اسم الله تعالى: القيوم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         من مخالفات النكاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          حكم تبرع طرف ثالث بضمان ودائع المستثمرين عند حدوث الخسارة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          حكم تعليق عقد المضاربة والشركة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الخمر والميسر نظرة دينية اقتصادية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حكم شهادات الاستثمار ذات الجوائز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          قاعدة مهمة في الأحكام الأصولية والفرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          حكم عقد الاستصناع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 105 - عددالزوار : 45245 )           »          الظلم الواقع على أهل السنة والجماعة من يرفعه؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          معركتنا الجديدة مع اليهود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-05-2024, 07:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 142,118
الدولة : Egypt
افتراضي اسم الله تعالى: القيوم

اسم الله تعالى: القيوم (1)
ناصر عبدالغفور

اسم الله تعالى(الْقَيُّوم): 1 / 2


من أجَلِّ العلوم العلمُ بأسماء الله تعالى؛ فإن العلم بها عِلْمٌ بالمسمى بها، وهو الله جل في علاه، إذ كيف يُعقَل أن نُحقِّق العبودية له سبحانه ونحن لا علم لنا به ولا بأسمائه، ولا بنُعُوته أو صفاته؟

ولهذا نجد القرآن الكريم أكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ أسمائه سبحانه، ونعوت جلاله، وصفات كماله؛ وما ذاك إلا لضرورة العلم بها، فلا سبيل للعلم بالمعبود إلا بالعلم بأسمائه ونعوته، والمتتبِّع لآيات القرآن الكريم يجد آيات الأسماء والصفات أكثر من آيات الوعد والوعيد؛ يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى: "حقيقة الإيمان أن يعرِفَ الربَّ الذي يؤمن به، ويبذُلَ جهده في معرفة أسمائه وصفاته، حتى يبلغ درجة اليقين، وبحسب معرفته بربه يكون إيمانه، فكلما ازداد معرفة بربه، ازداد إيمانه، وكلما نقص، نقص، وأقرب طريق يوصِّله إلى ذلك تدبُّرُ صفاته وأسمائه من القرآن[1]"[2].

وما أحسن ما سطَّره الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى في شرحه على نونيته الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى الموسومة بـ(الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية): "إن الله جلَّ ثناؤه وتقدَّست أسماؤه إذا أراد أن يُكرِمَ عبدًا بمعرفته، ويجمع قلبه على محبته، شَرَحَ صدره لقَبول صفاته العلى، وتلقيها من مشكاة الوحي، فإذا وَرَدَ عليه شيء منها، قابله بالقبول، وتلقَّاه بالرضا والتسليم، وأذعن له بالانقياد، فاستنار به قلبه، واتَّسع له صدره، وامتلأ به سرورًا ومحبة، فعلِم أنه تعريف من تعريفات الله تعالى، تعرَّف به على لسان رسوله، فأنزل تلك الصفة من قلبه منزلة الغذاء، أعظمَ ما كان إليه فاقةً، ومنزلة الشفاء أشدَّ ما كان إليه حاجة، وسكن إليها قلبُه، فجَالَ من المعرفة في ميادينها، وأسام عَينَ بصيرته في رياضها وبساتينها؛ لتيقُّنِهِ بأن شرف العلم تابع لشرف معلومه، ولا معلومَ أعظم وأجَلُّ ممن هذه صفته، وهو ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأن شرفه أيضًا بحسب الحاجة إليه، وليست حاجة الأرواح قط إلى شيء أعظم منها إلى معرفة باريها وفاطرها، ومحبته وذِكْرِه، والابتهاج به، وطلب الوسيلة إليه والزُّلفى عنده، ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلما كان العبد بها أعْلَمَ، كان بالله أعرف، وله أطْلَبَ، واليه أقرب"[3].

ومع اسم آخر من أسماء الله تعالى؛ وهو اسم (الْقَيُّوم).

وكما هو الشأن فيما مضى من أسماء في هذه السلسلة المباركة، ستتم مدارسة هذا الاسم كما يلي:
1- وروده في الكتاب والسُّنَّة.
2- معناه في اللغة.
3- معناه في حق البارئ سبحانه.
4- آثار الإيمان به، وهو المقصِد والغاية من معرفة أسماء الله جل وعلا.

1- ورود اسم "الْقَيُّوم" في الكتاب والسنة:
من الكتاب:
وَرَدَ اسم الْقَيُّوم في ثلاثة مواضع:
آية الكرسي: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ﴾ [البقرة: 255].

فاتحة آل عمران: ﴿ الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [آل عمران: 1، 2].

وفي سورة طه وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾ [طه: 111].

من السُّنَّة:
عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163]، وفاتحة آل عمران: ﴿ الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [آل عمران: 1، 2]))[4].

وعن ابن مسعود رضي الله عنه يرفعه: ((من قال: أستغفر الله... الذي لا إله إلا هو الحي الْقَيُّوم وأتوب إليه؛ ثلاثًا، غُفِرت له ذنوبه وإن كان فارًّا من الزحف))[5]، وعن أُبَيِّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبا المنذر، أي أية معك من كتاب الله أعظم؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أبا المنذر، أي آية معك من كتاب الله أعظم؟ قال: قلت: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255]، قال: فضرب في صدري، وقال: لِيَهْنِ لك - أبا المنذر – العِلْمُ))[6].

2- معنى (الْقَيُّوم) في اللغة[7]:
جاء في المعجم الوسيط: "(الْقَيُّوم) القائم الحافظ لكل شيء، واسم من أسماء الله الحسنى"[8].

قال الراغب رحمه الله تعالى: "﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255]؛ أي: القائم الحافظ لكل شيء، والمعطي له ما به قِوامُهُ، وذلك هو المعنى المذكور في قوله: ﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50]، وفي قوله: ﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ [الرعد: 33]، وبناء قَيُّوم فَيْعُول، وقَيَّام فَيْعَال، نحو دَيُّون ودَيَّان"[9].

قال ابن سِيده رحمه الله تعالى في مخصصه: "(الْقَيُّوم) المبالغ في القيام بكل ما خلق وما أراد، فَيْعُول من القيام على مثال: دَيُّور وعَيُّوق، والأصل في ذلك قيووم، فسُبقت الياء بسكون، فقلبوا الواو المتحركة ياء، وأدغموا هذه فيها"[10].

قال أبو بكر الأنباري رحمه الله تعالى في الزاهر: "وفي الْقَيُّوم ثلاث لغات: الْقَيُّوم والقَيَّام[11]، وبه قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والقَيِّم، وكذلك هو في مصحف ابن مسعود، ورُوي عن علقمة"[12].

قال المناوي رحمه الله تعالى في تعاريفه: "القِوام: اسم لما يقوم به الشيء؛ أي: يثبُت، كالعماد والسناد، لِما يُعْمَد ويُسْنَد به، والحي الْقَيُّوم: القائم الحافظ لكل شيء، والمعطي له ما به قوامه، وذلك هو المعنى المذكور في قوله: ﴿ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50]"[13].

وقد نقل ابن منظور رحمه الله تعالى كما هي عادته في لسانه كلام كثير من أهل العلم في معنى الْقَيُّوم، أنقل بعضها لأهميتها: "والله تعالى الْقَيُّوم والقَيَّام، ابن الأعرابي: الْقَيُّوم والقيام والمدبِّر واحد، وقال الزجاج[14] الْقَيُّوم والقيَّام في صفة الله تعالى وأسمائه الحسنى: القائم بتدبير أمر خلقه في إنشائهم ورِزْقِهم، وعِلْمِه بأمكنتهم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ﴾ [هود: 6]، وقال الفرَّاء: صورة الْقَيُّوم من الفعل: الفيعول، وصورة القيَّام: الفيعال وهما جميعًا مدح... قال مجاهد: الْقَيُّوم: القائم على كل شيء، وقال قتادة: الْقَيُّوم: القائم على خلقه بآجالهم وأعمالهم وأرزاقهم، وقال الكلبي: الْقَيُّوم الذي لا بدء له، وقال أبو عبيدة: الْقَيُّوم القائم على الأشياء، الجوهري، وقرأ عمر: الحي القَيَّام، وهو لغة، والحي الْقَيُّوم؛ أي: القائم بأمر خلقه في إنشائهم ورزقهم، وعلمه بمستقرهم ومستودعهم، وفي حديث الدعاء: ((ولك الحمد، أنت قيَّام السماوات والأرض، وفي رواية: قَيِّم، وفي أخرى: قيُّوم، وهي من أبنية المبالغة، ومعناها: القيام بأمور الخلق، وتدبير العالم في جميع أحواله، وأصلها من الواو: قيوام وقيوم وقيووم، بوزن: فَيْعال وفَيْعل وفَيْعُول، والْقَيُّوم من أسماء الله المعدودة، وهو القائم بنفسه مطلقًا لا بغيره، وهو مع ذلك يقوم به كل موجود، حتى لا يُتصوَّر وجود شيء ولا دوام وجوده إلا به"[15].

جاء في كتاب (أسماء الله الحسنى): "الْقَيُّوم في اللغة من صيغ المبالغة، فِعْلُهُ قام يقوم قومًا وقيامًا، ويأتي الفعل على معنيين؛ الأول: القيام بالذات والبقاء على الوصف، والثاني: إقامة الغير والإبقاء عليه؛ لأن غيره مفتقر إليه، فالأول على اعتبار صفة الذات، والثاني على اعتبار صفة الفعل.

وعلى هذين المعنيين دارت عبارات اللغويين، فالْقَيُّوم هو القائم بنفسه مطلقًا لا بغيره، الباقي أزلًا وأبدًا، أو القائم بتدبير أمور الخلق، وتدبير العالم بجميع أحواله، فهو القائم بأمور خلقه في إنشائهم، وتولِّي أرزاقهم، وتحديد آجالهم وأعمالهم، وهو العليم بمستقرهم ومستودعهم، وهو الذي يقوم به كل موجود، حتى لا يتصور وجود شيء ولا دوام وجوده إلا بقيُّوميته وإقامته له"[16].

3- معنى (الْقَيُّوم) في حق الله تعالى:
جمهور أهل العلم سلفًا وخلفًا ذهبوا إلى أن (الْقَيُّوم) في حق الله تعالى هو القائم بنفسه، القائم بغيره[17]، لكن هناك تأويلًا أو قولًا آخر؛ وهو أن الْقَيُّوم الدائم الذي لا يزول.

ومن القائلين بهذا القول الإمام الخطابي رحمه الله تعالى، كما نقل عنه الإمام البيهقي رحمه الله تعالى: "وقال الخطابي: الْقَيُّوم القائم الدائم بلا زوال، ووزنه فَيْعُول من القيام، وهو نعت المبالغة[18]"[19].


وكذلك الإمام الزجاج؛ حيث يقول: "الْقَيُّوم هو فيعول من قام يقوم، الذي بمعنى دام، لا القيام المعروف، وقال الله تعالى ذكره: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ﴾ [آل عمران: 75]؛ أي: دائمًا، والله أعلم، الْقَيُّوم وهو الدائم، وكان من قراءة عمر بن الخطاب رحمه الله[20] الحي القيَّام"[21].


ومن القائلين بهذا التأويل الإمام أبو عبيدة؛ فقد قال في مجازه: "(الْقَيُّوم): القائم، وهو الدائم الذي لا يزول، وهو فَيْعُول"[22].


والراجح في معنى (الْقَيُّوم) ما عليه الجمهور.

يقول الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى بعد أن ذكر وَجْهَيِ التأويل لاسم الْقَيُّوم: "وأولى التأويلين بالصواب ما قاله مجاهد[23]، والربيع[24]، وأن ذلك وصف من الله تعالى ذكره نفسه بأنه القائم بأمر كل شيء، في رزقه والدفع عنه، وكلاءته وتدبيره، وصرفه في قدرته، من قول العرب: "فلان قائم بأمر هذه البلدة"؛ يعني بذلك: المتولي تدبير أمرها"[25].

ويقول في موضع آخر من جامع البيان له: "ومعنى قوله: الْقَيُّوم: القائم برزق ما خَلَقَ وحفظه، كما قال أمية:
لم تُخلَقِ السماء والنجوم
والشمس معها قمر يَعُومُ
قدَّره المهيمن الْقَيُّوم
والجسر والجنة والجحيمُ

إلا لأمر شأنه عظيـمُ[26]
وفي موضع آخر من جامعه يقول: "القيم بحفظ كل شيء ورزقه، وتدبيره وتصريفه فيما شاء وأحب، من تغيير وتبديل، وزيادة ونقص..."[27].

يقول الإمام البيهقي رحمه الله تعالى في الاعتقاد وقد ذكر المعنيين: "الْقَيُّوم: هو القائم الدائم بلا زوال، فيرجع معناه إلى صفة البقاء، والبقاء صفة الذات، وقيل: هو المدبر والمتولي لجميع ما يجري في العالم[28]، وهو على هذا المعنى من صفات الفعل[29]"[30].


يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "الْقَيُّوم: الذي لا ينام، وهو قيم على كل شيء، يدبره ويحفظه، فهو الكامل في نفسه، الذي كل شيء فقير إليه، لا قِوام له إلا به"[31].

وهذه بعض أقوال العلامة السعدي رحمه الله تعالى في معنى الْقَيُّوم:
"هو الذي قام بنفسه وقام بغيره، وذلك مستلزم لجميع الأفعال التي اتصف بها رب العالمين من فعله ما يشاء من الاستواء والنزول، والكلام والقول، والخلق والرزق، والإماتة والإحياء، وسائر أنواع التدبير، كل ذلك داخل في قيومية الباري"[32].

"الْقَيُّوم: الذي قام بنفسه، فاستغنى عن جميع مخلوقاته، وقام بغيره فافتقرت إليه جميع مخلوقاته في الإيجاد والإعداد والإمداد، فهو الذي قام بتدبير الخلائق وتصريفهم، تدبير للأجسام وللقلوب والأرواح"[33].

"الْقَيُّوم: تدخل فيه جميع صفات الأفعال؛ لأنه الْقَيُّوم الذي قام بنفسه، واستغنى عن جميع مخلوقاته، وقام بجميع الموجودات، فأوجدها وأبقاها، وأمدها بجميع ما تحتاج إليه في وجودها وبقائها"[34].

يقول أبو حامد الغزالي - رحمه الله تعالى - في مقصده: "إن كان في الوجود موجود يكفي ذاته بذاته، ولا قِوام له بغيره، ولا يشترط في دوام وجوده وجود غيره، فهو القائم بنفسه مطلقًا، فإن كان مع ذلك يقوم به كل موجود حتى لا يتصور للأشياء وجود، ولا دوام وجود إلا به، فهو الْقَيُّوم؛ لأن قوامه بذاته، وقوام كل شيء به، وليس ذلك إلا الله سبحانه وتعالى"[35].

يقول الحليمي رحمه الله تعالى في معنى الْقَيُّوم: "إنه القائم على كل شيء من خلقه يدبِّره بما يريد جل وعلا"[36].


وبعد أن نقل أقوال الأئمة في معنى (الْقَيُّوم)؛ قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: "ويُقال: هو القائم على كل نفس بالرعاية، والمدبِّر لجميع أمور العالم، وعلى هذا يكون بمعنى (الحفيظ) و(المدبر)؛ ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في تهجده: ((اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد أنت قيَّام السماوات والأرض...))[37]"[38].

وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى اسم الْقَيُّوم في عدة أبيات من نونيته، فهاكها أخي الكريم وبعدها ستجد شرحها:
وكذلك الْقَيُّوم من أوصافه
ما للمنام لديه من غَشَيان[39]
وكذاك يشهد أنه الْقَيُّوم قا
م بنفسه ومقيم ذي الأكوانِ[40]
هذا ومن أوصافه الْقَيُّوم وال
قيوم في أوصافه أمرانِ
إحداهما الْقَيُّوم قام بنفسه
والكون قام به هما الأمرانِ
فالأول استغناؤه عن غيره
والفقر من كلٍّ إليه الثاني
والوصف بالْقَيُّوم ذو شأن كذا
موصوفه أيضًا عظيم الشانِ[41]


يقول الشيخ محمد خليل الهراس رحمه الله تعالى:
"ومن أسمائه الحسنى سبحانه (الْقَيُّوم) وهو مبالغة من قائم، وله معنيان:
أحدهما: أنه القائم بنفسه المستغني عن جميع خلقه، فلا يفتقر إلى شيء أصلًا، لا في وجوده ولا في بقائه، ولا فيما اتصف به من كمال، ولا فيما يصدر عنه من أفعال، فإن غِناه ذاتيٌّ له، فلا يطرأ عليه فقر أو حاجة.

والثاني: أنه الكثير القِيام بتدبير خلقه، فكل شيء في هذا الوجود مفتقر إليه فقرًا ذاتيًّا أصيلًا، لا يمكن أن يستغني عنه في لحظة من اللحظات، فهو مفتقر إليه في وجوده أولًا، وفي بقائه بعد الوجود، فهو الذي يمُده بأسباب البقاء، فلا يقوم شيء في الوجود كله إلا به، فهو دائم التدبير والرعاية لشؤون خلقه، لا يمكن أن يغفُل عنهم لحظة، وإلا اختل نظام الكون وتحطَّمت أركانه؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ ﴾ [الأنبياء: 42]، وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [فاطر: 41].

فهذا الوصف من أوصافه سبحانه ذو شأن عظيم كشأن موصوفه؛ إذ هو متضمِّن بمعناه الأول لكمال غِناه وعظمته، ومتضمن بمعناه الثاني لجميع صفات الكمال في الفعل؛ إذ لا تمام لها إلا بقيوميته"[42].


4- من آثار الإيمان باسم الله تعالى (الْقَيُّوم):
1- تحقيق كمال العبودية لله تعالى:
فإذا علِم العبد أن الله جلَّ في علاه، وتعالى في سَمَاه، هو القائم بذاته وبكل شؤون خَلْقِهِ؛ حيث لم يهمل أي شيء من أموره من الخلق والتدبير والرزق وغير ذلك، ووَقَرَ هذا العلم في قلبه - فلا بد أن يُثْمِرَ إقبالَ هذا القلب على الله، محققًا العبودية الحقَّة له سبحانه؛ إذ لا يستحق هذه العبودية إلا من كانت هذه صفته، أن يكون قائمًا بنفسه، غنيًّا غِنًى ذاتيًّا عن كل مخلوقاته، لا يفتقر إليهم ألبتة في وجوده، ولا في بقائه، ولا في شيء من أفعاله أو صفاته، مع افتقار الكل إليه في إيجاده وإمداده، وفي كل ذرة من شؤونه.

2- نبذ الشرك بكل أنواعه وأشكاله:
وهذا متعلق بالأول؛ إذ كيف يليق بمن له مُسْكَةُ[43] عقلٍ، أو ذرةُ فِكْرٍ أن يصرف شيئًا من العبادات - سواء القلبية أو البدنية - لغير الله الْقَيُّوم سبحانه... وإن الإنسان لَيستغرب كل الاستغراب حينما يرى جموعًا من المسلمين في كثير من بلاد الإسلام يصرِفون من العبادات الشيء الكثير لغير الجليل، فبعضهم يقدِّم النُّذور، وبعضهم يطوف بالقبور، وبعضهم يدعو في شدائده الأولياءَ، ويستغيث بالصالحين والأنبياء[44]... مع يقينهم التام أن كل هؤلاء ليس لهم من الأمر شيء[45]، وأن المدبِّر القائم بكل شؤونهم إنما هو الْقَيُّوم سبحانه دونما سواه، فأين عقول هؤلاء؟

يقول تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الروم: 40]، وكل هذه الأفعال مِنْ خَلْقٍ ورِزْقٍ، وإماتة وإحياء داخلةٌ في قيوميته سبحانه.

والاستفهام في الآية للإنكار والتوبيخ؛ إذ كيف تشركون مع الله تعالى شركاءَ ليس لهم من الْقَيُّومية شيء.

فسبحانه وتعالى وتقدَّس وتنزَّه عما يعمل الظالمون.

3- تحقيق التوكُّل:
من ثمرات الإيمان باسم الله تعالى الْقَيُّوم أن يتوكَّل العبدُ حقَّ التوكُّل على الله جل في علاه؛ فإنه إذا أيقن أن تدبير كل الأمور بيد العزيز الغفور، سلَّم أمره لله، ومع اتخاذه للأسباب تجد قلبه متعلقًا تمام التعلق بمسبِّب الأسباب سبحانه دونما سواه.

4- الافتقار إلى الله تعالى والاستغناء عن غيره:
إيمان العبد باسم الله تعالى (الْقَيُّوم) لا بد أن يثمر تمام الافتقار إليه سبحانه، وكيف لا وهو يعلم أن أموره كلها منذ أن كان نطفة في بطن أمه، إلى أن يُلْحَدَ في قبره، كل ذلك بيد ربه الْقَيُّوم على شؤون خلقه.

فالله تعالى هو الذي خَلَقَهُ وسوَّاه، وعدَّله، والسبيل يسَّره، وبالقُوى والجوارح أمدَّه، وهو الذي رزقه وعلَّمه، وفي وقت الشدائد أغاثه، ومن السوء والمكاره كلأه وحفِظه، وهذا كله من قيوميته سبحانه.

فحقيقٌ بعبدٍ أيقن بكل هذا أن يُظْهِرَ تمام الافتقار إلى العليِّ الغفَّار، إظهارَ مستسلمٍ، لا إظهار مُكْرَه، وإلا فالخلق كلهم إليه سبحانه مفتقرون سواء رضُوا أم تجبَّروا، فالافتقار وصف لهم ذاتيٌّ، كما أن الغِنى له سبحانه وصف ذاتي.

كما قال شيخ الإسلام عليه رحمة المنان:
والفقر لي وصفُ ذاتٍ لازمٌ أبدًا
كما الغِنى أبدًا وصف له ذاتي




وقبل هذا البيت بأبيات قال:
أنا الفقير إلى رب البريات
أنا المسكين في مجموع حالاتي[46]




وهكذا جميع الخلق هم فقراء إلى الْقَيُّوم سبحانه.

لكن شتَّان شتان بين من أظْهَرَ الذُّلَّ والافتقار طوعًا، وبين مَن أظْهَرَه كرهًا؛ يقول تعالى مبينًا حقيقة كل العباد: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]، وما أحسن ما سطَّره العلامة السعدي عند تفسيره لهذه الآية! يقول رحمه الله تعالى: "يخاطب تعالى جميع الناس، ويخبرهم بحالهم ووصفهم، وأنهم فقراء إلى الله من جميع الوجوه:
فقراء في إيجادهم، فلولا إيجاده إياهم لم يوجدوا.

فقراء في إعدادهم بالقُوى والأعضاء والجوارح، التي لولا إعداده إياهم بها، لَما استعدوا لأي عمل كان.

فقراء في إمدادهم بالأقوات والأرزاق، والنعم الظاهرة والباطنة، فلولا فضله وإحسانه وتيسيره الأمورَ، لَما حصل لهم من الرزق والنعم شيء.

فقراء في صرف النقم عنهم، ودفع المكاره، وإزالة الكروب والشدائد، فلولا دفعه عنهم، وتفريجه لكرباتهم، وإزالته لعُسْرِهم، لاستمرت عليهم المكاره والشدائد.

فقراء إليه في تربيتهم بأنواع التربية، وأجناس التدبير.

فقراء إليه، في تألُّههم له، وحبهم له، وتعبُّدهم، وإخلاص العبادة له تعالى، فلو لم يوفقهم لذلك، لَهَلَكُوا، وفسدت أرواحهم، وقلوبهم وأحوالهم.

فقراء إليه، في تعليمهم ما لا يعلمون، وعملهم بما يصلحهم، فلولا تعليمه، لم يتعلموا، ولولا توفيقه، لم يصلحوا.

فهم فقراء بالذات إليه، بكل معنًى، وبكل اعتبار، سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أم لم يشعروا، ولكن الموفَّق منهم الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه، ويتضرع له، ويسأله ألَّا يَكِلَه إلى نفسه طرفة عين، وأن يُعينه على جميع أموره، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت، فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربه وإلهه، الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها"[47].

يقول أبو حامد الغزالي - عليه رحمة المنان -: "ومدخل العبد في هذا الوصف بقدر استغنائه عما سوى الله تعالى"[48]؛ أي: من آثار إيمان العبد باسم الله تعالى (الْقَيُّوم) استغناؤه عن غيره، وافتقاره إليه سبحانه، وكلما حقَّق العبد إيمانه بهذا الاسم، عظُم استغناؤه عن الخلق، وعظم تعلقه بالحق سبحانه.

وهذا الاستغناء عن الخلق يجعل العبد متحررًا من أي نوع من أنواع العبوديات، إلا عبودية رب البريات، فإن الإنسان بقدر حاجته لمخلوق، وافتقاره إليه، بقدر تذلله له وعبوديته له، فإن التذلل والخضوع والافتقار نوع من العبودية.

يقول شيخ الإسلام في كتابه الماتع (العبودية): "وكلما قَوِيَ طمع العبد في فضل الله ورحمته ورجائه لقضاء حاجته، ودفع ضرورته، قَوِيَت عبوديته له، وحريته مما سواه، فكما أن طمعه في المخلوق يُوجِب عبوديته له، فيأسه منه يُوجِب غِنى قلبه عنه، كما قيل: (استغْنِ عمن شئت تكن نظيره، وأفْضِلْ على من شئت تكن أميره، واحْتَجْ إلى من شئت تكن أسيره)، فكذلك طمع العبد في ربه ورجاؤه له يُوجِب عبوديته له، وإعراض قلبه عن الطلب من الله والرجاء له يُوجِب انصراف قلبه عن العبودية لله..."[49].

5- استشعار عظمة الله تعالى وقدرته:
فمن معاني الْقَيُّوم أن الله جل في علاه يقوم بشؤون المخلوقات كلها، وهذا يجب أن يثمر تعظيمه سبحانه وإجلاله؛ إذ ما من شيء إلا وهو في حاجة ماسَّة إلى الْقَيُّوم سبحانه، مهما عظُم خَلْقُه أو علا شأنه، فالسماوات وما فيهن والأراضي وما فيهن كل ذلك قائم به سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [فاطر: 41]، ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ﴾ [الروم: 25].

فالعالم كله عُلْوِيُّه وسُفْلِيُّه لولا قيام الله به، ما قام.

وحينما نقول العالم كله، فالمقصود كل المخلوقات من كواكب ومجرات ونجوم سيارات، وبحار ومحيطات، ودواب وحيوانات، إضافة إلى الثقلين، وكذا الملائكة الكرام؛ كل ذلك وغيره مفتقر غاية الافتقار إلى الْقَيُّوم الغفَّار.

فالكل قائم به سبحانه، فلا يمكن أن يغفُل عنهم لحظة، وإلا اختلَّ الكون، وتحطمت أركانه، وتلاشت أصوله.

ولنضرب مثالًا واحدًا لبيان عظمة الْقَيُّوم سبحانه:
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أُذِنَ لي أن أُحدِّث عن مَلَكٍ من حملة العرش، رِجْلَاه في الأرض السفلى، وعلى قَرْنِهِ العرش، وبين شحمة أذنيه وعاتقه خَفَقَانُ الطير سبعمائة عام، يقول ذلك الْمَلَكُ: سبحانك حيث كنت))[50].

فاستشعر - أخي الكريم - عظمةَ هذا الْمَلَكِ، ثم اعلم أنه لولا قيام الله بأمره ما قام، ثم قِسْ على ذلك غيره من المخلوقات بكل أنواعها وأشكالها؛ لتستشعر عظمة الْقَيُّوم سبحانه.

فمهما عظُمت مخلوقات الله سبحانه، فإنها قائمة به لا بنفسها، أما الله جل في علاه، وتعالى في سماه، فقيامه بنفسه وذاته، وهذا ليس لأحدٍ إلا له، جلَّ شأنه.

[1] وكذلك من السنة، وإنما اكتفى الشيخ رحمه الله تعالى بالقرآن هنا؛ لأن الكلام عن العلوم التي حواها القرآن الكريم، فإنه افتتح هذا الفصل بقوله: "وقد اشتمل القرآن على عدة علوم قد ثُنِّيت فيه وأُعيدت"؛ [تيسير الرحمن: 34].

[2] تيسير الرحمن: 35.

[3] توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم (1 / 28).

[4] رواه أبو داود وغيره، وحسنه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم: 980.

[5] أخرجه الحاكم، وهو في الصحيحة: حديث رقم: 2727.

[6] صحيح أبي داود.

[7] وقد تتضمن بعض النقولات عن أهل العلم في هذا الباب معنى الاسم في حق الله تعالى.

[8] المعجم الوسيط: 2/ 768.

[9] المفردات: 417.

[10] المخصص:5/ 226.

[11] يقول الإمام الطبري رحمه الله تعالى: "وإنما جاء ذلك بهذه الألفاظ،لأنه قصد به قصد المبالغة في المدح، فكان "الْقَيُّوم" و"القيام" و"القيم" أبلغ في المدح من "القائم"."-ت الطبري:6/ 159-.

[12] الزاهر في معاني كلمات الناس:1/ 85.

[13] التعاريف:591.

[14] كذا نقل ابن منظور رحمه الله تعالى عن الإمام أبي إسحاق الزجاج رحمه الله تعالى، وهذا خلاف ما سطره هذا الأخير في تفسيره لأسماء الله الحسنى - كما سيأتي - فلعله نقله من كتاب آخر له، والله أعلم.

[15] لسان العرب: 12/ 496.

[16] أسماء الله الحسنى.

[17] الْقَيُّوم: القائم بنفسه وكل شيء قائم به؛ [النصيحة في صفات الرب جل وعلا: 30].

[18] يقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: "ورُوِيَ هذا القول عن ابن عباس رضي الله عنهما والضحاك، وعلى هذا يكون بمعنى الباقي الدائم"؛ [الأسنى: 397].

[19] الأسماء والصفات: 1/ 131.

[20] كذا قال، وإلا فالأنسب في حق الصحابة الترضي عليهم كما هو معلوم.

[21] تفسير أسماء الله الحسنى: 56.

[22] مجاز القرآن: 1/ 78.

[23] عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، في قوله: الْقَيُّوم قال: "القائم على كل شيء"؛ [تفسير ابن أبي حاتم: 2/ 486].

[24]عن الربيع بن أنس في قوله: الْقَيُّوم: "قيم على كل شيء يكلؤه ويرزقه ويحفظه"؛ [ت ابن أبي حاتم: 2/ 486].

[25] جامع البيان في تأويل آي القرآن: 6/ 158.

[26] نفسه: 5/ 388.

[27] جامع البيان في تأويل آي القرآن: 6/ 157-158.

[28] وهو المعنى الراجح كما مر.

[29] فعلى القول بأن الْقَيُّوم هو الباقي الدائم الذي لا يزول يكون صفة ذات، وعلى القول بأن الْقَيُّوم هو القائم بنفسه وبغيره يكون صفة فعل، والله أعلم وأحكم.

[30] الاعتقاد: 62.

[31] تفسير ابن كثير: 5/ 318.

[32] تيسير الرحمن: 110.

[33] تيسير الرحمن: 121.

[34] نفسه: 953.

[35] المقصد الأسنى: 132.

[36] الأسماء والصفات للبيهقي: 1/ 131.

[37] جزء من حديث رواه ابن عباس رضي الله عنهما، وهو في صحيح مسلم وغيره؛ قال النووي في شرحه على صحيح مسلم)): "((أنت قيام السماوات والأرض))، وفي الرواية الثانية: ((قيم))، قال العلماء: من صفاته القيَّام والقيِّم كما صرح به هذا الحديث، والْقَيُّوم بنص القرآن وقائم، ومنه قوله تعالى: ﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ ﴾ [الرعد: 33] قال الهروي: ويقال: قوَّام، قال ابن عباس: الْقَيُّوم الذي لا يزول، وقال غيره: هو القائم على كل شيء، ومعناه مدبر أمر خلقه، وهما سائغان في تفسير الآية والحديث"؛ [شرح النووي على مسلم: 6/ 54-55].

[38] الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى: 397.

[39] متن القصيدة النونية المسماة (الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية): 36.

[40] نفسه: 194.

[41] نفسه: 211.

[42] شرح القصيدة النونية: 2/ 491.

[43] بضم الميم.

[44] العطف بالواو لا يفيد ترتيبًا كما هو معلوم، والأنبياء مقدَّمون على الصالحين، وإنما اقتضى هذا التعبير شيئًا من السجع، هذا على اعتبار الصالحين ما دون الأنبياء من أهل الصلاح، وعلى اعتبار الصالحين لفظًا عامًّا، فإن العطف الذي ذكرته من باب عطف الخاص على العام.

[45] كما أخبر الله تعالى في كثير من الآيات عن إقرار أهل الشرك بربوبيته سبحانه، وأنه هو الخالق المدبر والمالك المتصرف، ومع ذلك فالحال كما أخبر ذو الجلال: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 106]، فيؤمنون بربوبيته، ويشركون في ألوهيته سبحانه.

[46] يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارجه عن شيخه شيخ الإسلام عليه رحمة المنان: "وبعث إليَّ في آخر عمره قاعدة في التفسير بخطه، وعلى ظهرها أبيات بخطه من نظمه"، ثم ذكرها؛ [مدارج السالكين: 1/ 524-525].

[47] تيسير الرحمن: 687.

[48] المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى: 132.

[49] كتاب العبودية: 80-81.

[50] رواه الطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله عنه، والحديث صححه العلامة الألباني رحمه الله تعالى في صحيح الجامع تحت رقم: 853.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27-08-2024, 06:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 142,118
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اسم الله تعالى: القيوم

اسم الله تعالى: (القَيُّوم) (2)

ناصر عبدالغفور

6- استشعار غِنى الله جل في علاه وتقدس في علياء سَمَاه:
من آثار الإيمان باسم الله تعالى (القَيُّوم) أن نستشعر كمال غِناه جل في علاه؛ فالله سبحانه لقَيُّومِيَّته المطلقة لا يحتاج لغيره ألبتةَ في تدبير شؤونه وتولِّي أموره، فهو القائم بذلك دون افتقار لغيره مهما كان، بل كلُّ ما سواه مُفْتَقِرٌ إليه.

فالقَيُّوم الذي قام بنفسه فاستغنى عن جميع مخلوقاته، فلا يحتاج لغيره سواء في الخلق، أو التدبير، أو الاتصاف بصفات الكمال، ونعوت الجلال، ولا يفتقر إلى شيء، لا في وجوده، ولا في بقائه، ولا فيما يصدر عنه من أفعال كالاستواء، أو النزول، أو الكلام، فإن غِناه ذاتيٌّ لا يتطرق إليه الفقر، أو الحاجة بأيِّ حالٍ.

ومن ذلك أنه لا يحتاج إلى من يُطعمه، بل هو يُطعِم ولا يُطعَم؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ﴾ [الأنعام: 14].

فلا يحتاج إلى منفعة من أحد، ولا يخشى ضررًا من أحد؛ كما جاء في الحديث القدسي: ((يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضُرِّي فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسَكم وجِنَّكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في مُلكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنَّكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنَّكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيتُ كلَّ إنسان مسألتَهُ، ما نقص ذلك مما عندي، إلا كما ينقص الْمِخْيَطُ إذا أُدخل البحر))[1].

فغِناه سبحانه ذاتيٌّ، لا يفتقر إلى غيره من أي وجه من الوجوه[2].

7- تفويض الأمر إلى القَيُّوم سبحانه:
إذا أيقن العبدُ أن القائم بكل أموره بل بأمور العالم كله هو الله وحده لا شريك له في ذلك القيام، فلا بد أن يُثمِرَ ذلك عنده ضرورة التفويض إليه سبحانه.

فهو يعلم يقينًا أن القَيُّوم سبحانه هو الذي قام به، فهو الذي خلقه وأمدَّه، ورزقه ورعاه، وبكل القِوى التي يحتاجها أمدَّه، بل يسَّر له من المخلوقات ما تصلح به حياته، وتهنأ به معيشته، فكيف يتعلق – والحال هذه - بغيره؟

فتجده مفوِّضًا أمرَه كلَّه إلى الله الحق، مُتَبَتِّلًا في ذلك عن كل الخَلْقِ، لسان حاله: ﴿ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [غافر: 44]، وقد قالها مؤمنُ آلِ فرعون حينما توعَّدُوه لمخالفة دينهم، فلم يجزع بل التجأ إلى الله سبحانه، صادعًا بالتفويض: ﴿ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [غافر: 44]: "أي: ألجأ إليه وأعتصم، وأُلقي أموري كلها لديه، وأتوكل عليه في مصالحي، ودفع الضرر الذي يُصيبني منكم أو من غيركم"[3].

يقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: "فيجب على كل مكلَّف أن يعلم أن الله سبحانه هو القائم على كل مخلوق (القَيُّوم) بمنافعهم، وأرزاقهم، وحاجاتهم، وسدِّ خلاتهم، الحافظ لملكه وإن اتسع، المحصي لأنفاس العباد وآجالهم وأعمالهم، إلى غير ذلك.

ومن عرَف أن مولاه قيُّومٌ بالأمور، استراح عن كل تدبير وتعب الاشتغال، وعاش براحة التفويض، فلم يضيع بكرمه، ولم يجعل في قلبه للدنيا قيمة، يُحكى عن بعضهم أنه قال: من اهتم للرزق، فليس له عند الله قَدْرٌ، وإنما قال ذلك لأنه إذا علِم أنه القائم بتدبير الأمور، لا ينبغي له أن يهتم بالرزق ولا بغيره، ويجب عليه أن يقوم بكل ما كلَّفه مولاه علمًا وعملًا، وحفظًا وذكرًا..."[4].

8- محبة الله تعالى وشكره:
تصور أن إنسانًا يتولى أمورك كلها، ويدبر شؤونك بشكل دائم، ودون أي غفلة منه أو توانٍ، كيف سيكون شعورك نحوه؟ لا ريب أن قلبك سيمتلئ بحبه وودِّه، ولسانك يلهج بذكره وشكره، وهذا أمر فطري؛ أننا لا بد أن نُحِبَّ من يُحْسِن إلينا.

هذا بالنسبة لمخلوق ضعيف، فكيف بالحي القَيُّوم الذي قام بأمورك، وتولَّى جميع شؤونك، منذ أن كنت نطفة في رحم أمك؟

خلقك ورزقك وأمدَّك، وأغدق عليك من النعم الظاهرة والباطنة، ما ليس لك طاقة على إحصائه، وصرف عنك من النقم والبلايا ما علمت وما لم تعلم، ودبَّر أمورك أحسنَ تدبير، واختار لك ما يناسبك، وقدَّره أحسن تقدير... ألَا يستحق منك تمام الحب وكمال الشكر؟

﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾ [الانفطار: 6 - 8].

9- تحقيق مشهد الربوبية والألوهية:
فمن آثار الإيمان باسم الله تعالى (القَيُّوم) تحقيقُ مشهدَين من أجَلِّ المشاهد وأعظمها؛ ألَا وهما مشهد الربوبية، ومشهد الألوهية:
فمن قَيُّومِيَّته سبحانه أنه قائم على شؤون خلقه، فهو الخالق لهم ابتداء، والرازق لهم دون غيره، المدبر لكل أمورهم، الْمُمِدُّ لهم بالآلات التي لا يمكن أن يحيَوا بدونها، الْمُنْعِم عليهم بالنعم، الحافظ لهم من النقم، وهذا يشترك فيه البَرُّ والفاجر، المؤمن والكافر، وكل ذلك يندرج في معاني ربوبيته سبحانه، التي أقر بها كل الخلق إلا من شذَّ؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [الزخرف: 87]، وقال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [العنكبوت: 61]، وقال جل شأنه وتعالى ذكره: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 31].

ومن قَيُّومِيَّته سبحانه توفيقُ عباده المؤمنين إلى سُبُلِ مرضاته، وإعانتهم على طاعاته، فتجد العبد موفَّقًا مواظبًا على الجُمَع والجماعات، مُقبِلًا على أنواع القُرُبات من الفرائض والمستحبات، قائمًا بالواجبات، بعيدًا عن المحرمات، واصلًا غير قاطع، مكرمًا غير مانع، في مواطن الخير موجودًا، وفي مواطن الشر مفقودًا، وتجد لسانه ذاكرًا، وقلبَه شاكرًا.

وهذا مشهد الألوهية، وهو خاصٌّ بعباد الله المؤمنين الذين تحقَّقت فيهم العبوديتان: عبودية القهر والاضطرار، وعبودية الرضا والاختيار، العبودية العامة والخاصة، بخلاف أعداء الله من الكفرة والمشركين، الذين تحققت فيهم عبودية القهر، فهم عباد لله رغم أنوفهم، خاضعون لربوبيته سبحانه؛ حيث أبَوا أن يكونوا عبادًا لله بالاختيار، مُذْعِنين لألوهيته.

وما أحسن ما سطَّره الإمام الهمام، شيخ الإسلام، ابن القيم، عليه رحمة المنان في هذا الباب في كتابه الماتع (طريق الهجرتين وباب السعادتين)[5]:
"إذا شهد مشهد القَيُّوميَّة الجامع لصفات الأفعال، وأنه قائم على كل شيء، وقائم على كل نفس، وأنه تعالى هو القائم بنفسه، الْمُقِيم لغيره، القائم عليه بتدبيره وربوبيته وقهره، وإيصال جزاء المحسن إليه، وجزاء المسيء إليه، وأنه بكمال قَيُّومِيَّته لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، ويُرفَع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، لا تأخذه سنة ولا نوم، ولا يضل ولا ينسى، وهذا المشهد من أرفع مشاهد العارفين؛ وهو مشهد الربوبية، وأعلى منه مشهد الإلهية، الذي هو مشهد الرسل وأتباعهم الحنفاء؛ وهو شهادة أن لا إله إلا هو، وأن إلهية ما سواه باطل ومُحال، كما أن ربوبية ما سواه كذلك، فلا أحد سواه يستحق أن يُؤلَّه ويُعبَد، ويُصلَّى له ويُسجَد، ويستحق نهاية الحب مع نهاية الذل لكمال أسمائه وصفاته وأفعاله، فهو المطاع وحده على الحقيقة، والمألوه وحده، وله الحكم وحده، فكل عبودية لغيره باطلة وعناء وضلال، وكل محبة لغيره عذاب لصاحبها، وكل غِنًى لغيره فقر وضلال، وكل عزٍّ بغيره ذلٌّ وصَغار، وكلُّ تكثُّر بغيره قلة وفاقة، فكما استحال أن يكون للخَلْقِ ربٌّ غيره، فكذلك استحال أن يكون لهم إله غيره، فهو الذي انتهت إليه الرغبات، وتوجَّهت نحوه الطلبات، ويستحيل أن يكون معه إله آخر، فإن الإله على الحقيقة هو الغني الصمد، ولا حاجة به إلى أحدٍ، وقيام كل شيء به، وليس قيامه بغيره، ومن المحال أن يحصل في الوجود اثنان، كذلك ولو كان في الوجود إلهان لفسد نظامه أعظم فساد، واختل أعظم اختلال، كما يستحيل أن يكون له فاعلان متساويان، كلٌّ منهما مستقلٌّ بالفعل، فإن استقلالهما ينافي استقلالهما، واستقلال أحدهما يمنع ربوبية الآخر، فتوحيد الربوبية أعظم دليل على توحيد الإلهية؛ ولذلك وقع الاحتجاج به في القرآن أكثر مما وقع بغيره؛ لصحة دلالته وظهورها، وقبول العقول والفِطَرِ لها، ولاعتراف أهل الأرض بتوحيد الربوبية، وكذلك كان عُبَّاد الأصنام يُقِرُّون به، وينكرون توحيد الإلهية؛ ويقولون: ﴿ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا ﴾ [ص: 5]، مع اعترافهم بأن الله وحده هو الخالق لهم، وللسماوات والأرض، وما بينهما، وأنه المنفرد بملك ذلك كله، فأرسل الله تعالى يذكِّر بما في فطرتهم الإقرار به من توحيده وحده لا شريك له، وأنهم لو رجعوا إلى فِطَرِهم وعقولهم، لدلَّتهم على امتناع إله آخر معه، واستحالته وبطلانه"[6].

10- لا يجوز التسمية باسم القَيُّوم:
من الأسماء الخاصة بالله تعالى اسم القَيُّوم، فلا يجوز التسمية به، وكيف يُسمَّى الإنسان به وليس له ذرة من صفة القَيُّوميَّة؟

ليس له من أمره شيء، ولا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، ولا يمكن أن يقيم أمور نفسه استقلالًا، فلم يخلق نفسه، ولا يرزق نفسه، ولا يستطيع أن يخرج عن ربوبية القَيُّوم سبحانه قِيدَ أنملة، فهو في غاية الافتقار إلى العليِّ الغفَّار، ولا يُتصوَّر استغناؤه بنفسه، ولا من غيره إليه افتقار.

"فالقَيُّوم هو المستغني بنفسه عن غيره، المفتقر إليه كل ما سواه، وذلك مختص بالله، لا يشركه فيه غيره"[7].

وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى[8]:
"هذا، ومن أوصافه القَيُّوم، والقَيُّوم في أوصافه أمران:
أحدهما القَيُّوم قام بنفسه
والكون قام به هما الأمرانِ
فالأول استغناؤه عن غيره
والفقر من كلٍّ إليه الثاني


11- دعاء الله تعالى باسمه (القَيُّوم):
يقول الله جل في علاه وتعالى في سماه: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60].

يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى: "هذا من لطفه بعباده، ونعمته العظيمة؛ حيث دعاهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وأمرهم بدعائه؛ دعاء العبادة، ودعاء المسألة، ووعدهم أن يستجيب لهم"[9].

ومن أجَلِّ ما يُدعى الله به أسماؤه الحسنى؛ كما قال جل وعلا: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180].

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولكن الأسماء الحسنى المعروفة هي التي يُدعى الله بها، وهي التي جاءت في الكتاب والسنة، وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها"[10].

وكما سبقت الإشارة إليه، فإن دعاء الله تعالى بأسمائه الحسنى ثلاثة أقسام: دعاء مسألة، ودعاء عبادة، ودعاء ثناء[11].

1- دعاء المسألة:
فيُشرَع لنا أن نسأل الله تعالى باسمه (القَيُّوم) فيما يتعلق بالقيام بأمورنا، مع يقيننا أننا لا نملك لأنفسنا نفعًا ولا ضرًّا، ولا حول لنا ولا قوة إلا به سبحانه، وأننا مفتقرون كلَّ الافتقار للقيوم سبحانه؛ فهو القائم على كل شؤوننا، المدبِّر لأمورنا.

وكان النبي صلى الله عليه سلم يدعو بهذا الاسم تارة مقترنًا باسم (الحي)، وتارة يدعو به كوصف؛ فمن الأول ما ثبت من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كَرَبَهُ أمرٌ، وفي رواية أخرى: إذا حَزَبَهُ أمر، قال: يا حيُّ يا قيوم، برحمتك أستغيث))[12].

أما دعاء المسألة بالوصف؛ فقد ورد عند البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد، قال: اللهم لك الحمد أنت قيِّمُ السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد اللهم لك أسلمت، وبك آمنت وعليك توكلت، وإليك أنَبْتُ، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدَّمتُ وما أخَّرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر، لا إله إلا أنت، أو لا إله غيرك)).

2- دعاء عبادة:
وهو أن نتعبَّدَ لله باسمه (القَيُّوم)، فنُظهِر تمام الذل وكمال الافتقار إليه سبحانه، معتقدين اعتقادًا جازمًا أننا فقراء إليه في أبسط الأمور، محتاجون إليه في أقل الشؤون، وأننا لا نملك مثقال ذرة في القيام بأمورنا، مهما قلَّت أو صغُرت.

ففقرُنا له سبحانه ذاتيٌّ؛ كما قال شيخ الإسلام عليه رحمة المنان:
أنا الفقير إلى رب البريات
أنا المسكين في مجموع حالاتي
أنا الظَّلُوم لنفسي وهي ظالمتي
والخير إن يأتِنا من عنده يأتِ
لا أستطيع لنفسي جلب منفعة
ولا عن النفس لي دفع المضراتِ
وليس لي دونه مولًى يدبرني
ولا شفيع إذا حاطت خطيئاتي
إلا بإذن من الرحمن خالقنا
إلى الشفيع كما قد جاء في الآياتِ
ولست أملك شيئًا دونه أبدًا
ولا شريك أنا في بعض ذراتي


فانظر – أخي - إلى هذا الافتقار والذل والانكسار، وتمام الاعتماد على الله، من هذا الإمام الهمام، الذي عجزت النساء أن تَلِدَ مثله في الأنام، آيةِ الزمان، وعَلَم الأعلام.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27-08-2024, 06:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 142,118
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اسم الله تعالى: القيوم



وهذه الأبيات مما كتب في آخر حياته؛ فقد قال تلميذه الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى عنها: "وبعث إليَّ في آخر عمره «قاعدة» في التفسير بخطه، وعلى ظهرها أبيات بخطه من نظمه"[13].

فكلما أظهر العبد الافتقار والذل للقيوم سبحانه، وكلما استغنى عن الخلق، حقق العبودية لله تعالى باسمه (القَيُّوم).

يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: "ومدخل العبد في هذا الوصف بقدر استغنائه عما سوى الله تعالى"[14].

3- دعاء الثناء[15]:
وهو أن نُثنيَ على الله سبحانه باسمه القَيُّوم، وصفة القَيُّوميَّة له سبحانه، فإنه أهل للثناء، لكن مهما أثنينا على الله جل جلاله، فإننا لا يمكن أن نوفي حقه في الحمد والثناء، وكيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي هو أعلم الخلق بالله، وأكثرهم عبودية له، يعترف بذلك ويقول: ((لا أُحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك))؛ [مسلم]؟

يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى: "قوله: ((لا أُحصي ثناء عليك))؛ أي: لا أطيقه، ولا آتي عليه، وقيل: لا أحيط به، وقال مالك رحمه الله تعالى: معناه: لا أُحصي نعمتك وإحسانك والثناء بها عليك، وإن اجتهدت في الثناء عليك، وقوله: ((أنت كما أثنيت على نفسك)) اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء، وأنه لا يقدر على بلوغ حقيقته، ورد للثناء إلى الجملة دون التفصيل والإحصار والتعيين، فوكل ذلك إلى الله سبحانه وتعالى المحيط بكل شيء جملة وتفصيلًا، وكما أنه لا نهاية لصفاته، لا نهاية للثناء عليه؛ لأن الثناء تابع للمُثْنَى عليه، وكل ثناء أثنى به عليه وإن كثُر وطال وبُولِغَ فيه، فقَدَرُ الله أعظم، وسلطانه أعزُّ، وصفاته أكبر وأكثر، وفضله وإحسانه أوسع وأسبغ"[16].

اقتران اسم الله تعالى (القَيُّوم) باسمه سبحانه (الحي)، وتحقيق القول في اسم الله الأعظم:
اقترن اسم الله تعالى (القَيُّوم) باسمه (الحي) في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم[17]،كما ورد الاقتران في عدة أحاديث[18].

وهذا الاقتران بين هذين الاسمين في غاية المناسبة، فالحي يتضمن جميع صفات الذات، والقَيُّوم جميع صفات الأفعال، فتضمن اقترانهما جميع صفات الرب التي هي صفاتُ كمالٍ، ونعوتُ جلالٍ، لا نقص فيها بحال من الأحوال.

ومن ثَمَّ فكل صفات الكمال ترجع إلى هذين الاسمين الكريمين؛ لذا استحق اسم (الحي القَيُّوم) أن يكون اسم الله الأعظم.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "وكان اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين؛ آية الكرسي، وفاتحة آل عمران؛ لاشتمالهما على صفة الحياة المتضمنة[19] لجميع الصفات، وصفة القَيُّوميَّة المتضمنة لجميع الأفعال"[20].

وقد نظم رحمه الله تعالى أبياتًا في غاية الروعة، تُبيِّن السبب في كون هذين الاسمين (الحي القَيُّوم) هما اسم الله الأعظم؛ يقول رحمه الله تعالى في نونيته:
وله الحياة كمالها فلأجل ذا
ما للممات عليه من سلطانِ
وكذلك القَيُّوم من أوصافه
ما للمنام لديه من غشيانِ
وكذاك أوصاف الكمال جميعها
ثبتت له ومدارها الوصفانِ
فمصحح الأوصاف والأفعال والأ
سماء حقًّا ذانك الوصفانِ
ولأجل ذا جاء الحديث بأنه
في آية الكرسي وذي عمرانِ
اسم الإله الأعظم اشتملا على اسـ
ـم الحي والقَيُّوم مقترنانِ
فالكل مرجعها إلى الاسمين يد
ري ذاك ذو بصر بهذا الشانِ


يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى: "الحي القَيُّوم كامل الحياة والقائم بنفسه، القَيُّوم لأهل السماوات والأرض، القائم بتدبيرهم وأرزاقهم وجميع أحوالهم.

فالحي: الجامع لصفات الذات، والقَيُّوم: الجامع لصفات الأفعال، وجمعهما في غاية المناسبة كما جمعهما الله في عدة مواضع من كتابه؛ كقوله: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255]، وذلك أنهما محتويان على جميع صفات الكمال؛ فالحي هو كامل الحياة، وذلك يتضمن جميع الصفات الذاتية لله؛ كالعلم، والعزة، والقدرة، والإرادة، والعظمة، والكبرياء، وغيرها من صفات الذات المقدسة، والقَيُّوم هو كامل القَيُّوميَّة الذي قام بنفسه، وعظمت صفاته، واستغنى عن جميع مخلوقاته، وقامت به الأرض والسماوات، وما فيهما من المخلوقات، فالحي والقَيُّوم من له صفة كل كمال، وكل الصفات الفعلية، والمجد، والعظمة، والجلال ترجع إلى اسمه القَيُّوم.

ومرجع صفات الكمال كلها ترجع إلى هذين الاسمين الكريمين؛ ولذلك ورد الحديث أن اسم الله الأعظم الذي إذا دُعِيَ به أجاب، وإذا سُئِلَ به أعطى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255]؛ لاشتمالهما على جميع الكمالات.

فصفات الذات ترجع إلى الحي، ومعاني الأفعال ترجع إلى القَيُّوم"[21].

يقول العلامة محمد خليل هراس في شرحه للنونية: "فالحي والقَيُّوم متضمنان لصفات الكمال كلها، وهما القطبان لأفق سمائها، فلا تتخلف عنهما صفة منها أصلًا، ولهذا ورد أنهما اسم الله الأعظم، الذي إذا سُئِل به أعطى، وإذا دُعِيَ به أجاب.

وإنما كان هذان الاسمان العظيمان متضمنين لسائر صفات الكمال؛ لأن الحياة تعتبر شرطًا للاتصاف بجميع الكمالات في الذات من العلم والقدرة والإرادة، والسمع والبصر والكلام... فإن غير الحي لا يتصف بهذه الصفات، فمن كملت حياته، كان أكمل في كل صفة تكون الحياة شرطًا لها، وأما القَيُّوم فلما كان أحد معانيه أنه كثير القيام بشؤون خلقه، بحيث لا يغفُل عنهم لحظة، كان ذلك مستلزمًا لكمال أفعاله ودوامها"[22].

وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((اسم الله الأعظم الذي إذا دُعِيَ به أجاب في ثلاث سور من القرآن؛ في البقرة، وآل عمران، وطه))[23]، وفي رواية: ((اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163]، وفاتحة آل عمران: ﴿ الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [آل عمران: 1، 2]))[24].

وهذا القول أرجح الأقوال – والله أعلم وأحكم - فقد اختلف العلماء في تحديد اسم الله الأعظم على أقوال عدة؛ وهذا أرجحها.

ومن أهل العلم من توقف في ذلك، معتبرًا أنه مما استأثر الله به في علم الغيب عنده.

وقد جمع الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى في الفتح أقوالًا كثيرة، بلغت أربعة عشر قولًا؛ يقول رحمه الله تعالى: "وقال آخرون: استأثر الله تعالى بعلم الاسم الأعظم، ولم يُطلِع عليه أحدًا من خلقه، وأثبته آخرون معينًا، واضطربوا في ذلك، وجملة ما وقفت عليه من ذلك أربعة عشر قولًا..."[25]، ثم ساق معظمها بأدلته.

يقول محدث العصر العلامة الألباني رحمه الله تعالى، معلقًا على ما نقله الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "وأكثرها أدلتها من الأحاديث، وبعضها مجرد رأي لا يُلتفَت إليه، وتلك الأحاديث منها الصحيح، ولكنه ليس صريح الدلالة، ومنها الموقوف كهذا، ومنها الصريح الدلالة؛ وهو قسمان: قسم صحيح صريح؛ وهو حديث بريدة: ((الله لا إله إلا هو، الأحد الصمد الذي لم يلد...))؛ إلخ[26]، وقال الحافظ: وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك، وهو كما قال رحمه الله... والقسم الآخر: صريح غير صحيح..."[27].

التوسُّل باسم الله (الحي القَيُّوم):
التوسل المشروع يكون بثلاثة أمور: بأسماء الله وصفاته، وبدعاء الرجل الصالح، وبالعمل الصالح[28].

فمما يُتوسَّل به أسماء الله جل جلاه، ومن ذلك اسم الله الأعظم (الحي القَيُّوم).

فعن أنس رضي الله عنه، ((أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا، ورجل يصلي، ثم دعا: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد دعا الله باسمه العظيم، الذي إذا دُعِيَ به أجاب، وإذا سُئِل به أعطى))[29]، وفي رواية: ((الأعظم، الذي إذا دُعِيَ به أجاب، وإذا سُئِل به أعطى))[30].

وعن أنس رضي الله عنه ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كَرَبَهُ أمر، قال: يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث))[31]، وفي رواية: ((كان إذا حزبه أمر))[32].

وعن ابن مسعود رضي الله عنه: ((كان إذا نزل به همٌّ أو غم، قال: يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث))[33].

وقال صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: ((ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيكِ به؟ أن تقولي إذا أصبحتِ وإذا أمسيتِ: يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكِلْني إلى نفسي طرفة عين))[34].

فعلينا أن نستشعرَ عِظَمَ هذا الدعاء، وعظم هذا التوسُّل؛ فإنه دعاء باسمين عظيمين من أسماء الله الحسنى، بل باسمين عند انضمامهما يكونان اسم الله الأعظم، الذي لا يرُدُّ من سأل به، ولا يخيب من دعا به.

وما أحسن ما سطَّره شيخ الإسلام ابن القيم، عليه رحمة المنان في (بدائع الفوائد)؛ يقول رحمه الله تعالى: "ولهذا كان هذا الدعاء من أدعية الكرب؛ لِما تضمنه من التوحيد والاستغاثة برحمة أرحم الراحمين، متوسلًا إليه باسمين، عليهما مدار الأسماء الحسنى كلها، وإليهما مرجع معانيها جميعها، وهو اسم (الحي القَيُّوم)؛ فإن الحياة مستلزمة لجميع صفات الكمال، ولا يتخلف عنها صفة منها، إلا لضعف الحياة، فإذا كانت حياته تعالى أكمل حياة وأتمَّها، استلزم إثباتها إثبات كل كمال يضاد نفي كمال الحياة...

وأما القَيُّوم، فهو متضمن كمال غِناه، وكمال قدرته، فإنه القائم بنفسه، لا يحتاج إلى من يُقيمه بوجه من الوجوه، وهذا من كمال غناه بنفسه عما سواه، وهو المقيم لغيره، فلا قيام لغيره إلا بإقامته، وهذا من كمال قدرته وعزته، فانتظم هذان الاسمان صفاتِ الكمال والغِنى التام، والقدرة التامة، فكأن المستغيث بهما مستغيثٌ بكل اسم من أسماء الرب تعالى، وبكل صفة من صفاته، فما أولى الاستغاثة بهذين الاسمين أن يكونا في مَظِنَّة تفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، وإنالة الطلبات"[35].

فالتوسل ودعاء الله تعالى بهذين الاسمين له تأثير خاص في كشف الهموم، وتفريج الكروب، ونَيل المرغوب، وصرف المرهوب.

أجر عظيم:
صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القَيُّوم، وأتوب إليه، غُفِر له، وإن كان فرَّ من الزحف))[36].

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "ومن أوضح ما وقع في فضل الاستغفار ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث يسار وغيره مرفوعًا، فذكر الحديث، ثم نقل كلام الإمام أبي نعيم الأصبهاني: هذا يدل على أن بعض الكبائر تُغفَر ببعض العمل الصالح، وضابطه الذنوب التي لا تُوجِب على مرتكبها حكمًا في نفس ولا مال، ووجه الدلالة منه أنه مثَّل بالفرار من الزحف، وهو من الكبائر، فدلَّ على أن ما كان مثله أو دونه يُغفَر، إذا كان مثل الفرار من الزحف، فإنه لا يُوجِب على مرتكبه حكمًا في نفس ولا مال"[37].

إدمان قول (يا حي يا قيوم) يُورِث حياة القلب:
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في المدارج: "ومن تجريبات السالكين التي جربوها، فألْفَوها صحيحة؛ أن من أدمن: يا حي يا قيوم، لا إله إلا أنت، أورثه ذلك حياةَ القلب والعقل.

وكان شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه شديدَ اللَّهَجِ بها جدًّا، وقال لي يومًا: لهذين الاسمين وهما (الحي القَيُّوم) تأثير عظيم في حياة القلب، وكان يشير إلى أنهما الاسم الأعظم وسمعته يقول: من واظب على أربعين مرة كل يوم بين سنة الفجر وصلاة الفجر: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت، برحمتك أستغيث، حصلت له حياة القلب، ولم يَمُتْ قلبه، ومن علِم عبوديات الأسماء الحسنى، والدعاء بها، وسرَّ ارتباطها بالخَلْقِ والأمر، وبمطالب العبد وحاجاته، عرَف ذلك وتحققه، فإن كل مطلوب يُسأَل بالمناسب له، فتأمل أدعية القرآن والأحاديث النبوية تجدها كذلك"[38].

[1] جزء من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وهو في صحيح مسلم.

[2] وسنتطرق بتفصيل لهذا الأمر، حين مدارسة اسم الله (الغني) إن شاء الله تعالى.

[3] تيسير الرحمن: 738.

[4] الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى: 398، 399.

[5] وقد رأيت نقله دون اختصار لأهميته.

[6] طريق الهجرتين: 79، 80.

[7] شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة، لسعيد بن علي بن وهف القحطاني.

[8] وقد سبق ذكرها.

[9] تيسير الرحمن: 740.

[10] العقيدة الأصفهانية: 19.

[11] ومن أهل العلم من يجعلها اثنين كما سبق التنبيه عليه.

[12] أخرجه الترمذي، وحسنه الألباني، وهو في صحيح الجامع، تحت رقم: 4777.

[13] مدارج السالكين: 1/ 525، المستدرك على مجموع الفتاوى: 1/ 145.

[14] المقصد الأسنى: 132.

[15] يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "والأول - يقصد دعاء الثناء - أشرف النوعين؛ لأنه حق الرب ووصفه، والثاني حظ العبد"؛ [بدائع الفوائد: 2/ 415].

[16] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج: 4/ 204.

[17] وهي كالتالي: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ﴾ [البقرة: 255]، ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [آل عمران: 2]، ﴿ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾ [طه: 111].

[18] سيأتي ذكر بعضها قريبًا.

[19] في الأصل (المصححة)، والصواب (المتضمنة)؛ لدلالة السياق، والسابق من الكلام واللاحق، والله أعلم.

[20] الصواعق المرسلة: 3/ 911، 912.

[21] توضيح الكافية الشافية: 29، نقلًا من: شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة: 207، 208.

[22] شرح القصيدة النونية المسماة: الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية: 2/ 492.

[23] رواه البيهقي وغيره، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع تحت رقم: 979.

[24] رواه الترمذي وغيره، وهو في صحيح الجامع تحت رقم: 980.

[25] فتح الباري: 11/ 224، 225.

[26]عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمِع رجلًا يقول: ((اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، فقال: لقد سألت الله بالاسم الأعظم، الذي إذا سُئِل به أعطى، وإذا دُعِيَ به أجاب))؛ [صحيح الترغيب والترهيب، ح: 1640].

[27] السلسلة الضعيفة: 24/ 279، 280.

[28] ولكلٍّ من هذه الثلاثة أدلتها، وقد فصَّل القول في ذلك العلَّامة الألباني رحمه الله تعالى في كتابه (التوسل).

[29] صحيح أبي داود، حديث رقم: 1342.

[30] صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: 186.

[31] أخرجه الترمذي، وهو في صحيح الجامع تحت رقم: 4777.

[32] السلسلة الصحيحة: حديث رقم: 3182.

[33] أخرجه الحاكم، وهو في صحيح الجامع تحت رقم: 4791.

[34] أخرجه النسائي والحاكم، وهو السلسلة الصحيحة، حديث رقم: 227.

[35] بدائع الفوائد: 2/ 409.

[36] صحيح أبي داود، حديث رقم: 1358.

[37] فتح الباري: 11/ 98.

[38] مدارج السالكين: 1/ 448.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 125.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 122.44 كيلو بايت... تم توفير 2.59 كيلو بايت...بمعدل (2.07%)]