شرح كتاب الحج من صحيح مسلم - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13074 - عددالزوار : 345671 )           »          مكاسب الصحابة الكرام: نموذج في الكسب الحلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          رسول السلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 70 )           »          أسطورة تغيير الجنس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 74 )           »          كنز من كنوز الجنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 78 )           »          قواعد نبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 26 - عددالزوار : 4710 )           »          كتاب( مناظرة بين الإسلام والنصرانية : مناقشة بين مجموعة من رجال الفكر من الديانتين ) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 127 )           »          الشاكر العليم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 108 )           »          هل هذا شذوذ أو ازدواج في التوجه؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 131 )           »          زوجي مصاب بمرض الفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 118 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 28-08-2024, 11:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: الهَدْي في القِرَانِ بينَ الحَجّ والعُمْرَة



  • الحِكمةُ مِنَ التَّلبيةِ: التَّنبيهُ على إكْرامِ اللهِ تعالى لعِبادِه بأنَّ وُفودَهم على بَيتِه إنَّما كان باستِدعاءٍ مِنه وطلب
  • القارِنُ هو مُتَمتِّعٌ مِنْ حيثُ اللُّغةُ ومِنْ حيثُ المعْنى لأنَّه حَظِيَ بإدْخالِ العُمرةِ في أعْمالِ الحجِّ حيثُ تَرفَّهَ باتِّحادِ المِيقاتِ والإحْرامِ والفِعلِ
  • في الحديث اتِّباعُ الصّحابي عبدالله بنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما سُنَّةَ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم واقتِفاؤه أثَرَه في أفعالِه كافة
عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عبداللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: خَرَجَ فِي الْفِتْنَةِ مُعْتَمِرًا، وقَالَ: إِنْ صُدِدْتُ عَنْ الْبَيْتِ، صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -، فَخَرَجَ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وسَارَ حَتَّى إِذَا ظَهَرَ عَلَى الْبَيْدَاءِ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ، فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا جَاءَ الْبَيْتَ طَافَ بِهِ سَبْعًا، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا، لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، ورَأَى أَنَّهُ مُجْزِئٌ عَنْهُ، وَأَهْدَى.
في هذا الحَديثِ يَروي نافعٌ، مَولى ابنِ عُمَرَ، أنَّ عبداللهِ بنَ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عنهما- أرادَ الحَجَّ وذلك عامَ نُزولِ الحَجَّاجِ بابنِ الزُّبَيرِ في مكة، وكان ذلك عامَ اثنَيْنِ وسَبعينَ مِنَ الهِجرةِ، عِندَما نَزَلَ الحَجَّاجُ بنُ يوسُفَ الثَّقَفيُّ بأمْرٍ مِن عبدالملِكِ بنِ مَرْوانَ لمُحارَبةِ عبداللهِ بنِ الزُّبَيرِ، وعَزَمَ ابنُ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عنهما- على الحَجِّ في ذلك العامِ، فخِيفَ عليه مِن أنْ يَصُدُّوه ويَمنَعوه عنِ البَيتِ، فتَلا قَولَه -تعالَى-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب: 21)، وأنَّه سيَفعَلُ كما فَعَلَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم .
أوجَبَ حَجًّا وعُمرةً بظاهِرِ البَيْداءِ
ثمّ أشهَدَهم أنَّه أوجَبَ عُمرةً في أوَّلِ الأمرِ، ثم أوجَبَ حَجًّا وعُمرةً بظاهِرِ «البَيْداءِ»، والبَيداءُ في اللُّغةِ: هي الصَّحراءُ التي لا شَيءَ فيها، والمَقصودُ بها هنا مَكانٌ فَوقَ عَلَمَيْ ذي الحُلَيفةِ إذا صُعِدَ مِنَ الوادي، وفي أوَّلِ البَيداءِ بِئرُ ماءٍ، ويَبعُدُ عن مَكَّةَ حَوالَيْ (420 كم)، وأهدَى هَديًا اشتَراه في الطَّريقِ مِن «قُدَيْدٍ»، وهو مَوضِعُ ماءٍ قَريبٍ مِنَ الجُحْفةِ، بَينَ مَكَّةَ والمَدينةِ، وهو مِنَ الحِلِّ وليس مِنَ الحَرمِ، وإنْ كان داخِلَ الميقاتِ، ويَبعُدُ عن مَكَّةَ المُكرَّمةِ (150 كم)، ويَقَعُ إلى الشَّمالِ الشَّرقيِّ منها. ولم يَنحَرْ، ولم يَحِلَّ مِن شَيءٍ حَرُمَ منه، ولم يَحلِقْ، ولم يُقَصِّرْ، إلى أنْ جاء يَومُ النَّحرِ، وهو يَومُ العاشرِ مِن ذي الحِجَّةِ، فنَحَرَ وحَلَقَ، ورَأى أنَّه قد قَضى طَوافَ الحَجِّ والعُمرةِ بطَوافِه الأوَّلِ، فالقارِنُ يَقتصِرُ على أفعالِ الحَجِّ، وتَندرِجُ أفعالُ العُمرةِ كُلُّها في أفعالِ الحَجِّ، ولا يَحِلُّ القارِنُ إلَّا يَومَ النَّحرِ بعد ذبح الهدي.
فوائد الحديث
  • الخُروجُ إلى النُّسُكِ في الطَّريقِ المَظنونِ خَوفُها، إذا غلبَ على ظنّه السَّلامةَ فيها.
  • وفيه: اتِّباعُ الصّحابي ابنِ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عنهما- سُنَّةَ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، واقتِفاؤه أثَرَه في أفعالِه.
باب: الهَدْيُ في المُتْعة
عَنْ سَالِمِ بْنِ عبداللَّهِ: أَنَّ عبداللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَكَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ، قَالَ لِلنَّاسِ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، ومَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ ولْيَحْلِلْ، ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ ولْيُهْدِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ»، وطَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ، ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ السَّبْعِ، ومَشَى أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ، ثُمَّ رَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ فَانْصَرَفَ، فَأَتَى الصَّفَا فَطَافَ بِالصَّفَا والْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ، ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، حَتَّى قَضَى حَجَّهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ. وفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، مَنْ أَهْدَى وسَاقَ الْهَدْيَ مِنْ النَّاسِ.
هَدْيِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوداعِ
يَحكي سالم عن أبيه عبداللهِ بنُ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عنهما- جانباً مِنْ هَدْيِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوداعِ، وكانت في السَّنةِ العاشرةِ مِن الهجرةِ، فبيَّنَ أنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - تَمتَّع في حَجَّةِ الوَداعِ بالعُمرةِ إلى الحَجِّ، ومَعلومٌ أنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - إنّما حجَّ قارنًا، بأنْ جَمَعَ بيْن الحجِّ والعُمرةِ بإحْرامٍ واحدٍ، وعليه فالتَّمتُّعُ المقصودُ هنا: مَحمولٌ على التَّمتُّعِ اللُّغويِّ، والمعْنى: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أحرَمَ أوَّلًا بالحجِّ مُفرِداً، ثمَّ أحْرَمَ بالعُمرةِ، فصار قارِنًا في آخِرِ أمْرِه، والقارِنُ هو مُتَمتِّعٌ مِنْ حيثُ اللُّغةُ، ومِنْ حيثُ المعْنى، لأنَّه حَظِيَ بإدْخالِ العُمرةِ في أعْمالِ الحجِّ؛ حيثُ تَرفَّهَ باتِّحادِ المِيقاتِ والإحْرامِ والفِعلِ.
المُراد بالتَّمتُّعِ هنا القِرانُ
وممَّا يدُلُّ على أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم - كان قارنًا، وأنَّ المُرادَ بالتَّمتُّعِ هنا القِرانُ: قولُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديثِ: «مَن كانَ مِنكُم أهْدَى، فإنَّه لا يَحِلُّ لِشَيءٍ حَرُمَ منه حتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ»، والنّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كان ممَّن أهْدى إلى الحرَمِ. قولُ ابنِ عمَرَ: «وبَدَأَ رَسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فأهَلَّ بالعُمْرَةِ، ثُمَّ أهَلَّ بالحَجِّ» مَحمولٌ على التَّلبيةِ في أثناءِ الإحْرامِ، كما جاء في حَديثِ أنسٍ عندَ مُسلِمٍ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: «لَبَّيك بعُمرةٍ وحَجٍّ»، وليس المرادُ أنَّه أحرَمَ في أوَّلِ أمْرِه بعُمرةٍ، ثمَّ أحْرَمَ بحَجٍّ.
قولُه: «فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم »
قولُه: «فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ»، أي: في آخِرِ الأمرِ، فكَثيرٌ منْهم أو أكثَرُهم أحْرَمُوا بالحجِّ أوَّلًا مُفرَداً، ثمَّ فَسَخوه إلى العُمرةِ آخِراً، فَصاروا مُتمتِّعين، وهمُ الذين لمْ يَسُوقوا معهم الهَدْيَ، فلمَّا دَخَلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ قال للنَّاسِ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ،...» أي: مَنْ كان مِنْكم ساقَ الهَدْيَ معه، فإنَّه لا يَحِلُّ لِشَيءٍ حَرُمَ منه منَ مَحظوراتِ الإحْرامِ، فيَبْقى على إحْرامِه حتَّى يَقضيَ حَجَّه، وذلك لقولِه -تعالى-: {وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (البقرة: 196).
قوله: «ومَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى...»
أي: ومَن لم يكُن منكم قدْ ساق الهَدْيَ فَليَطُفْ بالبَيتِ طَوافَ العُمرةِ، وبالصَّفا والمروةِ، وليُقصِّرْ مِن شَعرِ رَأسِه، فيَصيرُ بذلك حَلالًا، فيَحِلُّ له فِعلُ كلِّ ما كان محظورًا عليه في الإحرامِ، مِن الطِّيبِ واللِّباسِ، والنِّساءِ والصَّيدِ، وغيرِ ذلك. قوله: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ..» وجَّهَ - صلى الله عليه وسلم - الصحابة للتَّقصيرِ دونَ الحلْقِ، مع أنَّ الحلْقَ أفضَلُ، وذلك لِيَبْقى له شَعرٌ يَحلِقُه في الحجِّ، وقولُه - صلى الله عليه وسلم -: «ثمَّ ليُهِلَّ بالحجِّ» أي: يومَ التَّرويةِ، يومَ الثامنِ مِن ذي الحِجَّةِ، لا أنَّه يُهِلُّ عَقِبَ التَّحلُّلِ مِن العُمرةِ، ومَنْ لمْ يَجِدْ هَدْياً، أو لم يَجِدْ ثَمنَه، أو زادَ ثَمَنُه على ثَمَنِ المِثلِ، أو كان صاحبُه لا يُريدُ بَيعَه، فلْيَصُمْ ثَلاثةَ أيَّامٍ في الحَجِّ بعْدَ الإحرامِ به، وسَبْعةً إذا رَجَعَ إلى أهلِه بِبَلدِه أو بمَكانٍ تَوطَّنَ به.
طواف النبي - صلى الله عليه وسلم - حَولَ الكَعبةِ
قوله: «وطَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ..» يُخبِرُ ابنُ عمَرَ -رَضيَ اللهُ عنهما- أنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طافَ حَولَ الكَعبةِ حِين قَدِمَ مَكَّةَ طَوافَ القُدومِ، واستَلَمَ الرُّكنَ أوَّلَ شَيءٍ، وهو الحجَرُ الأسودُ، والمرادُ باستلامِه: مَسْحُه وتَقبيلُه، أوَّلَ ما قَدِمَ قبْلَ أنْ يَبتدِئَ بشَيءٍ، وقوله: «ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ السَّبْعِ، ومَشَى أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ..» أي: رَمَلَ وأسرَعَ في ثَلاثةِ أطوافٍ، ومَشى أرْبَعةً، فيه: مشروعية الرمل في الأشواطِ الثلاثةِ الأولى في الطَّوافِ. ثمَّ صلَّى رَكعتَين حِين قَضى طَوافَه بالبَيتِ عِندَ مَقامِ إبراهيمَ، ثمَّ سلَّم منهما فانْصرَفَ، ثمَّ سَعى بيْن الصَّفا والمروةِ سَبْعةَ أشواطٍ، ويَبتدِئُ الشَّوطُ الأوَّلُ مِن الصَّفا ويَنْتهي بالمَروةِ، والشَّوطُ الثَّاني عكْسُ ذلك، مِن المَروةِ إلى الصَّفا، والشَّوطُ الثالثُ مِثلُ الأوَّلِ، وهكذا إلى أنْ يَتِمَّ السَّعيُ في الشَّوطِ السابعِ.
قوله: «ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ»
أي: ظَلَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُحرِمًا إلى أنْ أتمَّ حَجَّه، ونَحَرَ الهَدْيَ يومَ العيدِ، وطاف بالبيتِ طَوافَ الإفاضةِ، لأنَّه ساقَ الهَدْيَ معه، وإلَّا لَتحلَّلَ مِن العُمرةِ كما أمَرَ أصحابَه، وفَعَلَ مِثلَ ما فَعَلَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كلُّ مَن ساقَ الهَدْيَ مِن النَّاسِ، فلم يَفسَخوا الحجَّ إلى العُمرةِ، فكان - صلى الله عليه وسلم - وبعضُ الناسِ قارنينَ، والفريقُ الآخرُ مُتمتِّعينَ.
فوائد الحديث
  • مَشروعيَّةُ الحجِّ قارِنًا أو مُتمتِّعًا.
  • جواز إدْخالِ نِيَّةِ التَّمتُّعِ على مَن حَجَّ قارناً أو مُفرِدًا.
  • طاعة الصّحابة للنّبيّ - صلى الله عليه وسلم - على كلّ حال.



اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 06-09-2024, 09:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: في إفْراد الحَجّ على العُمْرة




  • المُحرِمَ قدْ يُخشَى أنْ يَمنعَه مانعٌ مِن إتمامِ الحجِّ، كالمرضِ أو العدو ونحوِه، فيُريدُ أنْ يتحلَّلَ مِنَ الحجِّ إذا حصَلَ له هذا المانعُ، دُونَ أنْ يَجِبَ عليه فِديةٌ أو قَضاءٌ
  • النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم علَّمَ أمّته أُمُورَ الحجِّ والعُمرةِ وفَرائضَهما وسُننَهما وآدابَهما وقال في حَجَّةِ الوداعِ: «خُذوا عَنِّي مَناسِكَكم»
  • ثبَتَ بروايةِ أربعةَ عَشَرَ من الصَّحابةِ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمَرَ مَن لم يَسُقِ الهدْيَ بفسْخِ الحجِّ وجعْلِه عُمرةً ومِن جُملتِهم عائشةُ رضي الله عنها
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، ومِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ولَمْ يُهْدِ، فَلْيَحْلِلْ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وأَهْدَى، فلَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ، وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ». قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: فَحِضْتُ فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا، حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَلَمْ أُهْلِلْ إِلَّا بِعُمْرَةٍ، فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي وأَمْتَشِطَ، وأُهِلَّ بِحَجٍّ، وأَتْرُكَ الْعُمْرَةَ. قَالَتْ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا قَضَيْتُ حَجَّتِي، بَعَثَ مَعِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، وأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَمِرَ مِنْ التَّنْعِيمِ، مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي أَدْرَكَنِي الْحَجُّ، وَلَمْ أَحْلِلْ مِنْهَا. رواه مسلم في الحج (2/870-871) باب: بيان وجوه الإحرام، ورواه البخاري في كتاب الحج (1560) باب: قول الله تعالى (الحج أشهر معلومات).
تُخْبِرُ عائشةُ -رضي الله عنها- فتقول: «خرَجْنا مع رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في حجَّةِ الوداعِ» وهي الحَجَّةُ التي حَجَّها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وسُمِّيَتْ بذلك؛ لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان كالمُوَدِّعِ لهم في خُطَبِ الحَجِّ، ولمْ يَلْبَثْ كَثيرًا بعدَها، وكانتْ في السَّنةِ العاشِرةِ من الهِجرةِ.
قولها: «فمِنَّا مَن أهَلَّ بالحجِّ»
أي: أحرَمَ ناويًا الحجَّ دونَ تحلُّلٍ بعُمرةٍ، «ومِنَّا مَن أهَلَّ بعُمرةٍ وأهْدى» أي: أحرَمَ ناويًا عُمرةً، وساقَ هَدْيَه ليذْبَحَه بعدَ إتمامِ عُمرتِه، ثمَّ يتحلَّلُ ويتمتَّعُ إلى الحجِّ، قالت عائشةُ -رضِيَ اللهُ عنها-: «فقال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَن أهَلَّ بعُمرةٍ ولم يُهْدِ، فليَحْلِلْ، ومَن أهَلَّ بعُمرةٍ فأهْدى، فلا يَحِلَّ» يعني: مَن أحرَمَ بالعُمرةِ ومعه الهدْيُ، فليُدْخِلِ الحجَّ في العُمرةِ، ليكونَ قارِنًا، «ومَن أهَلَّ بحَجَّةٍ، فلْيُتِمَّ حَجَّه». وقد ثبَتَ بروايةِ أربعةَ عَشَرَ من الصَّحابةِ: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أمَرَ مَن لم يَسُقِ الهدْيَ بفسْخِ الحجِّ، وجعْلِه عُمرةً، ومِن جُملتِهم عائشةُ -رضي الله عنها-، فقد قالتْ في الحديثِ المُتَّفقِ عليه: «خرَجْنا مع رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لا نَرى إلَّا الحجَّ، قالت: فلمَّا أنْ طاف بالبيتِ، وبين الصَّفا والمروةِ، قال: «مَن كان معه هَدْيٌ، فلْيُقِمْ على إحرامِه، ومَن لم يكنْ معه هَدْيٌ، فلْيَحْلِلْ».
عُمرة عائشة -رضي الله عنها- كانت مِنَ التّنْعيم
قالت عائشةُ -رضي الله عنها-: «وَلَمْ أُهْلِلْ إِلَّا بِعُمْرَةٍ، فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي وأَمْتَشِطَ، وأُهِلَّ بِحَجٍّ، وأَتْرُكَ الْعُمْرَة»َ، فهذه الرواية صريحة في أن عائشة -رضي الله عنها- كانت قارنة، وأن طوافها وسعيها مرة واحدة، كفى عن الحج والعمرة معًا، وكذا قوله - صلى الله عليه وسلم - لها: «يَسَعك طوافك لحجّك وعمرتك»، وكل ذلك صريح في أنّ عُمرتها مِنَ التّنْعيم، لمْ تكنْ لأنّها لمْ تعتمر مع حجها، وإنما كانت إرْضاءً لمشاعرها؛ لأنّه - صلى الله عليه وسلم - كان يرضي هواها، ويستجيب لمطالبها، لدلالها وصغارها وحبه لها ولأبيها. وجاء في رواية جابر - رضي الله عنه -: «وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً سهلاً- أي كريم الخلق حسن العشرة- إذا هَويت الشيءَ، تابعها عليه، فأرسلها مع عبد الرحمن بن أبي بكر فأهلّت بعُمْرةٍ من التّنعيم».
قوله: «هذه مكان عُمْرتك»
أما قوله: «هذه مكان عُمْرتك» فمعناه كما قال النووي: «أنّها أرادت أنْ يكونَ لها عُمْرة منفردة عن الحج، كما حَصل لسائر أمهات المؤمنين، وغيرهن مِنَ الصّحابة، الذين فَسَخُوا الحج إلى العُمرة، وأتمّوا العُمرة، وتحلّلوا منها قبل يوم التروية، ثمّ أحرموا بالحجّ من مكة يوم التّروية، فحصل لهم عمرة منفردة، وحجّة منفردة، وأما عائشة فإنّما حصل لها عمرة مُنْدرجة في حجّةٍ بالقِران، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النفر: «يسعك طوافك لحجك وعمرتك» أي: وقد تما وحسبا لك جميعاً، فأبت، وأرادت عُمْرة منفردة، كما حصل لباقي الناس، فلما اعتمرت عمرة منفردة، قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «هذه مكان عمرتك» أي: التي كنت تريدين حصولها منفردة، غير مندرجة، فمنعك الحيض من ذلك».
فوائد الحديث
  • بيانُ بعضِ الأمورِ في هَدْيِه في تِلك الحَجَّةِ.
  • أنّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - علَّمَ أمّته أُمُورَ الحجِّ والعُمرةِ، وفَرائضَهما وسُننَهما وآدابَهما، وقال في حَجَّةِ الوداعِ: «خُذوا عَنِّي مَناسِكَكم».
باب: الاشْتراط في الحجّ والعُمْرة
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ -رضي الله عنها- أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةٌ، وإِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ، فَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ: «أَهِلِّي بِالْحَجِّ، وَاشْتَرِطِي: أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي». قَالَ: فَأَدْرَكَتْ، رواه مسلم في الحج (2/867) باب: جواز اشْتراط المحرم بعذر المرض ونحوه. تُخبِرُ عائِشةُ -رضي الله عنها- أنه لَمَّا دَخلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على ضُبَاعةَ بنتِ الزُّبَيْرِ بنِ عبدِ المطَّلِبِ بنتِ عَمِّ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - و-رضي الله عنها-، وسألَها - صلى الله عليه وسلم - عَن سببِ عدَمِ حَجِّها، فقال لها: «لعلَّكِ أردْتِ الحجَّ؟» يعني: أردتِ الخُروجَ للحَجِّ معنا، فإنَّا نحِبُّ أن تتوجَّهي معنا للحَجِّ، فذكَرَت لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّها تجِدُ نَفْسَها مَريضةً.
«حُجِّي واشْتَرِطي»
فقال لها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «حُجِّي واشْتَرِطي»، ثم بَيَّن لها - صلى الله عليه وسلم - ما تَقولُه في الاشتراطِ، فقال: «أَهِلِّي بِالْحَجِّ، وَاشْتَرِطِي: أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي». وفي رواية: «قُولي: اللَّهمَّ مَحلِّي حيثُ حبستَنِي» ومعناه: أنِّي حيثُ عجزْتُ عَنِ الإتيانِ بِالمناسكِ، وانْحبسْتُ عنها بسَببِ قوَّةِ المرضِ تحلَّلتُ، ومَكانُ تحلُّلي عَنِ الإحْرامِ مكانُ حَبَستَنِي فيه عَنِ النُّسكِ بعلَّةِ المرضِ. والاشتراطُ في الحجِّ هو: أنْ يَنويَ المُحرِمُ الحجَّ، ويقولَ: اللَّهمَّ مَحلِّي حيثُ حَبْستَنِي، أي: إنِّي أكونُ حَلالًا حيثُ مَنعَني مانعٌ مِن إتمامِ الحجِّ والمناسكِ، وفائدتُه: أنَّ المُحرِمَ قدْ يُخشَى أنْ يَمنعَه مانعٌ مِن إتمامِ الحجِّ، كالمرضِ أو العدو ونحوِه، فيُريدُ أنْ يتحلَّلَ مِنَ الحجِّ إذا حصَلَ له هذا المانعُ، دُونَ أنْ يَجِبَ عليه فِديةٌ أو قَضاءٌ. وكانت ضُباعَةُ زَوجةَ المقدادِ بنِ الأسودِ رضِي اللهُ عنهما، وهو المِقدادُ بنُ عَمرِو بنِ ثَعلَبةَ بنِ مالكٍ الكِنديُّ، صاحِبُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأحَدُ السَّابِقينَ الأوَّلين، ويقالُ له: المِقدادُ بنُ الأسوَدِ، لأنَّه رُبِّي في حَجرِ الأسوَدِ بنِ عَبدِ يَغُوثَ الزُّهريِّ، فتَبَنَّاه. وقد شَهِد بَدرًا والمشاهِدَ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وكان يومَ بَدرٍ فارساً، وعاش نحوًا من سبعين سنة، مات في سنةِ ثلاثٍ وثلاثين، وصلَّى عليه عُثمانُ بنُ عَفَّان، وقَبْرُه بالبقيعِ.
فوائد الحديث
  • أنَّ المُحْصَرَ يَحِلُّ حيثُ يُحبَسُ.
  • وفيه: أنَّ النَّسبَ لا يُعتبَرُ في الكَفاءةِ، وإلَّا لَمَا جازَ لِلمقدادِ - رضي الله عنه - أنْ يَتزَّوجَ ضُباعةَ -رضي الله عنها-، لأنَّها فوقَه في النَّسبِ، فهي بِنتُ أشرافِ القَومِ، وهو كان حليفًا مُتبَنًّى.

  • اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 15-09-2024, 10:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: مَنْ أحْرَمَ وعليه جُبّةٌ وأثَر الخَلُوق



القاضي إذا لمْ يتبيَّن له الحُكم فإنّه يُمْسك حتى يتبيَّن له كما أمْسَك النّبي صلى الله عليه وسلم عن الإجابة حتى نزول الوحي عليه
السُّنةَ النّبويّة وَحيٌ مِنْ عند الله تعالى ينزلُ بها جبريل عليه السلام كما أنَّ القرآنَ وَحيٌ وقد تَرِدُ السّنّة بأحْكامٍ ليستْ في القرآنِ
يَحرم على المُحْرم استعمالُ الطّيب ولبس المَخيط الذي على قَدْر البَدن أو جُزء منه
عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ بِالْجِعْرَانَة ِ، عَلَيْهِ جُبَّةٌ، وَعَلَيْهَا خَلُوقٌ، أَوْ قَالَ: أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟ قَالَ: وأُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- الْوَحْيُ، فَسُتِرَ بِثَوْبٍ، وَكَانَ يَعْلَى يَقُولُ: وَدِدْتُ أَنِّي أَرَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، قَالَ فَقَالَ: أَيَسُرُّكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ؟ قَالَ: فَرَفَعَ عُمَرُ طَرَفَ الثَّوْبِ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ لَهُ غَطِيطٌ- قَال: وأَحْسَبُهُ قَالَ: كَغَطِيطِ الْبَكْرِ- قَالَ: فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ الْعُمْرَةِ؟ اغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الصُّفْرَةِ، أَوْ قَالَ: أَثَرَ الْخَلُوقِ، واخْلَعْ عَنْكَ جُبَّتَكَ، واصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ؛ مَا أَنْتَ صَانِعٌ فِي حَجِّكَ». الحديث أخرجه مسلم في الحج (2/836) باب: ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح وبيان تحريم الطيب. وأخرجه البخاري في (الحج) باب: غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب، حديث (1536) تعليقًا، ويَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ - رضي الله عنه - هو ابن أبي عبيدة التميمي، حليف قريش، صحابي مشهور.
قوله: «وَهُوَ بِالْجِعْرَانَة ِ»
قوله: «وَهُوَ بِالْجِعْرَانَة ِ» بكسر الجيم، قال النووي -رحمه الله-: «فيها لغتان مشهورتان: إحداهما إسْكان العين، وتخفيف الراء، والثانية كسر العين وتشديد الراء، والأولى أفصح، وبهما قال الشافعي وأكثر أهل اللغة. والجعرانة: موضع ماء بين الطائف ومكة المكرّمة، وهي إلى مكة أقرب، نزلها رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قسَم غنائم هوازن، مَرجعَه مِنْ غزاة حنين والطائف، وأحْرم منْها، وما زال الاسم معروفاً.
قوله: «عَلَيْهِ جُبَّةٌ وَعَلَيْهَا خَلُوقٌ أَوْ قَالَ أَثَرُ صُفْرَةٍ»
الجبّة: هي بضم الجيم وتشديد الباء مفتوحة، ثوب واسع الكمين، مفتوح من الأمام، يُلبس فوق الثياب. وأمّا الخَلُوق: بفتح الخاء، فهو نوعٌ مِنَ الطّيب يُركّب فيه زعفران، وقيل: أعظم أجزائه الزّعفران، والمراد بأثر الصُّفْرة: رائحة الزّعفران. وفي الرواية الأخرى: «متمضّخ بالخَلوق» أي: متلوِّث به، مُكثِر منه. فسَألَ الرجل النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما حُكْمُ رَجُلٍ أحرَمَ بِعُمرةٍ، وهو مُتلَطِّخٌ بالطِّيبِ في ثَوبِه وبَدَنِه؟ فسَكَت النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم- عن إجابتِه، ولمْ يُجِبْه فَوراً، فجاءَه الوَحيُ، وهنا أشارَ عُمَرُ - رضي الله عنه - بِيَدِه إلى يَعْلى - رضي الله عنه -؛ حتَّى يَرى كَيفيَّةَ نُزولِ الوَحيِ على رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم-، فأدْخَلَ يَعْلَى - رضي الله عنه - رَأسَه داخِلَ الثَّوبِ، فإذا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- مُحمَرُّ الوجْهِ تَتردَّدُ أنفاسُه بِصَوتٍ مَسموعٍ.
قوله: «فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ لَهُ غَطِيطٌ
قوله: «فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ لَهُ غَطِيطٌ - قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ كَغَطِيطِ الْبَكْرِ» الغطيط: هو كصوت النائم الذي يُردِّده مع نفَسِه، و»الْبَكْرِ» بفتح الباء هو الفتي مِنَ الإبل، وفي الرواية الأخرى «محمّر الوَجه» والاحْمرار لشدّة الوحي وثقله؛ كما قال -تعالى-: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} (المزمل: 5). قوله: «فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ» بضم السين وكسر الراء المشدّدة؛ أي: أُزِيلَ ما به، وكشِف عنه. وقوله: «اغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الصُّفْرَةِ»، في الرواية الأخرى: «أما الطّيبُ الذي بك، فاغْسله ثلاث مرات» وهذا مِنَ المُبالغة في الإزالة، ويحتمل لأنّ الطيب كان كثيرًا، فيحتاج إلى تكرارٍ في إزالته، ويؤيده رواية «مُتمَضّخ» وهذه الرواية تدلّ على أنّ الطّيب الذي معه؛ كان بجسَده أيضاً؛ لأنه قال: «وأما الطّيبُ الذي ببدنه».
قوله: «وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا أَنْتَ صَانِعٌ فِي حَجِّك»
أي: مِنْ اجْتناب المَحْظُورات؛ لأنّ ظاهر الحديث يدلُّ على أنّه يَعرفُ أعمال الحَجّ ومَحظُوراته؛ لكنّه يسألُ عن العُمرة، فأرشده النّبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أنّ حُكمهما واحد مِنْ حيثُ المَحظورات، قال ابن العربي -رحمه الله-: « كأنّهم كانوا في الجاهلية يخلعون الثّياب، ويجتنبون الطّيب في الإحْرام إذا حجّوا، وكانوا يَتَساهلُون في ذلك في العُمْرة؛ فأخْبره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- أنَّ مَجْرَاهما واحد».
من فوائد الحديث
1- الحديث دليل على أنه يَحرم على المُحْرم استعمالُ الطّيب، ولبس المَخيط الذي على قَدْر البَدن أو جُزء منه. 2- وأنَّ مَحظُوراتِ الحَجِّ والعُمرةِ واحِدةٌ. 3- والنَّهيُ عن التَّطيُّبِ عِندَ الإحْرامِ هو بالنِّسبةِ إلى الثِّيابِ بكُلِّ ما يَبقى أثرُه لَوناً أو رائِحةً، أما التَّطيُّبُ في الجَسدِ، فلا مانع منه، فقد ثبَتَ في الصَّحيحَينِ: أنَّ عائشةَ -رَضيَ اللهُ عنها- طَيَّبَت رَسولَ اللهِ -[- عندَ إحرامِه، أيْ قَبلَه. 4- وفيه: المُبالَغةُ في الإنْقاءِ في غَسل الطِّيبِ للمُحرِمِ. 5- والحديث دليلٌ على أنّ مَنْ فَعلَ مَحظُوراً مِنْ مَحْظُورات الإحْرام، ناسياً أو جاهلًا، فإنه يجبُ عليه إزالتُه في الحال، ولا كفَّارة عليه. 6- وفيه: أنَّ السُّنةَ النّبويّة وَحيٌ مِنْ عند الله، كما أنَّ القرآنَ وَحيٌ، ينزلُ بها جبريل عليه كما ينزل بالقرآن، وقد تَرِدُ السّنّة بأحْكامٍ ليستْ في القرآنِ كما هو هنا. 7-الحديث فيه بيان شدّة ما يَجدُه النبي - صلى الله عليه وسلم- مِنَ الوحي عند نُزُوله. 8- فيه ما كان عليه الصَّحابةُ الكرامُ -رَضيَ اللهُ عنهم- يُحِبُّون أنْ يَعلَموا أحْوالَ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم. 9- وفيه دليل على أنّ القاضي والمُفْتي إذا لمْ يتبيَّن له الحُكم، فإنّه يُمْسك حتى يتبيَّن له، وهذا يُؤخذ منْ إمْسَاك النّبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإجابة حتى نزول الوحي عليه، وهكذا هو حال أهل العلم الرّبانيين، إذا لمْ يعلم أحدٌ منْهم الإجابة أمْسَك عن الجواب، أو قال: لا أعْلم، ولا يتكلّم بما لا يَعلم؛ حتى يراجع كُتُبه، أو يسألُ مَنْ هو أعلم منْه.
{إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيم}
معنى الاسمين ودلالتهما في حق الله تعالى
قال الإمام الشنقيطي -رحمه الله تعال في تفسير قوله تعالى-: {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيم}: «الحكم في الاصطلاح: هو من يضع الأمور في مواضعها ويوقعها في مواقعها، فالله -جل وعلا- حكم لا يضع أمرا إلا في موضعه، ولا يوقعه إلا في موقعه، ولا يأمر إلا بما فيه الخير، ولا ينهى إلا عما فيه الشر، ولا يعذب إلا من يستحق العذاب وهو -جل وعلا- ذو الحكمة البالغة له الحجة والحكمة البالغة، وأصل الحكم في لغة العرب: معناه: المنع؛ نقول: حكمه، وأحكمه إذا منعه، هذا هو أصل الحكم، والعليم: صيغة مبالغة؛ لأن علم الله -جل وعلا- محيط بكل شيء، يعلم خطرات القلوب، وخائنات العيون، وما تخفي الصدور، حتى إن من إحاطة علمه -سبحانه- علمه بالعدم الذي سبق في علمه ألا يوجد، فهو عالم أن لو وجد كيف يكون، وأن اسم (الحكيم العليم) فيه أكبر مدعاة للعباد أن يطيعوه، ويتبعوا تشریعه؛ لأن حكمته -سبحانه- تقتضي ألا يأمرهم إلا بما فيه الخير، ولا ينهاهم إلا عما فيه الشر، ولا يضع أمرا إلا في موضعه، وبإحاطة علمه يعلمون أن ليس هنالك غلط في ذلك الفعل، أو أن ينكشف عن غير المراد، بل هو في غاية الإحاطة والإحكام، وإذا كان من يأمرك بحكم لا يخفى عليه شيء حكيم في غاية الإحكام لا يأمرك إلا بما فيه الخير، ولا ينهاك إلا عما فيه الشر، فإنه يحق عليك أن تطيع وتمتثل»، فاسم الحكيم يقتضي الإيمان بأن الله -عزوجل- حكيم في أحكامه وقضائه وقدره؛ فكما أنه حكيم في شرعه ودينه، فهو حكيم في قضائه وقدره. لذلك فإن مَن عرف اللهَ بعلمه وحكمته، أثمر ذلك في قلبه الرِّضا بحكم الله وقدَرِه في شرعه وكونه، فلا يعترض على أمره ونهيه ولا على قضائه وقدَرِه، وإنما يَرضى المؤمن العارِف بأسماء الله وصِفاته بحكم الله وقضائه؛ لأنَّه يعلم أنَّ تدبير الله له خيرٌ من تدبيره لنفسه، وأنَّه -تعالى- أعلم بمصلحته من نفسه، ولذا تراه يَرضى ويسلّم، بل إنَّه يرى أنَّ هذه الأحكام القدَريَّة الكونية أو الشرعية إنما هي رحمة وحكمة، وحينئذ لا تراه يعترض على شيء منها، بل لسان حاله: رضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيا.

اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم يوم أمس, 10:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,112
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: ما يَجْتَنبُ المُحْرِمُ مِنَ الّلبَاس



  • يحرم على المُحْرمين من الرجال لبس القُمُص والعمائم والبرانس والسراويل ونحوها
  • من فوائد الحديث بيان يُسر الشريعةِ الإسلاميَّةِ ورفْعها للحَرجِ عنِ المُكلَّفينَ
  • يحرم على النساء والرجال المحرمين لبس الثّياب التي مسّها الورس أو الزّعفران
عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ، ولَا الْعَمَائِمَ، ولَا السَّرَاوِيلَاتِ، ولَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ، إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ؛ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، ولَا تَلْبَسُوا مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا؛ مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلَا الْوَرْسُ»، وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وهُوَ يَخْطُبُ يَقُولُ: «السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْإِزَارَ، والْخُفَّانِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ». يَعْنِي: المُحْرِمَ. في الباب حديثان، رواهما مسلم في أول كتاب الحج (2/834-835) باب: ما يباح للمُحرم بحجٍّ أو عُمرة، وما يُباح وبيان تحريم الطيب عليه.
في الحديثِ الأول: يَذكُرُ عبداللهِ بنُ عمَرَ بنِ الخطَّابِ -رَضيَ اللهُ عنهما- أنَّ رجُلًا جاء إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسأَلُه عمَّا يَلبَسُ مِن الثِّيابِ في حالةِ الإحرامِ بالحجِّ أو العُمرةِ، فأجابَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بذِكرِ ما يَحرُمُ لُبْسُه؛ وذلك لأنَّ المَمنوعَ مُنحصِرٌ، فأمْكَنَ التَّصريحُ به، وأمَّا المُباحُ فأكثَرُ مِن أنْ يَنحصِرَ، ولذا عَدَلَ عن ذِكرِه لذِكرِ المَحظورِ، وكأنَّه أراد أنْ يقولَ: اجتَنِبْ هذه الأشياءَ والْبَسْ ما سِواها.
ما يلبس المُحْرم؟
فالسؤال ورد بصيغة: ما يلبس المُحْرم؟ وورد جوابه من أفصح الخلق - صلى الله عليه وسلم -: لا يلبس القمص إلخ الحديث. قال الحافظ في الفتح: قال النووي: قال العلماء: هذا الجواب منْ بديع الكلام وجَزله، لأنّ ما لا يلبس مُنْحصر، فحصر التصريح به، وأمّا الملبُوس الجائز؛ فغير مُنْحصر، فقال: لا يلبس كذا، أي: ويلبس ما سواه. انتهى. ثم قال الحافظ: وقال البيضاوي: وفيه إشارة إلى أن حقّ السؤال أنْ يكون عمّا لا يلبس، لأنّه الحُكمُ العارض في الإحْرام المحتاج لبيانه؛ إذْ الجواز ثابتُ الأصل بالاستصحاب، فكان الأليق بالسؤال عمّا لا يلبس. وقال غيره: هذا يشبه أسْلوب الحَكيم، ويقربُ منه قوله -تعالى-: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} الآية، (البقرة: 215). فعَدلَ عن جِنس المُنْفق، وهو المَسؤول عنه إلى ذكر المنفق عليه؛ لأنّه أهم. انتهى.

المحظورات التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذَكَرَ - صلى الله عليه وسلم - المَحظُوراتِ فقال: «لا تَلْبَسُوا القمصَ» وهو الثَّوبُ المُفصَّلُ على الجسمِ ذُو الأكمامِ، ويُلبَسُ مِنْ أعْلى، فيَدخُلُ في الذِّراعينِ ويُغطِّي الجسَدَ والعَورةَ. «ولَا السَّرَاوِيلَاتِ» جمْعُ سِروالٍ، وهو لِباسٌ يُغطِّي ما بيْن السُّرَّةِ والرُّكبتينِ غالبًا، ويُحيطُ بكلٍّ مِن الرِّجلينِ على حِدَةٍ، ويُلبَسُ مِن الأسفلِ، فيَدخُلُ مِن القدَمَينِ ويُغطِّي العورةَ وأعْلاها قَليلًا. «ولَا العَمَائِمَ» جمْعُ عِمامةٍ، وهي ما يُلَفُّ على الرَّأسِ. «ولَا البَرَانِسَ» جمْعُ بُرْنُسٍ، وهو الثَّوبُ الشاملُ للرَّأسِ والبدَنِ، فهو كلُّ ثَوبٍ رَأْسُه منه مُلتصِقٌ به. قوله: «إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ؛ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ» أي: ولا يَلبَسُ المُحرِمُ أيضاً الخُفَّين، وهو ما يُلبَسُ على القدَمِ ساتراً لها، ويُصنَعُ مِن الجِلدِ، بخِلافِ النَّعلِ، فهو غيرُ ساترٍ للقَدَمِ، فلا يُغطِّي ظَهْرَ القدَمِ تَماماً، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إلَّا أنْ يَكونَ أحَدٌ ليسَتْ له نَعْلانِ، فلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، ولْيَقْطَعْ أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَينِ» فإذا أراد لُبْسَ الخُفَّينِ -لفَقْدِه النَّعلينِ- فلْيَقطَعِ الخُفَّينِ حتى يَكونَا أنْزَلَ مِن الكَعْبَين؛ ليَقرَبا بذلك مِن مُشابَهةِ النَّعلينِ، والكَعْبانِ هما العَظْمانِ الناتئانِ عندَ مَفصِلِ الساقِ والقدَمِ، وهذه الأمورُ المذكورةُ مَحظورةٌ بالنِّسبةِ للرِّجالِ دُونَ النِّساءِ.
ما تشترك فيه المرأة مع الرجال
قال الحافظ في الفتح: أجْمعوا على أنّ المُراد به هنا الرجل، ولا يلتحق به المرأة في ذلك، قال ابن المنذر: أجْمعوا على أنّ للمَرأة لبس جميع ما ذُكر، وإنّما تشترك مع الرجال في مَنْع الثوب الذي مسّه الزّعْفران أو الورس اهـ، ثم قال الحافظ: وقال عياض: أجمعَ المسلمون على ما ذكر في هذا الحديث لا يلبسه المحرم، وأنه نبّه بالقميص والسّراويل على كلّ مُحيط، وبالعَمائم والبَرانس على كلّ ما يُغطّى الرأس به مَخيطًا أو غيره، وبالخفاف على كل ما يستر الرجل انتهى. هذا: ولو حَمَلَ شيئًا على رأسه لحاجته؛ لا لتغطيته فإنّه لا يضر، وكذلك لو انغمس في الماء، أو وضع يده على رأسه، فإنه لا يسمى لابسًا في شيء من ذلك وليس للمرأة ثياب مُعينة للإحْرام، بل تلبسُ ما شاءت مِنَ الّلباس، ما دام لا يصف ولا يشف، غير أنّه لا يجوز لها أنْ تنتقب، ولا أنْ تلبس القفازين. ثمَّ قال - صلى الله عليه وسلم -: «ولَا تَلْبَسُوا شيئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ ولَا الوَرْسُ» والزَّعفرانُ: نَباتٌ طَيِّبُ الرائحةِ يُستعمَلُ طِيبًا في الزَّمنِ السابقِ، ويُصبَغُ به. والورْسُ: نَباتٌ أصفَرُ طَيِّبُ الرائحةِ يَحتوي على مادَّةٍ يُصبَغُ بها الثِّيابُ. وهذا النَّهيُ شاملٌ للرِّجالِ والنِّساءِ.
النهي عن لبس النقاب والقفازين
ثمَّ قال - صلى الله عليه وسلم -: «ولَا تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ، ولَا تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ» والنِّقَابُ: هو الخِمارُ الَّذي يُسْدَلُ على الوَجْهِ أو تَحتَ مَحاجِرِ العَينِ، فتَسْتُرَ به المرأةُ وَجْهَها، وتَفتَحَ لِعَيْنَيها بقَدْرِ ما تَنظُرُ منه. والقُفَّازُ: هو شَيءٌ تَلبَسُه النِّساءُ في أيديهِنَّ يُغطِّي الأصابعَ والكَفَّ والسَّاعدَ والمرادُ نَهْيُها عَن لُبْسِ النِّقابِ والقُفَّازِ، وأمَّا غيرُ النِّقابِ والقُفَّازِ مِمَّا يَسْتُرُ الوَجهَ واليدَينِ، مِن الخِمارِ ونَحوِه، فلِلمرأةِ أنْ تَستُرَ وجْهَها ويدَيْها به عِندَ حَضرةِ الرِّجالِ الأجانبِ أو مُحاذاتِهم؛ فقدْ رَوى الحاكمُ في مُستدرَكِه عن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ -رَضيَ اللهُ عنها-: أنَّها كانتْ تُغطِّي وجْهَها في الإحرامِ، وقد جاء النَّصُّ بالنَّهيِ عن النِّقابِ والقُفَّازِ خاصَّةً، وليس عن تَغطيةِ الوجْهِ واليدَينِ.
فوائد الحديث
  • بيَّنَ اللهُ -عزَّوجلَّ- في كتابه، ورَسولُه - صلى الله عليه وسلم - في حديثه، ما يَحِلُّ للمُحرِمِ فِعلُه، وما يَحرُمُ عليه، ونَقَلَ ذلك الصَّحابةُ الكرامُ -رَضيَ اللهُ عنهم أجمعينَ- ذلك للأمة.
  • تحريم لبس القُمُص والعمائم والبرانس والسراويل ونحوها للمُحْرم من الرجال.
  • تحريم لبس الأحْذية التي تُغطّي موضع الوضوء مِن الرِّجل، على المحرم من الرجال.
  • تحريم لبس الثّياب التي مسّها الورس أو الزّعفران على المُحْرم من الرجال أو النساء.
  • تحريم التطيّب لمَنْ كان مُحْرماً.
  • إجابةُ السَّائِلِ بأكثرَ مِن سُؤالِه؛ إتمامًا للفائِدةِ.
الحديث الثاني
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وهُوَ يَخْطُبُ يَقُولُ: «السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْإِزَارَ، والْخُفَّانِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ». يَعْنِي: المُحْرِمَ، في هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبداللهِ بنُ عبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عنهما- أنَّه سَمِعَ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم - يَخطُبُ وذلك في عَرَفاتٍ في حَجَّةِ الوداعِ في العامِ العاشرِ مِن الهِجرةِ، يقول: «السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْإِزَارَ» والإزارُ هو قِطعةُ القُماشِ تُشَدُ على الوَسطِ، يُستَرُ بها ما بيْن السُّرَّةِ والرُّكبةِ، والسَّراويلُ: هي لِباسٌ مَخيطٌ يُغطِّي ما بيْن السُّرَّةِ والرُّكبتينِ غالبا. قوله: «والْخُفَّانِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ» وفي اللفظ الأخر: «مَن لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ» والنَّعْلُ: هي التي تُلبَسُ في الرِّجلِ عندَ المَشْيِ، وكلُّ ما وُقِيَت به القَدَمُ مِن الأرضِ، والغالِبُ فيهِ أنَّه لا يَستُرُ القَدَمَ، والخُفُّ: هو ما يُلبَسُ في الرِّجلِ مِن جِلدٍ رَقيقٍ، ويكونُ ساتِراً للكَعْبينِ فأكثَرَ، ويَلبَسُه المُحرِمُ بعْدَ أنْ يَقْطَعَ أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ -وهما العَظْمانِ الناتئانِ عندَ مَفصِلِ الساقِ والقدَمِ- كما جاء في رِوايةِ ابنِ عمَرَ في الصَّحيحَينِ، فأباحَ - صلى الله عليه وسلم - لُبْسَ السَّراويلِ لمَن لمْ يَجِدْ إزارًا يَلبَسُه. أمَّا إنْ وَجَدَ الإزارَ أو النَّعلَ، فليس له لُبْسُهما.


اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 101.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 98.05 كيلو بايت... تم توفير 3.10 كيلو بايت...بمعدل (3.06%)]