجها؟ فقال:«أني أدعو الله أن يشفيها»، فقال له عمر:« ألا جعلت مع الدعاء قطرانا » أي دواء. وفي رحلة الإسراء والمعراج عند وصول النبي -صلى الله عليه وسلم- المسجد الأقصى، ربط البراق عند الحائط بالرغم من إنه نزل لخدمته وحده.. لماذا؟ لأن الإسلام يُعلمنا الأخذ بالأسباب.

وشاهد عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- أناساً يتعبدون في المساجد ولا يعملون، فسألهم عن عملهم فقالوا: نحن متوكلون، فقال لهم: لا، أنتم متواكلون، وبادرهم بالدرة. أي بالعصا التي يحملها، ثم قال: المتوكل هو الذي يلقي حبه في الأرض ويتوكل على الله، أي الذي يعمل ثم يتوكل على الله.
توكل على الرحْمن فِي الأمر كله
ولا ترغبن في العجز يومًا عن الطلب

ولو شاء أن تَجنيه من غير هزّة
ولكن كلّ شيء له سبب

عباد الله:
نحن بحاجة إلى اللجوء إلى الله في كل ما يعرض علينا من ظلم وعدوان أو فقر وحرمان أو مرض في الأبدان أو غير ذلك مما لا يملك كشفه وإزالته إلا الله وحده، ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَـاواتِ وَالأرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ[الأنعام: 14].
وأسلَمْت وجهي لمن أسلَمَت
له الأرض تحمل صخرًا ثقالاً
وأسلَمْت وجهي لمن أسلَمَت
له الريح تصرف حالاً فحالاً

فيقول الله عز وجل في محكم كتابه: ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَـالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلّ شيء قَدْراً[الطلاق: 3-2].

أيها المسلمون، هاتان الآيتان الكريمتان من سورة الطلاق، وهي مدنية، ولهما سبب نزول، فقد ذكرت كتب التفسير بأن رجلاً من قبيلة أشجع، كان فقير الحال وكان كثير العيال، وأن ابناً له قد وقع في الأسر بيد المشركين، فأتى النبيَ -صلى الله عليه وسلم- وقال: يا رسول الله، إن ابني أسره العدو، وجزعت عليه أمه، فما تأمرني؟ فقال له عليه الصلاة والسلام: «اتق الله واصبر، وأكثر من قولك: لا حول ولا قوة إلا بالله».


ولم تلبث مدة وجيزة حتى تمكن الابن من الإفلات من الأسر، وفي طريقه آتى على غنم سباها من الأعداء، فنزلت هاتان الآيتان الكريمتان من سورة الطلاق، لتوضح أن من يتوكل على الله حقَّ توكله، فإنه يكفيه ما أهمه وما أغمّه، وما يحتاج إليه.

هذا وصلوا - عباد الله - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 65.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 63.47 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.63%)]