|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
حكم الغرر في عقود التبرعات
حكم الغرر في عقود التبرعات د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين: القول الأول: عدم جواز الغرر في عقود التبرعات. وهو قول الجمهور، من الحنفية،[1] والشافعية،[2] والحنابلة،[3] واختاره ابن حزم.[4] ففي تحفة الفقهاء: "ولو وهب رجل لرجل ما في بطن جاريته، أو غنمه، أو ما في ضروعها... فإنه لا يجوز لأن بعض هذه الأشياء معدوم عند العقد، أو معجوز التسليم لمعنى في المحل، أو مجهول؛ حتى لا يكون محلاً للبيع، وإذا كان هكذا، فيكون فاسدًا" [5] وفي روضة الطالبين: "لا تصح هبة المجهول".[6] وفي الإنصاف: "ولا تصح هبة المجهول".[7] واستدلوا من السنة: بما أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر.[8] ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغرر في البيوع، وتلحق بالبيوع سائر المعاملات؛ من معاوضات وتبرعات؛ بجامع أن المعاملات جميعها شُرعت لحفظ المال. ونوقش هذا الاستدلال: بأن النهي عن الغرر في الحديث جاء في خصوص البيع؛ فيلحق به ما يشبهه من عقود المعاوضات، والمماكسات التي يُرجى فيها طلب الحظ، وتنمية الأموال، بخلاف عقود التبرعات التي يقصد منها الإرفاق والإحسان، وتنتفي عنها الجهالة المؤدية إلى المنازعة [9] القول الثاني: جواز وقوع الغرر في عقود التبرعات. وهو مذهب المالكية،[10] وقول للحنابلة،[11] اختاره ابن تيمية.[12] ففي التاج والإكليل: "الغرر في الهبة لغير الثواب يجوز".[13] وفي الإنصاف: " وقال الشيخ تقي الدين - رحمه الله -: وتصح هبة المجهول".[14] واستدلوا من الكتاب، والسنة، والمعقول: استدلوا من الكتاب: بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ [النحـل : 90 ]. ووجه الدلالة: أن الله تعالى امتدح الصدقة على ذي القربى، وأطلقها؛ فجازت مع الجهالة.[15] واستدلوا من السنة: بما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يهبه كُبّة من شعر[16] أخذها من الغنائم، فقال صلى الله عليه وسلم: "أما ما كان لي، ولبني عبد المطلب فهو لك".[17] ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم وهب للرجل نصيبه ونصيب بني عبد المطلب، وهو مقدار مشاع مجهول؛ فدلّ ذلك على صحة هبة المجهول، وجواز الغرر في عقود التبرعات. [18] ونوقش: أن نصيب النبي صلى الله عليه وسلم من الغنائم خمس الخمـس، ونصـيب بني عبد المطلب كذلك، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم وهب للرجل خمسي خمس الكبة، وهو نصيب مشاع معلوم. واستدلوا من المعقول: بأن الأصل في العقود الحلّ والصحة،[19] ولا دليل على المنع. ويناقش: بأن المانع هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق. القول المختـار: جواز الغرر في عقود التبرعات؛ إذ ليس ثمة ضرر على العاقدين, فالمتبرع قصد الأجر، والآخذ ما حصل له من هذا التبرع فمغنم، وما فاته لم يكن عليه بمغرم، وأصل العقود على الإباحة. [1] ينظر: تحفة الفقهاء، للسمرقندي، (3/ 163-164)، بدائع الصنائع، للكاساني، (6/ 119)، درر الحكام، لعلي حيدر، (2/ 343) . [2] ينظر: الحاوي، للماوردي، (5/ 272)، التنبيه، للشيرازي، ص(138)، نهاية المطلب، للجويني، (8/ 411)، روضة الطالبين، للنووي، (5/ 373) . [3] ينظر: المغني، لابن قدامة، (6/ 47)، المبدع، لبرهان الدين بن مفلح، (5/ 366)، الإنصاف، للمرداوي، (7/ 132) . [4] ينظر: المحلى، (9/ 116) . [5] (3/ 163-164) . [6] (5/ 373) . [7] (7/ 132-133) . [8] سبق تخريجه، ص(252) . [9] ينظر: الفروق، للقرافي، (1/ 276) . [10] ينظر: الإشراف، لعبد الوهاب، (2/ 678)، الكافي، لابن عبد البر، ص(529)، بداية المجتهد، لابن رشد، (2/ 247)، الذخيرة، للقرافي، (6/ 243)، التاج والإكليل، للمواق، (6/ 51)، مواهب الجليل، للحطاب، (6/ 51) . [11] ينظر: حاشية الروض المربع، لابن قاسم، (6/ 6) . [12] ينظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، (31/ 270)، الإنصاف، للمرداوي، (7/ 133) . [13] (6/ 51) . [14] (7/ 132-133) . [15] ينظر: الإشراف، لعبد الوهاب، (2/ 678) . [16] بضم الكاف، وتشديد الموحدة؛ أي قطعة مكبكبة من غزل شعر، ينظر: شرح النووي على مسلم، (14/ 108)، الدلائل في غريب الحديث، للسرقسطي، (2/ 861) . [17] أخرجه أحمد، (11/ 339)، برقم 6728، وأبو داود في كتاب الجهاد، باب في فداء الأسير بالمال، (3/ 63)، برقم2694، والنسـائي في كتاب الهبة، باب هبة المشـاع، (6/ 574)، برقم3690، قال ابن عبد البر في التمهيد، (20/ 49): "حديث متصل جيد الإسناد"، وصححه ابن القيم في إعلام الموقعين، (2/ 8) . [18] ينظر: إعلام الموقعين، لابن القيم، (2/ 8) . [19] ينظر: القواعد النورانية، ص(201)، جامع الرسائل، لابن تيمية، (2/ 317)، إعلام الموقعين، لابن القيم، (1/ 259)، الموافقات، للشاطبي، (1/ 284)، نهاية المحتاج، للرملي، (3/ 477) .
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 0 والزوار 6) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |