|
ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#101
|
||||
|
||||
رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة
الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن(102) - داووا مرضاكم بالصدقة لا يعني التداوي بالصدقة إهمال بقية الوسائل من الاستشفاء بالقرآن والدعاء والرقية الشرعية، والأخذ بالأسباب المادية من الأدوية وغيرها يستغرب بعض الناس عندما يسمع هذا الحديث: «داووا مرضاكم بالصدقة»، ويتساءل عن المناسبة بين الصدقة وهي عبادة مالية لها أجر في الآخرة، والشفاء وهو أمر حسي يتعلق بالأبدان في الدنيا. وقبل إزالة الإشكال، ودفع الالتباس لابد من بيان حقيقة شرعية وهي علاقة الأسباب بالمسببات، وارتباط الوسائل بالنتائج، والموقف الشرعي من ذلك. دل القرآن الكريم على أن كل شيء يحدث بسبب، فربط المسببات بأسبابها والنتائج بمقدماتها قانون عام شامل لكل ما في العالم، ولكل ما يحصل للإنسان في الدنيا والآخرة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «فليس في الدنيا والآخرة شيء إلا بسبب، والله خالق الأسباب والمسببات». والأسباب التي تؤدي إلى مسبباتها ونتائجها قد تكون مادية عادية، وقد تكون معنوية روحية. فالأسباب المادية العادية هي التي عرف كونها سببا بالتجارب وتكرار نشوء أشياء عن أخرى، فحكم بأنها مسببة عنها عادة بتقدير الله لا بنفسها استقلالا؛ مثل حرث الأرض وسقيها وزرعها طلبا للحبوب والثمار، وكالأدوية سبب لعلاج الأمراض، فهذه أسباب عادية ينشأ عنها مسبباتها بتقدير من الله، فإذا وجد السبب التام وانتفت الموانع ترتب عليه مسببه (نتيجته) بإذن الله وتقديره لا استقلالا. فمن الأسباب المادية قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ } (البقرة:22)، فنزول المطر سبب بإذن الله تعالى لخروج النبات والزروع من الأرض، وقال تعالى: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة} (النحل:72)، فالزواج والوطء سبب لحصول الأولاد والذرية بإذن الله تعالى، وهكذا بقية الأسباب التي يباشرها الناس لتحصيل مصالحهم. أما الأسباب المعنوية الروحية فمصدر معرفتها الشرع، كالرقى والأذكار الشرعية، واللجوء إلى الله وصدق التوكل عليه، والدعاء لتفريج كربة وشفاء مرض، وغير ذلك من الشدائد، قال ابن القيم: «ومن أعظم العلاج فعل الخير والإحسان والذكر والدعاء والتضرع إلى الله والتوبة، وتأثيره أعظم من الأدوية، لكن بحسب استعداد النفس وقبولها». فهذه الأسباب المعنوية قد وردت الأدلة بِعَدِّها أسبابا لجلب نفع ودفع ضر، فمن الأسباب المعنوية قوله تعالى: { إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانًا} (الأنفال:29)، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (الطلاق:2)، وقال سبحانه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌﭳ} (إبراهيم:7)، وقال تعالى على لسان نوح عليه السلام: {فقُلْتُ اسْتغْفِرُوا ربّكُمْ إِنّهُ كان غفّارا (10) يُرْسِلِ السّماء عليْكُمْ مِدْرارا (11) ويُمْدِدْكُمْ بِأمْوالٍ وبنِين ويجْعلْ لكُمْ جنّاتٍ ويجْعلْ لكُمْ أنْهارا} (نوح:10-12)، ونحوها من آيات تدل على أن الطاعة سبب لحصول الرزق والبركة في الدنيا قبل الآخرة. وكذلك فإن الأحكام الأخروية مرتبطة بالأسباب؛ فدخول الجنة متوقف على الإيمان والعمل الصالح كما قال تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (الزخرف:72)، ودخول النار بسبب الكفر والمعاصي كما قال تعالى: {وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْد بما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } (السجدة:14). والأحكام الشرعية الدنيوية مرتبطة بالأسباب أيضا قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} (المائدة:38)، وقال تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ} (البقرة:178)، مما يدل على أن أفعال العباد سبب لثبوت الأحكام الشرعية في الدنيا. ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ الدواء وهو سبب للشفاء بإذن الله فقال صلى الله عليه وسلم : «تداووا عباد الله ولا تداووا بحرام»، وسأله بعض الصحابة: «أرأيت رقى نسترقي بها وتقى نتقي بها وأدوية نتداوى بها هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال: هي من قدر الله». ومن هنا يأتي هذا الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم : «داووا مرضاكم بالصدقة» وهو حديث حسنه الألباني في صحيح الجامع، وهو يدل على أن الصدقة سبب معنوي لشفاء الأمراض، قال المناوي: «إن الصدقة دواء منجح، ونبه بها على أخواتها من القرب كعتق وإغاثة لهفان وإعانة مكروب»، وقال أيضا: «وهذا هو الطب الحقيقي الذي لا يخطئ، ولكن لا يظهر نفعه إلا لمن رق حجابه، وكمل استعداده ولطفت بشريته». وقال الإمام ابن القيم: «فإن للصدقة تأثيرا عجيبا في دفع البلاء، ولو كانت من فاجر أو ظالم، بل من كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعا من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم جربوه». وقال أيضا: «هاهنا من الأدوية التي تشفي من الأمراض ما لم يهتد إليها عقول أكابر الأطباء، ولم تصل إليها علومهم وتجاربهم وأقيستهم من الأدوية القلبية والروحانية، وقوة القلب واعتماده على الله والتوكل عليه، والالتجاء إليه، والانطراح والانكسار بين يديه، والتذلل له والصدقة، والدعاء، والتوبة والاستغفار والإحسان إلى الخلق وإغاثة الملهوف والتفريج عن المكروب، فإن هذه الأدوية قد جربتها الأمم على اختلاف أديانها ومللها فوجدوا لها من التأثير في الشفاء ما لا يصل إليه علم أعلم الأطباء ولا تجربته ولا قياسه، وقد جربنا نحن وغيرنا من هذا أمور كثيرة ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسية». والصدقة سبب للشفاء كما ورد في السنة، لكن لكل سبب شروط وموانع، قال الشاطبي: «وأما إذا لم تفعل الأسباب على ما ينبغي، ولا استكملت شرائطها، ولم تنتف موانعها فلا تقع مسبباتها شاء المكلف أم أبي، لأن المسببات ليس وقوعها أو عدم وقوعها لاختياره، وأيضا فإن الشارع لم يجعلها أسبابا مقتضية لمسبباتها إلا مع وجود شرائطها وانتفاء موانعها». وقال شيخ الإسلام: «فلابد من تمام الشروط وزوال الموانع، وكل ذلك بقضاء الله وقدره، وليس شيء من الأسباب مستقلا بمطلوبه، بل لابد من انضمام أسباب أخرى إليه، ولابد أيضا من صرف الموانع ومعارضات عنه حتى يحصل المقصود، فالمطر وحده لا ينبت النبات إلا بما ينضم إليه من الهواء والتراب وغير ذلك». ولاشك أن أهم شروط الصدقة الإخلاص، وطيب الكسب، وتكون في أنفع المصالح للمحتاجين. ولا يعني التداوي بالصدقة إهمال بقية الوسائل من الاستشفاء بالقرآن والدعاء والرقية الشرعية، والأخذ بالأسباب المادية من الأدوية وغيرها، لكن المريض قد يحتاج الجمع بين أكثر من طريقة، والمسلم مأمور بالأخذ بالأسباب المشروعة مع الاعتقاد بأن النتائج تقع بإذن الله، فالله سبحانه قدر النتائج بأسبابها، فهو خالق السبب وما ينتج عنه، وذلك كله من قدره سبحانه، فهو سبحانه قدر أن يكون الشفاء من الأمراض بأسبابها من الأدوية والصدقة والدعاء ونحوها، وحصول الرزق بطلبه، ودخول الجنة بالإيمان والعمل الصالح، وطول العمر بصلة الرحم والدعاء والمحافظة على الصحة وفعل البر ونحو ذلك. اعداد: د.وليد خالد الربيع
__________________
|
#102
|
||||
|
||||
رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة
الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن (103) -{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} (النساء: 32) الإنسان بطبعه يحب الاستكثار من الخير، ويسعى للوصول إلى مقاصده ومطلوباته، وبعض الناس يتجاوز حدود الطموح المشروع إلى طلب ما في أيدي الآخرين، والرغبة في تحصيل ما لدى غيره، أو على الأقل تمني زواله منه، وبعضهم يتطلع إلى أمور ممنوعة شرعا أو حسا وواقعا؛ لذا جاء قوله تعالى: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}، ليقرر قضية كلية، وقاعدة دينية تحدد ضوابط الطموح وتكبح جماح الرغبات. وقد قيل: إن بين التمني والترجي عموما وخصوصا، فالترجي في الممكن، والتمني في أعم من ذلك، وقيل: التمني يتعلق بما فات، وعبر عنه بعضهم: بطلب ما لا يمكن حصوله». وذكر الشيخ ابن عاشور أنواع التمني وحكم كل منها فقال: «والتمني هو طلب حصول ما يعسر حصوله للطالب، وذلك له أحوال: منها أن يتمنى ما هو من فضل الله غير ملتفت فيه إلى شيء في يد الغير، ولا مانع يمنعه من شرع أو عادة، سواء كان ممكن الحصول كتمني الشهادة في سبيل الله، أم كان غير ممكن الحصول كقول النبي صلى الله عليه وسلم : «ولوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل»، وقوله صلى الله عليه وسلم : «ليتنا نرى إخواننا»، يعني المسلمين الذين يجيئون بعده. ومنها أن يتمنى ما لا يمكن حصوله لمانع عادي أو شرعي، كتمني أم سلمة أن يغزو النساء كما يغزو الرجال، وأن تكون المرأة مساوية للرجل في الميراث. ومنها أن يتمنى تمنيا يدل على عدم الرضا بما ساقه الله والضجر منه، أو على الاضطراب والانزعاج، أو على عدم الرضا بالأحكام الشرعية. ومنها أن يتمنى نعمة تماثل نعمة في يد الغير مع إمكان حصولها للمتمني بدون أن تسلب من التي هي في يده؛ كتمني علم مثل علم المجتهد أو مال مثل مال قارون. ومنها أن يتمنى ذلك لكن مثله لا يحصل إلا بسلب المنعم عليه به كتمني ملك بلدة معينة أو زوجة رجل معين. ومنها أن يتمنى زوال نعمة عن الغير بدون قصد مصيرها إلى المتمني. فالتمني الأول والرابع غير منهي عنهما، وقد ترجم البخاري في صحيحه: «باب تمني الشهادة في سبيل الله وباب الاغتباط في العلم والحكمة، وذكر حديث: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس». وأما التمني الثاني والثالث فمنهي عنهما؛ لأنهما يترتب عليهما اضطراب النفس وعدم الرضا بما قسم الله والشك في حكمة الأحكام الشرعية. وأما التمني الخامس والسادس فمنهي عنهما لا محالة، وهو من الحسد، وفي الحديث: «لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها»، ولذلك نهي عن أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، إلا إذا كان تمنيه في الحالة الخامسة تمني حصول ذلك له بعد من هي بيده بحيث لا يستعجل موته. والسادس أشد وهو شر الحسدين إلا إذا كان صاحب النعمة يستعين به على ضر يلحق الدين أو الأمة أو على إضرار المتمني. وقد عقد البخاري ترجمة في صحيحه فقال: (باب ما يكره من التمني) وذكر الآية المتقدمة. قال ابن حجر: «قال ابن عطية: يجوز تمني ما لا يتعلق بالغير، أي مما يباح، وعلى هذا فالنهي عن التمني بخصوص بما يكون داعية إلى الحسد والتباغض، وعلى هذا محصل قول الشافعي: «لولا أنا نأثم بالتمني لتمنينا أن يكون كذا». ولم يرد أن كل التمني يحصل به الإثم». وقد ذكر ابن كثير بعض الآثار التي تشير إلى سبب نزول قوله تعالى: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}، فعن مجاهد قال : قالت أم سلمة: يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث. فأنزل الله عز وجل : {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}، وقال السدي: فإن الرجال قالوا: نريد أن يكون لنا من الأجر الضعف على أجر النساء، كما لنا في السهام سهمان. وقالت النساء: نريد أن يكون لنا أجر مثل أجر الرجال الشهداء، فإنا لا نستطيع أن نقاتل، ولو كتب علينا القتال لقاتلنا فأبى الله ذلك، ولكن قال لهم: سلوني من فضلي». وعن ابن عباس قال: «ولا يتمنى الرجل فيقول: «ليت لو أن لي مال فلان وأهله فنهى الله عن ذلك، ولكن يسأل الله من فضله»، قال ابن كثير: «وهو الظاهر من الآية، ثم أرشدهم إلى ما يصلحهم فقال: {واسألوا الله من فضله} أي: لا تتمنوا ما فضل به بعضكم على بعض، فإن هذا أمر محتوم، والتمني لا يجدي شيئا، ولكن سلوني من فضلي أعطكم; فإني كريم وهاب». ويبين ابن عاشور خطورة التمني فيقول: «وقد أصبح هذا التمني في زماننا هذا فتنة لطوائف من المسلمين سرت لهم من أخلاق الغلاة في طلب المساواة، فصاروا يتخبطون لطلب التساوي في كل شيء، ويعانون إرهاقا لم يحصلوا منه على طائل. وقد كان التمني من أعظم وسائل الجرائم، فإنه يفضي إلى الحسد، وقد كان أول جرم حصل في الأرض نشأ عن الحسد، ولقد كثر ما انتهبت أموال، وقتلت نفوس للرغبة في بسط رزق، أو فتنة نساء، أو نوال ملك، والتاريخ طافح بحوادث من هذا القبيل». ثم بين أن النهي في الآية إما نهي تنزيه لتربية المؤمنين على أن لا يشغلوا نفوسهم بما لا قبل لهم بنواله، ويكون قوله: {واسألوا الله من فضله} إرشادا إلى طلب الممكن؛ إذ قد علموا أن سؤال الله ودعاءه يكون في مرجو الحصول، وإلا كان سوء أدب. وإما نهي تحريم، وهو الظاهر من عطفه على المنهيات المحرمة، فيكون جريمة ظاهرة، أو قلبية كالحسد، بقرينة ذكره بعد قوله: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (النساء: 29)، وقوله: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ }(النساء: 29). قال السعدي: «ينهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ما فضل الله به غيره من الأمور الممكنة, وغير الممكنة. فلا تتمنى النساء خصائص الرجال, التي بها فضلهم على النساء, ولا صاحب الفقر والنقص حالة الغنى والكامل تمنيا مجردا؛ لأن هذا هو الحسد بعينه, تمني نعمة الله على غيرك أن تكون لك, ويسلب إياها، ولأنه يقتضي السخط على قدر الله, والإخلاد إلى الكسل والأماني الباطلة, التي لا يقترن بها عمل, ولا كسب. وإنما المحمود أمران: أن يسعى العبد على حسب قدرته, بما ينفعه من مصالحه الدينية والدنيوية. ويسأل الله تعالى من فضله.فلا يتكل على نفسه, ولا على غير ربه. ولهذا قال تعالى : {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا} (النساء: 32). أي: من أعمالهم المنتجة للمطلوب. {وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ }(النساء: 32). فكل منهم لا يناله, غير ما كسبه, وتعب فيه. {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} (النساء: 32). أي: من جميع مصالحكم في الدين والدنيا. فهذا كمال العبد, وعنوان سعادته, لا من يترك العمل, أو يتكل على نفسه, غير مفتقر لربه, أو يجمع بين الأمرين, فإن هذا مخذول خاسر». فالمسلم يضبط مشاعره وسلوكه بضوابط الشرع، فلا يتمنى ما ليس له شرعا، ولا يضيع وقته في الأحلام المجردة والأمنيات الخيالية، بل يسعى جادا مستعينا بالله تعالى لتحقيقه مقاصده ومطلوباته، وبالله التوفيق. اعداد: د.وليد خالد الربيع
__________________
|
#103
|
||||
|
||||
رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة
الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن(104) - الرحم شجنة من الرحمن أمر الله تعالى بالإصلاح في الأرض وصلة الأرحام، وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والأفعال وبذل الأموال خلق الله تعالى الإنسان من والدين، وجعل له أقارب وأرحاما، وأوجب عليه بر والديه، وشرع له صلة رحمه، ولعظم صلة الرحم نسبها الله تعالى إلى نفسه، ووردت نصوص كثيرة بالأمر بصلتها وبيان فضل ذلك، كما أنها تحرم قطع الرحم وتؤكد عقوبة ذلك أيضا. والرحم في اللغة: رحم المرأة، ومنه استعير الرحم للقرابة؛ لكونهم خارجين من رحم واحدة كما يقول الأصبهاني. وأما صلة الرحم فمعناها كما يقول النووي: «هي الإحسان إلى الأقارب على حسب الواصل والموصول؛ فتارة تكون بالمال، وتارة تكون بالخدمة، وتارة تكون بالزيارة والسلام وغير ذلك».وأما حكم صلة الرحم فقد قال القاضي عياض: «لا خلاف أنّ صلة الرّحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية كبيرة والأحاديث تشهد لهذا، ولكنّ الصّلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة بالكلام ولو بالسّلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة فمنها واجب، ومنها مستحبّ. ولو وصل بعض الصّلة، ولم يصل غايتها لا يسمّى قاطعا، ولو قصّر عمّا يقدر عليه وينبغي له لا يسمّى واصلا». والمعنى الجامع لصلة الرحم كما يوضحه ابن حجر بأنه: «إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر بحسب الحاجة»، وأقل الخير الصلة بالسلام كما قال صلى الله عليه وسلم : «بلوا أرحامكم ولو بالسلام» أخرجه البزار وحسنه الألباني. وقال الخطابي وغيره: «بللت الرحم بلا وبللا وبلالا أي: نديتها بالصلة». وقال الطيبي في معنى الحديث: «شبه الرحم بالأرض التي إذا وقع عليها الماء وسقاها حق سقيها أزهرت ورؤيت فيها النضارة فأثمرت المحبة والصفاء، وإذا تركت بغير سقي يبست وبطلت منفعتها فلا تثمر إلا البغضاء والجفاء». ومن الآيات التي تقرر أهمية صلة الرحم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}(النساء: 1). قال ابن سعدي: «افتتح تعالى هذه السورة, بالأمر بتقواه, والحث على عبادته, والأمر بصلة الأرحام, والحث على ذلك. وقرن الأمر بتقواه بالأمر ببر الأرحام, والنهي عن قطيعتها, ليؤكد هذا الحق، وأنه كما يلزم القيام بحق الله, كذلك يجب القيام بحقوق الخلق, ولاسيما الأقربين منهم, بل القيام بحقوقهم, هو من حق الله الذي أمر به». وقال تعالى: { وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(الأنفال: 75). قال ابن عاشور: «فالمؤمنون بعضهم لبعض أولياء ولاية الإيمان، وأولو الأرحام منهم بعضهم لبعض أولياء ولاية النسب، ولولاية الإسلام حقوق مبينة بالكتاب والسنة، ولولاية الأرحام حقوق مبينة أيضا، بحيث لا تزاحم إحدى الولايتين الأخرى». وصلة الرحم مما أمر به الله تعالى كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}(الرعد: 21). قال القرطبي: «ظاهر في صلة الأرحام، وهو قول قتادة وأكثر المفسرين، وهو مع ذلك يتناول جميع الطاعات»، وقال صلى الله عليه وسلم : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه» أخرجه البخاري. وقال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}(محمد: 22). قال ابن كثير: «وهذا نهي عن الإفساد في الأرض عموما، وعن قطع الأرحام خصوصا، بل قد أمر الله تعالى بالإصلاح في الأرض وصلة الأرحام، وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والأفعال وبذل الأموال». ومما جاء في السنة في بيان صلة الرحم قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الرحم شجنة من الرحمن، فقال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته» أخرجه البخاري، وفي رواية الترمذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الرحم شجنة من الرحمن، فمن وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله». قال ابن حجر: «الشجنة بكسر المعجمة وسكون الجيم، وجاء بضم أوله، وأصل الشجنة عروق الشجر المشتبكة، والشجن بالتحريك واحد الشجون، وهي طرق الأودية، ومنه قولهم: «الحديث ذو شجون» أي: يدخل بعضه في بعض. وقوله: (من الرحمن) أي: أخذ اسمها من هذا الاسم، وفي حديث عبد الرحمن بن عوف مرفوعا: «أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي» المعنى أنها أثر من آثار الرحمة مشتبكة بها، فالقاطع لها منقطع من رحمة الله». وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خلق الله الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فقال: مه ؟ قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فذلك لك»، ثم قال أبو هريرة: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}(محمد: 22). متفق عليه. وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله». أخرجه مسلم. قال القرطبي: «فمقصود هذا الكلام الإخبار بتأكد أمر صلة الرحم، وأنه تعالى أنزلها منزلة من استجار به فأجاره فأدخله في حمايته، وإذا كان كذلك فجار الله غير مخذول، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " من صلى الصبح فهو في ذمة الله، وإن من يطلبه الله بشيء من ذمته يدركه ثم يكبه على وجهه في النار» أخرجه مسلم. ومن فضل صلة الرحم أنها سبب لزيادة العمر بإذن الله تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم : «من سره أن يُبسط له في رزقه، أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه». متفق عليه. قال ابن سعدي: «هذا الحديث فيه الحث على صلة الرحم، وبيان أنها كما أنها موجبة لرضى الله وثوابه في الآخرة، فإنها موجبة للثواب العاجل بحصول أحب الأمور للعبد، وأنها سبب لبسط الرزق وتوسيعه، وسبب لطول العمر، وذلك حق على حقيقته؛ فإنه تعالى هو الخالق للأسباب ومسبباتها.وقد جعل الله لكل مطلوب سببا وطريقا ينال به، وهذا جار على الأصل الكبير، وأنه من حكمته وحمده جعل الجزاء من جنس العمل، فكما وصل رحمه بالبر والإحسان المتنوع، وأدخل على قلوبهم السرور، وصل الله عمره، ووصل رزقه، وفتح له من أبواب الرزق وبركاته ما لا يحصل له بدون هذا السبب الجليل». ومما جاء في التحذير من قطيعة الرحم قوله عليه السلام: «لا يدخل الجنة قاطع رحم» متفق عليه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم» أخرجه أحمد وصححه الألباني. وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها» أخرجه البخاري. قال الطيبي: «المعنى ليست حقيقة الواصل ومن يعتد بصلته من يكافئ صاحبه بمثل فعله، ولكنه من يتفضل على صاحبه». قال ابن حجر: «لا يلزم من نفي الوصل ثبوت القطع فهم ثلاث درجات: واصل ومكافئ وقاطع، فالواصل من يتفضل ولا يتفضل عليه، والمكافئ الذي لا يزيد في الإعطاء على ما يأخذ، والقاطع الذي يتفضل عليه ولا يتفضل. وكما تقع المكافأة بالصلة من الجانبين كذلك تقع بالمقاطعة من الجانبين، فمن بدأ حينئذ فهو الواصل، فإن جوزي سمي من جازاه مكافئا». فعلى المسلم أن يحرص على صلة رحمه والحذر من القطيعة وبالله التوفيق اعداد: د.وليد خالد الربيع
__________________
|
#104
|
||||
|
||||
رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة
الحكمة ضالة المؤمن(105) {ويدرؤن بالحسنة السيئة} حث النبي صلى الله عليه وسلم الناس على الصفح والعفو فقال: «ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر الله لكم» أخرجه أحمد أثنى الله تعالى على عباده المؤمنين في القرآن الكريم والسنة المطهرة بصفات عديدة، وأخلاق كريمة، تدل على حبه سبحانه لها، وندبه عباده للتحلي بها، ومن جملة ما مدح الله تعالى عباده الصالحين بأنهم يدفعون إساءة من أساء إليهم من الناس بالإحسان إليهم، كما قال تعالى: {{والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار}(الرعد: 22)}(الرعد: 22)، قال ابن زيد: «يدفعون الشر بالخير، فلا يكافئون الشر بالشر، ولكن يدفعونه بالخير»، وقال الحسن: «إذا حرموا أعطوا، وإذا ظلموا عفوا، وإذا قطعوا وصلوا»، وقال القتبي: «إذا سفه عليهم حلموا»، وقال ابن جبير: «يدفعون المنكر بالمعروف». قال الشيخ ابن سعدي: «أي: من أساء إليهم بقول أوفعل لم يقابلوه بفعله، بل قابلوه بالإحسان إليه، فيعطون من حرمهم، ويعفون عمن ظلمهم، ويصلون من قطعهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، وإذا كانوا يقابلون المسيء بالإحسان، فما ظنك بغير المسيء».وقال ابن كثير: يدفعون القبيح بالحسن، فإذا آذاهم أحد قابلوه بالجميل صبرا واحتمالا، وصفحا وعفوا كقوله تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}(فصلت: 34- 35)، ولهذا قال مخبرا عن هؤلاء السعداء المتصفين بهؤلاء الصفات الحسنة بأن لهم عقبى الدار. وحيث إن الإساءة متجددة وقد تحصل مرة بعدة أخرى، جاء التعبير القرآني بالفعل المضارع {ويدرؤون بالحسنة السيئة} كما يقول ابن عاشور إيماء إلى أن تجدد هذا الدرء; لأن الناس عرضة للسيئات على تفاوت، فوصف لهم دواء ذلك بأن يدفعوا السيئات بالحسنات. ولا شك أن المسلم معرض للإساءة قليلة كانت أم كثيرة، مقصودة كانت أم عفوية وعلى كل حال فله ثلاثة مواقف من هذه الإساءة، كما ذكر الشيخ ابن سعدي أن مراتب العقوبات على ثلاث مراتب: عدل وفضل وظلم. فمرتبة العدل: جزاء السيئة بسيئة مثلها، لا زيادة ولا نقصاً، فالنفس بالنفس، وكل جارحة بالجارحة المماثلة لها، والمال يضمن بمثله. مع مراعاة ما يجوز في المقابلة بالسيئة وما لا يجوز، فلا يجوز أن يقتص المسلم من غيره بأمر محرم، فلا يكذب على من كذب عليه، ولا يسرق من سرقه، ولايعتدي على عرض من اعتدى على عرضه؛ لأن هذه محرمات لحق الله تعالى، وإنما يستوفي حقه بالطرق المشروعة بالتراضي أو التقاضي. ومرتبة الفضل: العفو والإصلاح عن المسيء، ولهذا قال: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}(الشورى: 40). يجزيه أجرا عظيما، وثوابا كثيرا، وشرط الله في العفو الإصلاح فيه، ليدل ذلك على أنه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته، فإنه في هذه الحال لا يكون مأمورا به. وفي جعل أجر العافي على الله ما يهيج على العفو، وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به، فكما يحب أن يعفو الله عنه، فَلْيَعْفُ عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله، فليسامحهم، فإن الجزاء من جنس العمل. وأما مرتبة الظلم فقد ذكرها بقوله: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}(الشورى: 40). الذين يجنون على غيرهم ابتداء، أو يقابلون الجاني بأكثر من جنايته، فالزيادة ظلم. وقال بعضهم: لما كانت الأقسام ثلاثة: ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات، ذكر الأقسام الثلاثة في هذه الآية فذكر المقتصد وهو الذي يفيض بقدر حقه لقوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}(الشورى: 40)، ثم ذكر السابق بقوله: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ثم ذكر الظالم بقوله: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِين} (الشورى: 40) فأمر بالعدل ، وندب إلى الفضل ، ونهى من الظلم. وقال الشيخ ابن سعدي: «يقول تعالى - مبيحا للعدل ونادبا للفضل والإحسان- {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ}(النحل: 126)، من أساء إليكم بالقول والفعل { فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ }(النحل: 126)، من غير زيادة منكم على ما أجراه معكم {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ}(النحل: 126)، عن المعاقبة وعفوتم عن جرمهم {لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}(النحل: 126)، من الاستيفاء، وما عند الله خير لكم وأحسن عاقبة». والقرآن الكريم يؤكد هذا المعنى في آيات كثيرة منها قوله سبحانه: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَة نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ َ}(المؤمنون: 96)، قال ابن سعدي: «هذا من مكارم الأخلاق، التي أمر الله رسوله بها فقال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ}(المؤمنون: 96)، أي: إذا أساء إليك أعداؤك، بالقول والفعل، فلا تقابلهم بالإساءة، مع أنه يجوز معاقبة المسيء بمثل إساءته، ولكن ادفع إساءتهم إليك بالإحسان منك إليهم، فإن ذلك فضل منك على المسيء، ومن مصالح ذلك، أنه تخف الإساءة عنك، في الحال، وفي المستقبل، وأنه أدعى لجلب المسيء إلى الحق، وأقرب إلى ندمه وأسفه، ورجوعه بالتوبة عما فعل، وليتصف العافي بصفة الإحسان، ويقهر بذلك عدوه الشيطان، وليستوجب الثواب من الرب، قال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}(الشورى: 40). ومنها قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا }(الفرقان: 63) قال ابن كثير: «أي: إذا سفه عليهم الجهال بالسيئ، لم يقابلوهم عليه بمثله، بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلا خيرا، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما». وقال سبحانه: {أُولَٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }(القصص: 54)، قال الطاهر: «وعد الله لهم سبع خصال من خصال أهل الكمال، وذكر منها درؤهم السيئة بالحسنة وهي من أعظم خصال الخير، وأدعاها إلى حسن المعاشرة». وقال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}(فصلت: 34). قال الشيخ الطاهر: «وإنما أمر الرسول- صلى الله عليه وسلم - بذلك لأن منتهى الكمال البشري خلقه كما قال صلى الله عليه وسلم : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وقالت عائشة لما سئلت عن خلقه: «كان خلقه القرآن»؛ لأنه أفضل الحكماء». وحث النبي صلى الله عليه وسلم الناس على الصفح والعفو فقال: «ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر الله لكم» أخرجه أحمد وصححه أحمد شاكر. وقال أبو بكر: «بلغنا أن الله تعالى يأمر مناديا يوم القيامة فينادي: من كان له عند الله شيء فليقم، فيقوم أهل العفو، فيكافئهم الله بما كان من عفوهم عن الناس». ففي هذا الزمان نحتاج إلى التحلي بهذا الخلق الكريم، فيعفو بعضنا عن بعض، ويسمو بأخلاقه فيقابل الإساءة بالإحسان فذلك أفضل أخلاق المؤمن العفو كما قال الحسن، وبالله التوفيق. اعداد: د.وليد خالد الربيع
__________________
|
#105
|
||||
|
||||
رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة
الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن(106) - الميزان بيد الرحمن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الميزان بيد الرحمن يرفع أقواما ويضع آخرين» أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني. الله تبارك وتعالى ملك عظيم، ورب جليل، له الحكمة البالغة، والمشيئة النافذة، والقدرة التامة، خلق كل شيء بأمره، وأحاط بكل موجود علمه، له الخلق والأمر، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره، فهو على كل شيء قدير، وكل مخلوق إليه فقير، وكل أمر عليه يسير، وأدلة الكتاب العزيز والسنة المطهرة عامرة بتقرير هذه الحقيقة، وتأكيد هذه العقيدة، فمن ذلك قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. آل عمران قال ابن سعدي: «يقول الله لنبيه[ {قل اللهم مالك الملك}، أي: أنت الملك المالك لجميع الممالك، فصفة الملك المطلق لك، والمملكة كلها علويها وسفليها لك والتصريف والتدبير كله لك، ثم فصل بعض التصاريف التي انفرد الباري تعالى بها، فقال: {تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء} فحصول الملك ونزعه تبع لمشيئة الله تعالى، ولا ينافي ذلك ما أجرى الله به سنته من الأسباب الكونية والدينية التي هي سبب بقاء الملك وحصوله وسبب زواله، فإنها كلها بمشيئة الله لا يوجد سبب يستقل بشيء، بل الأسباب كلها تابعة للقضاء والقدر، ومن الأسباب التي جعلها الله سببا لحصول الملك الإيمان والعمل الصالح، التي منها اجتماع المسلمين واتفاقهم، وإعدادهم الآلات التي يقدروا عليها والصبر وعدم التنازع،ثم قال تعالى: {وتعز من تشاء} بطاعتك {وتذل من تشاء} بمعصيتك {إنك على كل شيء قدير} لا يمتنع عليك أمر من الأمور بل الأشياء كلها طوع مشيئتك وقدرتك».وقال تبارك وتعالى: {يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن}، قال ابن كثير: «وهذا إخبار عن غناه عما سواه وافتقار الخلائق إليه في جميع الآنات، وأنهم يسألونه بلسان حالهم وقالهم، وأنه كل يوم هو في شأن». وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الشأن المذكور في الآية فقال: «من شأنه أن يغفر ذنبا، ويفرج كربا، ويرفع قوما، ويضع آخرين» أخرجه ابن أبي عاصم وصححه الألباني. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الميزان بيد الرحمن يرفع أقواما ويضع آخرين» أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني. قال المناوي: «أي جميع ما كان وما يكون بتقدير خبير بصير، يعلم ما يؤول إليه أحوال عبادة فيقدر ما هو أصلح لهم، فيفقر ويغني، ويمنع ويعطي، ويقبض ويبسط كما تقتضيه الحكمة الربانية». وأخرج البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار»، وقال: «أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يده» وقال: «عرشه على الماء، وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع». قال ابن حجر: «قوله: (وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع) أي يخفض الميزان ويرفعه، وفي حديث أبي موسى عند مسلم وابن حبان: «إن الله لا ينام ولا ينبغي أن ينام، يخفض القسط ويرفعه» وظاهره أن المراد بالقسط: الميزان، وهو مما يؤيد أن الضمير المستتر في قوله «يخفض ويرفع» (للميزان)». وقال الداودي: معنى الميزان أنه قدر الأشياء ووقتها وحددها فلا يملك أحد نفعا ولا ضرا إلا منه وبه». وقال النووي: «وقيل هو عبارة عن تقدير الرزق؛ يقتره على من يشاء، ويوسعه على من يشاء، وقد يكونان عبارة عن تصرف المقادير بالخلق بالعز والذل». والله تعالى يرفع بعض خلقه درجات ومراتب على بعض كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}. قال ابن سعدي: «{وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} في القوة والعافية، والرزق والخَلْق والخُلُق». وقال الطبري: «يقول: وخالف بين أحوالكم, فجعل بعضكم فوق بعض, بأن رفع هذا على هذا، بما بسط لهذا من الرزق ففضّله بما أعطاه من المال والغِنى، على هذا الفقير فيما خوَّله من أسباب الدنيا, وهذا على هذا بما أعطاه من الأيْد والقوة على هذا الضعيف الواهن القُوى, فخالف بينهم بأن رفع من درجة هذا على درجة هذا، وخفض من درجة هذا عن درجة هذا». وقد يكون الرفع بالنبوة والاصطفاء على سائر الناس كما قال تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس}، ورفع الرسل بعضه على بعض كما قال سبحانه: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}. قال ابن سعدي: «يخبر تعالى أنه فضل بعض الرسل على بعض بما خصهم من بين سائر الناس بإيحائه وإرسالهم إلى الناس، ودعائهم الخلق إلى الله، ثم فضل بعضهم على بعض بما أودع فيهم من الأوصاف الحميدة والأفعال السديدة والنفع العام، فمنهم من كلمه الله كموسى بن عمران خصه بالكلام، ومنهم من رفعه على سائرهم درجات كنبينا صلى الله عليه وسلم الذي اجتمع فيه من الفضائل ما تفرق في غيره، وجمع الله له من المناقب ما فاق به الأولين والآخرين {وآتينا عيسى ابن مريم البينات}، الدالات على نبوته وأنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». وقد يكون الرفع بالإيمان والعلم النافع والعمل الصالح كما قال تعالى: {نرفع درجات من نشاء} قال القرطبي: «أي بالعلم والفهم والإمامة والملك». وقال سبحانه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} قال الطبري: «يقول تعالى ذكره: يرفع الله المؤمنين منكم أيها القوم بطاعتهم ربهم، فيما أمرهم به من التفسح في المجلس إذا قيل لهم تفسحوا، أو بنشوزهم إلى الخيرات إذا قيل لهم انشزوا إليها، ويرفع الله الذين أوتوا العلم من أهل الإيمان على المؤمنين الذين لم يؤتوا العلم بفضل علمهم درجات، إذا عملوا بما أمروا به. وعن عامر بن واثلة أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بن الخطاب بعسفان، وكان عمر يستعمله على مكة، فقال له عمر: من استعملت على أهل الوادي؟ قال: ابن أبزى. قال: ومن ابن أبزى؟ فقال: مولى من موالينا. فقال عمر بن الخطاب: فاستخلفت عليهم مولى؟ فقال: إنه قارئ لكتاب الله، عالم بالفرائض. فقال عمر: «أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: «إن الله يرفع بهذا الكتاب قوما ويضع به آخرين» (أخرجه مسلم). فخزائن كل شيء بيد الله سبحانه، والمسلم يسأل الله من فضله، ولا يتطلع إلى ما عند غيره، ويأخذ بالأسباب الشرعية للرفعة الحقيقة في الدنيا والآخرة، وبالله التوفيق. اعداد: د.وليد خالد الربيع
__________________
|
#106
|
||||
|
||||
رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة
الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن(107) - {قل الروح من أمر ربي} شيخ الإسلام ابن تيمية: والروح المدبرة للبدن هي الروح المنفوخة فيه، وهي النفس التي تفارقه بالموت أقام الله تعالى آيات كثيرة، وشواهد عديدة على تفرده بالخلق والملك والتدبير، وأنه سبحانه وحده المستحق للعبادة والألوهية، فالآيات الكونية، والبراهين الحسية ناطقة بذلك، ومن أعظم الحجج وأقوى الدلائل الإنسان نفسه، كما قال تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}(الذاريات: 21)، قال الطبري: «معنى ذلك: وفي أنفسكم أيها الناس آيات وعبر تدلكم على وحدانية صانعكم، وأنه لا إله لكم سواه؛ إذ كان لا شيء يقدر على أن يخلق مثل خلقه إياكم (أفلا تبصرون) يقول: أفلا تنظرون في ذلك فتتفكروا فيه، فتعلموا حقيقة وحدانية خالقكم»؟! والإنسان كما هو معلوم مركب من بدن وروح، وقد وقف كثير من العلماء على أسرار كثيرة من بدن الإنسان، ولا يزال يخفى عليهم الكثير من عجيب صنع الله -تعالى- وكمال قدرته، إلا أن السر الأعظم لا يزال خافيا عليهم وهو حقيقة الروح التي تقوم بهذا البدن، وبفقدها يفقد الإنسان وجوده، فقال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}(الإسراء: 85).قال ابن كثير: «وقوله: {قل الروح من أمر ربي} أي: من شأنه، ومما استأثر بعلمه دونكم؛ ولهذا قال: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} أي: وما أطلعكم من علمه إلا على القليل، فإنه لا يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء تبارك وتعالى. والمعنى: أن علمكم في علم الله قليل، وهذا الذي تسألون عنه من أمر الروح مما استأثر به تعالى، ولم يطلعكم عليه، كما أنه لم يطلعكم إلا على القليل من علمه تعالى». ويوضح الطاهر بن عاشور سبب سؤالهم عن حقيقة الروح، وبيان ماهيتها؛ وذلك لأنها شغلت الفلاسفة وحكماء المتشرعين، لظهور أن في الجسد الحي شيئا زائدا على الجسم، به يكون الإنسان مدركا، وبزواله يصير الجسم مسلوب الإرادة والإدراك، فعلم بالضرورة أن في الجسم شيئا زائدا على الأعضاء الظاهرة والباطنة غير مشاهد؛ إذ قد ظهر بالتشريح أن جسم الميت لم يفقد شيئا من الأعضاء الباطنة التي كانت له في حال الحياة. وإذ قد كانت عقول الناس قاصرة عن فهم حقيقة الروح، وكيفية اتصالها بالبدن، وكيفية انتزاعها منه، وفي مصيرها بعد ذلك الانتزاع، أجيبوا بأن الروح من أمر الله، أي أنه كائن عظيم من الكائنات المشرفة عند الله، ولكنه مما استأثر الله بعمله، فلفظ (أمر) يحتمل أن يكون مرادف الشيء، فالمعنى: الروح بعض الأشياء العظيمة التي هي لله، فإضافة أمر إلى اسم الجلالة على معنى لام الاختصاص، أي أمر اختص بالله اختصاص علم. ويرى رحمه الله أن صرف السائلين عن الجواب عن حقيقة الروح كان لغرض صحيح اقتضاه حالهم، وحال زمانهم ومكانهم، وأن ذلك لا يمنع من البحث في حقيقة الروح كما ذهب إليه جمهور العلماء من المتكلمين والفقهاء، منهم أبو بكر بن العربي في العواصم، والنووي في شرح مسلم أن هذه الآية لا تصد العلماء عن البحث عن الروح; لأنها نزلت لطائفة معينة من اليهود، ولم يقصد بها المسلمون. و(الروح) تطلق في القرآن الكريم ويراد بها تارة القرآن كما قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}(الشورى: 52)، وتطلق على الوحي الذي يوحيه الله تعالى إلى أنبيائه ورسله كما قال تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ}(غافر: 15)، وسمي روحا لما يحصل به من الحياة النافعة، وتطلق الروح على جبريل عليه السلام كما قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ}(الشعراء: 193)، وتطلق الروح على النفس التي في بدن الإنسان وذلك لحصول الحياة بها، وسميت نفسا إما من الشيء النفيس لنفاستها وشرفها، وإما من تنفس الشيء إذا خرج؛ فلكثرة خروجها ودخولها في البدن، فإن العبد كلما نام خرجت منه، فإذا استيقظ رجعت إليه، فإذا مات خرجت خروجا كليا، فإذا دفن عادت إليه، فإذا سئل خرجت، فإذا بعث عادت إليه. و(النفس) في القرآن الكريم والسنة المطهرة يراد بها الذات الإنسانية، كما في قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا}(آل عمران: 30)، وفي الحديث: «ما من نفس تموت وهي تشهد أن لا إله إلا الله، وإني رسول الله، يرجع ذلك إلى قلب موقن، إلا غفر الله له» أخرجه ابن ماجه، وحسنه للألباني. والقرآن الكريم يخاطب الناس مبينا لهم مبدأ نفوسهم فيقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}(النساء: 1)، وذكر لهم مصير أنفسهم فقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا}(آل عمران: 145)، وأكد سبحانه أن النفس الإنسانية هي محور التكاليف الشرعية كما قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}(البقرة: 286)، وبين أن جزاء الأنفس يوم القيامة بحسب ما قدمت في الدنيا فقال تعالى: {اللَّـهُ كُلَّ نَفسٍ ما كَسَبَت إِنَّ اللَّـهَ سَريعُ الحِسابِ}(إبراهيم: 51). والنفس الإنسانية فطرها الله تعالى على قبول الحق والانقياد له، كما أنها تتأثر بالباطل وتنساق له كما قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا - فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا - َدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}(الشمس: 7 - 10)، فترتقي النفس الإنسانية إذا اتبعت هدى الله إلى أعلى الدرجات، وتنحط إذا أعرضت عن دينه إلى أسفل الدركات. وقد اختلف العلماء في حقيقة النفس، فهل هي الروح؟ أم هي غيرها؟ والأظهر من تلك الأقوال ما قرره شارح العقيدة الطحاوية فقال: «فالتحقيق أن النفس تطلق على أمور، وكذلك الروح، فيتحد مدلولهما تارة، ويختلف تارة، فالنفس تطلق على الروح، ولكن غالب ما يسمى نفسا إذا كانت متصلة بالبدن، وأما إذا أخذت مجردة فتسمية الروح أغلب عليها». وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «والروح المدبرة للبدن هي الروح المنفوخة فيه، وهي النفس التي تفارقه بالموت»، كما قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}(الزمر: 42)، وقال صلى الله عليه وسلم : «إن الروح إذا قبض تبعه البصر» أخرجه مسلم، مما يؤكد أن النفس هي الروح التي تكون في البدن وتقبض عند الموت. وأما حقيقة الروح التي في البدن فقد اختلف فيها اختلافا كثيرا، وأحسن ما قيل في ذلك ما ذكره ابن القيم في كتابه الروح؛ حيث ساق ستة أقوال نقلها عن الرازي واختار آخرها وقال: «السادس: إنه جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس، وهو جسم نوراني، علوي، خفيف، حي، متحرك ينفذ في الأعضاء، ويسري فيها سريان الماء في الورد، وسريان الدهن في الزيتون، والنار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي ذلك الجسم اللطيف مشابكا لهذه الأعضاء، وإفادتها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية. وإذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها، وخرجت عن قبول تلك الآثار فارق الروح البدن، وانفصل إلى عالم الأرواح». قال رحمه الله: «وهذا القول هو الصواب في المسألة، وهو الذي لا يصح غيره، وكل الأقوال سواه باطلة، وعليه دل الكتاب السنة وإجماع الصحابة وأدلة العقل والفطرة»، ثم أورد رحمه الله مائة واثنين وعشرين وجها على صحة ما ذكر. وقال رحمه الله : «فالفرق بين النفس والروح فرق بالصفات لا فرق بالذات». اعداد: د.وليد خالد الربيع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 18 ( الأعضاء 0 والزوار 18) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |