عرض مشاركة واحدة
  #47  
قديم 08-03-2024, 08:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمة ضالة المؤمن (50) هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!



هذه الآية الكريمة من القواعد القرآنية، ومن الحكم الربانية، التي ترغب المؤمن فيما عند ربه، وتبين جزيل كرم الله تعالى، وواسع رحمته، وتحث العبد على بذل وسعه لنيل فضله، والاستكثار من بره وإحسانه.
قال الطبري في تفسيرها: «يقول تَعَالَى ذِكرُهُ: هَلْ ثَوَاب خَوْف مَقَام اللَّه تعالى لِمَنْ خَافهُ فَأَحْسَنَ فِي الدُّنْيَا عَمَلَهُ، وَأَطَاعَ رَبَّهُ، إِلا أَنْ يُحْسِن إِلَيْهِ فِي الْآخِرَة رَبُّهُ، بِأَنْ يُجَازِيَهُ عَلَى إِحْسَانه ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا».
ونقل عَنْ قَتَادَة أنه قَال: «عَمِلُوا خَيْرًا فَجُوزُوا خَيْرًا»، وعن مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر أنه قَال في تفسيرها: «هَلْ جَزَاء مَنْ أَنْعَمْت عَلَيْهِ بِالإسْلامِ إِلا الْجَنَّة».
وقَالَ ابْن زَيْد فِي بيان مناسبة الآية لما قبلها: «أَلا تَرَاهُ ذَكَرَهُمْ وَمَنَازِلَهُمْ وَأَزْوَاجَهُمْ، وَالْأَنْهَارَ الَّتِي أَعَدَّهَا لَهُمْ، وَقَالَ:{هَلْ جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان} حِين أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَحْسَنَّا إِلَيْهِمْ فأَدْخَلْنَاهُمُ الْجَنَّةَ».
قال ابن كثير موضحا هذه القاعدة الربانية: «أَي: لِمَنْ أَحْسَنَ الْعَمَل فِي الدُّنْيَا إِلَّا الْإِحْسَان إِلَيْهِ فِي الْآخِرَة كَمَا قَالَ تَعَالَى {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَة}».
ومن الآيات الدالة على هذا الفضل الكبير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا}، قال ابن كثير: «لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى حَال الأشْقِيَاء ثنَى بِذِكْرِ السُّعَدَاء الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ فِيمَا جَاؤوا بِهِ، وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ، مِنْ الْأَعْمَال الصَّالِحَة فَلَهُمْ جَنَّات عَدْن».
وقال الطبري: «يَقُول تَعَالَى ذِكْره: إِنَّ الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله، وَعَمِلُوا بِطَاعَةِ اللَّه، وَانْتَهَوْا إِلَى أَمْره وَنَهْيه، إِنَّا لَا نُضِيع ثَوَاب مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا، فَأَطَاعَ اللَّه، وَاتَّبَعَ أَمْره وَنَهْيه، بَلْ نُجَازِيه بِطَاعَتِهِ وَعَمَله الْحَسَن جَنَّات عَدْن تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار».
وقال سبحانه وتعالى: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}، قال الطبري: «يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ:{وَأَحْسِنُوا}أَحْسِنُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي أَدَاء مَا أَلْزَمتكم مِنْ فَرَائِضِي، وَتَجَنُّب مَا أَمَرْتكمْ بِتَجَنُّبِهِ مِنْ مَعَاصِيَّ، وَمِنْ الإنْفَاق فِي سَبِيلِي، وَعَوْد الْقَوِيّ مِنْكُمْ عَلَى الضَّعِيف ذِي الْخُلَّة، فَإِنِّي أُحِبّ الْمُحْسِنِينَ فِي ذَلِكَ».
ولابد من فهم حقيقة الإحسان وأنواعه ليعرف المسلم مجالاته التي يسعى فيها ليكون من المحسنين الذين يحبهم الله تعالى ويثيبهم على إحسانهم.
وقد وضح الراغب الأصفهاني نوعي الإحسان بقوله: والإحسان يقال على وجهين:
أحدهما: الإنعام على الآخر، يقال: أحسن إلى فلان.
والثاني: إحسان في فعله، وذلك إذا علم علما حسنا، أو عمل عملا حسنا، ومنه قوله تعالى: {الذي أحسن كل شيء خلقه}.
وقال الشيخ ابن سعدي: «الإحسان نوعان: إحسان في عبادة الخالق، بأن يعبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، وهو الجد في القيام بحقوق الله على وجه النصح والتكميل لها، وإحسان في حقوق الخلق».
قال: «واعلم أن الإحسان المأمور به نوعان:أحدهما: واجب، وهو الإنصاف، والقيام بما يجب عليك للخلق بحسب ما توجه عليك من الحقوق».
والثاني: إحسان مستحب، وهو ما زاد على ذلك من بذل نفع بدني، أو مالي، أو توجيه لخير ديني، أو مصلحة دنيوية، فكل معروف صدقة، وكل ما أدخل السرور على الخلق صدقة وإحسان، وكل ما أزال عنهم ما يكرهون، ودفع عنهم ما لا يرتضون من قليل أو كثير، فهو صدقة وإحسان.
فالإحسان: هو بذل جميع المنافع من أي نوع كان، لأي مخلوق يكون، ولكنه يتفاوت بتفاوت المحسن إليهم، وحقهم ومقامهم، وبحسب الإحسان، وعظم موقعه، وعظيم نفعه، وبحسب إيمان المحسن وإخلاصه، والسبب الداعي له إلى ذلك.
ومن أجلّ أنواع الإحسان: الإحسان إلى من أساء إليك بقول أو فعل، قال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}.
ومن كانت طريقته الإحسان أحسن الله جزاءه {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}.
وقد وعد الله تعالى عباده المحسنين بالثواب الجزيل فقال سبحانه: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} وَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِ أَحَادِيث كَثِيرَة عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تبين أن الحسنى في الآية هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الرب تبارك وتعالى، منها ما أخرجه مسلم عَنْ صُهَيْب أَنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم تَلا هَذِهِ الْآيَة: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَة} وَقَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة وَأَهْل النَّار النَّار، نَادَى مُنَادٍ: يَأَهْل الْجَنَّة إِنَّ لَكُمْ عِنْد اللَّه مَوْعِدًا يُرِيد أَنْ يُنْجِزكُمُوهُ، فَيَقُولُونَ: وَمَا هُوَ أَلَمْ يُثْقِّل مَوَازِيننَا؟ أَلَمْ يُبَيِّض وُجُوهنَا وَيُدْخِلنَا الْجَنَّة وَيُجِرْنَا مِنْ النَّار؟ قَالَ: فَيَكْشِف لَهُمْ الْحِجَاب فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَوَاَللَّهِ مَا أَعْطَاهُمْ اللَّه شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَر إِلَيْهِ وَلا أَقَرَّ لأعْيُنِهِمْ».
وأخبر سبحانه أنه لا يضيع أجر المحسنين فقال تعالى: {إنا لا نضيع أجر المحسنين}، قال الطبري: «يَقُول: إِنَّ اللَّه لا يَدَع مُحْسِنًا مِنْ خَلْقه أَحْسَنَ فِي عَمَله فَأَطَاعَهُ فِيمَا أَمَرَهُ وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ، أَنْ يُجَازِيه عَلَى إِحْسَانه وَيثيبهُ عَلَى صَالِح عَمَله».
وثواب الإحسان في الآخرة ما يشتهيه المحسنون، قال تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} قال الطبري: «يَقُول تَعَالَى ذِكْره: لَهُمْ عِنْد رَبّهمْ يَوْم الْقِيَامَة، مَا تَشْتَهِيه أَنْفُسهمْ، وَتَلَذّهُ أَعْيُنهمْ {ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ}، يَقُول تَعَالَى ذِكْره: هَذَا الَّذِي لَهُمْ عِنْد رَبّهمْ، جَزَاء مَنْ أَحْسَنَ فِي الدُّنْيَا فَأَطَاعَ اللَّه فِيهَا، وَائْتَمَرَ لِأَمْرِهِ، وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ فِيهَا عَنْهُ».
ومن أعظم ثواب الإحسان أن الله تعالى يكون مع المحسنين كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّه مَعَ الَّذِينَ اِتَّقَوْا وَاَلَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} قال ابن كثير: «أَي: مَعَهُمْ بِتَأْيِيدِهِ وَنَصْره وَمَعُونَته وَهَدْيه وَسَعْيه، وَهَذِهِ مَعِيَّة خَاصَّة كَقَوْلِهِ: {إِذ يُوحِي رَبّك إِلَى الْمَلَائِكَة أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} وَقَوْله لِمُوسَى وَهَارُون: {لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَع وَأَرىَ}.
وختاما، فالمسلم حين يقرأ قوله تعالى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} لا يزيده ذلك إلا همة وعزيمة على بلوغ تلك الدرجة لينال ذلك الفضل، مستعينا بالله تعالى مخلصا له، وبالله التوفيق.


اعداد: د.وليد خالد الربيع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.18 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.02%)]