|
ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#21
|
||||
|
||||
رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم
شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: الهَدْي في القِرَانِ بينَ الحَجّ والعُمْرَة
عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عبداللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: خَرَجَ فِي الْفِتْنَةِ مُعْتَمِرًا، وقَالَ: إِنْ صُدِدْتُ عَنْ الْبَيْتِ، صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -، فَخَرَجَ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وسَارَ حَتَّى إِذَا ظَهَرَ عَلَى الْبَيْدَاءِ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ، فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا جَاءَ الْبَيْتَ طَافَ بِهِ سَبْعًا، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا، لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، ورَأَى أَنَّهُ مُجْزِئٌ عَنْهُ، وَأَهْدَى. في هذا الحَديثِ يَروي نافعٌ، مَولى ابنِ عُمَرَ، أنَّ عبداللهِ بنَ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عنهما- أرادَ الحَجَّ وذلك عامَ نُزولِ الحَجَّاجِ بابنِ الزُّبَيرِ في مكة، وكان ذلك عامَ اثنَيْنِ وسَبعينَ مِنَ الهِجرةِ، عِندَما نَزَلَ الحَجَّاجُ بنُ يوسُفَ الثَّقَفيُّ بأمْرٍ مِن عبدالملِكِ بنِ مَرْوانَ لمُحارَبةِ عبداللهِ بنِ الزُّبَيرِ، وعَزَمَ ابنُ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عنهما- على الحَجِّ في ذلك العامِ، فخِيفَ عليه مِن أنْ يَصُدُّوه ويَمنَعوه عنِ البَيتِ، فتَلا قَولَه -تعالَى-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب: 21)، وأنَّه سيَفعَلُ كما فَعَلَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم . أوجَبَ حَجًّا وعُمرةً بظاهِرِ البَيْداءِ ثمّ أشهَدَهم أنَّه أوجَبَ عُمرةً في أوَّلِ الأمرِ، ثم أوجَبَ حَجًّا وعُمرةً بظاهِرِ «البَيْداءِ»، والبَيداءُ في اللُّغةِ: هي الصَّحراءُ التي لا شَيءَ فيها، والمَقصودُ بها هنا مَكانٌ فَوقَ عَلَمَيْ ذي الحُلَيفةِ إذا صُعِدَ مِنَ الوادي، وفي أوَّلِ البَيداءِ بِئرُ ماءٍ، ويَبعُدُ عن مَكَّةَ حَوالَيْ (420 كم)، وأهدَى هَديًا اشتَراه في الطَّريقِ مِن «قُدَيْدٍ»، وهو مَوضِعُ ماءٍ قَريبٍ مِنَ الجُحْفةِ، بَينَ مَكَّةَ والمَدينةِ، وهو مِنَ الحِلِّ وليس مِنَ الحَرمِ، وإنْ كان داخِلَ الميقاتِ، ويَبعُدُ عن مَكَّةَ المُكرَّمةِ (150 كم)، ويَقَعُ إلى الشَّمالِ الشَّرقيِّ منها. ولم يَنحَرْ، ولم يَحِلَّ مِن شَيءٍ حَرُمَ منه، ولم يَحلِقْ، ولم يُقَصِّرْ، إلى أنْ جاء يَومُ النَّحرِ، وهو يَومُ العاشرِ مِن ذي الحِجَّةِ، فنَحَرَ وحَلَقَ، ورَأى أنَّه قد قَضى طَوافَ الحَجِّ والعُمرةِ بطَوافِه الأوَّلِ، فالقارِنُ يَقتصِرُ على أفعالِ الحَجِّ، وتَندرِجُ أفعالُ العُمرةِ كُلُّها في أفعالِ الحَجِّ، ولا يَحِلُّ القارِنُ إلَّا يَومَ النَّحرِ بعد ذبح الهدي. فوائد الحديث
باب: الهَدْيُ في المُتْعة عَنْ سَالِمِ بْنِ عبداللَّهِ: أَنَّ عبداللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَكَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ، قَالَ لِلنَّاسِ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، ومَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ ولْيَحْلِلْ، ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ ولْيُهْدِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ»، وطَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ، ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ السَّبْعِ، ومَشَى أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ، ثُمَّ رَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ فَانْصَرَفَ، فَأَتَى الصَّفَا فَطَافَ بِالصَّفَا والْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ، ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، حَتَّى قَضَى حَجَّهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ. وفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، مَنْ أَهْدَى وسَاقَ الْهَدْيَ مِنْ النَّاسِ. هَدْيِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوداعِ يَحكي سالم عن أبيه عبداللهِ بنُ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عنهما- جانباً مِنْ هَدْيِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوداعِ، وكانت في السَّنةِ العاشرةِ مِن الهجرةِ، فبيَّنَ أنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - تَمتَّع في حَجَّةِ الوَداعِ بالعُمرةِ إلى الحَجِّ، ومَعلومٌ أنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - إنّما حجَّ قارنًا، بأنْ جَمَعَ بيْن الحجِّ والعُمرةِ بإحْرامٍ واحدٍ، وعليه فالتَّمتُّعُ المقصودُ هنا: مَحمولٌ على التَّمتُّعِ اللُّغويِّ، والمعْنى: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أحرَمَ أوَّلًا بالحجِّ مُفرِداً، ثمَّ أحْرَمَ بالعُمرةِ، فصار قارِنًا في آخِرِ أمْرِه، والقارِنُ هو مُتَمتِّعٌ مِنْ حيثُ اللُّغةُ، ومِنْ حيثُ المعْنى، لأنَّه حَظِيَ بإدْخالِ العُمرةِ في أعْمالِ الحجِّ؛ حيثُ تَرفَّهَ باتِّحادِ المِيقاتِ والإحْرامِ والفِعلِ. المُراد بالتَّمتُّعِ هنا القِرانُ وممَّا يدُلُّ على أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم - كان قارنًا، وأنَّ المُرادَ بالتَّمتُّعِ هنا القِرانُ: قولُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديثِ: «مَن كانَ مِنكُم أهْدَى، فإنَّه لا يَحِلُّ لِشَيءٍ حَرُمَ منه حتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ»، والنّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كان ممَّن أهْدى إلى الحرَمِ. قولُ ابنِ عمَرَ: «وبَدَأَ رَسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فأهَلَّ بالعُمْرَةِ، ثُمَّ أهَلَّ بالحَجِّ» مَحمولٌ على التَّلبيةِ في أثناءِ الإحْرامِ، كما جاء في حَديثِ أنسٍ عندَ مُسلِمٍ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: «لَبَّيك بعُمرةٍ وحَجٍّ»، وليس المرادُ أنَّه أحرَمَ في أوَّلِ أمْرِه بعُمرةٍ، ثمَّ أحْرَمَ بحَجٍّ. قولُه: «فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم » قولُه: «فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ»، أي: في آخِرِ الأمرِ، فكَثيرٌ منْهم أو أكثَرُهم أحْرَمُوا بالحجِّ أوَّلًا مُفرَداً، ثمَّ فَسَخوه إلى العُمرةِ آخِراً، فَصاروا مُتمتِّعين، وهمُ الذين لمْ يَسُوقوا معهم الهَدْيَ، فلمَّا دَخَلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ قال للنَّاسِ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ،...» أي: مَنْ كان مِنْكم ساقَ الهَدْيَ معه، فإنَّه لا يَحِلُّ لِشَيءٍ حَرُمَ منه منَ مَحظوراتِ الإحْرامِ، فيَبْقى على إحْرامِه حتَّى يَقضيَ حَجَّه، وذلك لقولِه -تعالى-: {وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (البقرة: 196). قوله: «ومَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى...» أي: ومَن لم يكُن منكم قدْ ساق الهَدْيَ فَليَطُفْ بالبَيتِ طَوافَ العُمرةِ، وبالصَّفا والمروةِ، وليُقصِّرْ مِن شَعرِ رَأسِه، فيَصيرُ بذلك حَلالًا، فيَحِلُّ له فِعلُ كلِّ ما كان محظورًا عليه في الإحرامِ، مِن الطِّيبِ واللِّباسِ، والنِّساءِ والصَّيدِ، وغيرِ ذلك. قوله: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ..» وجَّهَ - صلى الله عليه وسلم - الصحابة للتَّقصيرِ دونَ الحلْقِ، مع أنَّ الحلْقَ أفضَلُ، وذلك لِيَبْقى له شَعرٌ يَحلِقُه في الحجِّ، وقولُه - صلى الله عليه وسلم -: «ثمَّ ليُهِلَّ بالحجِّ» أي: يومَ التَّرويةِ، يومَ الثامنِ مِن ذي الحِجَّةِ، لا أنَّه يُهِلُّ عَقِبَ التَّحلُّلِ مِن العُمرةِ، ومَنْ لمْ يَجِدْ هَدْياً، أو لم يَجِدْ ثَمنَه، أو زادَ ثَمَنُه على ثَمَنِ المِثلِ، أو كان صاحبُه لا يُريدُ بَيعَه، فلْيَصُمْ ثَلاثةَ أيَّامٍ في الحَجِّ بعْدَ الإحرامِ به، وسَبْعةً إذا رَجَعَ إلى أهلِه بِبَلدِه أو بمَكانٍ تَوطَّنَ به. طواف النبي - صلى الله عليه وسلم - حَولَ الكَعبةِ قوله: «وطَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ..» يُخبِرُ ابنُ عمَرَ -رَضيَ اللهُ عنهما- أنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طافَ حَولَ الكَعبةِ حِين قَدِمَ مَكَّةَ طَوافَ القُدومِ، واستَلَمَ الرُّكنَ أوَّلَ شَيءٍ، وهو الحجَرُ الأسودُ، والمرادُ باستلامِه: مَسْحُه وتَقبيلُه، أوَّلَ ما قَدِمَ قبْلَ أنْ يَبتدِئَ بشَيءٍ، وقوله: «ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ السَّبْعِ، ومَشَى أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ..» أي: رَمَلَ وأسرَعَ في ثَلاثةِ أطوافٍ، ومَشى أرْبَعةً، فيه: مشروعية الرمل في الأشواطِ الثلاثةِ الأولى في الطَّوافِ. ثمَّ صلَّى رَكعتَين حِين قَضى طَوافَه بالبَيتِ عِندَ مَقامِ إبراهيمَ، ثمَّ سلَّم منهما فانْصرَفَ، ثمَّ سَعى بيْن الصَّفا والمروةِ سَبْعةَ أشواطٍ، ويَبتدِئُ الشَّوطُ الأوَّلُ مِن الصَّفا ويَنْتهي بالمَروةِ، والشَّوطُ الثَّاني عكْسُ ذلك، مِن المَروةِ إلى الصَّفا، والشَّوطُ الثالثُ مِثلُ الأوَّلِ، وهكذا إلى أنْ يَتِمَّ السَّعيُ في الشَّوطِ السابعِ. قوله: «ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ» أي: ظَلَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُحرِمًا إلى أنْ أتمَّ حَجَّه، ونَحَرَ الهَدْيَ يومَ العيدِ، وطاف بالبيتِ طَوافَ الإفاضةِ، لأنَّه ساقَ الهَدْيَ معه، وإلَّا لَتحلَّلَ مِن العُمرةِ كما أمَرَ أصحابَه، وفَعَلَ مِثلَ ما فَعَلَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كلُّ مَن ساقَ الهَدْيَ مِن النَّاسِ، فلم يَفسَخوا الحجَّ إلى العُمرةِ، فكان - صلى الله عليه وسلم - وبعضُ الناسِ قارنينَ، والفريقُ الآخرُ مُتمتِّعينَ. فوائد الحديث
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي
__________________
|
#22
|
||||
|
||||
رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم
شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: في إفْراد الحَجّ على العُمْرة
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، ومِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ولَمْ يُهْدِ، فَلْيَحْلِلْ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وأَهْدَى، فلَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ، وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ». قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: فَحِضْتُ فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا، حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَلَمْ أُهْلِلْ إِلَّا بِعُمْرَةٍ، فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي وأَمْتَشِطَ، وأُهِلَّ بِحَجٍّ، وأَتْرُكَ الْعُمْرَةَ. قَالَتْ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا قَضَيْتُ حَجَّتِي، بَعَثَ مَعِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، وأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَمِرَ مِنْ التَّنْعِيمِ، مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي أَدْرَكَنِي الْحَجُّ، وَلَمْ أَحْلِلْ مِنْهَا. رواه مسلم في الحج (2/870-871) باب: بيان وجوه الإحرام، ورواه البخاري في كتاب الحج (1560) باب: قول الله تعالى (الحج أشهر معلومات). تُخْبِرُ عائشةُ -رضي الله عنها- فتقول: «خرَجْنا مع رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في حجَّةِ الوداعِ» وهي الحَجَّةُ التي حَجَّها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وسُمِّيَتْ بذلك؛ لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان كالمُوَدِّعِ لهم في خُطَبِ الحَجِّ، ولمْ يَلْبَثْ كَثيرًا بعدَها، وكانتْ في السَّنةِ العاشِرةِ من الهِجرةِ. قولها: «فمِنَّا مَن أهَلَّ بالحجِّ» أي: أحرَمَ ناويًا الحجَّ دونَ تحلُّلٍ بعُمرةٍ، «ومِنَّا مَن أهَلَّ بعُمرةٍ وأهْدى» أي: أحرَمَ ناويًا عُمرةً، وساقَ هَدْيَه ليذْبَحَه بعدَ إتمامِ عُمرتِه، ثمَّ يتحلَّلُ ويتمتَّعُ إلى الحجِّ، قالت عائشةُ -رضِيَ اللهُ عنها-: «فقال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَن أهَلَّ بعُمرةٍ ولم يُهْدِ، فليَحْلِلْ، ومَن أهَلَّ بعُمرةٍ فأهْدى، فلا يَحِلَّ» يعني: مَن أحرَمَ بالعُمرةِ ومعه الهدْيُ، فليُدْخِلِ الحجَّ في العُمرةِ، ليكونَ قارِنًا، «ومَن أهَلَّ بحَجَّةٍ، فلْيُتِمَّ حَجَّه». وقد ثبَتَ بروايةِ أربعةَ عَشَرَ من الصَّحابةِ: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أمَرَ مَن لم يَسُقِ الهدْيَ بفسْخِ الحجِّ، وجعْلِه عُمرةً، ومِن جُملتِهم عائشةُ -رضي الله عنها-، فقد قالتْ في الحديثِ المُتَّفقِ عليه: «خرَجْنا مع رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لا نَرى إلَّا الحجَّ، قالت: فلمَّا أنْ طاف بالبيتِ، وبين الصَّفا والمروةِ، قال: «مَن كان معه هَدْيٌ، فلْيُقِمْ على إحرامِه، ومَن لم يكنْ معه هَدْيٌ، فلْيَحْلِلْ». عُمرة عائشة -رضي الله عنها- كانت مِنَ التّنْعيم قالت عائشةُ -رضي الله عنها-: «وَلَمْ أُهْلِلْ إِلَّا بِعُمْرَةٍ، فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي وأَمْتَشِطَ، وأُهِلَّ بِحَجٍّ، وأَتْرُكَ الْعُمْرَة»َ، فهذه الرواية صريحة في أن عائشة -رضي الله عنها- كانت قارنة، وأن طوافها وسعيها مرة واحدة، كفى عن الحج والعمرة معًا، وكذا قوله - صلى الله عليه وسلم - لها: «يَسَعك طوافك لحجّك وعمرتك»، وكل ذلك صريح في أنّ عُمرتها مِنَ التّنْعيم، لمْ تكنْ لأنّها لمْ تعتمر مع حجها، وإنما كانت إرْضاءً لمشاعرها؛ لأنّه - صلى الله عليه وسلم - كان يرضي هواها، ويستجيب لمطالبها، لدلالها وصغارها وحبه لها ولأبيها. وجاء في رواية جابر - رضي الله عنه -: «وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً سهلاً- أي كريم الخلق حسن العشرة- إذا هَويت الشيءَ، تابعها عليه، فأرسلها مع عبد الرحمن بن أبي بكر فأهلّت بعُمْرةٍ من التّنعيم». قوله: «هذه مكان عُمْرتك» أما قوله: «هذه مكان عُمْرتك» فمعناه كما قال النووي: «أنّها أرادت أنْ يكونَ لها عُمْرة منفردة عن الحج، كما حَصل لسائر أمهات المؤمنين، وغيرهن مِنَ الصّحابة، الذين فَسَخُوا الحج إلى العُمرة، وأتمّوا العُمرة، وتحلّلوا منها قبل يوم التروية، ثمّ أحرموا بالحجّ من مكة يوم التّروية، فحصل لهم عمرة منفردة، وحجّة منفردة، وأما عائشة فإنّما حصل لها عمرة مُنْدرجة في حجّةٍ بالقِران، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النفر: «يسعك طوافك لحجك وعمرتك» أي: وقد تما وحسبا لك جميعاً، فأبت، وأرادت عُمْرة منفردة، كما حصل لباقي الناس، فلما اعتمرت عمرة منفردة، قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «هذه مكان عمرتك» أي: التي كنت تريدين حصولها منفردة، غير مندرجة، فمنعك الحيض من ذلك». فوائد الحديث
باب: الاشْتراط في الحجّ والعُمْرة عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ -رضي الله عنها- أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةٌ، وإِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ، فَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ: «أَهِلِّي بِالْحَجِّ، وَاشْتَرِطِي: أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي». قَالَ: فَأَدْرَكَتْ، رواه مسلم في الحج (2/867) باب: جواز اشْتراط المحرم بعذر المرض ونحوه. تُخبِرُ عائِشةُ -رضي الله عنها- أنه لَمَّا دَخلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على ضُبَاعةَ بنتِ الزُّبَيْرِ بنِ عبدِ المطَّلِبِ بنتِ عَمِّ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - و-رضي الله عنها-، وسألَها - صلى الله عليه وسلم - عَن سببِ عدَمِ حَجِّها، فقال لها: «لعلَّكِ أردْتِ الحجَّ؟» يعني: أردتِ الخُروجَ للحَجِّ معنا، فإنَّا نحِبُّ أن تتوجَّهي معنا للحَجِّ، فذكَرَت لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّها تجِدُ نَفْسَها مَريضةً. «حُجِّي واشْتَرِطي» فقال لها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «حُجِّي واشْتَرِطي»، ثم بَيَّن لها - صلى الله عليه وسلم - ما تَقولُه في الاشتراطِ، فقال: «أَهِلِّي بِالْحَجِّ، وَاشْتَرِطِي: أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي». وفي رواية: «قُولي: اللَّهمَّ مَحلِّي حيثُ حبستَنِي» ومعناه: أنِّي حيثُ عجزْتُ عَنِ الإتيانِ بِالمناسكِ، وانْحبسْتُ عنها بسَببِ قوَّةِ المرضِ تحلَّلتُ، ومَكانُ تحلُّلي عَنِ الإحْرامِ مكانُ حَبَستَنِي فيه عَنِ النُّسكِ بعلَّةِ المرضِ. والاشتراطُ في الحجِّ هو: أنْ يَنويَ المُحرِمُ الحجَّ، ويقولَ: اللَّهمَّ مَحلِّي حيثُ حَبْستَنِي، أي: إنِّي أكونُ حَلالًا حيثُ مَنعَني مانعٌ مِن إتمامِ الحجِّ والمناسكِ، وفائدتُه: أنَّ المُحرِمَ قدْ يُخشَى أنْ يَمنعَه مانعٌ مِن إتمامِ الحجِّ، كالمرضِ أو العدو ونحوِه، فيُريدُ أنْ يتحلَّلَ مِنَ الحجِّ إذا حصَلَ له هذا المانعُ، دُونَ أنْ يَجِبَ عليه فِديةٌ أو قَضاءٌ. وكانت ضُباعَةُ زَوجةَ المقدادِ بنِ الأسودِ رضِي اللهُ عنهما، وهو المِقدادُ بنُ عَمرِو بنِ ثَعلَبةَ بنِ مالكٍ الكِنديُّ، صاحِبُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأحَدُ السَّابِقينَ الأوَّلين، ويقالُ له: المِقدادُ بنُ الأسوَدِ، لأنَّه رُبِّي في حَجرِ الأسوَدِ بنِ عَبدِ يَغُوثَ الزُّهريِّ، فتَبَنَّاه. وقد شَهِد بَدرًا والمشاهِدَ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وكان يومَ بَدرٍ فارساً، وعاش نحوًا من سبعين سنة، مات في سنةِ ثلاثٍ وثلاثين، وصلَّى عليه عُثمانُ بنُ عَفَّان، وقَبْرُه بالبقيعِ. فوائد الحديث
__________________
|
#23
|
||||
|
||||
رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم
__________________
|
#24
|
||||
|
||||
رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم
شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: ما يَجْتَنبُ المُحْرِمُ مِنَ الّلبَاس
عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ، ولَا الْعَمَائِمَ، ولَا السَّرَاوِيلَاتِ، ولَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ، إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ؛ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، ولَا تَلْبَسُوا مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا؛ مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلَا الْوَرْسُ»، وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وهُوَ يَخْطُبُ يَقُولُ: «السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْإِزَارَ، والْخُفَّانِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ». يَعْنِي: المُحْرِمَ. في الباب حديثان، رواهما مسلم في أول كتاب الحج (2/834-835) باب: ما يباح للمُحرم بحجٍّ أو عُمرة، وما يُباح وبيان تحريم الطيب عليه. في الحديثِ الأول: يَذكُرُ عبداللهِ بنُ عمَرَ بنِ الخطَّابِ -رَضيَ اللهُ عنهما- أنَّ رجُلًا جاء إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسأَلُه عمَّا يَلبَسُ مِن الثِّيابِ في حالةِ الإحرامِ بالحجِّ أو العُمرةِ، فأجابَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بذِكرِ ما يَحرُمُ لُبْسُه؛ وذلك لأنَّ المَمنوعَ مُنحصِرٌ، فأمْكَنَ التَّصريحُ به، وأمَّا المُباحُ فأكثَرُ مِن أنْ يَنحصِرَ، ولذا عَدَلَ عن ذِكرِه لذِكرِ المَحظورِ، وكأنَّه أراد أنْ يقولَ: اجتَنِبْ هذه الأشياءَ والْبَسْ ما سِواها. ما يلبس المُحْرم؟ فالسؤال ورد بصيغة: ما يلبس المُحْرم؟ وورد جوابه من أفصح الخلق - صلى الله عليه وسلم -: لا يلبس القمص إلخ الحديث. قال الحافظ في الفتح: قال النووي: قال العلماء: هذا الجواب منْ بديع الكلام وجَزله، لأنّ ما لا يلبس مُنْحصر، فحصر التصريح به، وأمّا الملبُوس الجائز؛ فغير مُنْحصر، فقال: لا يلبس كذا، أي: ويلبس ما سواه. انتهى. ثم قال الحافظ: وقال البيضاوي: وفيه إشارة إلى أن حقّ السؤال أنْ يكون عمّا لا يلبس، لأنّه الحُكمُ العارض في الإحْرام المحتاج لبيانه؛ إذْ الجواز ثابتُ الأصل بالاستصحاب، فكان الأليق بالسؤال عمّا لا يلبس. وقال غيره: هذا يشبه أسْلوب الحَكيم، ويقربُ منه قوله -تعالى-: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} الآية، (البقرة: 215). فعَدلَ عن جِنس المُنْفق، وهو المَسؤول عنه إلى ذكر المنفق عليه؛ لأنّه أهم. انتهى. المحظورات التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فذَكَرَ - صلى الله عليه وسلم - المَحظُوراتِ فقال: «لا تَلْبَسُوا القمصَ» وهو الثَّوبُ المُفصَّلُ على الجسمِ ذُو الأكمامِ، ويُلبَسُ مِنْ أعْلى، فيَدخُلُ في الذِّراعينِ ويُغطِّي الجسَدَ والعَورةَ. «ولَا السَّرَاوِيلَاتِ» جمْعُ سِروالٍ، وهو لِباسٌ يُغطِّي ما بيْن السُّرَّةِ والرُّكبتينِ غالبًا، ويُحيطُ بكلٍّ مِن الرِّجلينِ على حِدَةٍ، ويُلبَسُ مِن الأسفلِ، فيَدخُلُ مِن القدَمَينِ ويُغطِّي العورةَ وأعْلاها قَليلًا. «ولَا العَمَائِمَ» جمْعُ عِمامةٍ، وهي ما يُلَفُّ على الرَّأسِ. «ولَا البَرَانِسَ» جمْعُ بُرْنُسٍ، وهو الثَّوبُ الشاملُ للرَّأسِ والبدَنِ، فهو كلُّ ثَوبٍ رَأْسُه منه مُلتصِقٌ به. قوله: «إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ؛ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ» أي: ولا يَلبَسُ المُحرِمُ أيضاً الخُفَّين، وهو ما يُلبَسُ على القدَمِ ساتراً لها، ويُصنَعُ مِن الجِلدِ، بخِلافِ النَّعلِ، فهو غيرُ ساترٍ للقَدَمِ، فلا يُغطِّي ظَهْرَ القدَمِ تَماماً، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إلَّا أنْ يَكونَ أحَدٌ ليسَتْ له نَعْلانِ، فلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، ولْيَقْطَعْ أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَينِ» فإذا أراد لُبْسَ الخُفَّينِ -لفَقْدِه النَّعلينِ- فلْيَقطَعِ الخُفَّينِ حتى يَكونَا أنْزَلَ مِن الكَعْبَين؛ ليَقرَبا بذلك مِن مُشابَهةِ النَّعلينِ، والكَعْبانِ هما العَظْمانِ الناتئانِ عندَ مَفصِلِ الساقِ والقدَمِ، وهذه الأمورُ المذكورةُ مَحظورةٌ بالنِّسبةِ للرِّجالِ دُونَ النِّساءِ. ما تشترك فيه المرأة مع الرجال قال الحافظ في الفتح: أجْمعوا على أنّ المُراد به هنا الرجل، ولا يلتحق به المرأة في ذلك، قال ابن المنذر: أجْمعوا على أنّ للمَرأة لبس جميع ما ذُكر، وإنّما تشترك مع الرجال في مَنْع الثوب الذي مسّه الزّعْفران أو الورس اهـ، ثم قال الحافظ: وقال عياض: أجمعَ المسلمون على ما ذكر في هذا الحديث لا يلبسه المحرم، وأنه نبّه بالقميص والسّراويل على كلّ مُحيط، وبالعَمائم والبَرانس على كلّ ما يُغطّى الرأس به مَخيطًا أو غيره، وبالخفاف على كل ما يستر الرجل انتهى. هذا: ولو حَمَلَ شيئًا على رأسه لحاجته؛ لا لتغطيته فإنّه لا يضر، وكذلك لو انغمس في الماء، أو وضع يده على رأسه، فإنه لا يسمى لابسًا في شيء من ذلك وليس للمرأة ثياب مُعينة للإحْرام، بل تلبسُ ما شاءت مِنَ الّلباس، ما دام لا يصف ولا يشف، غير أنّه لا يجوز لها أنْ تنتقب، ولا أنْ تلبس القفازين. ثمَّ قال - صلى الله عليه وسلم -: «ولَا تَلْبَسُوا شيئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ ولَا الوَرْسُ» والزَّعفرانُ: نَباتٌ طَيِّبُ الرائحةِ يُستعمَلُ طِيبًا في الزَّمنِ السابقِ، ويُصبَغُ به. والورْسُ: نَباتٌ أصفَرُ طَيِّبُ الرائحةِ يَحتوي على مادَّةٍ يُصبَغُ بها الثِّيابُ. وهذا النَّهيُ شاملٌ للرِّجالِ والنِّساءِ. النهي عن لبس النقاب والقفازين ثمَّ قال - صلى الله عليه وسلم -: «ولَا تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ، ولَا تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ» والنِّقَابُ: هو الخِمارُ الَّذي يُسْدَلُ على الوَجْهِ أو تَحتَ مَحاجِرِ العَينِ، فتَسْتُرَ به المرأةُ وَجْهَها، وتَفتَحَ لِعَيْنَيها بقَدْرِ ما تَنظُرُ منه. والقُفَّازُ: هو شَيءٌ تَلبَسُه النِّساءُ في أيديهِنَّ يُغطِّي الأصابعَ والكَفَّ والسَّاعدَ والمرادُ نَهْيُها عَن لُبْسِ النِّقابِ والقُفَّازِ، وأمَّا غيرُ النِّقابِ والقُفَّازِ مِمَّا يَسْتُرُ الوَجهَ واليدَينِ، مِن الخِمارِ ونَحوِه، فلِلمرأةِ أنْ تَستُرَ وجْهَها ويدَيْها به عِندَ حَضرةِ الرِّجالِ الأجانبِ أو مُحاذاتِهم؛ فقدْ رَوى الحاكمُ في مُستدرَكِه عن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ -رَضيَ اللهُ عنها-: أنَّها كانتْ تُغطِّي وجْهَها في الإحرامِ، وقد جاء النَّصُّ بالنَّهيِ عن النِّقابِ والقُفَّازِ خاصَّةً، وليس عن تَغطيةِ الوجْهِ واليدَينِ. فوائد الحديث
الحديث الثاني عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وهُوَ يَخْطُبُ يَقُولُ: «السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْإِزَارَ، والْخُفَّانِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ». يَعْنِي: المُحْرِمَ، في هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبداللهِ بنُ عبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عنهما- أنَّه سَمِعَ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم - يَخطُبُ وذلك في عَرَفاتٍ في حَجَّةِ الوداعِ في العامِ العاشرِ مِن الهِجرةِ، يقول: «السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْإِزَارَ» والإزارُ هو قِطعةُ القُماشِ تُشَدُ على الوَسطِ، يُستَرُ بها ما بيْن السُّرَّةِ والرُّكبةِ، والسَّراويلُ: هي لِباسٌ مَخيطٌ يُغطِّي ما بيْن السُّرَّةِ والرُّكبتينِ غالبا. قوله: «والْخُفَّانِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ» وفي اللفظ الأخر: «مَن لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ» والنَّعْلُ: هي التي تُلبَسُ في الرِّجلِ عندَ المَشْيِ، وكلُّ ما وُقِيَت به القَدَمُ مِن الأرضِ، والغالِبُ فيهِ أنَّه لا يَستُرُ القَدَمَ، والخُفُّ: هو ما يُلبَسُ في الرِّجلِ مِن جِلدٍ رَقيقٍ، ويكونُ ساتِراً للكَعْبينِ فأكثَرَ، ويَلبَسُه المُحرِمُ بعْدَ أنْ يَقْطَعَ أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ -وهما العَظْمانِ الناتئانِ عندَ مَفصِلِ الساقِ والقدَمِ- كما جاء في رِوايةِ ابنِ عمَرَ في الصَّحيحَينِ، فأباحَ - صلى الله عليه وسلم - لُبْسَ السَّراويلِ لمَن لمْ يَجِدْ إزارًا يَلبَسُه. أمَّا إنْ وَجَدَ الإزارَ أو النَّعلَ، فليس له لُبْسُهما.اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 12 ( الأعضاء 0 والزوار 12) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |