عرض مشاركة واحدة
  #195  
قديم 30-09-2022, 06:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد الخامس
الحلقة( 195)

من صــ 301 الى صـ 310



وهو سبحانه بحكمته ورحمته يرحم العباد بأسباب يفعلها العباد ليثيب أولئك على تلك الأسباب فيرحم الجميع كما في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما من رجل يدعو لأخيه بدعوة إلا وكل الله به ملكا كلما دعا لأخيه قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل} وكما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال: {من صلى على جنازة فله قيراط؛ ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان؛ أصغرهما مثل أحد} فهو قد يرحم المصلي على الميت بدعائه له ويرحم الميت أيضا بدعاء هذا الحي له.
السبب السادس: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وغيره في أهل الذنوب يوم القيامة كما قد تواترت عنه أحاديث الشفاعة مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي}. وقوله صلى الله عليه وسلم {خيرت بين أن يدخل نصف أمتي الجنة؛ وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكثر؛ أترونها للمتقين؟ لا. ولكنها للمذنبين المتلوثين الخطائين}.
السبب السابع: المصائب التي يكفر الله بها الخطايا في الدنيا كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما يصيب المؤمن من وصب؛ ولا نصب؛ ولا هم؛ ولا حزن؛ ولا غم؛ ولا أذى - حتى الشوكة يشاكها - إلا كفر الله بها من خطاياه}.

السبب الثامن: ما يحصل في القبر من الفتنة والضغطة والروعة فإن هذا مما يكفر به الخطايا.
السبب التاسع: أهوال يوم القيامة وكربها وشدائدها.
السبب العاشر: رحمة الله وعفوه ومغفرته بلا سبب من العباد. فإذا ثبت أن الذم والعقاب قد يدفع عن أهل الذنوب بهذه الأسباب العشرة كان دعواهم أن عقوبات أهل الكبائر لا تندفع إلا بالتوبة مخالف لذلك.

(ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا (51)

قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
ومن جنس موالاة الكفار التي ذم الله بها أهل الكتاب والمنافقين: الإيمان ببعض ما هم عليه من الكفر أو التحاكم إليهم دون كتاب الله كما قال تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا} وقد عرف أن سبب نزولها شأن كعب بن الأشرف - أحد رؤساء اليهود - لما ذهب إلى المشركين ورجح دينهم على دين محمد وأصحابه.
والقصة قد ذكرناها في " الصارم المسلول " لما ذكرنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من لكعب بن الأشرف؟ فإنه قد آذى الله ورسوله ". ونظير هذه الآية قوله تعالى عن بعض أهل الكتاب: {ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون} {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان} الآية. فأخبر أنهم اتبعوا السحر وتركوا كتاب الله كما يفعله كثير من اليهود وبعض المنتسبين إلى الإسلام من اتباعهم كتب السحرة - أعداء إبراهيم وموسى - من المتفلسفة ونحوهم وهو كإيمانهم بالجبت والطاغوت؛ فإن الطاغوت هو الطاغي من الأعيان والجبت: هو من الأعمال والأقوال كما قال عمر بن الخطاب: الجبت السحر والطاغوت الشيطان.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم {العيافة والطيرة والطرق: من الجبت} رواه أبو داود. وكذلك ما أخبر عن أهل الكتاب بقوله: {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت} أي: ومن عبد الطاغوت فإن أهل الكتاب كان منهم من أشرك وعبد الطواغيت. فهنا ذكر عبادتهم للطاغوت وفي " البقرة " ذكر اتباعهم للسحر وذكر في " النساء " إيمانهم بهما جميعا: بالجبت والطاغوت.
وأما التحاكم إلى غير كتاب الله فقد قال: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا} {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا}. والطاغوت فعلوت من الطغيان. كما أن الملكوت فعلوت من الملك. والرحموت والرهبوت والرغبوت. فعلوت من الرحمة والرهبة والرغبة. والطغيان: مجاوزة الحد؛ وهو الظلم والبغي. فالمعبود من دون الله إذا لم يكن كارها لذلك: طاغوت؛ ولهذا سمى النبي صلى الله عليه وسلم الأصنام طواغيت في الحديث الصحيح لما قال: {ويتبع من يعبد الطواغيت الطواغيت}.
والمطاع في معصية الله والمطاع في اتباع غير الهدى ودين الحق - سواء كان مقبولا خبره المخالف لكتاب الله أو مطاعا أمره المخالف لأمر الله - هو طاغوت؛ ولهذا سمي من تحوكم إليه من حاكم بغير كتاب الله طاغوت وسمى الله فرعون وعادا طغاة وقال في صيحة ثمود: {فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية}.

فمن كان من هذه الأمة مواليا للكفار: من المشركين أو أهل الكتاب ببعض أنواع الموالاة ونحوها: مثل إتيانه أهل الباطل واتباعهم في شيء من مقالهم وفعالهم الباطل: كان له من الذم والعقاب والنفاق بحسب ذلك؛ وذلك مثل متابعتهم في آرائهم وأعمالهم؛ كنحو أقوال الصابئة وأفعالهم من الفلاسفة ونحوهم المخالفة للكتاب والسنة؛ ونحو أقوال اليهود والنصارى وأفعالهم المخالفة للكتاب والسنة؛ ونحو أقوال المجوس والمشركين وأفعالهم المخالفة للكتاب والسنة. ومن تولى أمواتهم أو أحياءهم بالمحبة والتعظيم والموافقة فهو منهم؛ كالذين وافقوا أعداء إبراهيم الخليل: من الكلدانيين وغيرهم من المشركين عباد الكواكب أهل السحر؛ والذين وافقوا أعداء موسى من فرعون وقومه بالسحر.

أو ادعى أنه ليس ثم صانع غير الصنعة ولا خالق غير المخلوق ولا فوق السماوات إله كما يقوله الاتحادية وغيرهم من الجهمية. والذين وافقوا الصائبة والفلاسفة فيما كانوا يقولونه في الخالق ورسله: في أسمائه وصفاته والمعاد وغير ذلك. ولا ريب أن هذه الطوائف: وإن كان كفرها ظاهرا فإن كثيرا من الداخلين في الإسلام. حتى من المشهورين بالعلم والعبادة والإمارة قد دخل في كثير من كفرهم وعظمهم ويرى تحكيم ما قرروه من القواعد ونحو ذلك.
وهؤلاء كثروا في المستأخرين ولبسوا الحق - الذي جاءت به الرسل - بالباطل الذي كان عليه أعداؤهم. والله تعالى: يحب تمييز الخبيث من الطيب والحق من الباطل. فيعرف أن هؤلاء الأصناف: منافقون أو فيهم نفاق؛ وإن كانوا مع المسلمين؛ فإن كون الرجل مسلما في الظاهر لا يمنع أن يكون منافقا في الباطن؛ فإن المنافقين كلهم مسلمون في الظاهر والقرآن قد بين صفاتهم وأحكامهم. وإذا كانوا موجودين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عزة الإسلام مع ظهور أعلام النبوة ونور الرسالة: فهم مع بعدهم عنهما أشد وجودا لا سيما وسبب النفاق هو سبب الكفر وهو المعارض لما جاءت به الرسل.
(فصل)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
وذكر أهل المغازي والتفسير مثل محمد بن إسحاق أن كعب بن الأشرف كان موادعا للنبي صلى الله عليه وسلم في جملة من وادعه من يهود المدينة وكان عربيا من بني طي وكانت أمه من بني النضير قالوا: فلما قتل أهل بدر شق ذلك عليه وذهب إلى مكة ورثاهم لقريش وفضل دين الجاهلية على دين الإسلام حتى أنزل الله فيه: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا}.
ثم لما رجع إلى المدينة أخذ ينشد الأشعار يهجو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله؟ " وذكر قصة قتله مبسوطة.
وقال الواقدي: حدثني عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن رمان ومعمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك وإبراهيم بن جعفر عن أبيه عن جابر وذكر القصة إلى قتله قال: ففزعت يهود ومن معها من المشركين فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين أصبحوا فقالوا: قد طرق صاحبنا الليلة وهو سيد من ساداتنا قتل غيلة بلا جرم ولا حدث علمناه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه لو قر كما قر غيره ممن هو على مثل رأيه ما اغتيل ولكنه نال منا الأذى وهجانا بالشعر ولم يفعل هذا أحد منكم إلا كان للسيف " ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يكتب بينهم كتابا ينتهون إلى ما فيه فكتبوا بينهم وبينه كتابا تحت العذق في دار رملة بنت الحارث فحذرت يهود وخافت وذلت من يوم قتل ابن الأشرف.
والاستدلال بقتل كعب بن الأشرف من وجهين:
أحدهما: أنه كان معاهدا مهادنا وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم بالمغازي والسير وهو عندهم من العلم العام الذي يستغنى فيه عن نقل الخاصة.

ومما لا ريب فيه عند أهل العلم ما قدمناه من أن النبي صلى الله عليه وسلم عاهد لما قدم المدينة جميع أصناف اليهود بني قينقاع والنضير وقريظة ثم نقضت بنو قينقاع عهده فحاربهم ثم نقض عهده كعب بن الأشرف ثم نقض عهده بنو النضير ثم بنو قريظة وكان ابن الأشرف من بني النضير وأمرهم ظاهر في أنهم كانوا مصالحين للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما نقضوا العهد لما خرج إليهم يستعينهم في دية الرجلين اللذين قتلهما عمر بن أمية الضمري وكان ذلك بعد مقتل كعب بن الأشرف وقد ذكرنا الرواية الخاصة أن كعب بن الأشرف كان معاهد للنبي صلى الله عليه وسلم ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم جعله ناقضا للعهد بهجائه وأذاه بلسانه خاصة والدليل على أنه إنما نقض العهد بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله؟ " فعلل ندب الناس له بأذاه والأذى المطلق هو باللسان كما قال تعالى: {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا} وقال تعالى:

{لن يضروكم إلا أذى} وقال: {ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن} وقال: {لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا} الآية وقال: {ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي} إلى قوله: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا} الآية ثم ذكر الصلاة عليه والتسليم خبرا وأمرا وذلك من أعمال اللسان ثم قال: {إن الذين يؤذون الله ورسوله} إلى قوله: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات} وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى: " يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر " وهذا كثير.
وقد تقدم أن الأذى اسم لقليل الشر وخفيف المكروه بخلاف الضرر فلذلك أطلق على القول لأنه لا يضر المؤذى في الحقيقة.
وأيضا فإنه جعل مطلق أذى الله ورسوله موجبا لقتل رجل معاهد ومعلوم أن سب الله وسب ورسوله أذى لله ولرسوله وإذا رتب الوصف على الحكم بحرف الفاء دل على أن ذلك الوصف علة لذلك الحكم لا سيما إذا كان مناسبا وذلك يدل على أن أذى الله ورسوله علة لندب المسلمين إلى قتل من يفعل ذلك من المعاهدين وهذا دليل ظاهر على انتقاض عهده بأذى الله ورسوله والسب من أذى الله ورسوله باتفاق المسلمين بل هو أخص أنواع الأذى.
وأيضا فقد قدمنا في حديث جابر أن أول ما نقض به العهد قصيدته التي أنشأها بعد رجوعه إلى المدينة يهجو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هجاه بهذه القصيدة ندب إلى قتله وهذا وحده دليل على أنه إنما نقض العهد بالهجاء لا بذهابه إلى مكة.
وما ذكره الواقدي عن أشياخه يوضح ذلك ويؤيده وإن كان الواقدي لا يحتج به إذا انفرد لكن لا ريب في علمه بالمغازي واستعلام كثير من تفاصيلها من جهته ولم نذكر عنه إلا ما أسندناه عن غيره.
فقوله: " لو قر كما قر غيره ممن هو على مثل رأيه ما اغتيل ولكنه نال منا الأذى وهجانا بالشعر ولم يفعل هذا أحد منكم إلا كان للسيف " نص في أنه إنما انتقض عهد ابن الأشرف بالهجاء ونحوه وأن من فعل هذا من المعاهدين فقد استحق السيف وحديث جابر المسند من الطريقين يوافق هذا وعليه العمدة في الاحتجاج.
وأيضا فإنه لما ذهب إلى مكة ورجع إلى المدينة لم يندب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى قتله فلما بلغه عنه الهجاء ندبهم إلى قتله والحكم الحادث يضاف إلى السبب الحادث فعلم أن ذلك الهجاء والأذى الذي كان بعد قفوله من مكة موجب لنقض عهده ولقتاله وإذا كان هذا في المهادن الذي لا يؤدي جزية فما الظن بالذمي الذي يعطي الجزية ويلزم أحكام الملة؟.

فإن قيل: إن ابن الأشرف كان قد أتى بغير السب والهجاء.
فروى الإمام أحمد قال: ثنا محمد بن أبي عدي عن داود عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت قريش: ألا ترى إلى هذا الصنبر المنتبر من قومه يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية قال: أنتم خير قال: فنزلت فيهم {إن شانئك هو الأبتر} قال: وأنزلت فيه: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا} إلى قوله: {نصيرا}.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.80 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.59%)]