عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-12-2019, 02:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (2)

حكم صلاة الاستسقاء (1)


د.وليد خالد الربيع




قال الله -سبحانه-: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}، قال ابن كثير: «يقول -تعالى-: واذكروا نعمتي عليكم في إجابتي لنبيكم موسى -عليه السلام- حين استسقاني لكم، وتيسيري لكم الماء، وإخراجه لكم من حجر يحمل معكم، وتفجيري الماء لكم منه من ثنتي عشرة عينا لكل سبط من أسباطكم عين قد عرفوها، فكلوا من المن والسلوى، واشربوا من هذا الماء الذي أنبعته لكم بلا سعي منكم ولا كد، واعبدوا الذي سخر لكم ذلك(ولا تعثوا في الأرض مفسدين) ولا تقابلوا النعم بالعصيان فتسلبوها».
دلت هذه الآية الكريمة على مشروعية الاستسقاء كما قال الشيخ ابن عثيمين: «من فوائد الآية: مشروعية الاستسقاء عند الحاجة إلى الماء؛ لأن موسى استسقى لقومه، وشرع من قبلنا شرع لنا إن لم يرد شرعنا بخلافه، فكيف وقد أتى بوفاقه؟ فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستسقي في خطبة الجمعة، ويستسقي في الصحراء على وجه معلوم، ومنها أن السقيا كما تكون بالمطر النازل من السماء تكون في النابع من الأرض».
الاستسقاء عند عدم الماء
قال القرطبي في ذكر مسائل الآية: «الثانية: الاستسقاء إنما يكون عند عدم الماء وحبس القطر، وإذا كان كذلك فالحكم حينئذ إظهار العبودية والفقر والمسكنة والذلة مع التوبة النصوح، وقد استسقى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فخرج إلى المصلى متواضعا متذللا متخشعا مترسلا متضرعا وحسبك به».، وفي هذا المقال الموجز عرض لبعض أهم أحكام الاستسقاء بما يتسع له المقام، وهناك تفاصيل أخرى تطلب من كتب الفقه وشروح أحاديث الأحكام.
المسألة الأولى: تعريف صلاة الاستسقاء
وهو طلب السقيا سواء أكان من الله -تعالى- أم من المخلوق مثل أن تقول: يا فلان اسقني ماء، قال في لسان العرب: «استسقى الرجل واستسقاه: طلب منه السقي، والسقي: إشراب الشيء الماء وما أشبهه، وهو استفعال من طلب السقيا، أي: إنزال الغيث على البلاد والعباد».
وفي الاصطلاح: هو الدعاء بطلب السقي على صفة مخصوصة، وقال ابن حجر: «طلبه من الله عند حصول الجدب على وجه مخصوص»، وصلاة الاستسقاء: الصلاة التي سببها استسقاء الناس.
المسألة الثانية: أنواع الاستسقاء
الاستسقاء أعم من الصلاة، قال الشوكاني موضحا معنى الاستسقاء على جهة العموم بأنه: «ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صفته من الصلاة والدعاء». وقد ذكر العلماء أن الاستسقاء: طلب السقيا من الله -تعالى-، وله طرائق عديدة؛ منها:
الدعاء بلا صلاة
- الأولى: الدعاء بلا صلاة ولا بعد الصلاة فرادى ومجتمعين، قال ابن القاسم: «ولا نزاع في جواز الاستسقاء بالدعاء بلا صلاة»، ودليل ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - كان في غزوة ونقص عليهم الماء؛ فاستغاث الله -تعالى- فأنشأ مزنا فأمطرت، وسقاهم الله وارتووا».
الدعاء في خطبة الجمعة
- الثانية: الدعاء في خطبة الجمعة، قال ابن القاسم: «كما فعل - صلى الله عليه وسلم - واستفاض عنه من غير وجه، وهذا الضرب مستحب وفاقا»؛ لِمَا روى أنس أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم- قَائِمًا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولُ اللَّهِ، هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّه يُغِثْنَا. فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ، فَقَالَ: “اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا” قَالَ أَنَسٌ: وَلَا وَاَللَّهِ مَا يُرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ وَلَا شَيْءٍ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ، فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ، انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ، فَلَا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا، ثُمَّ دَخَلَ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ رَجُلٌ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتْ الْمَوَاشِي، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُمْسِكَهَا عَنَّا. قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ وَالْآكَامِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ». قَالَ: فَانْقَطَعَتْ، وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ».
الخروج وصلاة ركعتين
- الثالثة: الخروج وصلاة ركعتين وخطبة وتأهب لها قبل ذلك، وهو أَكْمَلُهَا، قال الشيخ ابن عثيمين: «وهناك أيضا صفات أخرى، وليس لازما أن تكون على الصفة التي وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أي: طلب السقيا فللناس أن يستسقوا في صلواتهم؛ فإذا سجد الإنسان دعا الله، وإذا قام من الليل دعا الله -عزوجل-».
المسألة الثالثة: حكم صلاة الاستسقاء
اختلف الفقهاء في مشروعية صلاة الاستسقاء؛ فقَالَ الإمام أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُسَنُّ الصَّلَاةُ لِلِاسْتِسْقَاءِ، وَلَا الْخُرُوجُ لَهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَسْقَى عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَمْ يُصَلِّ لَهَا، وَاسْتَسْقَى عُمَرُ بِالْعَبَّاسِ وَلَمْ يُصَلِّ. ونوقش هذا: بأنَ مَا ذَكَرُوهُ لَا يُعَارِضُ مَا ثبت في السنة؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِغَيْرِ صَلَاةٍ، وَفِعْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِمَا ذَكَرُوهُ لَا يَمْنَعُ صلاة الاستسقاء، بَلْ قَدْ فَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْأَمْرَيْنِ كما تقدم.
سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ
وقد ذهب عامة الفقهاء إلى أن صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، ثَابِتَةٌ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَخُلَفَائِهِ، قال ابن حجر: «وقد اتفق فقهاء الأمصار على مشروعية صلاة الاستسقاء وأنها ركعتان»، وقال ابن قدامة: «لَا نَعْلَمُ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ خِلَافًا فِي أَنَّهَا رَكْعَتَانِ». وقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: «ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ، وَخَطَبَ. وَبِهِ قَالَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ، وَخَالَفَهُ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، فَوَافَقَا سَائِرَ الْعُلَمَاءِ، وَالسُّنَّةُ يُسْتَغْنَى بِهَا عَنْ كُلِّ قَوْلٍ»، وهو المذهب الأظهر لقوة أدلتهم وسلامتها من المناقشة.
المسألة الرابعة: مكان صلاة الاستسقاء
يجوز الاستسقاء في المسجد بالاتفاق، قال البخاري: (باب الاستسقاء في المسجد الجامع) ثم ذكر حديث أنس في الرجل الذي دخل يوم الجمعة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب...الحديث، قال ابن حجر: «أشار بهذه الترجمة إلى أن الخروج إلى المصلى ليس بشرط في الاستسقاء؛ لأن الملحوظ في الخروج المبالغة في اجتماع الناس، وذلك حاصل في المسجد الأعظم».
الخروج إلى المصلى
ويستحب الخروج إلى المصلى لحديث ابن عباس الآتي، قال ابن قدامة: «وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ الْخُرُوجُ لِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ، مُتَوَاضِعًا لِلَّهِ -تَعَالَى-، مُتَبَذِّلًا، أَيْ فِي ثِيَابِ الْبِذْلَةِ، أَيْ لَا يَلْبَسُ ثِيَابَ الزِّينَةِ، وَلَا يَتَطَيَّبُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَمَالِ الزِّينَةِ، وَهَذَا يَوْمُ تَوَاضُعٍ وَاسْتِكَانَةٍ، وَيَكُونُ مُتَخَشَّعًا فِي مَشْيِهِ وَجُلُوسِهِ، فِي خُضُوعٍ، مُتَضَرِّعًا لِلَّهِ -تَعَالَى-، مُتَذَلِّلًا لَهُ، رَاغِبًا إلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلِاسْتِسْقَاءِ مُتَبَذِّلًا، مُتَوَاضِعًا، مُتَخَشِّعًا، مُتَضَرِّعًا، حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى، فَلَمْ يَخْطُبْ كَخُطْبَتِكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّكْبِيرِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ».
استثناء أهل مكة
يستثنى أهل مكة؛ حيث إن استسقاءهم يكون في المسجد الحرام: قال الشافعي: «إلا أهل مكة فإنه لم يبلغنا أن أحدا من السلف صلى بهم عيدا إلا في مسجدهم؛ لأن المسجد الحرام خير بقاع الدنيا فلم يحبوا أن يكون لهم صلاة إلا فيه ما أمكنهم، وليست لهم هذه السعة في أطراف البيوت بمكة سعة كبيرة، ولم أعلمهم صلوا عيدا قط، ولا استسقاء إلا فيه».
المسألة الخامسة: وقت صلاة الاستسقاء:
قال ابن قدامة: «وَلَيْسَ لِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ، إلَّا أَنَّهَا لَا تُفْعَلُ فِي وَقْتِ النَّهْيِ بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا مُتَّسِعٌ، فَلَا حَاجَةَ إلَى فِعْلِهَا فِي وَقْتِ النَّهْيِ، وَالْأَوْلَى فِعْلُهَا فِي وَقْتِ الْعِيدِ؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، وَلِأَنَّهَا تُشْبِهُهَا فِي الْمَوْضِعِ وَالصِّفَةِ، فَكَذَلِكَ فِي الْوَقْتِ، لِأَنَّ وَقْتَهَا لَا يَفُوتُ بِزَوَالِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا يَوْمٌ مُعَيَّنٌ، فَلَا يَكُونُ لَهَا وَقْتٌ مُعَيَّنٌ.”، قال ابن حجر: «الراجح أنه لا وقت لها معين، وإن كان أكثر أحكامها كالعيد، لكنها تخالفه بأنها لا تختص بيوم معين.». يتبع إن شاء الله

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.64 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.82%)]