عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12-12-2019, 05:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي حِكم وأحكام في الشتاء

حِكم وأحكام في الشتاء




الشيخ مشاري بن عيسى المبلع





الحمد لله أهل الحمد والثناء، المتفرد برداء الكبرياء، المتوحد بصفات المجد والعلاء.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أيَّد عباده الأولياء بقوة الصبر على السراء والضراء، والشكر على البلاء والنعماء، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله سيد الأنبياء. صلى الله وسلم عليه، وعلى أصحابه سادة الأصفياء، وآله البررة الأتقياء، صلاة وسلاما لا انقطاع فيهما ولا انقضاء، ولا تصرم ولا فناء.

أما بعد:
فاتقوا الله حق تقواه، واعتصموا بحبله ففيه النجاة. كتب الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وصية يوصي بها رعيته، وهو يرأف بهم من كل ما يهمهم فقال: إن الشتاء قد حضر وهو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف، والخفاف، والجوارب، واتخذوا الصوف شعاراً، ودثاراً، فإن البرد عدو سريع دخوله، بعيد خروجه.

وكتب بذلك إلى أهل الشام لما فتحت في زمانه، وكان يخشى على من بها من الصحابة الذين كانوا عاشوا في هذه الجزيرة ولم يكن لهم عهد بالبرد الطويل الذي كان بالشام مما لم يعتادوا عليه من قبل، وهذا من تمام نصيحته، وحسن نظره، وشفقته على رعيته رضي الله عنه.

عباد الله:
يقلب الله الزمان صيفا وشتاءا، ربيعا وخريفا، وليلا ونهارا؛ ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [آل عمران: 13].

أيها المؤمنون:
امتن الله علينا بأن خلق لنا من جلود الأنعام وأصوافها وأوبارها ما نستدفئ به؛ ﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ ﴾ [النحل: 5]، ﴿ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ﴾ [النحل: 80].

الشتاء والبرد بل والثلج لم يمنع الصحابة - رضي الله عنهم - من طاعة الله - عز وجل -؛ فهذا عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جاهد حتى وصل أذربيجان شمال تركيا ثم حبسه الثلج ستة أشهر فلم يرجع حتى ذاب الثلج، فكيف يمنع - بعضنا - برد يسير مع كثرة المدفئات من الحضور لصلاة الفجر؟! بل كانت أمنية خالد بن الوليد أعظم! يقول - رضي الله عنه -: ما ليلة تُهدى إلي فيها عروس، أنا لها محب مشتاق، أحب إليّ من ليلة شديد قرّها - يعني: بردها - كثير مطرها، أصبّح فيها العدو فأقاتلهم في سبيل الله.

ألا وإن المؤمن محتاج في كل أحواله أن يكون على بصيرة بشرع الله وأحكامه؛ ليكون له نصيب من قوله - صلى الله عليه وسلم -: ( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين). أما وقد حل بنا فصل الشتاء؛ فإنه يجدر بنا أن نعلم شيئا من الأحكام التي يكثر السؤال عنها فيه.

أيها المسلمون:
يعظم الأجر عند الله بقدر مشقة العبد، وللشتاء من هذا نصيب؛ فإتمام الوضوء وإحسانه في البرد، أو التعرض للبرد حين الخروجللصلاة بعد الوضوء مما تكرهه النفوس، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -لأصحابه: ألا أدلُكم على ما يمحو اللهُ بهِ الخطايا ويرفعُ بهِ الدرجاتِ؟ قالوا: بلى. يا رسولَ اللهِ! قال إسباغُ الوضوءِ على المكارهِ. وكثرةُ الخطا إلى المساجِدِ. وانتظارُ الصلاةِ بعدَ الصلاةِ. فذلكمْ الرباطُ.

ومن الأحكام في الشتاء التي يكثر السؤال عنها والخوض فيها مسألة الجمع بين الصلاتين للبرد أو المطر أو الريح الشديدة، وهذا مما رخصت فيه الشريعة لكن بعض الناس يتساهل في ذلك؛ ولهذا سئل العلامة ابن عثيمين - يرحمه الله - فقال: إذا اشتد البرد، مع ريح تؤذي الناس: فإنه يجوز للإنسان أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، لما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع في المدينة من غير خوف ولا مطر، قالوا لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته) وهذا يدل على أن الحكمة من مشروعية الجمع إزالة المشقة عن المسلمين، وإلا فإنه لا يجوز الجمع. والمشقة في البرد إنما تكون إذا كان معه هواء وريح باردة، وأما إذا لم يكن معه هواء فإن الإنسان يتقي البرد بكثرة الملابس ولا يتأذى به، ولهذا لو سألنا سائل: هل يجوز الجمع بمجرد شدة البرد؟ لقلنا: لا يجوز، إلا بشرط أن يكون مصحوباً بريح باردة تؤذي الناس، أو إذا كان مصحوباً بنزول الثلج، فإن الثلج إذا كان ينزل فإنه يؤذي بلا شك، فحينئذ يجوز الجمع، أما مجرد البرد فليس بعذر يبيح الجمع، فمن جمع بين الصلاتين لغير عذر شرعي، فإنه آثم وصلاته التي جمعها إلى ما قبلها غير صحيحة، وغير معتد بها، بل عليه أن يعيدها.

وإذا كان جمع تأخير: كانت صلاته الأولى في غير وقتها، وهو آثم بذلك" اهـ. بل آكد من الجمع بين الصلاتين، وهي سنة مهجورة: أن ينادي المؤذن بعد الانتهاء من الأذان أن يصلي الناس في بيوتهم عند وجود العذر؛ فعن ابنِ عمرَ؛ أنَّهُ نادى بالصلاةِ في ليلةٍ ذاتِ بردٍ وريحٍ ومطرٍ. فقال في آخرِ ندائِه: ألا صلُّوا في رحالكم. ألا صلُّوا في الرِّحالِ. ثم قال: إنَّ رسولَ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - كان يأمرُ المؤذنَ، إذا كانت ليلةً باردةً أو ذاتِ مطرٍ، في السفرِ، أن يقول: ألا صلُّوا في رِحالكم.

ومن الأحكام التي ترد في الشتاء: تلثم بعض المصلين حين صلاتهم، وهذا أمر نهت عنه الشريعة؛ فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يغطي الرجل فاه في الصلاة. لكن إن كان هناك عذر، أبيح له التلثم كالصلاة في المكان البارد. عباد الله! لنحمد الله على أن جعلنا مسلمين، ويسر لنا هذا الدين، ولنتذكر قول الحق - عز وجل -: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78].







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.71 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.09%)]