مختصر الكلام على بلوغ المرام(2)
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
مختصر الكلام على بلوغ المرام (1)
باب الآنية
14- عن حُذَيْفَةَ بن الْيَمَانِ - رضي الله عنهما - قال: قال رَسُولُ الله- صلى الله عليه وسلم -: «لا تَشْرَبُوا في آنيةِ الذَّهَبِ والْفِضَّةِ، ولا تأكُلُوا في صِحَافِهمَا، فإنها لَهُمْ في الدُّنْيَا، وَلَكُمْ في الآخِرَةِ» متفق عليه.
الآنية: الأوعية. وبوّب لها، لأن الشارع قد نهى عن بعضها.
والحديث دليل على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة وصحافهما، سواء كان الإناء خالصا أو مخلوطا، للرجال والنساء، قال النووي: انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب فيها، وذكر المصنف هذا الحديث في باب الآنية لإفادة تحريم الوضوء في آنية الذهب والفضة.
15- وَعَنْ أُمّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها -، قالَتْ: قَالَ رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم -: «الّذي يَشْرَبُ في إناءِ الْفِضَّةِ إنّمَا يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نَارَ جَهَنّم» مُتّفَقٌ علَيْهِ.
فيه دليل على تحريم الشرب في إناء الفضة كما في حديث حذيفة، وقوله: «إنما يجرجر في بطنه نار جهنم»، كقوله تعالى: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراًï´¾ [النساء: الآية: 10].
16- وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ - رضي الله عنهما -، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم -: «إذا دُبِغَ الإهَابُ فقدْ طَهُرَ» أخرجهُ مسلم ، وعند الأربعة «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ».
الحديث له سبب، وهو: أنه - صلى الله عليه وسلم - مر بشاة ميتة لميمونة، فقال: «ألا استمتعتم بإهابها فإن دباغ الأديم طهوره»، وروى البخاري من حديث سودة قالت: «ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها ثم مازلنا ننتبذ فيه حتى صار شنًا». والحديث دليل على أن الدباغ مطهر لجلد الميتة، وأنه يستعمل في اليابسات والمائعات، وقوله: «أيُّما إهاب دُبغ» أي فقد طهر، واستدل به على طهارة كل إهاب بعد الدبغ، سواء كان مأكولا أو غيره، وهو مذهب أبي حنيفة، والراجح أنه خاص بجلد المأكول.
17- وَعَنْ سَلَمَةَ بن الْمُحَبِّقِ - رضي الله عنه -، قَالَ: قال رسولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم -: «دِباغُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ طُهُورُهَا». صححهُ ابنُ حِبّان.
الحديث يدل على ما دل عليه حديث ابن عباس، وفي لفظ عند أحمد وغيره: «دباغ الأديم ذكاته» وفي تشبيه الدباغ بالذكاة إعلام بأن الدباغ في التطهير بمنزلة التذكية في الإحلال، وعن عبدالله بن عكيم قال: أتانا كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل موته: «ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب». قال الترمذي: وكان أحمد يذهب إليه ويقول: هذا آخر الأمرين، ثم تركه.
18- وعن ميْمُونَةَ - رضي الله عنها -، قالتْ: مَرَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بشاةٍ يجرُّونَها، فقال: «لَوْ أَخَذْتُمْ إهَابَهَا؟» فقالوا: إنّها مَيْتَةٌ، فقالَ: «يُطَهِّرُهَا الماءُ والْقَرَظُ» أخرجه أبوداود والنسائي.
قال النووي: يجوز الدباغ بكل شيء ينشف فضلات الجلد ويطيبه ويمنع من ورود الفساد عليه كالشث[1] والقرظ وقشور الرمان وغير ذلك من الأدوية الطاهرة.
19- وعن أبي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ - رضي الله عنه -، قال: قُلْتُ: يا رَسولَ الله، إنّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، أَفَنَأْكُلُ في آنيَتِهمْ؟ قالَ: «لا تأكلُوا فيهَا، إلا أنْ لا تَجِدُوا غَيْرَها، فَاغْسِلُوهَا، وَكُلُوا فيها» متفق عَلَيْه.
استدل به على نجاسة آنية أهل الكتاب بجواز أكلهم الخنزير وشربهم الخمر، وفي رواية أبي داود وأحمد: «إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها». الحديث.
20- وعن عِمْرانَ بنِ حُصَيْنٍ - رضي الله عنهما -: «أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وَأصْحَابَهُ توضَّأوا من مزادةِ امرأةٍ مشركةٍ». متفق عليه ، في حديث طويل.
فيه دليل على طهارة آنية المشركين، وعلى طهور جلد الميتة بالدباغ، لأن المزادتين من جلود ذبائح المشركين وذبائحهم ميتة، وهذا الحديث ذكره البخاري بطوله في باب: (الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء).
21- وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه -: «أنَّ قَدَحَ النبيِّ انْكَسَرَ، فاتّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ». أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.
فيه دليل على جواز تضبيب الإناء بالفضة، قال في سبل السلام: ولا خلاف في جوازه.
[1] الشُث: نبت طيب الريح يدبغ به، ا.هـ، مصححه.