عرض مشاركة واحدة
  #193  
قديم 30-09-2022, 05:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,978
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد الخامس
الحلقة( 193)

من صــ 281 الى صـ 290



وإن كان ذلك المشهد قد أدهشه وغيب عقله لقوة سلطانه الوارد وضعف قوة البصيرة أن يجمع بين المشهدين فهذا معذور منقوص إلا من جمع بين المشهدين: الأمر الشرعي ومشهد الأمر الكوني الإرادي وقد زلت في هذا المشهد أقدام كثيرة من السالكين لقلة معرفتهم بما بعث الله به المرسلين وذلك لأنهم عبدوا الله على مرادهم منه ففنوا بمرادهم عن مراد الحق - عز وجل - منهم لأن الحق يغني بمراده ومحبوبه ولو عبدوا الله على مراده مراده منهم لم ينلهم شيء من ذلك لأن العبد إذا شهد عبوديته ولم يكن مستيقظا لأمر سيده لا يغيب بعبادته عن معبوده ولا بمعبوده عن عبادته بل يكون له عينان ينظر بأحدهما إلى المعبود كأنه يراه كما {قال صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك} والأخرى ينظر بها إلى أمر سيده ليوقعه على الأمر الشرعي الذي يحبه مولاه ويرضاه.
فإذا تقرر هذا فالشرك إن كان شركا يكفر به صاحبه.

وهو نوعان: - شرك في الإلهية وشرك في الربوبية. فأما الشرك في الإلهية فهو: أن يجعل لله ندا - أي: مثلا في عبادته أو محبته أو خوفه أو رجائه أو إنابته فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه. قال تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} وهذا هو الذي قاتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركي العرب لأنهم أشركوا في الإلهية قال الله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله} الآية {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} الآية {أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب} وقال تعالى: {ألقيا في جهنم كل كفار عنيد} - إلى قوله - {الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد}.

{وقال النبي صلى الله عليه وسلم لحصين: كم تعبد. قال: ستة في الأرض وواحدا في السماء قال: فمن الذي تعد لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء. قال: ألا تسلم فأعلمك كلمات فأسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم قل: اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي} وأما الربوبية فكانوا مقرين بها قال الله تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله} وقال: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله} إلى قوله: {فأنى تسحرون} وما اعتقد أحد منهم قط أن الأصنام هي التي تنزل الغيث وترزق العالم وتدبره وإنما كان شركهم كما ذكرنا أن اتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله وهذا المعنى يدل على أن من أحب شيئا من دون الله كما يحب الله تعالى فقد أشرك وهذا كقوله: {قالوا وهم فيها يختصمون} {تالله إن كنا لفي ضلال مبين} {إذ نسويكم برب العالمين}. وكذا من خاف أحدا كما يخاف الله أو رجاه كما يرجو الله وما أشبه ذلك.
وأما النوع الثاني: فالشرك في الربوبية فإن الرب سبحانه هو المالك المدبر المعطي المانع الضار النافع الخافض الرافع المعز المذل فمن شهد أن المعطي أو المانع أو الضار أو النافع أو المعز أو المذل غيره فقد أشرك بربوبيته. ولكن إذا أراد التخلص من هذا الشرك فلينظر إلى المعطي الأول مثلا فيشكره على ما أولاه من النعم وينظر إلى من أسدى إليه المعروف فيكافئه عليه لقوله عليه السلام {من أسدى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه} لأن النعم كلها لله تعالى كما قال تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله} وقال تعالى: {كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك} فالله سبحانه هو المعطي على الحقيقة فإنه هو الذي خلق الأرزاق وقدرها وساقها إلى من يشاء من عباده فالمعطي هو الذي أعطاه وحرك قلبه لعطاء غيره. فهو الأول والآخر.
ومما يقوي هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه {واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. رفعت الأقلام وجفت الصحف} قال الترمذي: هذا حديث صحيح. فهذا يدل على أنه لا ينفع في الحقيقة إلا الله ولا يضر غيره وكذا جميع ما ذكرنا في مقتضى الربوبية.

فمن سلك هذا المسلك العظيم استراح من عبودية الخلق ونظره إليهم وأراح الناس من لومه وذمه إياهم وتجرد التوحيد في قلبه فقوي إيمانه وانشرح صدره وتنور قلبه ومن توكل على الله فهو حسبه ولهذا قال الفضيل بن عياض رحمه الله من عرف الناس استراح. يريد - والله أعلم - أنهم لا ينفعون ولا يضرون. وأما الشرك الخفي فهو الذي لا يكاد أحد أن يسلم منه مثل أن يحب مع الله غيره. فإن كانت محبته لله مثل حب النبيين والصالحين والأعمال الصالحة فليست من هذا الباب لأن هذه تدل على حقيقة المحبة لأن حقيقة المحبة أن يحب المحبوب وما أحبه ويكره ما يكرهه ومن صحت محبته امتنعت مخالفته لأن المخالفة إنما تقع لنقص المتابعة ويدل على نقص المحبة قول الله تعالى {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} الآية. فليس الكلام في هذا.

إنما الكلام في محبة تتعلق بالنفوس لغير الله تعالى فهذا لا شك أنه نقص في توحيد المحبة لله وهو دليل على نقص محبة الله تعالى إذ لو كملت محبته لم يحب سواه. ولا يرد علينا الباب الأول لأن ذلك داخل في محبته.
وهذا ميزان لم يجر عليك: كلما قويت محبة العبد لمولاه صغرت عنده المحبوبات وقلت، وكلما ضعفت كثرت محبوباته وانتشرت. وكذا الخوف والرجاء وما أشبه ذلك فإن كمل خوف العبد من ربه لم يخف شيئا سواه قال الله تعالى {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله} وإذا نقص خوفه خاف من المخلوق وعلى قدر نقص الخوف وزيادته يكون الخوف كما ذكرنا في المحبة وكذا الرجاء وغيره. فهذا هو الشرك الخفي الذي لا يكاد أحد أن يسلم منه إلا من عصمه الله تعالى. وقد روي أن الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل. وطريق التخلص من هذه الآفات كلها الإخلاص لله عز وجل قال الله تعالى {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} ولا يحصل الإخلاص إلا بعد الزهد ولا زهد إلا بتقوى والتقوى متابعة الأمر والنهي.
(فصل في ذكر قول المعتزلة في أهل الكبائر، والرد عليهم)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
فلما شاع في الأمة أمر " الخوارج " تكلمت الصحابة فيهم ورووا عن النبي صلى الله عليه وسلم الأحاديث فيهم وبينوا ما في القرآن من الرد عليهم وظهرت بدعتهم في العامة؛
فجاءت بعدهم " المعتزلة " - الذين اعتزلوا الجماعة بعد موت الحسن البصري وهم: عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء الغزال وأتباعهما - فقالوا: أهل الكبائر مخلدون في النار كما قالت الخوارج ولا نسميهم لا مؤمنين ولا كفارا؛ بل فساق ننزلهم منزلة بين منزلتين. وأنكروا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته وأن يخرج من النار بعد أن يدخلها. قالوا: ما الناس إلا رجلان: سعيد لا يعذب أو شقي لا ينعم، والشقي نوعان: كافر وفاسق ولم يوافقوا الخوارج على تسميتهم كفارا. وهؤلاء يرد عليهم بمثل ما ردوا به على الخوارج.

فيقال لهم كما أنهم قسموا الناس إلى مؤمن لا ذنب له وكافر لا حسنة له قسمتم الناس إلى مؤمن لا ذنب له وإلى كافر وفاسق لا حسنة له فلو كانت حسنات هذا كلها محبطة وهو مخلد في النار لاستحق المعاداة المحضة بالقتل والاسترقاق كما يستحقها المرتد؛ فإن هذا قد أظهر دينه بخلاف المنافق. وقد قال تعالى في كتابه: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فجعل ما دون ذلك الشرك معلقا بمشيئته. ولا يجوز أن يحمل هذا على التائب؛ فإن التائب لا فرق في حقه بين الشرك وغيره. كما قال سبحانه في الآية الأخرى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} فهنا عمم وأطلق لأن المراد به التائب وهناك خص وعلق.

وقال تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير} {جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير} {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور} {الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب}.
فقد قسم سبحانه الأمة التي أورثها الكتاب واصطفاها " ثلاثة أصناف ": ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات وهؤلاء الثلاثة ينطبقون على الطبقات الثلاث المذكورة في حديث جبريل: " الإسلام " و " الإيمان " و " الإحسان ". كما سنذكره " إن شاء الله ". ومعلوم أن الظالم لنفسه إن أريد به من اجتنب الكبائر والتائب من جميع الذنوب فذلك مقتصد أو سابق فإنه ليس أحد من بني آدم يخلو عن ذنب؛ لكن من تاب كان مقتصدا أو سابقا؛ كذلك من اجتنب الكبائر كفرت عنه السيئات؛ كما قال تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} فلا بد أن يكون هناك ظالم لنفسه موعود بالجنة ولو بعد عذاب يطهر من الخطايا؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر: أن ما يصيب المؤمن في الدنيا من المصائب مما يجزئ به ويكفر عنه خطاياه كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه} وفي المسند وغيره أنه {لما نزلت هذه الآية: {من يعمل سوءا يجز به} قال أبو بكر: يا رسول الله جاءت قاصمة الظهر وأينا لم يعمل سوءا فقال: يا أبا بكر ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء؟ فذلك مما تجزون به}.
و " أيضا " فقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في أنه يخرج أقوام من النار بعد ما دخلوها وأن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في أقوام دخلوا النار. وهذه الأحاديث حجة على الطائفتين: " الوعيدية " الذين يقولون: من دخلها من أهل التوحيد لم يخرج منها وعلى " المرجئة الواقفة " الذين يقولون: لا ندري هل يدخل من أهل التوحيد النار أحد أم لا كما يقول ذلك طوائف من الشيعة والأشعرية كالقاضي أبي بكر وغيره.
وأما ما يذكر عن " غلاة المرجئة " أنهم قالوا: لن يدخل النار من أهل التوحيد أحد فلا نعرف قائلا مشهورا من المنسوبين إلى العلم يذكر عنه هذا القول. و " أيضا " فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد شهد لشارب الخمر المجلود مرات بأنه يحب الله ورسوله ونهى عن لعنته ومعلوم أن من أحب الله ورسوله أحبه الله ورسوله بقدر ذلك.
وأيضا فإن الذين قذفوا عائشة أم المؤمنين كان فيهم مسطح بن أثاثة وكان من أهل بدر وقد أنزل الله فيه لما حلف أبو بكر أن لا يصله: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم}. وإن قيل: إن مسطحا وأمثاله تابوا لكن الله لم يشرط في الأمر بالعفو عنهم والصفح والإحسان إليهم التوبة. وكذلك {حاطب بن أبي بلتعة كاتب المشركين بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم فلما أراد عمر قتله قال النبي صلى الله عليه وسلم إنه قد شهد بدرا وما يدريك أن الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم؟}.
وكذلك ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال: {لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة} وهذه النصوص تقتضي: أن السيئات مغفورة بتلك الحسنات ولم يشترط مع ذلك توبة؛ وإلا فلا اختصاص لأولئك بهذا؛ والحديث يقتضي المغفرة بذلك العمل. وإذا قيل: إن هذا لأن أحدا من أولئك لم يكن له إلا صغائر لم يكن ذلك من خصائصه أيضا. وأن هذا يستلزم تجويز الكبيرة من هؤلاء المغفور لهم و " أيضا " قد دلت نصوص الكتاب والسنة: على أن عقوبة الذنوب تزول عن العبد بنحو عشرة أسباب. " أحدها " التوبة وهذا متفق عليه بين المسلمين قال تعالى:إلا الله ثقلت بتلك السيئات؛ لما قالها بنوع من الصدق والإخلاص الذي يمحو السيئات وكما غفر للبغي بسقي الكلب لما حصل في قلبها إذ ذاك من الإيمان وأمثال ذلك كثير.

" السبب الثالث ": الحسنات الماحية كما قال تعالى: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} وقال صلى الله عليه وسلم {الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر} وقال: {من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه} وقال:
{من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه} وقال {من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه} وقال: {فتنة الرجل في أهله وماله وولده تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر}. وقال: {من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار حتى فرجه بفرجه} وهذه الأحاديث وأمثالها في الصحاح. وقال: {الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار والحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب}. وسؤالهم على هذا الوجه أن يقولوا الحسنات إنما تكفر الصغائر فقط فأما الكبائر فلا تغفر إلا بالتوبة كما قد جاء في بعض الأحاديث: " ما اجتنبت الكبائر " فيجاب عن هذا بوجوه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.87 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.59%)]