مع اسم الله (الوكيل) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 150 - عددالزوار : 66235 )           »          مَحْظوراتِ الْإِحْرامِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 22 )           »          اغتنام وقت السحر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          الملل آفة العصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 18 )           »          الدعاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 22 )           »          عظمة الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          في انتظار الفرج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          رمضان شهر الرحمات وشهر البطولات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          المرأة في أوروبا القديمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          فقه بناء الأمم والحضارات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-05-2024, 06:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,469
الدولة : Egypt
افتراضي مع اسم الله (الوكيل)

مع اسم الله (الوكيل) (1)
د. أمير بن محمد المدري

مع اسم الله (الوكيل) (1)


الحمد لله الذي جمع قلوب المؤمنين على الإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الديان، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله إلى الإنس والجان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل البر والإحسان، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين؛ أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله حق التقوى، فمن اتقى الله جعل له نورًا يفرق به بين ما يبغضه ويرضاه.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

وبعد عباد الله:
نعيش وإياكم مع اسم من أسماء الله الحسنى، نعيش مع اسمٍ مبارك جميل، ومريح، اسم يملأ فؤادك طمأنينة وسكينة، ويبعث فيمن يتعبد الله به هدوء النفس.

إنه اسم الله الوكيل هذا الاسم للذين يُعانون من القلق والاكتئاب، ويخشون من المستقبل...

اسم الله الوكيل نحن بحاجة إليه هذه الأيام بالذات لنُعلّق الآمال بالله لا بغيره، لنفوض أمورنا إلى الله لا إلى غيره، لنعتمد عليه لا على غيره.

هذا الاسم للآباء والأمهات الذين يخشون على مستقبل أبنائهم وكيف سيكونون وماذا سيفعلون.

اسم الله الوكيل للذين يخافون من المستقبل المجهول. لكل من يبدأ مشروعًا، لكل من يخشى على رزقه، لكل من يستصعب أمرا.

هذا الاسم لأهل الحق الثابتين عليه وهم يرون أهل الباطل يرعدون ويزبدون بشائعاتهم بإعلامهم بكذبهم أن لا ييأسوا فمعهم الوكيل يفوضوا أمرهم إليه ويعتمدوا عليه ويستعينوا به جل وعلا.

عباد الله: ما معنى اسم الله الوكيل؟ معنى الوكيل أن تفعل كل ما تستطيع، ثم تقول لله بلسان حالك: «وكّلتك يارب»، فتنام وتستريح. ولكن الشرط هو أن تفعل كل ما تستطيع، أي أن تبذل كل مجهودك ثم تقول سلمت لك الأمر يا رب... توكلت عليك يا رب.

عباد الله: أوثق مقامات الموحدين، وأعلى درجات السالكين، ارفع صفات المؤمنين التوكل على الله تعالى؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2].

لا يطلبون الحوائج إلا منه، ولا يلوذون إلا بجنابه، ولا يقصدون إلا إياه، ولا يرجون سواه لانهم يعلمون انه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.

هل نتوكل على الله حقًا؟ هل عندما نمر بمشكلة تؤرق حياتنا، وتتقطع بنا الأسباب، نقول توكلت على الله؟ هل نذهب إلى الوكيل؟ ما هي صلتك بالوكيل؟ هل أنت عميق الصلة بالوكيل؟ هل حياتك مرتبطة بمعنى التوكل؟ هل استشعار اسم الله الوكيل يملأ حياتك؟ فأنت خلقت ضعيفًا وفي أشد الاحتياج للوكيل.

فالتوكيل العام معناه أن توكل الشخص في كل تصرفات حياتك وكل مالك وحركاتك، والتوكيل الخاص يعني أن توكله في موضوع واحد، أي أنك لا تثق فيه إلا في موضوع معين. فعندما تذهب لتوكل أحدًا توكيل عام، فإن الموظف المسئول سيسألك: هل أنت متأكد؟... لماذا هذا السؤال؟ لأنه بهذا التوكيل سيتحكم في كل مالك وهو مسئول عن كل شيء... فتجيب نعم أنا أثق به، ومستعد أن أمضي على ذلك فأنا متأكد أنه لن يضيعني. هل تمضي وتوكله؟ ولله المثل الأعلى.

أما الله وله المثل الأعلى فهو الذي يعرض عليك أن تتخذه وكيله فهو القائل ﴿ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ﴾، بشرط أن تؤدي كل ما عليك. ومن المعاني الجميلة في القرآن أن كل مرة يُذكر فيها اسم الله الوكيل أو التوكل يُذكر معها دلائل قدرة الله في ملكه وكونه كي يقول لك أنه سبحانه الخبير القدير فكيف لا نتوكل عليه؟! فالله يطمئنك فهو لا يمكن أن يضيعك إذا توكلت على المالك العظيم المهيمن.

أحد الزُّهاد من السلف الصالح صاحب معلّمه وشيخه ثلاثين سنة يطلب العلم منه، فيسأله معلّمه يومًا عمّا استفاده طيلة هذه الفترة، فيقول الزاهد: استفدت ثماني فوائد، هي ُزبدة الزُبْدة وخُلاصة الخلاصة، وهي ما أرجو فيها الخلاص والنجاة. وها أنا ـ أيها المسلمون ـ أعرضها لكم اليوم لأننا جميعًا باحثون عن الفائدة المنجية، وحريصون على النجاة والفلاح.

قال التلميذ الزاهد لمعلمه: أما الأولى: فإني نظرت إلى الخلق فرأيت لكلّ منهم محبوبًا ومعشوقًا يحبه ويعشقه، وبعض ذلك المحبوب يصاحبه إلى مرض الموت، وبعضه يصاحبه إلى شفير القبر، ثم يرجع كله ويتركه فريدًا وحيدًا، ولا يدخل معه في قبره منهم أحد، فتفكرت وقلت: أفضل محبوب للمرء ما يدخل معه في قبره ويؤنسه فيه، فما وجدته غير الأعمال الصالحة، فأخذتها محبوبةً لي، لتكون لي في قبري أنيسًا وسراجًا منيرًا.

وأما الثانية: فإني رأيت الخلق يقتدون أهواءهم، ويبادرون إلى مرادات أنفسهم، فتأملت قوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 39]، وتيقنت أن القرآن حق صادق فبادرت إلى خلاف نفسي، وتشمّرت بمجاهدتها، وما متعتها بهواها، حتى ارتضت بطاعة الله تعالى وانقادت.

وأما الثالثة: فإني رأيت كلّ واحد من الناس يسعى في جمع حطام الدنيا، ثم يمسكه قابِضًا يده عليه، فتأملت في قوله تعالى: ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ﴾ [النحل: 96]، فبذلت محصولي من الدنيا لوجه الله تعالى، ففرّقته بين المساكين ليكون لي عند الله ذخرًا.

وأما الرابعة: فإني رأيت بعض الخلق يظن أن شرفه وعزَّه في كثرة الأقوام والعشائر فاعتز بهم، وزعم آخرون أنه في ثروة الأموال وكثرة الأولاد فافتخروا بها، وحسب بعضهم أن العز والشرف في غصب أموال الناس وظلمهم وسفك دمائهم، واعتقدت طائفة أنه في إتلاف المال وإسرافه وتبذيره، فتأملت في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، فاخترت التقوى، واعتقدت أن القرآن حق صادق، وظنهم وحسابهم باطل زائل.

وأما الخامسة: فإني رأيت الناس يذم بعضهم بعضًا، ويغتاب بعضهم بعضا، فوجدت أصل ذلك من الحسد في المال والجاه والعلم، فتأملت في قوله تعالى: ﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الزخرف: 32]، فعلمت أن القسمة كانت من الله تعالى في الأزل، فما حسدت أحدًا ورضيت بقسمة الله تعالى.

وأما السادسة: فإني رأيت الناس يعادي بعضهم بعضًا لغرض وسبب، فتأملت في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾ [فاطر: 6]، فعلمت أنه لا يجوز عداوة أحدٍ غير الشيطان.

وأما السابعة: فإني رأيت كلّ أحد يسعى بجدّ، ويجتهد بمبالغة لطلب القوت والمعاش، بحيث يقع به في شبهة وحرام ويذلّ نفسه وينقص قدره، فتأملت في قوله تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ [هود: 6]، فعلمت أن رزقي على الله تعالى وقد ضمنه، فاشتغلت بعبادته، وقطعت طمعي عما سواه.

وأما الثامنة: فإني رأيت كلّ واحد معتمدًا على شيء مخلوق، بعضهم على الدينار والدرهم، وبعضهم على المال والملك، وبعضهم على الحرفة والصناعة، وبعضهم على مخلوق مثله، فتأملت في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 3]، فتوكلت على الله وحده فهو حسبي ونعم الوكيل.

أيها الإخوة المؤمنون، التوكل على الله شعور ويقين بعظمة الله وربوبيته وهيمنته على الحياة والوجوه والأفلاك والأكوان، فكل ذلك محكوم بحوله وقوته سبحانه.

التوكل قطع القلب عن العلائق ورفض التعلّق بالخلائق وإعلان الافتقار إلى محول الأحوال ومقدر الأقدار لا إله إلا هو. إنه صدق اعتماد القلب على الله عزَّ وجلَّ في استجلاب المصالح ودفع المضار منه في أمور الدنيا والآخرة، فلا مانع لما أعطى، ولا مُعطي لما منع، ولا ينفع ذا الجد منه الجد.

التوكل صدق وإيمان وسكينة واطمئنان، ثقة بالله وفي الله وأمل يصحب العمل وعزيمة لا ينطفئ وهجها مهما ترادفت المتاعب.

بالتوكل ترفع كبوات البؤس وتزجر نزوات الطمع، فلا يَكبح شَرَهَ الأغنياء ولا يَرفَع ذلّ الفقراء سوى التوكل الصادق على الحيّ الذي لا يموت، يقول سعيد بن جبير – رحمه الله-: «التوكل على الله جماع الإيمان».


أخي الحبيب:
تأمل في قوله تعالى: ﴿ لِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ [هود: 123] فغيب السموات والأرض بيده فاطمئن، وقوله تعالى: ﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إلّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا[المزمل: 9].


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا وأستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه, واشهد أن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- الداعي إلى رضوانه وعلى آله وصحبه وجميع اخوانه.

وبعد: أخي الحبيب:
انظر إلى حلاوة هذه الآية: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء: 217-219]، فهو يقول لك لماذا تذهب إلى غيري وأنا موجود!! ليس معنى هذا أن تتقاعس فأنت تتحرك وتبذل وأنت تعلم أن الله هو الذي سيقضي لك الأمر. واستمع إلى هذه الآية ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ[الفرقان: 58]، فكيف تتوكل على الأموات وهو الذي لا يموت. وانظر إلى الآية الأخرى ﴿ ذََلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ[الأنعام: 102].

عجبت لأربعة كيف يغفلون عن أربع: عجبت لمن أصابه ضر كيف يغفل عن قول الله: ﴿ إّني مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾[الأنبياء: 83]، والله ـ يقول بعدها: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ﴾، وعجبت لمن أصابه غم كيف يغفل عن قول الله: ﴿ لاَّ إِلَـاهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَـانَكَ إِنّي كُنتُ مِنَ الظَّـالِمِينَ ﴾، والله ـ يقول بعدها: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَـاهُ مِنَ الْغَمّ وَكَذلِكَ نُنجِى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88]، وعجبت لمن يخاف كيف يغفل عن قوله: ﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾، والله تعالى يقول بعدها: ﴿ فَانْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء ﴾ [آل عمران: 174]، وعجبت لمن يمكر به الناس كيف يغفل عن قوله تعالى: ﴿ وَأُفَوّضُ أمري إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [غافر: 44]، والله تعالى يقول بعدها: ﴿ فَوقَاهُ اللَّهُ سَيّئَاتِ مَا مَكَرُواْ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوء الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 45].

عبد الله: إذا توكلت على الله أنت أقوى الأقوياء، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟

و النبي -صلى الله عليه وسلم- يُعلمنا أن من يقول صباح كل يوم «حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم»سبع مرات كفاه الله شأن هذا اليوم.

عباد الله: أكثروا من قول حسبنا الله ونعم الوكيل حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم × عندما أُلقي في النار.. قالها موسى × عندما قال له أصحابه: إنا لمدركون.

أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد غزوة أحد. بعد ما أصابهم من آلام ومصاعب، يعلم الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن قريش تُعد العدة للعودة فيعلن أنه ذاهب للقائهم مع الصحابة وهم على هذه الحالة، فتبعث لهم قريش من يخوفهم ويقول لهم أن قريشا قد لبست جلود النمور، وجمعت العرب على حربهم فينطق الرسول والصحابة بـ «حسبنا الله و نعم الوكيل»، فرجع إلى قريش خائفا وهو يقول أن محمدًا وأصحابه يقولون كلامًا وسيأكلونكم أكلا، فنزلت بقية الآية:﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ يسُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ[آل عمران: 174].

علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أيضًا أن من يقول حين يخرج من بيته «بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله » يقول له الملك « هُديت وكُفيت ووُقيت»، فيقول شيطان لشيطان آخر: «ماذا نفعل برجل هُدي وكُفي ووُقي».

علّمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- دعاء نقوله عند النوم فعن البراء بن عازب -ا- قال قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: « إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجأ منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت» [أخرجه البخاري].

فحين يأوي المسلم إلى فراشه ويغمض عينيه وقد ودّع يومه واستقبل نومه، وإذ به يجدّد العهد مع الله، ويختم مسيرة يومه بالتسليم لمولاه وتفويض الأمر إليه والاعتصام به سبحانه إنه التسليم لله وحده واللجوءُ إليه، اللجوء لمن بيده النفع والضر والنصر والذل ﴿ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِىَ إِلَى صِراطٍ مّسْتَقِيمٍ ﴾ [آل عمران: 101]، ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَـاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [الحج: 78].

أخي الحبيب: قبل أن تطرق أبواب المخلوقين اطرق باب الوكيل، كلّم الوكيل ناجي الوكيل ادع الوكيل، وسترى العجب العجاب.

إذا توكلت على الله خدمك أعداؤك، وإذا اعتددت بنفسك قد يتطاول عليك أبناؤك.

عباد الله: لُنعلم أبناءنا التوكل على الله وأن الفضل بيد الله وأن الخلق كلهم فقراء الله. أنظر إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو يُعلّم ابن عباس وهو طفل صغير، يقول له: « احفظ الله يحفظك، أحفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فأستعن بالله، وأعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو أن الأمة اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفت الصحف ».


أخي الحبيب: تأمل في أم موسى × وهي تخاف على وليدها من بطش فرعون الذي ذبح مئات الأطفال خوفًا على كرسي الملك.

فأوحى الله إلى أم موسى وحي الهام: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ في اليَمّ وَلاَ تخافي وَلاَ تحزني إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَـاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾.

إذ لولا توكلها على الله وثقته به لما ألقت ولدها وفلذة كبدها في تيار الماء تتلاعب به أمواجه، وينطلق به الموج إلى ما شاء الله، لكنه أصبح في اليمّ في حماية الملك جلّ وعلا ورعايته، وما كان جزاء هذه الثقة العظيمة؟ قال تعالى: ﴿ فرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُون ﴾[القصص: 7].

أيها المسلمون، إن للتوكل على الله آثارًا حميدة ولذة عجيبة لا يجدها إلا الخُلّص من عباد الله، وجدها إبراهيم × عندما ألقي في النار، فتوكل عليه فصارت بردًا وسلامًا، ووجدها يوسف × عندما ألقي في الجُبّ كما وجدها في السجن، ووجدها يونس × في بطن الحوت في ظلمات ثلاث، ووجدها أصحاب الكهف في الكهف حين افتقدوها في القصور والدور، ووجدها رسول الله وصاحبه في الغار والقوم يتعقبونهم، ﴿ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة: 40]، وسيجدها كل من أخلص لله، وآوى إليه يأسًا من كل من سواه، منقطعًا عن كل شبهة في قوة، قاصدًا باب الله دون الأبواب كلها.

لو استقرت هذه الحقيقة في قلب المسلم استقرارًا صحيحًا لصمد كالطود أمام الأحداث وأمام الأشخاص وأمام القوى والقيم والاعتبارات، ولو تضافر عليه الإنس والجن بكل ما يملكون من طائرات ودبابات وصواريخ وعابرات القارات، ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[النحل: 40].


وها هو النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو نائم تحت الشجرة عند عودته من غزوة ذات الرقاع، فيأتي أحد الكفار ويضع السيف في رقبته ويقول له: «يا مُحمد من يمنعك مني؟ »فيقول له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الله يمنعك مني»، فسقط السيف من يد الرجل، فأخذه الرسول ووضعه في رقبته وقال له: «وأنت من يمنعك مني»؟ فقال له: "يا مُحمد كن خير آخذ"، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- "أتشهد أن لا إله إلا الله واني رسول الله؟ "، قال: ”لا"، فقال له:”إذن لا تُعين علي أحدًا”، قال:”نعم"، فقال له: أذهب.

وها هو حماد بن مسلمة: كان يمر على بيت جارته الأرملة الفقيرة والجو مُمطر، فسمع صوتها وهي تقول: يا لطيف ألطف بنا، فأنتظر حتى انتهى المطر فطرق الباب وقال لها: «هذه عشرة دنانير اجعليها في حاجتك»، فإذا بالبنت اليتيمة تقول لها: يا أماه لما رفعت صوتك فجعلت حماد بيننا وبين الله؟ ”فأجابتها ”لم أرفع صوتي و لكن الوكيل أتى به».

هذا وصلوا - عباد الله: - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13-05-2024, 06:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,469
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مع اسم الله (الوكيل)

مع اسم الله (الوكيل) (2)

د. أمير بن محمد المدري



الحمد لله شرح صدور المؤمنين للإيمان بفضله ورحمته، وأضل من شاء من عباده بعدله وحكمته.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، جعل للمتقين عُقبى الدار، ولأهل الكفر والضلال الخزي والبوار، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، المصطفى المختار صلى الله عليه وعلى المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم القرار، أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله، واعتصموا بحبل الله، وتوكلوا في أموركم كلها على الله، قال تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ وقال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [الحج:78].

ما زلنا وإياكم مع اسم الله الوكيل لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا، سلّم أمورك إليه، فوّض حياتك عليه.

نعم إنّه المتولي لِشؤون عِباده يصرّفها كيف يشاء، لذلك قالوا: إذا تولى الله عبده بِجميل العِناية كفاه كل شُغل وأغناه عن كل غَيْرٍ، هو الكافي لِمن توكل عليه، إذا اتجه العبد إلى الله مُتَوَكِّلاً تولاه بِحُسن رِعايته فإذا استقام ختم له بِجميل وِلايته.

التوكل عباد الله من أجلّ صفات المؤمنين وارفع درجات السالكين وأعلى مقامات الموحدين وأوثق صفات الربانيين الصديقين قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2]

أي: لا يرجون سواه، ولا يقصدون إلا إياه، ولا يلوذون إلا بجنابه، ولا يطلبون الحوائج إلا منه، ولا يرغبون إلا إليه، ويعلمون أنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه المتصرف في الملك، وحده لا شريك له، ولا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب؛ ولهذا قال سعيد بن جبير: «التوكل على الله جماع الإيمان».

من عاش مع الوكيل فهو المؤمن فلا إيمان لمن لا توكل له: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة: 23].

روي أن أمير بلدة حاتم الأصم اجتاز على باب حاتم فاستسقى ماء، فلما شرب رمى إليهم شيئا من المال، فوافقه أصحابه، ففرح أهل الدار سوى بنية صغيرة فإنها بكت. فقيل لها: ما يبكيك؟ قالت: مخلوق نظر إلينا فاستغنينا فكيف لو نظر إلينا الخالق ـ!!
كُن عن الهموم معرِضا
وكِلِ الهموم إلى القضا

فَلَرُبّ أمرٍ مُسْخِطٍ
لك في عواقبِه رِضا
وَلَرُبَّما ضاق المضيق
وَلَرُبما اتسع الفضا
الله يفعل ما يشاء
فلا تكونن مُعتَرِضا
الله عَوَّدك الجميل
فَقِسْ على ما قد مضى

عباد الله:
الرسل أئمة المتوكلين وقدوتهم، قال تعالى عن نوحٍ عليه السلام أنه قال لقومه: ﴿ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ ﴾ [يونس: 71]، وقال الخليل عليه السلام في قوله تعالى: ﴿ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [الممتحنة: 4]، وقال هودٌ عليه السلام: ﴿ إِنّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبّى وَرَبّكُمْ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ﴾ [هود: 56]، وقال يعقوب عليه السلام: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكّلُونَ ﴾ [يوسف: 67]، وقال شعيبٌ عليه السلام: ﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [الشورى: 10]، وقال رسل الله لأقوامهم: ﴿ وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [إبراهيم: 12].

سار إبراهيم الخليل عليه السلام بزوجه هاجر وابنه الرضيع إسماعيل من بلاد الشام حتى وصل بهما إلى الأرض المباركة إلى جبال فاران بمكة ووضعهما في ذلك الوادي الموحش وتركهما هناك.

تتعلق هاجر بثيابه وهو يهم بالرجوع وتقول له: يا إبراهيم أين تذهب وتدعنا ليس معنا ما يكفينا؟ فلم يجبها.

لم يجبها الخليل لأنه لا يعلم إلا أن الله أمره بوضعهما في ذلك الوادي المقفر، ولا بد من الطاعة والامتثال له.

قالت هاجر: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: فاذهب إذاً فإن الله لن يضيعنا.

إيمان عميق، وثقة بالله عجيبة.

امرأة وطفل رضيع في مكان ليس به أنيس ولا حسيس، في مكان ليس به طعام ولا ماء، ومع ذلك تذعن لأمر الله وتثق بوعد الله ورحمته. فيأتيها الفرج.

هذه هي قمة اليقين، وهذه هي ذروة التوكل يا عباد الله، أما كيف لن يضيعنا؟ أو بأي شيء سينقذنا؟ أو ماذا سيرسل لنا؟ هذا كله لا يهم، المهم أنه طالما كان الأمر من الله فإنه لن يضيعنا، لو نصل ـ يا عباد الله ـ إلى بعض هذا اليقين أو بعض هذا التوكل إذا لانقلبت حياتنا كلها سكينة وطمأنينة، ولرأينا في أحلك الظروف وأصعب الأوقات نافذة ربانية يشع منها النور، ولكن ضاع اليقين بالله وبموعود الله وبنصرة الله، فغاب التوكل وأصبحت حياة الإنسان جحيما، يفكر في الرزق، ويخاف من الغد، ويضخم الأمور، وتركبه الوساوس لأتفه الأسباب، رغم أنه غير مأمور بهذا الغم وهذا الهم وهذا التفكير، بل هو مأمور بعبادة الله عز وجل والسعي في مصالحه قدر استطاعته مجتنبا ما حرم الله.

يا رب ماذا فقَد من وَجَدك وماذا وجد من فقدَك؟ وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فَمن معك.

قال ابن القيم: «التوكل أصل لجميع مقامات الإيمان والإحسان ولجميع أعمال الإسلام، وإن منزلته منها منزلة الجسد من الرأس».

في التوكل راحة البال، واستقرارٌ في الحال، ودفع كيد الأشرار، ومن أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم، وبه قطع الطمع عما في أيدي الناس.

والشيطان لا سلطان له على عباد الله المتوكلين، قال عز وجل: ﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النحل: 99]، والتوكل مانعٌ من عذاب الله كما قال سبحانه: ﴿ قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أهلكني اللَّهُ وَمَن معي أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَـافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ قُلْ هُوَ الرَّحْمَـانُ ءامَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ﴾[الملك: 29].

وموجب لدخول الجنات كما قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [العنكبوت: 58].

من عاش مع الوكيل وكان من المتوكلين نال وسام محبة الله عزو جل قال تعالى: ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 159].. بل المتوكلون حقاً يدخلون جنة ربهم بغير حساب، ففي الصحيحين في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب «هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون».

روى الإمام النووي في كتابه الأذكار عن ابن السني، عن طلق بن حبيب قال: جاء رجل إلى أبي الدرداء فقال: يا أبا الدرداء قد احترق بيتك، فقال: ما احترق، لم يكن الله عز وجل ليفعل ذلك بكلمات سمعتهن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، من قالها أول نهاره لم تصبه مصيبة حتى يمسي، ومن قالها آخر النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح: « اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أعلم أن الله على كل شيءٍ قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علما، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم ». فجاؤوا إلى بيته فوجدوا البيوت حوله احترقت إلا بيته.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا وأستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، واشهد أن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- الداعي إلى رضوانه وعلى آله وصحبه وجميع اخوانه.
وبعد:
أيها الأخوة، من ذاق طعم التوكل على الله، يصبح عنده أمن، عنده راحة، عنده شعور أن الله لن يتخلى عنه، نحن نفتقد لحياة نفسية عالية، الإنسان قد يكون قوياً وغنياً لكن عنده خوف وقلق مستمر، أما إذا كنت مع الله كان الله معك، لأن الله ـ يقول: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إلّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾[التوبة: 51].

وإذا العناية لاحظتك عيونها
نم فالمخاوف كلهن أمان



إذا أردت أن تكون أقوى الناس فَتَوَكَّل على الله، وإذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتّقِ الله وإذا أردت أن تكون أغنى الناس فَكُن بِما في يَدَيْ الله أوْثق منك مما في يديك ما توكَّل على الله أحدٌ وخَيَّب ظنَّه وما توكَّل على الله أحدٌ إلا وكَفَاه وأرضاه وأكرمه. ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الزمر: 62].

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانا» [صحيح، أخرجه أحمد (1/ 30)، والترمذي].

انظر إلى ذلك الطائر الصغير الحقير الذي لا يملك قوةً ولا عقلا ولا تدبيرا يخرج من عشه في الصباح الباكر ليبحث عن رزقه بهدوء واطمئنان، لم يقض ليله مفكرًا في قوته ولم يشغل باله في أمر طعامه وإنما عرف أن الله الذي خلقه قد تكفل برزقه، فاكتفى بمجرد فعل السبب المشروع، فما هو إلا أن خرج فإذا برزقه يأتيه فيمتلأ بطنه بالطعام فيعود إلى عشه مسبحا لله عز وجل.

من الذي رزق ذلك الطائر؟ من الذي أشبعه؟ من الذي هداه إلى طريق الحبة؟ من الذي علمه طرق الكسب والسعي في الأرض؟

إنه الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. إنه الذي يقول: ﴿ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ في كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ [هود: 6].

إنه القائل: ﴿ وَكَأَيّن مّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [العنكبوت: 60].

روى عن ابن عباس -رضى الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للمؤمنين بمكة حين أذاهم المشركون: "اخرجوا إلى المدينة وهاجروا ولا تجاوروا الظلمة" قالوا: ليس لنا بها دار ولا عقار ولا من يطعمنا ولا من يسقينا فنزلت: ﴿ وَكَأَيّن مّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ﴾ [العنكبوت: 60] أي ليس معها رزقها مدخرا، وكذلك أنتم يرزقكم الله في دار الهجرة.

واستمع إلى قول الله تعالى: ﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ[التوبة: 129]، أي عندما يتركك الناس ويهجروك فلا تخف.

وقال شفيق البلخي: التوكل أن يطمئن قلبك لِوَعْدِ الله، فإذا وعدك الله بالتوفيق والرزق والحياة الطيبة وعدك الله بالنصر ما دمت من أولياءه فلما الخوف.

عبد الله:
لو أغلقت في وجهك الأبواب اذهب إلى الوكيل،، فالنبي يذهب إلى الطائف سيراً على الأقدام ثم يُضرب بالحجارة، وتكون النتيجة صفر، ولكن وهو عائد يقابل صبياً من العراق يدعى عدّاس فيؤمن به، ثم يؤمن الجن، ثم رحلة الإسراء والمعراج، وفي النهاية يسلم الأنصار. فهو أراد الطائف والله أراد المدينة.. هو أراد أهل الطائف والله أراد شاباً من العراق.. هو أراد الإنس والله أراد الجن.. هو أراد أهل الأرض والله أراد أهل السماء.

لا تأكل حراما: من أكل فلساً من حرام فليس بمتوكل، فأنت عندما أكلت مالاً حراماً صرت غير مؤمن بأنه الوكيل برزقك.

اُنظر إلى مَثل الجنين الذي في بطن أمه.. كان مصدر رزقه الوحيد هو الدم، فعندما خرج إلى الدنيا بكى، لأن مصدر الرزق انقطع، فإذا بالله يبدله بمصدرين للرزق ثديي الأم، وبكى عند الفطام لفقدانه اللبن، فوجد أن الوكيل قد أعدّ له أربعة مصادر للرزق، لحوم وأسماك واللبن والمياه. وعند الموت يبكي لفقدان مصدر الرزق، فتجده أعد للمؤمنين ثمانية أبواب للجنة! فكل مرة تبكي فيها تجد أن الوكيل قد أعدّ لك مصادر رزق أكثر.

من معاني التوكلصلاة الاستخارة: عندما تكون في مشكلة اذهب للوكيل وصلي ركعتين ثم أدعو بهذا الدعاء: «اللهم أني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فانك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري فقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري فأصرفه عني وأصرفني عنه وأقدر لي الخير حيثما كان ثم أرضني به» ثم نأخذ بالأسباب.

التوكل لا يأتي مع التواكل: فعندما جاء الرجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال له «عندي ناقة أأعقلها أم أتوكل؟ » فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- «أعقلها وتوكل»، وعندما رأى عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- ناقة جرباء فسأل صاحبها.. ألا تعالجها؟ فقال:«أني أدعو الله أن يشفيها»، فقال له عمر:« ألا جعلت مع الدعاء قطرانا » أي دواء. وفي رحلة الإسراء والمعراج عند وصول النبي -صلى الله عليه وسلم- المسجد الأقصى، ربط البراق عند الحائط بالرغم من إنه نزل لخدمته وحده.. لماذا؟ لأن الإسلام يُعلمنا الأخذ بالأسباب.

وشاهد عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- أناساً يتعبدون في المساجد ولا يعملون، فسألهم عن عملهم فقالوا: نحن متوكلون، فقال لهم: لا، أنتم متواكلون، وبادرهم بالدرة. أي بالعصا التي يحملها، ثم قال: المتوكل هو الذي يلقي حبه في الأرض ويتوكل على الله، أي الذي يعمل ثم يتوكل على الله.
توكل على الرحْمن فِي الأمر كله
ولا ترغبن في العجز يومًا عن الطلب

ولو شاء أن تَجنيه من غير هزّة
ولكن كلّ شيء له سبب

عباد الله:
نحن بحاجة إلى اللجوء إلى الله في كل ما يعرض علينا من ظلم وعدوان أو فقر وحرمان أو مرض في الأبدان أو غير ذلك مما لا يملك كشفه وإزالته إلا الله وحده، ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَـاواتِ وَالأرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ[الأنعام: 14].
وأسلَمْت وجهي لمن أسلَمَت
له الأرض تحمل صخرًا ثقالاً
وأسلَمْت وجهي لمن أسلَمَت
له الريح تصرف حالاً فحالاً

فيقول الله عز وجل في محكم كتابه: ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَـالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلّ شيء قَدْراً[الطلاق: 3-2].

أيها المسلمون، هاتان الآيتان الكريمتان من سورة الطلاق، وهي مدنية، ولهما سبب نزول، فقد ذكرت كتب التفسير بأن رجلاً من قبيلة أشجع، كان فقير الحال وكان كثير العيال، وأن ابناً له قد وقع في الأسر بيد المشركين، فأتى النبيَ -صلى الله عليه وسلم- وقال: يا رسول الله، إن ابني أسره العدو، وجزعت عليه أمه، فما تأمرني؟ فقال له عليه الصلاة والسلام: «اتق الله واصبر، وأكثر من قولك: لا حول ولا قوة إلا بالله».


ولم تلبث مدة وجيزة حتى تمكن الابن من الإفلات من الأسر، وفي طريقه آتى على غنم سباها من الأعداء، فنزلت هاتان الآيتان الكريمتان من سورة الطلاق، لتوضح أن من يتوكل على الله حقَّ توكله، فإنه يكفيه ما أهمه وما أغمّه، وما يحتاج إليه.

هذا وصلوا - عباد الله - على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 0 والزوار 6)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 86.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 84.10 كيلو بايت... تم توفير 1.98 كيلو بايت...بمعدل (2.30%)]