عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-01-2008, 04:43 AM
الصورة الرمزية طالبة العفو من الله
طالبة العفو من الله طالبة العفو من الله غير متصل
مشرفة سابقة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
مكان الإقامة: الإسكندرية
الجنس :
المشاركات: 5,524
الدولة : Egypt
افتراضي

رائع الموضوع أختي الحبيبة أحييكِ عليه ويشرفني بأن ابدأ وستكون بدايتي معك إن شاء الله عن تعاملات النبي صلى الله عليه وسلم ،،،،،،

تعامله صلى الله عليه وسلم مع الأسرى

في الوقت الذي كانت فيه الحروب الجاهلية لا تعرف أيسر قواعد أخلاقيات الحرب، ظهر النبي – صلى الله عليه وسلم - بمبادئه العسكرية؛ ليشرِّع للعالمين تصوراً شاملاً لحقوق الأسرى في الإسلام.


وفي هذا العصر الحديث، الذي نرى فيه المنظمات الدولية قد شرَّعت بنوداً نظرية – غير مفعَّلة ولا مطبَّقة – لحقوق الأسرى، كاتفاقية جنيف، بشأن معاملة أسرى الحرب، ورعايتهم جسدياً ونفسياً.


وخير دليل على عدم تطبيق هذه الاتفاقيات، ما فعله الصرب بمسلمي البوسنة والهرسك وكوسوفا، من مذابح يندى لها جبين البشرية.


وما يفعله الصهاينة في فلسطين، وما فعله الأمريكان في العراق وأفغانستان والسودان والصومال من فساد في الأرض، وإهلاك للحرث والنسل، ومذابح جماعية للأسرى والضعفاء، وهتكٍ للأعراض الطاهرة، في معتقلات – سرية أو علنية - لا تعرف أي معنى لكرامة الإنسان.


في حين نرى رسولنا – صلى الله عليه وسلم - يشرِّع قبل هذه المنظمات بمئات السنين حقوقاً شاملة وجامعة للأسرى، أضف إلى ذلك أن النبي – صلى الله عليه وسلم - لم يجعل هذه الحقوق بنوداً نظرية بعيدة عن واقع الحروب – كما هو الحال في عصرنا - بل جعلها منهجاً عملياً، وطبقها بنفسه في غزواته، وطبقها الصحابة والتابعون - من بعدهم - في السرايا والمعارك الإسلامية.


إن في إكرام النبي – صلى الله عليه وسلم - للأسرى، مظهراً فريداً من مظاهر الرحمة، في وقت كانت تُستَباح فيه الحرمات والأعراض.


"وكثيراً ما أطلق - صلى الله عليه وسلم - سراح الأسرى في سماحة بالغة، برغم أن عددهم بلغ في بعض الأحيان ستة آلاف أسير"[1].


يقول لويس سيديو: "والكل يعلم أنه - صلى الله عليه وسلم - رفض - بعد غزوة بدر- رأْيَ عمر بن الخطاب في قتل الأسرى، وأنه صفح عن قاتل عمِّه حمزة، وأنه لم يرفض - قط - ما طُلب إليه من اللطف والسماح"[2].


نماذج في معركة بدر (17 رمضان 2هـ)


لقد استشار النبي - صلى الله عليه وسلم – وزراءه من الصحابة في أُسارى بدر؛ فأشار عليه أبو بكر - رضي الله عنه - أن يأخذ منهم فدية؛ فهم بنو العم، والعفو عنهم أحسن، ولعل الله أن يهديهم إلى الإسلام، وقال عمر - رضي الله عنه -:

"لا، والله ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم؛ فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها".

فهوى النبي – صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر، ولم يهوَ ما قال عمر، فلما كان من الغد أقبل عمر؛ فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبكى هو وأبو بكر؛ فقال عمر

"يا رسول الله، من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؛ فإن وجدت بكاء، بكيت، وإن لم أجد بكاء، تباكيت؛ لبكائكما؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:

"أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء؛ لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة"، وأنزل الله – تعالى - قوله:

{‏مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: 67].

وقد تكلم العلماء في أي الرأيين كان أصوب؛ فرَجَّحَت طائفة قول عمر؛ لهذا الحديث، ورجحت طائفة قول أبي بكر؛ لاستقرار الأمر عليه، وموافقته الكتاب الذي سبق من الله بإحلال ذلك لهم، ولموافقته الرحمة التي غلبت الغضب، ولتشبيه النبي – صلى الله عليه وسلم – لأبي بكر في ذلك بإبراهيم وعيسى، وتشبيهه لعمر بنوح وموسى، ولحصول الخير العظيم، الذي حصل بإسلام أكثر أولئك الأسرى، ولخروج من خرج من أصلابهم من المسلمين، ولحصول القوة التي حصلت للمسلمين بالفداء، ولموافقة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر أولاً، ولموافقة الله له آخراً؛ حيث استقر الأمر على رأيه، ولكمال نظر الصديق؛ فإنه رأى ما يستقر عليه حكم الله آخراً، وغلَّب جانب الرحمة على جانب العقوبة[3].

وحين أُتي بالأسارى - بعد بدر - فرَّقهم النبي– صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه وقال: ((استوصوا بهم خيراً))[4]

وبهذه الوصية النبوية الرفيعة، تحقق في هذا الجيل الإسلامي الفضيل قول الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} [الإنسان: 8].

وهذا أبو عزيز بن عمير، أخو مصعب بن عمير، يحدثنا عما رأى، فيقول: "كنت في الأسرى يوم بدر[5]، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:

((استوصوا بالأسارى خيراً))[6].

وكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر؛ فكانوا إذا قدَّموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر؛ لوصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إياهم بنا؛ ما تقع في يد رجل منهم كِسرة خبز إلا نفحني بها، قال: فأستحيي؛ فأردُّها على أحدهم؛ فيردها عليَّ ما يمسها"[7].


ويقول جابر بن عبدالله - رضي الله عنه -: "لما كان يوم بدر، أُتي بالعباس، ولم يكن عليه ثوبٌ؛ فنظر النبي – صلى الله عليه وسلم - له قميصاً؛ فوجدوا قميص عبدالله بن أُبي يقدر عليه فكساه النبي – صلى الله عليه وسلم - إياه"[8].


كان هذا الخُلق الكريم، الذي غرسه القائد الرحيم – صلى الله عليه وسلم - في أصحابه وجنده وشعبه، قد أثَّر في إسراع مجموعة من كبراء الأسرى وأشرافهم إلى الإسلام؛ فأسلم أبو عزيز عقب معركة بدر، بُعيد وصول الأسرى إلى المدينة، وتنفيذ وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - وأسلم معه السائب بن عبيد.


وعاد الأسرى إلى بلادهم وأهليهم، يتحدثون عن محمد – صلى الله عليه وسلم - ومكارم أخلاقه، وعن محبته وسماحته، وعن دعوته، وما فيها من البر والتقوى والإصلاح والخير[9].

نموذج معركة بني المصطلق (شعبان 5هـ)


لقد أطلق المسلمون مَن في أيديهم، من أسرى بني المصطلق – بعد معركة معهم - وذلك أن جُوَيْرِيَة بنت الحارث - سيد بني المصطلق - وقعت في سهم ثابت بن قيس؛ فكاتبها؛ فأدى عنها رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وتزوجها؛ فأعتق المسلمون بسبب هذا الزواج مئة رجل من بني المصطلق، قد أسلموا، وقالوا‏:‏ "أصهار رسول الله، صلى الله عليه وسلم"[10].


فقد كره المسلمون أن يأسروا أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت عائشة رضي الله عنها: "فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها"[11].

واستكثر الصحابة على أنفسهم أن يتملَّكوا أصهار نبيهم وقائدهم – صلى الله عليه وسلم - وحيال هذا العتق الجماعي، وإزاء هذه الأريحية الفذة؛ دخلت القبيلة كلها في دين الله.


إن مرد هذا الحدث التاريخي وسببه البعيد، هو حب الصحابة للنبي – صلى الله عليه وسلم - وتكريمهم إياه، وإكبارهم شخصه العظيم[12]، وتأسيهم بأخلاق قائدهم في معاملة الأسرى، التي عهدوها منه في حروب سابقة.

نموذج معركة حنين (10 شوال 8هـ)


يقول جان باغوت غلوب: "وكان انتصار المسلمين - على هوازن - في حُنين كاملاً، حتى أنهم كسبوا غنائم كثيرة، بين أعداد وفيرة من الإبل والغنم، كما أسروا عدداً ضخماً من الأسرى، معظمهم من نساء هوازن وأطفالها، وعندما عاد النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الطائف دون أن يتمكن من فتحها شرع يُقسِّم الغنائم والأسلاب بين رجاله، ووصل إليه وفدٌ من هوازن المهزومة، المغلوبة على أمرها؛ يرجوه إطلاق سراح النسوة والأطفال من الأسرى؛ وسرعان ما لبَّى النبي - صلى الله عليه وسلم - الطلب بما عُرف عنه من دماثة وتسامح، فلقد كان يَنشد من جديد في ذروة انتصاره، أن يكسب الناس، أكثر من نِشدانه عقابهم وقصاصهم"[13].

لقد تأثر مالك بن عوف - زعيم هوازن المهزومة - بهذا العفو الكريم، والخلق العظيم من سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم - بعدما أطلق له كل الأسرى من قومه.
فجادتقريحته لمدح النبي – صلى الله عليه وسلم - فأخذ يُنشد أبياتاًً من الشعر، يشكر فيها رسول الله، صلى الله عليه وسلم .


نماذج أخرى:


* هبط على النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلح الحديبية (في ذي القعدة 6هـ)، ثمانون رجلاً متسلحين، من جبل التنعيم[18] يريدون قتله، فأسرهم، ثم منَّ عليهم[19].

* أُسر ثُمامة بن أَثال سيد بني حنيفة؛ فربطه الصحابة في سارية بالمسجد النبوي، ثم أطلقه النبي – صلى الله عليه وسلم - فأسلم[20].

* ورأى الرسولُ أسارى بني قريظة، موقوفين في قيظ النهار تحت الشمس؛ فأمر مَن يقومون بحراستهم قائلاً: ((لا تجمعوا عليهم حرَّ هذا اليوم وحرَّ السلاح، قيلوهم حتى يبردوا))، وقد سُئل الإمام مالك - رحمه الله -: أيعذَّب الأسير إن رُجي أن يدل على عورة العدو؟ فأجاب قائلاً: ما سمعت بذلك[21]

وبذلك يحرم الإسلام تعذيب الأسرى، ويرفض إهانتهم، ويقرر عدم إهمالهم، كما لا يجوز تعذيب الأسير، ولا إهانته للحصول على معلومات عسكرية منه.

* وأعطى رسول الله كسوة ونفقة لابنة حاتم الطائي عندما وقعت أسيرة في أيدي المسلمين، بل حملها حتى خرجت مع بعض أناس من قومها[22].

* وأطلق يوم فتح مكة (رمضان 8هـ) جماعة من قريش فكان يقال لهم: الطلقاء[23].



وبعدُ، فهذه نماذج، تبين لنا مدى رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأسرى، وهذه المواقف وغيرها تكشف الستار عن شخصية بلغت من السمو والرفعة مبلغاً بعيداً، شخصية تحرك الأفئدة نحوها، بفيض عارم من الرحمة والعفو والسماحة.



ــــــــــــــــــــــ
[1] مولانا محمد علي؛ حياة محمد وسيرته، ص 269.
[2] لويس سيديو؛ (نقلاً عن كتاب الإسلام بين الإنصاف والجحود، ص 134).
[3] ابن القيم؛ زاد المعاد 3/99.
[4] ابن كثير؛ البداية والنهاية 3/307.
[5] أيام كان على غير الإسلام، وكان في جيش المشركين.
[6] ابن هشام 1/644.
[7] ابن هشام 1/644، وابن سيد الناس؛ عيون الأثر 1/393.
[8] البخاري (2846) وانظر: ابن حجر العسقلاني- فتح الباري 6/144.
[9] انظر: علي محمد الصلابي؛ السيرة النبوية، 2/42.
[10] ابن كثير؛ البداية والنهاية، 4/159.
[11] ابن كثير؛ البداية والنهاية، 4/159.
[12] انظر: علي محمد الصلابي؛ السيرة النبوية 2/184.
[13] جان باغوت غلوب؛ الفتوحات العربية الكبرى ص 157- 158.
[14] عردت؛ اشتدت وضربت، القاموس المحيط 1/313.
[15] الهباءة؛ غبار الحرب, مختار الصحاح، ص689.
[16] الخادر؛ المقيم في عرينه، والخدر ستر يمد للجارية من ناحية البيت.
[17] انظر: ابن هشام؛ السيرة النبوية 4/144، والبيهقي؛ دلائل النبوة 5/270، برقم (5440)، وعلي محمد الصلابي؛ السيرة النبوية ص 405، 406.
[18] جبل التنعيم؛ موضع بمكة في الحِل، وهو الآن مدينة صناعية بالمملكة العربية السعودية. انظر:معجم البلدان 2/49، ومعجم معالم الحجاز 2/44.
[19] انظر: ابن القيم؛ زاد المعاد 3/99.
[20] انظر: ابن القيم؛ زاد المعاد 3/99.
[21] انظر: وهبة الزحيلي- آثار الحرب، ص 414.
[22] ممدوح إبراهيم الطنطاوي؛ أخلاقيات الحرب في الإسلام، مجلة الجندي المسلم؛ العسكرية الإسلامية العدد 112.
[23] انظر: صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب قوله تعالى؛ {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ}، برقم (1808)، وابن القيم؛ زاد المعاد 5/59.

من حق الاسير عدم اكراهه على ترك دينه فلا يكره على الدخول في الاسلام، وانما يدعى الى الإسلام بالتي هي احسن، وفي العصر الحاضر يعرف هذا بالحرية الدينية.

يقول الله تعالى:

«يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الاسرى ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما اخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم» (الانفال: 70)

ففيها استمالة لهؤلاء الاسرى، وتجديد الدعوة لهم، وفتح باب التوبة أمامهم، وترغيبهم بما يعوضهم عما دفعوا من الفداء ويعدهم ان هم دخلوا في الاسلام طائعين مختارين بالرزق الوفير في الدنيا والآخرة والمغفرة لما سلف من ذنوبهم قبل الايمان، وفي هذا دليل واضح على انهم لا يكرهون على الدخول في الاسلام، ولم يقع قط ان اكره اسير على ان يدخل في الاسلام،

ومن الأدلة على ذلك قصة ثمامة بن أثال الحنفي وهي في البخاري (4372) ومسلم (1764) من حديث ابي هريرة ـ رضي الله عنه ـ وكان مشركا اسره جيش المسلمين وربط في المسجد فأتاه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: (ما عندك يا ثمامة؟) فقال: عندي خير يا محمد ان تقتل تقتل ذا دم، وان تنعم تنعم على شاكر، وان كنت تريد المال فسل منه ما شئت، فتركه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما كان من الغد قال له مثل ذلك، وفي اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اطلقوا ثمامة) فأطلقوه فإذا به يذهب ويغتسل ويعود فيقول:

أشهد أن لا إله إلا الله واشهد انك رسول الله والله يا محمد ما كان على ظهر الارض وجه أبغض الي من وجهك فقد اصبح وجهك احب الوجوه كلها إلي، والله ما كان على ظهر الأرض دين أبغض علي من دينك فأصبح دينك احب الدين كله الي، والله ما كان على وجه الأرض بلد أبغض الي من بلدك فأصبح بلدك احب البلاد كلها الي.


وهكذا اثرت هذه المعاملة الحسنة والخلق الكريم، في استمالة قلب رجل غير عادي انه ليس من بسطاء الناس او سذجهم، بل هو سيد قومه، ولم يكن اسلامه اسلام تقية او خوفا على نفسه وحياته.


ومن حقوقه اطعامه ما يكفيه من الطعام والشراب، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى:


«ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا» (الإنسان 8 ـ 9)

ففي هاتين الآيتين دليل على ان اطعام الاسير قربة يتقرب بها المؤمن الى ربه سبحانه وتعالى، ولهذا قال:

«نطعمكم لوجه الله» وفيها ان المؤمن يؤثر الاسير حتى على نفسه

«ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا» ومعنى هذا انه لم يطعمه مما فضل من قوته، وانما يطعمه من طيب طعامه مع حاجته اليه ومحبته له، ولذلك كان منع الطعام عن الاسير من الكبائر كما جاء في حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ ان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «عذبت امرأة في هرة، سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي اطعمتها ولا سقتها اذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض» رواه البخاري (3482) ومسلم (2242).


فلما كان الحبس مانعا للمحبوس من التصرف في امر معاشه وكسبه وجب على حابسه ان يقوم بحقه، ولو كان ذلك في حق الحيوان، فما بالك بالانسان الذي كرمه الله تبارك وتعالى

«ولقد كرمنا بني آدم» (الاسراء: 70) ويكفي ان الله سبحانه قرن حق الاسير بالمسكين واليتيم «مسكينا ويتيما وأسيرا» (الإنسان حثا على القيام على إطعامه والإحسان اليه، وقد يكون هذا الإحسان سببا في هدايته، كما كان الأمر في شأن ثمامة رضي الله عنه.


حقه في الكسوة والثياب المناسبة التي تليق به وتجذر بمثله وقد روى البخاري في صحيحه من حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ قال:

«لما كان يوم بدر اتي بأسارى واتى بالعباس، ولم يكن عليه ثوب فنظر النبي صلى الله عليه وسلم له قميصا فوجدوا قميص عبدالله بن ابيّ يقدر عليه فكساه النبي صلى الله عليه وسلم اياه» البخاري (3008) فالإسلام يضمن للأسير حق الكسوة والثياب المناسبة.


المأوى والسكن المناسب ايا كان فقد يسكن في المسجد او يسكن في سجن خاص ويكون ملائما او حتى في بيوت بعض المؤمنين وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك دار خاصة للأسرى ولا للسجن ولهذا ربما سجن الاسير في المسجد وربما وزع الاسرى على المسلمين في بيوتهم الى ان ينظر في شأنهم.


وقد روى البيهقي في سننه (9/89) عن ذكوان عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها بأسير وعندها نسوة فلهينها عنه فذهب الاسير فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا عائشة: (أين الأسير؟) قالت: نسوة كن عندي فلهينني عنه، فذهب فقال:

رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ «قطع الله يدك» وخرج فأرسل في اثره فجيء به فدخل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واذا عائشة ـ رضي الله عنها ـ قد اخرجت يديها فقال مالك قالت يا رسول الله انك دعوت علي بقطع يدي واني معلقة يدي انتظر من يقطعها، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أجننت؟ ثم رفع يديه وقال: (اللهم من كنت دعوت عليه فاجعله له كفارة وطهورا) قال الذهبي عن هذا الحديث: إسناده جيد.


وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية (5/191) ان الرسول صلى الله عليه وسلم فرق اسرى بدر على اصحابه، وروى الإمام احمد (2216)

عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم جعل ناسا من الاسرى الذين كانوا يتقنون القراءة والكتابة يعلمون اولاد الانصار القراءة والكتابة وجعل ذلك فداءهم وفكاكهم ومن المعلوم ان الاسير كي يعلم ويكتب لا بد ان يكون طليقا غير مقيد ولا مربوط وقادرا على الذهاب والاياب والوثاق انما جُعل لمنعه من الهرب فإذا امكن منعه بلا وثاق فلا حاجة اليه.


لا يفرق في الاسرى بين الوالدة وولدها او بين الولد ووالده وبين الأخ واخيه وهذا ورد في حكم السبي والسبي نوع من الاسر وان كان يطلق في الغالب على النساء والذرية والتفريق بينهم وبين الاسرى انما هو امر اصطلاحي والا فالكل اسرى وقد جاء في حديث رواه الامام احمد (23499) واهل السنن الترمذي (1283) وابن ماجه (2250) من حديث ابي موسى وابو داود (2696) من حديث علي ـ رضي الله عنه ـ عن ابي الدرداء رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(من فرق بين والدة وولدها ـ يعني من السبي ـ فرق الله بينه وبين احبته يوم القيامة)

قال الترمذي: وهذا حديث حسن غريب والعمل على هذا عند اهل العلم من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم كرهوا التفريق في السبي بين الوالدة وولدها وبين الولد والوالد وبين الاخوة.


واعجب من ذلك ان الدارمي (2479) روى هذا الحديث، وذكر في اوله ان ابا ايوب رضي الله عنه كان في جيش ففرق بين الصبيان وبين امهاتهم من الاسرى فرآهم يبكون فجعل يرد الصبي الى امه ويقول: ان رسول صلى الله عليه وسلم قال: (من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين احبته يوم القيامة).


فانظر كيف بلغ الرفق والرحمة والشفقة والعدل بالمسلمين في الجمع بين الاخوة وبين الآباء والأمهات والأولاد من الاسرى.


عدم تعريضهم للتعذيب بغير حق فلا يمكن ان نعذبهم مثلا لأنهم قاتلونا ولم ينقل في الشرع انه امر بتعذيبهم ولا انه حصل لهم تعذيب خلال عصور العزة الإسلامية وذلك لأنه اذا كان المسلم مأمورا بإكرامهم واطعامهم وسقيهم والجمع بينهم فإن تعذيبهم يتنافى مع هذا الامر، اللهم إلا ان يكون هناك حالات خاصة يتطلب الامر فيها ان يمس بشيء من العذاب قليل لا يؤثر عليه من اجل كشف امور يعلم انها موجودة عنده كما في حديث ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ ان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قاتل اهل خيبر حتى ألجأهم الى قصرهم فغلب على الارض والزرع والنخل فصالحوه على ان يجلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصفراء والبيضاء ويخرجون منها، واشترط عليهم ان لا يكتموا ولا يغيبوا شيئا فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد فغيبوا مسكا فيه مال وحلي لحي بن اخطب كان احتمله معه الى خيبر حين اجليت النضير فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعم حي:

(ما فعل مسك حي الذي جاء به من النضير؟) فقال: أذهبته النفقات والحروب فقال: (العهد قريب والمال اكثر من ذلك) فدفعه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الى الزبير فمسه بعذاب، وقد كان حي قبل ذلك دخل خربة فقال: قد رأيت حي يطوف في خربة هاهنا فذهبوا وطافوا فوجدوا المسك في الخربة الحديث رواه البيهقي في السنن الكبرى (9/137) وقال ابن حجر في الفتح (7/479) اسناد رجاله ثقات.


واما قتل النبي صلى الله عليه وسلم بعض الاسرى فذلك لأن لهم سوابق وجرائم في حق المسلمين استوجبت قتلهم، ولهذا جاء في التاج والاكليل انه قيل لمالك: أيعذب الأسير ان رُجي ان يدل على عورة العدو؟! فقال: ما سمعت بذلك.


تدبروا هذه الرواية كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:

(بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً قبل نجد، فجاءت برجل يقال له: ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، وربط الصحابة ثمامة في سارية من سواري المسجد النبوي -أي: في عمود- ودخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فوجد ثمامة بن أثال مربوطاً في السارية، فاقترب النبي صلى الله عليه وسلم منه)، فإذا به يرى ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، ثمامة الذي أعلن الحرب بضراوة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى دينه.

(فاقترب النبي صلى الله عليه وسلم منه وقال: ماذا عندك يا ثمامة ؟! فقال ثمامة : عندي خير يا محمد ! إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط من المال ما شئت).

قول واضح صريح قوي: (إن تقتل تقتل ذا دم) يعني: إن قتلتني فاعلم بأن دمي لن يضيع هدراً ولن تفرط قبيلتي في هذا الدم.

(وإن تنعم تنعم على شاكر)، أي: إن أحسنت إلي وأطلقت سراحي فلن أنسى لك هذا الجميل والمعروف ما حييت، فأنا رجل أصيل لا أنسى إحسان من أحسن إلي.

(وإن كنت تريد المال فسل تعط من المال...) أي: أما إن كنت تريد المال والفدية فسل تعط من المال ما شئت. (فتركه النبي صلى الله عليه وسلم)،


فهل تعلمنا هذا الدين كما ينبغي في بيوت الله وكما علم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمامة في ثلاثة أيام عظمة وجلال هذا الدين؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم:

(أطلقوا ثمامة ، فانطلق ثمامة إلى حائط فاغتسل) أولم أقل لك إنه تعلم في المسجد؟ ثم عاد إلى المسجد النبوي ووقف بين يدي رسول الله وقال:

أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله. اسمع أيها الحبيب اللبيب! إلى قول ثمامة؟

(يا رسول الله! والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فأصبح وجهك الآن أحب الوجوه كلها إلي، والله ما كان على الأرض دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إلي، والله ما كان على الأرض بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك الآن أحب البلاد كلها إلي، ثم قال:

يا رسول الله! لقد أخذتني خيلك وأنا أريد العمرة، فبماذا تأمرني؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمره بإتمام العمرة) .


لكنني لا أدري هل نظن هذه الأحاديث ليست لنا؟ ولسنا مكلفين بأن نحولها في حياتنا جميعاً إلى منهج حياة، وإلى واقع عملي؟


أسارى بدر :
--------------

واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في الأسرى ، وهم سبعون . وكذلك القتلى سبعون أيضا .

فأشار الصديق أن يؤخذ منهم فدية تكون لهم قوة . ويطلقهم لعل الله يهديهم للإسلام .

فقال عمر لا والله ما أرى ذلك . ولكني أرى أن تمكننا ، فنضرب أعناقهم . فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديد الشرك فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر .

فقال " إن الله عز وجل ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللين وإن الله عز وجل ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة .

وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم إذ قال فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم.

وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى ،

إذ قال إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم . الآية .

وإن مثلك يا عمر كمثل موسى ، قال ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم الآية .

وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ثم قال أنتم اليوم عالة . فلا ينفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق .


فأنزل الله تعالى ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض . الآيتين .


قال عمر فلما كان من الغد غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو قاعد - هو وأبو بكر - يبكيان . فقلت : يا رسول الله أخبرني ما يبكيك ؟ وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد تباكيت لبكائكما .

فقال أبكي للذي عرض علي أصحابك من الغد من أخذهم الفداء . فقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة - لشجرة قريبة منه - وقال لو نزل عذاب ما سلم منه إلا عمر .

وقال الأنصار له صلى الله عليه وسلم نريد أن نترك لابن أختنا العباس فداءه فقال لا تدعوا منه درهما ثم دخلت السنة الثالثة من الهجرة .


__________________




رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.67 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.91%)]