عرض مشاركة واحدة
  #23  
قديم 28-05-2019, 07:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,643
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مع الصائمين***يوميا فى رمضان




أحكام وآداب الصّيام
الاعتكاف: مشروعيّته وأنواعه
عبد الحليم توميات
(23)



الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فإنّ من المسائل الّتي لا بدّ من تسليط الضّوء عليها، ولها علاقة وطيدة بشهر الصّيام، لا سيّما العشر الأواخر منه: الاعتكاف.

وإنّنا سوف نتناول هذه المسألة إن شاء الله تعالى في ثمانية مباحث:
التّعريف به - مشروعيّته - والحكمة منه - بيان أنواعه - شروطه - مدّته - مبطلاته - ما يُباح للمعتكف فعلُه

المبحث الأوّل:التّعريف بالاعتكاف.
لغة: الاعتكاف هو لزوم الشّيء وحبسُ النّفس عليه، خيرا كان أو شرّا، ومنه قوله تعالى:{وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّه}، قال قتادة رحمه الله: أي محبوساً.

وقال عزّ وجلّ:{وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد}، أي مقيمون، ومنه قوله تعالى:{مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ}،أي: ملازمون لها مقيمون عليها، وقال سبحانه:{وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً}، أي: مقيماً عليه ملازما له.


والتاء في الاعتكاف تفيد ضرباً من المعالجة والمزاولة، لأن فيه كلفةً، كما يقال: عمل واعتمل، وقطع واقتطع.
شرعا: هو لزوم المسجد والإقامة فيه بنيّة التقرّب إلى الله عزّ وجلّ.
والفرق بينه وبين الرّباط أنّ الرّباط بنيّة انتظار الصّلاة، أمّا الاعتكاف فهو أعمّ من ذلك.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:" ولمّا كان المرء لا يلزم ويواظب إلاّ من يحبّه ويعظّمه، كما كان المشركون يعكفون على أصنامهم وتماثيلهم، ويعكف أهل الشّهوات على شهواتهم،
شرع الله لأهل الإيمان أن يعكفوا على ربّهم سبحانه وتعالى. وأخصّ البقاع بذكر اسمه سبحانه والعبادة له بيوته المبنية لذلك، فلذلك كان الاعتكاف لزوم المسجد لطاعة الله ".
ويُسمّى الاعتكاف جِوَاراً؛ لما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت:"كَانَ رَسُولُ
اللهِ صلّى الله عليه وسلّميُصْغِي إِلَيَّ رَأْسَهُوَهُوَمُجَاوِرٌ فِي المَسْجِدِ،فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ".
وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: ((إِنِّي كُنْتُ أُجَاوِرُ هَذِهِ العَشْرَ،ثُمَّ بَدَالِي أَنْ أُجَاوِرَ العَشْرَ الأَوَاخِرَ)).
وروى عبد الرزاق في "المصنّف" والبيهقي في "الكبرى" عن ابن عبّاس وابن عمر رضي الله عنهما قالا:"لاَ جِوَارَ إِلاَّ بِصَوْمٍ".
وكره العلماء تسميته خلوة، قال ابن هبيرة - كما في " مطالب أولي النّهى " (2/228)-:"
وهذا الاعتكاف المشروع لا يحلّ أن يسمّى خلوة ". قال: وكأنّه نظر إلى قول بعضهم:
إذا خلوت الدّهر يوماً فلا تقل***خلوت ولكن قلي علي رقيب
قال ابن مفلح رحمه الله في "الفروع" ( 3/147):" ولعلّ الكراهة أولى ".


المبحث الثّاني:مشروعيّته:
أجمع العلماء على مشروعيّة الاعتكاف؛ لقوله تعالى:{وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد}، ولفعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

والاعتكاف من الشرائع القديمة، كما قال تعالى:{وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ}، وقال تعالى عنمريم:{فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً}.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:" ولأنّ مريم عليها السلام قد أخبر الله سبحانه أنّها جعلت
محرّرة له، وكانت مقيمة في المسجد الأقصى في المحراب، وأنّها انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً، فاتخذت من دونهم حجاباً،وهذا اعتكاف في المسجد واحتجاب فيه"اهـ.
وروى البخاري عن ابن عمرَ رضي الله عنه: أنّ عُمَرَ رضي الله عنهنَذَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَعْتَكِفَ
فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَيْلَةً، قَالَ لَهُ رَسُولُاللهِ صلّى الله عليه وسلّم: ((أَوْفِ بِنَذْرِكَ)).
المبحث الثّالث:الحكمة من تشريع الاعتكاف.
فإنّ الاعتكاف - وإن كان قربةً - لم يرد في فضله حديث صحيح، قال أبو داود رحمه الله:
قلت لأحمد رحمه الله: تعرف في فضلالاعتكاف شيئا ؟ قال: لا، إلاّ شيئا ضعيفا.
ومن الأحاديث الّتي لا تصحّ في الباب:" من اعتكف ليلة كان له كأجر عمرة، ومن اعتكف ليلتين كان له كأجر عمرتين ".

ويظهر لنا فضل الاعتكاف من خلال معرفة حِكْمة مشروعيّته، فقد قال ابن القيّم رحمه الله في " زاد المعاد "(2/82):


" لمّا كان صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله تعالى متوقّفا على جمعيّته
على الله، ولَمِّ شعثه بإقباله بالكلّية على الله تعالى، فإنّ شعث القلب لا يلمّه إلاّ الإقبال على الله تعالى.
ولمّا كان فضول الطعام والشّراب، وفضول مخالطة الأنام، وفضول الكلام، وفضول المنام،
مماّ يزيده شعثا، ويشتّته في كلّ واد، ويقطعه عن سَيْرِه إلى الله تعالى، أو يُضْعِفُه أو يَعُوقُه ويُوقِفُه، اقتضت رحمة العزيز الرّحيم بعبادهأن شرع لهم من الصوم ما يذهب فضول الطعام والشّراب، ويستفرغ من القلب أخلاط الشّهوات المعوّقة له عن سيره إلى اللهتعالى، وشرعه بقدر المصلحة بحيث ينتفع به العبد في دنياهوأخراه، ولا يضرّه ولا يقطعه عن مصالحه العاجلة والآجلة.
وشرع لهمالاعتكافالّذي مقصوده وروحه عكوف القلب على اللهتعالى،وجمعيّته عليه
والخلوة به والانقطاع عن الاشتغال بالخلقوالاشتغال به وحدهسبحانه،بحيث يصير ذكره وحبه والإقبال بدلها، ويصير الهمّ كلّه به، والخطرات كلّها بذكره، والتفكّر في تحصيلمراضيه وما يُقرِّب منه،فيصير أُنْسُه بالله بدلا عن أنسه بالخلق، فيُعِدّه بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له، ولا مايفرح به سواه،فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم"اهـ.
المبحث الرّابع:في ذكر أنواعه:

الاعتكاف نوعان: مستحبّ، وواجب.
أ)فالاعتكاف المستحبّ: ما تطوّع به المسلم تقرّبا إلى الله، وطلبا لثوابه، واقتداء بالرّسول صلوات الله وسلامه عليه، وذلك في جميع أيّام السّنة.



روى البخاري ومسلم أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ((اِعْتَكَفَ آخِرَ العَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ)).
- ويتأكّد استحبابُه في شهر رمضان؛ لما رواه البخاري عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال:"كَانَ النَّبِيُّصلّى الله عليه وسلّميَعْتَكِفُ فِي كُلِّرَمَضَانٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ،فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي
قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا".
- وأحسنه وأفضله في العشر الأواخر من رمضان، لما رواه البخاري ومسلم عن عبدِ اللهِ بنِ عمَرَ رضي الله عنه قال:كَانَ رَسُولُ اللهِصلّى الله عليه وسلّميَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ
رَمَضَانَ. قَالَ نَافِعٌ: وقدْ أَرَانِي عبدُ اللهِ رضي الله عنه المكانَ الّذي كان يعتكفُ فيه رسولُالله صلّى الله عليه وسلّم من المسجدِ.
وروى البخاري ومسلم أيضا عن عائشةَ رضي الله عنهاأنّ النّبيَّصلّى الله عليه وسلّمكانَ
يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّىتَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ.
وروى البخاري ومسلم أيضا عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال:اعْتَكَفَ رسولُ اللهِصلّى الله عليه وسلّمعَشْرَ الْأُوَلِ مِنْرَمَضَانَ، وَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ،فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ:إِنَّ الَّذِي
تَطْلُبُ أَمَامَكَ،فَاعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ فَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ،فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ:إِنَّ الَّذِيتَطْلُبُ أَمَامَكَ.
ب) والاعتكاف الواجب:ما أوجبه المرء على نفسه:

إمّا بالنّذر المطلق، مثل أن يقول: لله عَلَيّ أن أعتكف كذا يوما.
أو بالنّذر المعلّق كقوله: إن شفا الله مريضي لاعتكفنّ كذا يوما.

وفي صحيح البخاري أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ))، ومنه حديث عمر رضي الله عنه السّابقونذره في الجاهليّة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.74 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.91%)]