عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 20-04-2020, 04:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السنن الربانية في الاقتصاد

السنن الربانية في الاقتصاد (4)




الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل


الربا سبب المحق


الحمد لله العليم الحكيم، خلق فأتقن خلقه؛ {صُنْعَ الله الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88]، وشرع فأحكم شرعه؛ {أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50].

نحمده على ما خلقنا وكفانا، ونشكُره على ما هدانا واجتبانا؛ {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198].

وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحْده لا شريك له، السَّعيد مَن أطاعَه فتمسَّك بدينِه، ولزِم شريعتَه، والشقيُّ مَن أعرض عنها، وحارب أهلَها؛ {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: 23].

وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، لا خيرَ إلاَّ دلَّ الأمَّة عليه، ولا شرَّ إلاَّ حذَّرها منه، تركَنا على بيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنْها إلاَّ هالك، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليْه وعلى آله وأصحابِه وأتباعِه إلى يوم الدين.

أمَّا بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، والزموا دينه، وتمسَّكوا بشريعته، واحذروا الهوى؛ فإنَّه يصد عن الحق؛ {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ الله إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50].

أيُّها الناس:
حين أنزل الله تعالى شرائعه على البشر، فإنَّه - سبحانه - جعلها مُصلِحة لأحوالِهم في الحال والمآل، ولا تقتصِر على صلاح المآل دون الحال كما يظنُّ كثير من النَّاس، فينتهِكون حرمة الشَّريعة؛ إيثارًا للعاجلة على الآجِلة، وذلك من جهلِهِم وضعْفِ إيمانِهم، والإنسان خُلِق من عجل.

وكلُّ معارضة لدين الله - تعالى - ففيها نوع معارضة لسُنَنِه - عزَّ وجلَّ - الكونيَّة، ولا بدَّ أن تعود بالفساد العاجل مع ما ادّخر لأصحابها من الوعيد الآجِل، ولو بدا لأصحابِها أنَّ في معارضتها صلاحًا عاجلاً، ونفعًا حاضرًا.

إنَّ من منافع الشَّرائع الربَّانيَّة أنَّها تدلُّ العباد على سنن الله - تعالى - في الكون؛ ليوافِقوها ولا يعارضوها، فيستقيم لهم العيش في الحال، مع ما وعدوا به من الفوْز في المآل، وهذه السُّنن العظيمة مبثوثة في الكتاب والسنَّة، وهي ثابتة في الأفْراد والأمم، لا تختلف باختِلاف الزَّمان والمكان، ولا تكون لأحد دون أحد؛ {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} [الإسراء: 77]، وفي آية أخرى: {سُنَّةَ الله فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 62].

ومن سنن الله - تعالى - الشَّرعيَّة الَّتي أجْمعت عليْها كلُّ الشَّرائع الربَّانيَّة: تحريم الرِّبا، وتشْديد الوعيد فيه؛ حتى لُعن في لسان الشرع آكلُه وموكلُه وكاتبُه وشاهداه، وأُعلنت الحرْب على المرابين، وعدَّته الشَّريعة من السَّبع الموبقات التي تُهلك أصحابَها، ويُعذب أكلته في البرْزخ في نهر أحْمر مثل الدم، يُلقمون حجارة في أفواهِهم لينقلوها من جانبٍ إلى آخر، ويُبعثون يوم القيامة يتخبَّطون كالَّذي يتخبَّطه الشَّيطان من المس، والعلماء مُجْمِعون على أنَّ الربا في شريعة الله تعالى كبيرةٌ من كبائر الذنوب؛ لما رتب عليه من الوعيد الشديد.

والسنَّة الشرعيَّة حينما جاءت بتحريم الربا، فهي توافق السنة الكونيَّة التي قضاها الله - تعالى - في الرِّبا وأرباحِه وأهلِه، بالمحق ونزْع البركات وحلول العقوبات؛ فإنَّ الله - تعالى - قد قضى قضاء كونيًّا بأنَّ الرِّبا ممحوق، وهذه السنَّة الربَّانيَّة جاءت في الكتاب والسنَّة: {يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا} [البقرة: 276]، وعَن ابن مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -: أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((الرِّبَا وإنْ كَثُرَ فإنَّ عَاقِبَتَه تَصِيرُ إلى قُلٍّ))؛ رواه أحمد وصحَّحه الحاكم.

وصُور المحْق في الرِّبا كثيرة، وتعمُّ الدنيا والآخرة؛ لأنَّ الإخبار عن المحْق جاء عامًّا؛ ليكون محْقًا عاجلاً في الدنيا، ومحقًا آجلاً في الآخرة، ومن مظاهر محْقِه: عدم بركة المال؛ لأنَّه ملوّث بسبب المحق وهو الربا، وصاحبه ينفقه فيما لا يعود عليه بالنَّفع بل فيما يضرُّه؛ ليقينه أنَّه كسب خبيث فيجعله في خبيثٍ أيضًا، فيكتسب به إثْمين: إثمًا في الاكتِساب وإثمًا في الإنفاق؛ ذلك أنَّ كسْب المال في حرام لا يُجيز إنفاقَه في الحرام كما يظنُّ كثيرٌ ممَّن يتخوَّضون في الحرام.

ومَن أبصر مشاريع كبار المرابين من المسلمين يَجد أنَّها فيما تضرُّ النَّاس ولا تنفعهم، كما ضرَّ مال الرِّبا صاحبه ولم ينفعه، ومن نظر إلى حال ملاَّك القنوات الفضائيَّة التي هي منبع الفساد، ومرتع الآثام، يجِد أنَّهم من أكلة الرِّبا ومن المتاجرين به، لينفقوه في إفساد الناس بقنواتهم، فتتضاعف آثامهم، وتعْظم أوزارهم، نسأل الله تعالى السَّلامة من شرِّهم وحالهم.

ومِنْ محْق الربا أنَّ أكثر المرابين لا يُسخِّرون أموالهم في طاعة الله تعالى، ومساعدة المحتاجين؛ لعلمهم أنَّها أموال سُحْت محرَّمة، فكيف يتقرَّبون بها إلى الله تعالى؟! وهذا من أعظم المحْق حين لا ينتفع صاحب المال بماله فيما يقرِّبه إلى الله تعالى، فإنْ تصدَّق بشيء منه، أو أنفقه في وجوه البر، أو أدَّى به حجًّا أو عمرة - كان حريًّا بالرَّدِّ وعدم القبول؛ لأنَّ الله - تعالى - طيب لا يقبل إلا طيِّبًا.

وأكلة الرِّبا قدِ استغلُّوا حاجة النَّاس إلى القروض، فأكلوا أموالَهم بالباطل، واستَعْبدوهم بقروضِهم، وقهروهم على أموالِهم، وراكموا دُيُونَهم، وهؤلاء المظْلومون المقْهورون يُبْغِضون منِ استغلُّوا حاجتهم من كبار المرابين، ويلْعنونَهم ولا ينفكُّون عن الدُّعاء عليْهِم، ممَّا يكون سببًا في زوال الخيْر والبركة عن أهل الرِّبا في أنفسهم وأهلِهم وأموالهم، وهذا من أعظم المحْق؛ فإن دعوة المظلوم مجابة، ومن أعظم الظلم أكْل أموال النَّاس بالربا.

وإذا جمع المرابون أموالاً عظيمة توجَّهت إليها أطْماع الظَّلمة الغاصبين، ويشجِّعهم على ذلك أنَّهم يروْن عدم أحقيَّتهم بها، فيسوغون لأنفسهم أخْذَها منهم أو مشاركتَهم فيها بالقوَّة، وهذا واقع مشاهد من تسلُّط الظَّلمة بعضهم على بعض، والله - تعالى - يقول: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام: 129].

ومن المحْق بسببِ الرِّبا: ما تُطبع عليْه النفوس من الجشَع والطَّمع والأثرة، وكلُّها أخلاق رديئة تُهلك أصحابَها، فتضمحلُّ مظاهِر الرَّحمة والرَّأفة والقناعة في الأُمَم التي تتعامل بالربا؛ ذلك أنَّ المحْق يلحق القلوب التي تعلَّقت بكسب الرِّبا، كما يلحق الأمْوال الَّتي داخلها كسبه الخبيث.

وانعِدام القناعة من القلوب، وضعْف التَّراحُم بين النَّاس لا تُخطئه العين في عصْرِنا هذا حين سادت قيم الرَّأسماليين، وانتشرتْ ثقافة الرِّبا في الأرض، واستحْوذت على مؤسَّسات الأموال والأعمال في العالم، فعمَّ المحْق أرجاء الأرض، ودمَّر الأفراد والدول والأمم؛ فالأفراد في عصر الربا يشتكون من نزْع البركة من أموالهم رغْم كثْرة مواردهم وتعدُّد سبل كسبهم، ويكدحون ولا يَجني كثيرٌ منهم نتائج توازي كدحهم وتعبهم.

والمحْق الرِّبوي قد ضرب في زمَنِنا هذا الدُّول والأمم؛ فمع اختراع الآلة، واستِغْلال ثروات الأرض، وتنوُّع الصناعات، وتعدُّد الزراعات التي أصبح الإنسان المعاصر ينتج في يومٍ ما لَم يستطع إنتاجه من قبل في سنوات، رغْم ذلك كله فإنَّ أكثر سكَّان الأرض يعيشون فقرًا، ولا يجدون كفافًا، وفي كلِّ يوم يموت منهم آلاف من الجوع والمرض، فأين هي المنتجات الزراعيَّة والصناعيَّة؟! لِمَ لَمْ تسدَّ حاجة الملايين من الفقراء والجياع، وهي تبلغ الملْيارات من الأطنان، فما كانت إذًا قلَّة إنتاج، ولكنَّها قلَّة بركة فيما ينتجون ويزرعون ويصنعون!

ومن المحْق العظيم في هذا العصر أنَّ الإنسان أضحى مستعبدًا للمادَّة، وصار ضحيَّة من ضحايا تطوُّر الآلة؛ إذ تَحوَّلت المادَّة من كونِها وسيلة لراحةِ الإنسان وهنائِه وطيب عيشِه إلى غاية ينصَبُ في تحصيلها، ثم يشْقى بِحِفْظها، ويخشى فواتَها.

إنَّ الإنسان في العصر الرَّأسمالي الَّذي أساسه الرِّبا يريد الحصول على الأموال وتنميتها ليستغني بها، فإذا حصل عليْها واستغنى بها، سيْطر عليه هاجس حفظها، وخافَ نقْصها وزوالها، فيظلُّ شقيًّا في تحصيلها، شقيًّا في الحفاظ عليْها وتنْمِيتها؛ ذلك أنَّ المَحْق أصاب القلوبَ الَّتي رضيت الرِّبا كما أصاب الأموال التي نَمَتْ بالرِّبا، وهل يجِد لذَّة الحياة من نُعِّم جسدُه، وعُذِّب قلبه؟! وأيُّ عذاب أعظم من عذاب القلْب؟! وكم من أنفس هلكت، وعقول طاشت، ودول أفلست، وشعوب أُفقرت، وأُسَرٍ ضاعت بسبب قوارع الأسواق الماليَّة، والبورصات العالميَّة التي شيدت على الربا؟! ولم يكن في مأمنٍ من ذلك كبار الأثرياء في الأرض الذين ملكوا الجزر، وأثَّروا في سياسات الدُّول، واحتكروا التجارة، وسيطروا على البنوك والبورصات، وظنُّوا - كما ظنَّ النَّاس معهم - أنَّ الفقر لا يعرف لهم طريقًا، ولا يسكن لهم بيتًا، وما هي إلاَّ ضربة من ضربات سوق الأعمال، ومغامرة في بورصات الربا والقمار، وقعوا بها على أمِّ رؤوسهم فأفلسوا، وحلَّت لهم الزَّكاة من شدَّة فقرهم وعوزهم.

إنَّه محق عامٌّ أصاب الأفراد والدول والأمم، لا يكاد أحد يسلم منه، وسِرُّ هذا المحق في قول الله تعالى: {يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 276].

خلَّص الله - تعالى - بلادَنا وبلادَ المسلمين من الرِّبا والمرابين، وأغْنانا والمسلِمين بِحلالِه عن حرامِه، وبطاعته عن معصيته، وبفضله عمَّن سواه، إنَّه سميع قريب.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا طيِّبًا كثيرًا مباركًا فيه، كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحْده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أمَّا بعد:
فاتَّقوا الله - تعالى – وأطيعوه؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ الله وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 278 - 281].

أيُّها المسلمون:
يُجمع الاقتصاديون على أنَّ الربا هو أهمُّ سبب للأزمة الرَّأسمالية العالمية التي تهاوت فيها الشَّركات العملاقة - ولا زالت تتهاوَى - حتَّى سعت بعض الدول الكبرى إلى تأميم بعض الشَّركات في سابقة اشتراكيَّة رضخ لها الرَّأسماليون رغم أنوفِهم، وحتَّى ظهرتْ أصوات غربيَّة تدعو إلى اعتِماد النظام المصرفي الإسلامي القائم على المضاربة المشروعة.

ومنذ عقدين تطرَّق الاقتِصادي الفرنسي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد "موريس آلي" إلى الأزمة الهيكليَّة التي يشهدها الاقتصاد العالمي بقيادة "الليبراليَّة المتوحشة"، معتبرًا أنَّ الوضع على حافة بركان، ومهدِّدًا بالانْهِيار تحت وطأة الأزْمة المضاعفة، واقترح حلَّين للخروج من الأزْمة وإعادة التوازن، هما: تعْديل معدَّل الفائدة إلى حدود الصِّفْر، ومراجعة معدَّل الضَّريبة إلى ما يقارب 2%، وهو ما يتطابق تمامًا مع إلغاء الربا، ويقارب نسبة الزكاة في النظام الإسلامي.

ولكن لم يُؤْخَذْ بقوله ولا بقول العشَرات من الاقتصاديين؛ استكبارًا في الأرض، وعلوًّا على الشرائع الربَّانيَّة، وحربًا لله - تعالى - بالرِّبا، أعلنها الليبراليون الرَّأسماليُّون في الأرض، فكانت الانْهِيارات الماليَّة نتيجة للاستِكْبار والعلو في الأرْض.

وفي خضم هذه الانهِيارات العالمية المريعة، وبعد اقتِناع العالم الغربي أنَّ الرِّبا لم يَجُرَّ عليْهِم إلاَّ المحق والوبال، تعلن هيئة السوق الماليَّة إنشاء سوق مالية لتداول الصكوك والسندات التي هي وسيلة من وسائل التَّمويل الربوي، وكانت هذه الصكوك من قبل محصورة في أكلة الربا؛ لتطرح الآن للنَّاس كلّهم في تداولها، مع إجْماع المجامع الفقهية وعلماء الإسلام المعتبرين أنَّ ذلك من الربا، وأن هذه الصكوك والسندات يجتمع فيها نوعا الرِّبا: ربا الفضل في وجود الزيادة للمقرض، وربا النسيئة في عدم التقابُض؛ لأنَّ الدَّين يُحوَّل إلى سندات تباع وتشترى، وفي هذا القرار الخاطئ تعميمٌ للربا، وغمسٌ للنَّاس فيه، ومحاربةٌ لله تعالى به، وتحويلُ أسواق المال إلى ما يشبه صالات القمار على غِرار البورصات العالمية التي عمادها التمويل الربوي.

وهنا لا بدَّ من استحضار أنَّ بيع الديون والرهون هو أهمُّ سبب للأزمة المالية العالمية الحالية، التي تهاوى بسببها الاقتِصاد العالمي، وانْهارت أكبر البنوك والشركات في الدول الصناعية، فكيف يستجلب القائمون على السوق الماليَّة أسباب هذه الأزْمة لينشروها في المسلمين، مع ما يرونه من آثارها في البنوك والشَّركات العملاقة التي انهارت، ولا تزال تنهار في بلاد الغرب؟! وهل هذا من النصح للمسلمين أو هو من غشِّهم؟!

وقد جاء في حديث مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ المُزنِيِّ - رضي الله عنه - قال: إني سمعت رَسُولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: ((ما من عَبْدٍ يَسْتَرْعِيه الله رَعِيَّةً يَمُوتُ يوم يَمُوتُ وهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِه إلا حَرَّمَ الله عليه الجَنَّة))؛ رواه مسلم.

مع ما في إعْلان ذلك من إعلان للرِّبا، والرِّضا به، والدِّعاية له، وهذا من مُحاربة الله تعالى، واستِجْلاب عقوباته، فالله - تعالى - يقول لأهل الربا: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ الله وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279].

وجاء في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - عَنِ النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((ما ظَهَرَ في قَوْمٍ الرِّبَا والزِّنَا إلا أحَلُّوا بِأنْفُسِهِمْ عِقابَ الله - عزَّ وجلَّ))؛ رواه أحمد.

نعوذ بالله - تعالى - من زوال نعمته، وتحوُّل عافيته، وفُجَاءةِ نِقْمته، وجميع سخطه، ونسأله الهداية لنا وللمسلمين أجمعين.

وصلُّوا وسلموا...



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.18 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.34%)]