شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         6 كواكب وسابعهم القمر في خط مستقيم – اصطفاف الكواكب ظاهرة فلكية نادرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 89 )           »          الثبـــات وأسبــابه.. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 67 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 67 - عددالزوار : 9698 )           »          هذا الدين هو دين أهل العزة والكرامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          فضيلة الشيخ أ. د. ناصر العقل متحدثاً عن التكفير المذموم التكفــير فتنة هذا العصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 65 )           »          أخطاء الواقفين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 90 - عددالزوار : 22495 )           »          {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}ا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 236 - عددالزوار : 29121 )           »          ما تحرمش نفسك من التسالي فى العيد.. أنواع مختلفة من السناكس الدايت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 95 )           »          4 نصائح لخسارة الوزن الزائد بخطوات سهلة بعد فتة ولحمة العيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 82 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-05-2024, 11:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,561
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب البيع)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (322)

صـــــ(1) إلى صــ(24)



‌‌حكم انتفاع المرتهن بالرهن غير المحلوب
يبقى

‌‌السؤال
غير المركوب وغير المحلوب إذا احتاج إلى نفقة، فهل يُقاس على المركوب والمحلوب؟ جماهير العلماء على أنه لا يُقاس ولا يُلحق، وحتى الإمام أحمد رحمه الله لما قال بهذه السنة وعمل بها، سُئِل عن غيرها، فخصّص الحديث بما ورد؛ لأن الأصل يقتضي أنه لا يجوز لك أن تنتفع بمال غيرك إلا بإذنه، وبحقه، فلما جاءت السنة تستثني هذا الأصل فيما يُركب ويحلب، بقي ما عداه على الأصل الذي يوجب عدم ملكية المنافع إلا لأصحابها، ولا يجوز لمن له الدين أن ينتفع إلا بإذن المالك الحقيقي هذه خلاصة ما ذُكِر.
فالحاصل: أنه يجوز في القسم الثاني إذا كان الرهن يحتاج إلى مئونة وكان مركوباً محلوباً، جامعاً بينهما، أو فيه إحدى الخصلتين يجوز لمن له الدين أن ينتفع في حدود ما أنفق.
فإن كان غير محلوبٍ ولا مركوب، فإنه لا يجوز أن ينتفع به، وحينئذٍ يفصل فيه من ناحية إذا أنفق فإنه يحتسب قدر ما أنفق على ذلك المرهون، ثم يطالب المالك الحقيقي بنفقته، كما سيأتي إن شاء الله

‌‌الإنفاق على الرهن بغير إذن الراهن مع إمكان الرجوع إليه

قال رحمه الله: [وإن أنفق على الرهن بغير إذن الراهن مع إمكانه لم يرجع].
قوله: (وإن أنفق على الرهن بغير إذن الراهن مع إمكانه) إذا استأذنه فلا إشكال، وقد ذكرنا المحلوب والمركوب، فالمحلوب والمركوب لا يحتاج إلى إذن، وغير المحلوب والمركوب -كما كان في الأرقاء في القديم ونحوهم- إذا احتاج إلى نفقة، فإنه إذا أنفق عليه بدون إذن صاحبه مع إمكان أن يستأذنه، فإنه لا يُعطى نفقته؛ والسبب في ذلك: أن المطالب في الأصل هو المالك، فكونه لم يستأذن ولم يأمره أحد أن يُعطي بل أعطى تلقائياً، دلّ على أن العطية محض تبرّع، وهذا يسمونه: الاستناد إلى الظاهر؛ لأن المالك الحقيقي موجود، فكونه موجوداً ويمكنه أن يتصل به أو يرسل إليه، أو يأتيه بنفسه ويقول له: إني سأنفق على الرهن فهل تأذن لي؟ فكونه لم يفعل ذلك، هذا يسمونه: دلالة الظاهر، وقد سبق أن ذكرنا الظاهر والأصل، فهذا من الظاهر فيُعمل به، ويقال: هذا محض تبرّع.
وقال بعض العلماء: يرجع إلى نيته، فإن كان نوى أنها تُحتسب احتسبت، وإن كان نوى أنها لا تحتسب فإنها لا تحتسب، وتكون محض التبرع.
والمراد بقوله: (لم يرجع)، أي: ليس من حقه أن يرجع على المالك الحقيقي فيطالبه، فيقولون: رجع، لم يرجع، وعليه أن يرجع، هذا هو المراد به، أنه إذا دفع مثلاً ما قيمته خمسمائة ريال نفقة، وكان بإمكانه أن يستأذن المالك الحقيقي ولم يستأذنه، فحينئذٍ ليس من حقه أن يرجع ويطالب المالك الحقيقي بالنفقة
‌‌النفقة على الرهن عند تعذر الرجوع إلى الراهن
قال رحمه الله: [وإن تعذّر رجع ولو لم يستأذن الحاكم].
قوله: (وإن تعذر) أي: إن تعذر عليه أن يرجع إلى المالك الحقيقي، وإن لم ينفق صارت الدابة معرضة للموت، والوقت ضيق، فتعذّر عليه أن يرجع؛ وذلك لصعوبة الاتصال به، أو سافر الراهن، وتعذر أن يتصل به أو يجد وكيلاً عنه، فقام وأنفق، فإنه يرجع؛ لأن الشبهة هنا قائمة، والأصل أن نفقته محسوبة، وقد قلنا هنا: إنه يرجع؛ لأنه لما أنفق هذا المال، فالأصل أن يرجع في ضمانه، هذا هو الأصل، ولما تعذّر عليه الرجوع سقط تأثير الظاهر؛ لأن في الظاهر ما يدل على الشبهة لوجود العذر، وحينئذٍ لا نلزمه، ولا نقول له: يسقط حقك؛ بل نقول: إن من حقك أن ترجع عليه بقدر النفقة.
فلو أنفق عليه مثلاً في حدود خمسمائة ريال، وقيمة الرهن عشرة آلاف ريال، والدين تسعة آلاف ريال، فلما انتهى الوقت جاء وسدد تسعة آلاف ريال، وقال له: أعطني الرهن، فقال: بقي خمسمائة تكفّلتُها نفقة على الرهن، فإن قال: لا أعطيك، فحينئذٍ من حقه أن يطالبه، ويقول له: أعطني هذه الخمسمائة وهي تابعة للدين، فيُلزم بإعطائه، ويجب عليه أن يعطيه، سواءً استأذن الحاكم أو لم يستأذنه.
وبعضهم يقول: عليه أن يستأذن الحاكم والوالي، والمراد بالحاكم هنا القاضي؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (فالسلطان ولي من لا ولي له)، فجعل القضاة والحكام إنما يُرجع إليهم إذا تعذّر الرجوع إلى الأصل، فهم يقومون مقام الناس في القيام على مصالحهم، وعلى هذا قالوا: إنه يرجع إلى الحاكم فيستأذنه أولاً ثم ينفق، ولا شك أن الرجوع إلى القاضي متى أمكنه الرجوع إلى القاضي أحوط

‌‌النفقة على الوديعة مع إمكان الاستئذان من المالك وعدمه

قال رحمه الله: [وكذا وديعة].
أي: إذا أنفق على وديعة، ومثاله: رجلٌ أعطاك وديعة، فإذا احتاجت هذه الوديعة إلى نفقة، وأمكنك الاتصال به، فإنه يجب عليك أن تتصل به وتستأذنه، وإن لم يمكنك الاتصال به على التفصيل الذي ذكرناه في الرهن، فمن حقك أن تطالبه بنفقتك على وديعته، سواءً قلنا باستئذان الحاكم أو بدونه، وأما إذا أمكنك أن تستأذنه ولم تستأذنه، فإن نفقتك على الوديعة تعتبر محض التبرّع، وليس من حقك أن تطالب بالنفقة

‌‌النفقة على العارية مع إمكان الاستئذان من المالك وعدمه

قال رحمه الله: [وعارية].
أي: إذا استعار شخصٌ شيئاً، واحتاج هذا الشيء إلى نفقة، فإنه يرجع إلى مالكه الحقيقي ويستأذنه، فإذا لم يستأذنه مع إمكان الاستئذان، فإنه يتحمل مسئولية النفقة، وأما إذا لم يمكنه وتعذر عليه الاستئذان وقام بالنفقة، فإنها تضمن على التفصيل الذي ذكرناه في استئذان الوالي وعدم استئذانه
‌‌النفقة على الدواب المستأجرة الهارب صاحبها
قال رحمه الله: [ودواب مستأجرة هرب ربها].
وذلك مثل الإبل في القديم، فإذا أستأجرها الإنسان من أجل الركوب، ثم هرب صاحبها، فهذه الدواب ستبقى عندك، وتكون يدك عليها قائمة، يد حفظ، فتحفظها لأخيك المسلم، وبعض العلماء يُلزمك بالحفظ هنا، ولا خيار لك، تُلزم بحفظها، وتقوم عليها حتى يأتي ربها وصاحبها، ثم تنفق عليها منها، فإذا أنفقت عليها منها فلا إشكال، وأما إذا لم تجد منها شيئاً وقمت أنت بنفسك وأنفقت من مالك، فحينئذٍ يكون من حقك الرجوع على مالكها الحقيقي إن جاء يطالبك يوماً من الأيام؛ لأنه تعذر عليك أن تتصل به وتطالبه، فيجوز لك حينئذٍ أن تؤاخذه بضمان؛ لأن هذه العين التي هي الإبل أو الدواب التي تُستأجر للركوب أو نحو ذلك مثل الثيران، فقد كانت في القديم تستأجر للحراثة، وفي زماننا لو كانت السيارة مستأجرة، ثم حصل ظرف لصاحبها وغاب فجأة، وأصبحت السيارة عندك واحتاجت إلى نفقة، أو إلى رعاية، فأنفقت عليها مع تعذر الاتصال بصاحبها، فإنه حينئذٍ إذا رجع طالبته بضمان ذلك الشيء الذي أنفقته على عينه؛ ووجه ذلك: أن هذه العين غُرمها وغنمها على مالكها الحقيقي؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح: (الخراج بالضمان)، فغرمها وغنمها لمن يضمن، أي: يأخذ الغنم وعليه الغرم، فلما كان ربحها له، كذلك أيضاً غرمها ونفقتها وخسارتها وأعباؤها وتكاليفها على مالكها الحقيقي، أما يدك فإنها يد حفظ.
ففي هذه الحالة -في العارية، وفي الرهن، وفي العين المستأجرة- إذا لم يتيسر الاتصال بمالكها الحقيقي وكنت معذوراً، جاز لك أن تقوم بالمعروف بالنفقة عليها، ثم تطالبه بضمان ما أنفقت
‌‌تعمير المرتهن لخراب الدور والأراضي المرهونة ونحوها
قال رحمه الله: [ولو خرِب الرهن فعمّره بلا إذن رجع بآلته فقط].
الخراب: ضد العمار، فلو أن العين المرهونة -كالمزارع، والأرضين ونحوها- أصبحت خراباً، أو اخترب بعضها، فقام المرتهن باستصلاحه، فإنه في هذه الحالة العين والرقبة موجودة، ويمكن أن تبقى وتبقى ماليتها بحالها، بخلاف الإبل والبقر والدواب، فإنه إذا لم تنفق عليها فستموت وتتلف وتذهب ماليتها، فهناك فرق بين الاثنين، ثم في هذه الحالة يكون الدفع هنا دفع إجارة، وفيه مبايعة من جهة المئونة، فيلتزم به فقط بقيمة الآلة التي تم بها الاستصلاح، ولا يطالبه بالفضل، وليس له أن يقايضه على ذلك منفعة، وذلك بالعرف، فتكون مثلاً بناء هذه الدار واستصلاحها بخمسين ألفاً، وتكلفتها بالعرف أربعون ألفاً، وعشرة آلاف تكون ربحاً لمن يقوم باستصلاحها، فهنا ليس له أن يربح، وإنما يكون له فقط أجرة الآلة التي استصلح بها، فيملك فقط المئونة، وليس من حقه أن يقايض على ما فيه مصلحة ونماءٌ زائد.
وهذا بالنسبة لمنفعة الاستصلاح، بخلاف منفعة النفقة التي تبقى بها العين، فهنا محض تبرع فيه نوع من الفضل؛ فأرضي إذا انهدمت فإن من حقي أن أبنيها أو لا أبنيها، لكن الدابة إذا ماتت ففي الغالب أنني لا أرضى بموتها، فكونه في هذه الحالة عندما خربت الأرض أتى وعمرها، فأنا قد أرضى أن تسقط وتخرب وتبقى على حالها، لكن الإبل والبقر والغنم التي حياتها وماليتها موقوفة على النفقة لا أرضى بتلفها.
فهناك فرق بين الحالتين، فالنفقة في الأولى مستحقة ولازمة، وتبقى المالية عليها، وكأنه محض التصرف الرشيد، وفي موضعه، أن تنفق لبقاء الإبل والغنم والبقر ونحوها من الرقاب المرهونة أو المستعارة أو المؤجرة، لكن في حالة ما إذا كانت العين داراً فانهدمت، أو مزارع مثلاً فعطشت، فأصلح آبارها أو نحو ذلك، فإنه لا يأخذ إلا نفقة الآلات التي بها تحققت المنفعة، وليس من حقه أن يقايض أو يطلب الربح أو النماء الزائد.
أما لو استأذن فإنه يملك مطالبته بجميع ما أذن له به، وذلك في حدود الإذن، فلو قال له مثلاً: ابن هذا دورين، فبناهما دورين على نفس الصفة المتفق عليها، فله أن يطالبه بالنفقة كاملة
‌‌الأسئلة
‌‌جواز إدخال الإجارة على الرهن ومباينته لعقد البيعتين في بيعة


‌‌السؤال
أشكل عليَّ انتقال يد الراهن من الأمانة إلى الضمان، وذلك إذا استأجر الرهن، فهنا ابتدأ بعقد الرهن وانتهى إلى الإجارة، فوسع هنا في هذه المسألة، وحرم في البيوع عن بيعتين في بيعة، وتردد العقد بين البيع والإجارة، فهل من حكمة في التوسيع هنا، والتضييق هناك؟


‌‌الجواب
باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فأما بالنسبة لمسألة الرهن وانتقاله إلى الإجارة فليس هو على سبيل التشريك، فينبغي أن يُفرّق بين هذا وبين عقد البيعتين في بيعة، وعقد الإجارة الذي ينتهي بالتمليك عقدان في عقد.
أما الرهن مع الإجارة فعقدان منفصلان: الرهن عقد منفصل له شروطه وله ضوابطه، والإجارة عقد مستقل له شروطه وله ضوابطه، فإذا تعاقدا على رهن وأبقيا يد الرهن على ما هي عليه فرهن، وإن رفعا الرهن باختيارهما ورضاهما فهذا جائز، فمثلاً: لو أنني أخذت رهناً منك، ثم جئتني وقلت: يا فلان! أنا محتاج للرهن وأريد أن أنتفع به، فهلا سامحتني وأقلتني، فقلت لك: قد سامحتك، وأخذتَ الرهن، فإنه يجوز بالإجماع.
فانتقلت يد الرهن من الرهن إلى عقد آخر، دون أن يجتمعا.
لكن العقد في بيعتين في بيعة هنا اجتمع العقدان في عقد واحد، كأن يقول لك: أبيعك هذه الدار بعشرة آلاف حاضرة، أو بعشرين إلى نهاية السنة، وتفترقا قبل التحديد، أما لو حددتما فليس هناك إشكال، ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما -كما روي عنه في مصنف ابن أبي شيبة وغيره-: أما إذا بت فلا إشكال.
فجمهور السلف رحمهم الله على أنه إذا قال له: بعني بمائة حاضرة أو بمائتين إلى أجل، وأخذ بإحدى البيعتين، فإنه خرج عن بيعتين في بيعة، وليس هناك خلاف إلا قول سماك ورواية عن طاووس رحمهما الله؛ وذلك لأن العقدين لا يدخلان في عقد واحد إلا إذا افترقا، فإن افترقا، وقد أعطاه البيعتين ولم يحدد، فقد أدخل العقدين في عقد، أما هنا -في عقد الرهن والإجارة- فإنه لم يدخل العقدين في عقد؛ لأن عقد الرهن على حدة، ثم اتفقا على انتقاله من الرهن إلى الإجارة، كما لو اتفقا على أن يعود على صاحبه.
إذاً: ليس هناك أي إشكال، فهذا شيء وهذا شيء، ولا يعتبر هذا من تداخل العقود.
وهكذا لو قال لك: استأجِر العمارة عشرين شهراً بعشرة آلاف كل شهر، ثم بعد سنة تملكها، فهو ليس بعقد إجارة، وليس بعقد بيعٍ محض، وإنما أدخل البيعتين في بيعة، أو أدخل العقدين في عقد، على القول بأن الإجارة بيع، ولا شك أنها نوع من البيع الذي هو بيع المنافع، فأدخل البيعتين في بيعة من جهة بيع منفعة، وبيع عين، أدخلهما في عقد واحد، وقد استأجرتَ العمارة وفي نيتك أن تملكها، والتزم لك أن يملكَك في نهاية العام، فأدخلتما عقدين في عقد واحد، فالغرر في هذا واضح.
وهكذا لو قال له: أبيعك بعشرة حاضرة وبعشرين إلى أجل، وافترقا قبل التحديد، فقد أدخلا الصفقتين في صفقة واحدة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في تتمة حديث البيعتين في بيعة: (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا)؛ وذلك لأنه إذا قال له: بعني بمائة حاضرة وبمائتين إلى أجل، وفارقك قبل أن يحدد، فإما أن يعطيك الوكس وأنت ترجو المائتين إلى أجل، فيقول لك: أريد أن أشتريها بمائة حاضرة، فضيّع عليك المائتين إلى أجل، وأنت تحب أن تكون إلى أجل، وهذا هو أوكسهما، أو أخذها وهو يريد أن يدفعها مائة، ثم قال: هلا خففت عليَّ فجعلتها إلى أجل، فوقع في الربا، فعاوض عن المائة التي في نيته أن يشتري بها إلى المائتين في أجل، فتحقق فيه ما ذكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا)، أما لو بتَّ، واشترى بمائة حاضرة أو بمائتين إلى أجل، كما هو موجود في بيع التقسيط، فليس هذا ببيعتين في بيعة؛ لأنه ليس له أوكسهما ولا الربا؛ ولأن العقد تم على سعرٍ معيّن، فالسلعة قيمتها حاضرة بمائة، وقيمتها إلى أجل بمائتين، ستشتريها بمائة حاضرة أو بمائتين إلى أجل، فهذا ليس من بيعتين في بيعة في شيء.
ولو قلنا: إن كونه يعرض عليه القيمتين في الصفقة يدل على أنه بيعتين في بيعة، لدخلت جميع البيوعات في المساومات؛ لأنه في المساومة يقول له: بعني بعشرين، فيقول: لا، بل بثلاثين، كما لو قال له: بعني بعشرة حاضرة أو بعشرين إلى أجل، فالمعنى في هذا واضح.
وعلى هذا لا يُعتبر إدخال الإجارة على الرهن كالبيعتين في بيعة، ولا يعتبر هذا موجباً للإشكال؛ لأن الرهن مستقل وعقدٌ قصد به الاستيثاق على وجه شرعي معتبر، وتم وبت على الصفة المشروعة، ثم اتفق الطرفان على إلغائه وإنشاء عقد الإجارة، وليس هذا من التداخل في شيء، وعليه فإنه يزول الإشكال، والله تعالى أعلم
‌‌حكم تلف الرهن عند المرتهن

‌‌السؤال
إذا رهن عندي رجلٌ بعيراً، ثم مات هذا الرهن عندي قبل السداد، ثم طالبني به، فما الحكم أثابكم الله؟


‌‌الجواب
إذا مات البعير، فلا يخلو من حالتين: الحالة الأولى: أن يموت بدون تفريط منك، فليس من حقه أن يطالبك، ويدك يد أمانة.
الحالة الثانية: أن يموت بتفريطٍ منك، فإنك تضمن، وعلى هذا يفصّل في مسألة ضمان الرهن.
مثاله: قال لك شخص: أعطني مائة ريال ديناً، فقلت له: أعطني رهناً، فأعطاك ساعة أو مسجلاً أو كتاباً، فتلفت الساعة، أو تلف الكتاب، أو تلف المسجل، فإنه لا يضمن إلا إذا فرّط، فإن كان تلف هذه الأعيان بسبب تفريط منه فإنه يضمن، وأما إذا لم يفرِّط في ذلك فإنه لا ضمان عليه، وحينئذٍ تكون يده يد أمانة على التفصيل الذي سبق بيانه، والله تعالى أعلم

‌‌حكم استصلاح الدور المؤجرة من قبل المستأجر


‌‌السؤال
من كان مستأجراً لدار، وأراد أن يصلح فيها ما خرب، فهل لا بد أن يستأذن من المالك عموماً، أم يصلح مرافقها ويحتسب ما أنفقه من قيمة الإيجار؟


‌‌الجواب
إذا استأجرت داراً فليس من حقك أن تتصرف في عين الدار، فتغير فيها أو تُحدث فيها إلا إذا استأذنت مالكها، أما ما يكون من جنس المنافع ومن حقك عرفاً أن تفعله، فإنك تفعله، فإذا كان هذا الذي تفعله فيه ضرر أو فيه زيادة أو نقصاً أو تغيير لصفة العين المؤجرة، فلابد أن تستأذن.
فلو استأجرت داراً مكونة من أربع غرف، وكان بالإمكان أن تفتح كل غرفتين على بعضها، فلابد أن تستأذن، ولا تنقل الجدار الحائل إلا بإذن، وكذلك أيضاً لو أردت أن تحدث أشياء، كوضع المسامير في الجدار أو نحوها، فلابد أن تستأذن، فإن لم يأذن لك وفعلت ذلك من عندك، فإنه يجب عليك شرعاً إذا فرّغت الدار أن تسلمها بالصفة التي استلمتها عليها.
وهذه مسألة من أعظم المسائل التي يعظم فيها الضرر، وأحبِّذ للخطباء وأئمة المساجد أن يذكِّروا الناس بالله عز وجل، فإن حقوق العيون المؤجرة -في هذا الزمن- ضائعة بين الناس إلا من رحمهم الله، فالمستأجر إذا انتهى وخرج من البيت، أو خرج من الدكان أو العين المؤجرة، فإنه يخرج منها بحالة قد تحتاج إلى استصلاح يقارب نصف قيمة الأجرة، ومما لا يخفى أنه قد تكون هذه العين أو هذه العمارة ملكاً لأيتام، وقد تكون ملكاً لأرامل وقفاً عليهم، ولذلك يعتبر هذا المال الذي أفسده المستأجر في ذمته ورقبته يوم القيامة، فلو أفسد العين المؤجرة، وأحدث وغيّر وتصرّف فيها، فإنه يجب عليه أن يعيدها على الصفة التي استلمها بها، حتى ذكر العلماء الكنيف الذي هو محل قضاء الحاجة، فقد كان في القديم ينزح وينظف، فقالوا: إذا استلمه نظيفاً، فلابد أن يخرج وهو نظيف، بمعنى أنه لا يبقيه بفضلته، وذلك كله من باب التشديد في الحقوق.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن الناس في عرصات يوم القيامة تطيش عقولهم من الذنوب والمظالم؛ لأنه يؤتى بالمظالم مثل الخردلة وأدنى من ذلك: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47]، والله عز وجل قد أمر العباد برد الحقوق إلى أهلها، فهذا حق، فإذا استأجرت العين كاملة فتردها كاملة، وإذا استأجرتها سليمة فتردها سليمة، أما لو أضر بأرضيتها، أو بسقفها، أو بجدارها، أو بأي شيء فيها، فإنه يضمن ذلك ويرده كاملاً إلى صاحبه.
فينبغي تنبيه الناس في هذا الأمر؛ لأنها من الحقوق التي تضيع بين الناس، ويُنبَّهون على الأمور التي ينبغي أن يراعيها المسلم مع أخيه المسلم في مثل هذه العقود؛ من ضمان الحقوق، وعدم الظلم، وعدم الأذية، وعدم الإضرار، فليتق الله المسلم في حقوق إخوانه، خاصة الأوقاف المؤجرة؛ لأنها تكون ملكاً لأناس مستحقين؛ كالضعفة والعجزة، وتصرف غلّتها عليهم، فإذا أُفسِدت هذه الأوقاف وضُيِّعت، فحينئذٍ تضيع حقوق من تصرف لهم.
والناظر هو المسئول أمام الله عز وجل؛ لأن تساهل الناظر وسكوته يمكِّن المفسد من إفساده، فإذا جاء الناظر ليستلم العين المؤجرة، فعليه أن يطالب المستأجر أن يسلمها كما استلمها، أما أن يتركه يفسد فيها ويغيّر فيها ويعبث على مرأى منه ومسمع، فإذا سلمها سلمها ناقصة، ثم صرف من غلة الوقف لاستصلاحها؛ فهذا ظلم لأصحاب الحقوق، وينبغي التنبه لمثل هذه الحقوق والتنبيه عليها؛ لما فيها من الأذية والإضرار الذي نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، نسأل الله العظيم أن يجنبنا الزلل، وأن يعصمنا في القول والعمل، والله تعالى أعلم

‌‌جواز انتفاع المرتهن بصوف البهيمة إن أذن له الراهن


‌‌السؤال
هل يدخل في الانتفاع صوف الشاة، فله أن يجزّه ويبيعه أثابكم الله؟


‌‌الجواب
ظاهر النص الانتفاع بالحليب والركوب، هذا الذي ورد به النص، سواءً أذن أو لم يأذن، ويبقى فيه الحكم على التفصيل الذي ذكرناه، أما صوف البهيمة وشعرها، فليس من حقه أن ينتفع به بدون إذن إذا أنفق عليها؛ بل يبقى على الأصل من وجوب الاستئذان على التفصيل الذي ذكرناه، والله تعالى أعلم
‌‌حكم القراءة في الكتب المرهونة بإذن وعدمه

‌‌السؤال
إذا كان الرهن كتباً للعلم، فهل القراءة فيها من باب الانتفاع، ويدخل في مسألة القرض الذي جر نفعاً أثابكم الله؟


‌‌الجواب
مسألة قراءة الكتب، بعض العلماء يرى أن العلم لا يُملك، فكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ليس ملكاً لأحد، ولذلك قال تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [الفرقان:57]، فقالوا -بناءً على هذا الأصل-: يجوز أن تقرأ في كتاب الغير ولو لم تستأذنه.
ومن ذلك: القصة المشهورة بين سحنون وهو عبد السلام الفقيه المالكي المشهور، وبين أسد بن الفرات، وأسد بن الفرات من الفقهاء الأجلاء الذين ارتحلوا إلى ابن القاسم في مصر، وكان أسد بن الفرات يريد أن يلقى الإمام مالكاً بنفسه ويسأله، فتوفي الإمام مالك وهو في مصر، فسأل عن أعلم أصحابه، فقيل: ابن القاسم، فجاء إلى ابن القاسم، وقال: إني سائلك، فما كان عندك من قول مالك فأخبرني عنه، وما لا قول لـ مالك فيه فأخبرني عن الأشبه بقوله، -ويسمَّى: التخريج على القواعد والأصول-، فأفتاه وبيّن ما يُسمى: بالمدونة، ثم رجع إلى المغرب، فجاء سحنون، وهو عبد السلام، ويقال: سُحنون وسَحنون، قال الناظم: وسين سَحنون بفتح قد ترام وقد تضم واسمه: عبد السلام الشاهد: أن سحنون جاء إليه وقال له: أعطني مدوّنتك أنقل ما فيها، فقال له: لا أعطيك، فقال: إنه لا يجوز لك أن تخفي هذا العلم عني، فقال له: كتابي، ولي الحق أن أعطيه من أشاء وأمنعه ممن أشاء، فقال: لكن العلم ليس ملكاً لك، فاختصما إلى القاضي، فقال أسد بن الفرات: الكتاب كتابي، والمداد مدادي، والقلم قلمي، يعني: أنا الذي كتبت، وهذا الشيء المكتوب ملكٌ لي، فأنا لا أدعي ملك العلم، ولكني أدعي ملكية الكتاب، والكتاب يُملك، الذي هو الصفحات والأوراق والجلد، والمداد ملكٌ لي، والقلم الذي خط ملك لي، وهذا هو الذي يفرِّعون عليه الآن حقوق الطبع.
فقال سحنون: إن العلم لا يُملك، فقال القاضي: إن الكتاب كتابه -ولكن هذا لحكمة من الله، وقل أن يبخل إنسان بالعلم إلا محق الله بركته-، فلما قضى القاضي لـ أسد بن الفرات، ارتحل سحنون إلى ابن القاسم في مصر، فأخبره القصة، فدوّن له مدوّنة أخرى، ورجع عن مسائل في مدوّنة أسد، وسأل الله أن ينزع البركة من مدوّنة أسد، فتلِفت وضاعت وما بقيت إلا مدوّنة سحنون إلى يومنا هذا.
إذاً: العلم ما يبخل به أحد إلا محقت بركته، نسأل الله السلامة والعافية.
فالشاهد: أن مسألة ملكية الكتاب بذاته، إذا قلنا: إن العلم لا يملك؛ كان من حقه أن يقرأ، ويقرأ باستحقاق شرعي خارج عن العين المرهونة، وإن قلنا: إن الكتاب يُملك، فحينئذٍ تكون العين مملوكة، وليس من حقه أن يفتحها ويقرأ إلا بإذن من المالك.
وفي الحقيقة: النفس تميل أكثر إلى أن العلم لا يُملك، وهذا هو الذي تقرِّره النصوص وتدل عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 8 ( الأعضاء 0 والزوار 8)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 104.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 103.09 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (1.63%)]