عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 27-06-2019, 03:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,991
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الطهارة]
صـــــ 85 الى صــــــــ
ـ
91
الحلقة (19)


[مبحث آداب قضاء الحاجة]

قد عرفت أن قضاء الحاجة من بول ونحوه قد جعل الشارع له أحكاماً: منها ما هو خاص بإزالته، ويقال له: استنجاء، إذا كان بالماء، واستجمار، إذا كان بغير الماء، من حجر ونحوه؛ وقد قدمنا لك حكم الاستنجاء في المذاهب، وبقي آداب قضاء الحاجة؛ وههنا سؤال يردده بعض الناس، وهو أن قضاء الحاجة من الأمور الطبيعية التي تتبع حالة الإنسان وظروفه الخاصة به، فالتقيد فيها بالتكاليف الشرعية قد يخرج الإنسان، ويضطره إلى ارتكاب ما يشق عليه من غير ضرورة تدعو إلى ذلك؛ ولكن هذا الكلام كغيره من اعتراضات الذين يريدون أن يتنصلوا من التكالف الشرعية في جميع أحوالهم، وإلا فأي فرق بين القيود التي أمر الشارع بها في حال الحيض والجماع، ونحوهما، وبين هذه القيود التي ستعرفها؟! ومن حسن الحظ أن الشريعة الإسلامية قد أتت في كل ذلك بما يقره العقل، وتقتضيه صحة الأبدان، ويستلزمه نظام الاجتماع من نظافة لا بد منها؛ فالواقع أن الشريعة الإسلامية، وإن كانت ههنا لا تسال عن علة، ولا عن سبب، لأن هذه تكاليف خاصة بالإنسان وحده، لأنه عبادات ليس من حق الإنسان أن يتبرم بها، إلا إذا عجز عن أدائها، كما قدمنا لك في أول: مباحث الطهارة" ولكنها مع هذا فقد جاءت بكل شيء معقول، وشرعت للناس العبادة التي تناسب أحوالهم الاجتماعية والصحية، وإلا فمن ذا الذي يقول: إن النظافة من الأخبثين غير لازمة؟! ومن ذا الذي يقول: إن الآداب التي ستعرفها غير نافعة للإنسان؟! فالشريعة الإسلامية كلها خير للمجتمع، وكلها إحسان إلى الناس، وكلها قيود صالحة لا يستطيع أحد أن ينال منها؛ وإليك بيان الأحكام المتعلقة بقضاء الحاجة من واجب، أو حرام، أو مندوب، أو مكروه بالترتيب:
أولاً: ما يجب عند الاستنجاء: يجب الاستبراء، وهو إخراج ما بقي في المخرج من بول، أو غائط حتى يغلب على الظن أنه لم يبق في المحل شيء، وقد اعتاد بعض الناس أن ينزل منه البول بعد أن يمشي، أو يقوم، أو يأتي بحركة من الحركات المعتادة له، فالذي يريد الاستنجاء يلزمه الاستبراء بحيث لا يجوز له أن يتوضأ، وهو يشك في انقطاع بوله، فإنه إذا توضأ في هذه الحالة، ونزلت منه قطرة بول لم ينفع وضوءه، فواجبه أن يخرج ما عساه أن يكون موجوداً حتى يغلب على ظنه أنه لم يبق في المحل شيء، وهذا واجب باتفاق، فلم يختلف فيه أحد، إلا أن بعضهم قال: إن الاستبراء لا يجب إلا إذا غلب على الظن (1) أن بالمحل شيء، وبعضهم قال: إن الاستبراء واجب حتى يغلب على الظن أنه لم يبق بالمحل شيء، والأمر في ذلك هين.ثانياً: المكان الذي يحرم قضاء الحاجة فيه: يحرم قضاء الحاجة فوق المقبرة (2) ، وعلة ذلك ظاهرة، فإن المقابر محل عظات وعبرة، فمن سوء الأدب والخلق أن يكشف الإنسان فوقها سوءته، ويلوثها بالأقذار الخارجة منه، على أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حث على زيارة القبور، لتذكر الآخرة، فمن الجهل والحماقة أن يتخذ الناس الأماكن التي تزار للتذكر والاعتبار محلاً للبول والتبرز، فالنهي عن قضاء الحاجة فوق المقابر لذلك، أما ما ورد من الأحاديث فإنه لا يفيد هذا المعنى صريحاً؛ ومنها ما رواه مسلم، وأبو داود، وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يجلس أحدكم على جمرة، فتحرق ثيابه، فتخلص إلى جلده، خير له، من أن يجلس على قبر"، فهذا الحديث حمله بعض العلماء على الجلوس عليها لقضاء الحاجة، ولكن ليس في الحديث ما يشير إلى هذا؛ بل الذي يفيده الحديث أن المراد بالجلوس عليها اتخاذها مكاناً للهو والتسلية، كما يفعله بعض جهلة القرى، فإنهم كانوا يتخذون من بعض المقابر مجلساً لينتفعوا بالشمس، أو الظل، والتحدث، كما يفعل أهل المدن بالاجتماع في النوادي، ولا ريب أن هذه الحالة تنافي الموعظة والخشية المطلوبة من زيارة القبور، فضلاً عما فيها من امتهان المقابر، يدل لذلك ما رواه ابن ماجة بسند جيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "لأن أمشي على جمرة أو صيف، أو أخصف نعلي برجلي، أحب إلي من أن أمشي على قبر". والمراد بالصيف شدة حر الأرض، وخصف النعل عباة عن ترقيعها،
ولا
(1) الشافعية هم القائلون وحدهم: إن الاستبراء لا يجب إلا إذا غلب على الظن أن بالمحل شيئاً من النجاسة
(2) الحنفية قالوا: يكره قضاء الحاجة فوق المقبة كراهة تحريم، وعلى كل حال فهم متفقون مع غيرهم في تأثيم من يفعل ذلك، إلا أن غيرهم قال إن إثمه شديد، ومذهب غيرهم هو الظاهر، لما ذكرناه لك من العلة
***********************

يخفى ما في هذا من الشدة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضل إن يرقع نعله بجله رجله، ولا يمشي على المقبرة، وسيأتي بيان هذا المبحث في "مباحث الجنازة" إن شاء الله.
ثالثاً:
لا يجوز أن يقضي حاجته في الماء الراكد، وهذا أيضاً من الأمكنة التي لا يجوز قضاء الحاجة فيها، والماء الراكد هو الذي يجري، فقد روى جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يبال بالماء الراكد، رواه مسلم، وابن ماجة، وغيرهما، ويلحق بالبول التغوط، لأنه أقبح، والنهي عنه أشد، وفي النهي عن البول في الماء الراكد تفصيل المذاهب (1)وهذا الحكم الفقهي من أجمل الأحكام التي يقرها العلم، ويرضاها العقل السليم، فإن تلويث الماء المعد للانتفاع به غالباً من أقبح الخصال الذميمة، فضلاً عما قد يترتب عليه من عدوي - البلهارسيا - ونحوها من الأمراض، فمن مكارم الإسلام أن جعل عبادة الله مرتبة دائماً على ما تقتضيه مصلحة الإنسان نفسه.

(1) المالكية قالوا: يحرم قضاء الحاجة في الماء الراكد إذا كان قليلاً، أما إذا كان مستبحراً كالماء الموجود في البحيرات التي في الحدائق الكبيرة، والأحواض الواسعة، فإن البول فيه لا يحرم، إلا إذا كان مملوكاً للغير، ولم يأذن باستعماله، أو أذن باستعماله، ولم يأذن بالبول فيه، وإلا كان البول فيه حراماً، فإن كان جارياً، فإن البول فيه يجوز، إلا إذا كان مملوكاً للغير، ولم يأذن فيه، أو كان موقوفاً.
الحنفية قالوا: يحرم قضاء الحاجة في الماء القليل الراكد حرمة شديدة، فإن كان كثيراً كره البول فيه تحريماً، بمعنى أن الحرمة تكون أخف لكثرته، فإذا كان الماء جارياً فإن البول فيه يكره تنزيهاً، إلا إذا كان مملوكاً للغير، ولم يأذن البول فيه، فإنه يحرم البول فيه وإن كان كثيراً، ومثله الموقوف.
الحنابلة قالوا: يحرم التغوط في الماء الراكد والجاري، سواء كان قليلاً، أو كثيراً، إلا ماء البحر، فإنه لا يحرم فيه ذلك، لما قد تقتضيه ضرورة الأسفار، فضلاً عن اتساعه، وعدم ظهور شيء من ذلك فيه، أما البول فإنه يكره في الماء الراكد، ولا يحرم، كما يكره البول في الماء الجاري الكثير، ولا يكره في الماء الجاري القليل، ومحل هذا كله إذا لم يكن الماء موقوفاً، أو مملوكاً للغير ولم يأذن في استعماله إذناً عاماً، وإلا حرم قضاء الحاجة فيه مطلقاً.
الشافعية قالوا: لا يحرم قضاء الحاجة في الماء قليلاً كان، أو كثيراً، ولكن يكره فقط إلا إذا كان الماء مملوكاً للغير، ولم يأذن في استعماله، أو كان مسيلاً ولم يستبحر، فإنه يحرم في هاتين الحالتين إلا أنهم فرقوا في الكراهة بين الليل والنهار، فقالوا: يكره قضاء الحاجة نهاراً في الماء القليل، لا فرق بين أن يكون راكداً أو جارياً، أما في الليل فقالوا: يكره البول في الماء، سواء كان قليلاً، أو كثيراً) .
****************************

رابعاً: يحرم (1) قضاء الحاجة في موارد الماء، ومحل مرور الناس، واستظلالهم لقوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله! قال: الذي يتخلى في طرق الناس، أو في ظلهم" رواه مسلم، وأبو داود، وقوله، اللاعنين المراد به الأمران اللذان يتسبب عليهما لعن من فعلهما. وذلك لأن الذي يبول أو يتغوط في طرق الناس. فإنه يعرض نفسه للشتم واللعن بسبب ذلك الفعل المؤذي، وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الوارد. وقارعة الطريق. والظل" رواه أبو داود وبان ماجة وقوله: "الملاعن" المراد بها مواضع اللعن لأن من قضى حاجته فيها فقد عرض نفسه للعن الناس والمراد بالظل هو الظل الذي اتخذه الناس محلاً يستظلون به. وينزلون فيه "مالكي، حنبلي".
خامساً:
يحرم (2) حال قضاء الحاجة، استقبال القبلة أو استدبارها. بمعنى أنه يأثم إذا اتجه إلى القبلة وهو يبول أو يتغوط. أو يعطيها ظهره. ويتجه إلى الجهة المقابلة لها. بشرط أن يكون ذلك في الفضاء، أما إذا كان في بناء - كالكنيف ونحوه - فإنه لا يحرم "مالكي، شافعي،

(1) الشافعية، والحنفية قالوا: يكره قضاء الحاجة في هذه المواضع كلها، ما لم تكن موقوفة للمرور، أو ملكاً للغير، فإن كانت كذلك حرم قضاء الحاجة فيها.
فالأئمة الأربعة مجمعون على النهي عن قضاء الحاجة في المحلات العامة التي يمر فيها الناس، وفي موارد الماء، وفي المحلات التي يستظلون بها، إلا أن الشافعية، والحنفية جعلوا النهي للكراهة والمالكية والحنابلة جعلوا النهي للتحريم، وكلا الرأيين قد يتبع الأثر الذي يترتب على هذا الفعل، فإن كان فيه إيذاء شديد للناس، أو كان فيه تأثير على الصحة العامة؛ فهو حرام بالإجماع، لأن الإضرار بالناس وإيذائهم وجلب الأمراض منهي عنه نهياً غليظاً، ولعل القائلين بالكراهة قد نظروا إلى الجهات الخلوية الواسعة التي ليس فيها أماكن معدة لهذا، وضررها ليس له تأثير شديد
(2) الحنفية قالوا: يكره استقبال القبلة، أو استدبارها حال قضاء الحاجة، كراهة تحريم مطلقاً داخل البناء أو الفضاء، فإن جلس ساهياً، وتذكر تحول عن القبلة عند تذكره إن قدر على التحول، وإلا فينبغي أن لا يجلس على كنيف متجه إلى الجهة المنهي عنها متى أمكنه ذلك: ومثل البول والتغوط الاستنجاء والاستجمار؛ فإنهما مكروهان كراهة تحريم، وقد استدلوا لذلك بعموم الحديث، وهو "إذا أتيتم الغائط، فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها؛ ببول ولا غائط" الخ والغائط: هو المكان المنخفض، فالحديث يدل على أنه لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها حال قضاء الحاجة
************************

حنبلي" فإذا قضى حاجته، وأراد أن يستنجى أو يستجمر فإن ذلك يكون مكروها لا حراماً (1) "حنبلي. مالكي".
سادساً: يكره لقاضي الحاجة أن يقابل مهب الريح. فلا يجلس للبول إلى الجهة التي يثور منها الهواء. كي لا يعود إليه رشاش من بوله فيتنجس. ولا يخفى أن هذا الحكم قد روعي فيه مصلحة قاضي الحاجة. فإن مقتضى الطبيعة أن يفر الإنسان من الأقذار التي تلوث بدنه وثوبه. فالشارع جعل هذا الفعل مكروهاً عنده. مراعاة لمصلحة الناس وحثاً لهم على النظافة.
سابعاً: يكره لقاضي الحاجة أن يتكلم، وهو يقضى حاجته لما في ذلك من امتهان الكلام وعدم المبالاة بما عساه أن يأتي فيه من ذكر اسم الله، أو اسم رسول الله، أو غير ذلك، على أن الكلام إنما يكره إذا كان لغير حاجة، فإذا وجدت حاجة الكلام، فإنه لا يكره، كما إذا طلب إبريقاً، أو خرقة يجفف بها النجاسة، ويكون الكلام لازماً؛ وذلك في حالة إنقاذ طفل، أو أعمى من ضرر، أو كان لحفظ مال من التلف، ونحو ذلك.
ثامناً: يكره استقبال عين الشمس والقمر (2) ، لأنهما من آيات الله، ونعمه التي ينتفع بها الكون عامة، ومن قواعد الشريعة الإسلامية احترام نعم الله تعالى وتقديرها.تاسعاً: يندب الاستنجاء بيده اليسرى، لأن اليمنى في الغالب هي المستعملة في تناول الطعام ونحوه، كما يندب بلَّ أصابع اليسرى قبل ملاقاة الأذى. لئلا يشتد تعلق النجاسة بها، وكذا يندب غسل يده اليسرى بعد الفراغ من قضاء الحاجة بشيء منظف، ويندب الاسترخاء قليلاً عند الاستنجاء. كي يتمكن من إزالة النجاسة (3)

(1) الشافعية قالوا: لا ينهى عن استقبال القبلة حال الاستنجاء أو الاستجمار مطلقاً. وإنما النهي عن ذلك مقصور على قضاء الحاجة
(2) المالكية قالوا: لا يكره استقبال الشمس والقمر، وإنما الأولى بالمرء أن لا يفعل ذلك، فهو خلاف الأولى
(3) الشافعية قالوا: يجب الاسترخاء، كي يتمكن المستنجي من تنظيف الخارج.
الحنفية قالوا: إنما يندب الاسترخاء إذا لم يكن صائماً، محافظة على الصوم، لأنه يبطل بالمبالغة في إدخال الماء، كما سيأتي في بابه) .
****************************

[شروط صحة الاستنجاء والاستجمار بالماء، والأحجار، ونحوها]

فأما الماء الذي يصح به الاستنجاء، فإنه يشترط فيه شرطان: أحدهما: أن يكون طهوراً، فلا يصح الاستنجاء بالماء الطاهر فقط، كما لا تصح إزالة النجاسة به (1) ثانيهما: أن يكون الماء مزيلاً للنجاسة. فإذا كان معه ماء قليل لا يزيل النجاسة عن المحل، بحيث يعود كما كان قبل النجاسة فإنه لا يستعمل الماء في هذه الحالة، وهل يقدم الإنسان غسل قبله أو دبره؟ في ذلك تفصيل في المذاهب (2)وأما الأحجار ونحوها، فإنها تقوم مقام الماء، ولو كان موجوداً، إنما الأفضل استعمال الماء: وأفضل من ذلك أن يجمع بين الماء والحجر؛ على أن فيما يصح الاستجمار به من غير الماء تفصيل المذاهب (3)

(1) الحنفية قالوا: إن الاستنجاء بالماء الطهور لا يجب، بل يكفي الاستنجاء بالماء الطاهر وقد عرفت الفرق بين الماء الطاهر، والماء الطهور بما ذكرناه لك مفصلاً في "مباحث المياه" الاستنجاء بالماء الطهور الأفضل، للاتفاق على صحة إزالة النجاسة به والتمسك بالمتفق عليه أفضل عند الحنفية
(2) المالكية قالوا: يندب تقديم قُبُله في إزالة النجاسة، إلا إذا كان من عادته أن يتقاطر بوله إذا مس دبره بالماء، فحينئذ لا يندب له تقديم القبل.
الحنفية: لهم قولان في ذلك، والمفتي به قول الإمام، وهو تقديم غسل الدبر، لأن نجاسته أقذر من البول، ولأنه بواسطة الدلك في الدبر وما حوله يقطر البول، فلا يكون لتقديم غسل لقبل فائدة.
الشافعية قالوا: يندب لمن يستنجى بالماء أن يقدم غسل القبل على الدبر، وأما إذا استجمر بالأحجار، فإنه يندب له تقديم الدبر على القبل.
الحنابلة قالوا: يسن لمن أراد الاستنجاء أو الاستجمار أن يبدأ بالقبل، إذا كان ذكراً، أو أنثى، بكراً، وتخير الأنثى الثيب في تقديم أيهما) .
(3) الحنفية قالوا: إن السنّة أن يكون الاستجمار بالأشياء الطاهرة من تراب، وخرق بالية، وحجر، ومدر - وهو قطع العين اليابسة - ويكره تحريماً الاستجمار بالمنهي عنه، كالعظم والروث، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن استعمالها في ذلك، ومثلهما طعام الآدمي، والدواب، وكره تحريماً الاستجمار بما هو محترم شرعاً لما ثبت في "الصحيحين" من النهي عن إضاعة المال، ويدخل فيما له احترام شرعاً،جزء الآدمي، ولو كافراً، أو ميتاً، والورق المكتوب، ولو كانت الكتابة حروفاً مقطعة، لأن الحروف احتراماً، والورق غير المكتوب، إذا كان صالحاً للكتابة، أما الورق الذي لا يصلح للكتابة فإنه يجوز الاستجمار به بدون كراهة، وإنما يكره الاستجمار بما له قيمة مالية إذا أدى ذلك إلى إتلافه، أو إنقاص قيمته، فإذا كان غسله بعد الاستجمار، أو تجفيفه يعيده إلى حالته الأولى؛ فإنه لا كراهة فيه، وكره الاستجمار بالطوب المحرق، والفخار، والزجاج، والفحم، والحجر الأملس، وتكون الكراهة تحريمية إذا كان استعمالها ضاراً، إذ لا يجوز استعمال ما يضر، وتنزيهية إذا لم يكن استعمالها ضاراً، وذلك لأنها لا تنقي المحل، والسنة إنقاءه، وكره تحريماً الاستجمار بجدار غيره، لأنه لا يجوز التعدي على مال الغير، أما جدار نفسه فلا كراهة فيه، ومثل جداره الجدار المستأجر، فإن استجمر بشيء مما ذكر أجزأه مع الكراهة التحريمية، أو التنزيهية، على التفصيل المتقدم.
هذا، وقد تقدم ما يتعين فيه الماء، وما يكفي فيه الحجر ونحوه في - أول المبحث -.
الشافعية قالوا: يشترط فيما يستجمر به أن يكون جامداً طاهراً، فلا يصح بمتنجس، وأن يكون قالعاً للنجاسة، فلا يصح بغير قالع، كالأملس، والرخو، وأن يكون غير مبتل، فإن كان مبتلاً بغير العرق، فلا يجزئ، وأن يكون غير محترم شرعاً، فلا يصح بمحترم، كالخبز والعظم، ومن المحترم شرعاً ما كتب فيه علم شرعي، كفقه، وحديث، أو وسائله، كنحو، وصرف، وحساب، وطب، وعروض، وأما ما كتب فيه اسم معظم مقصود منه ذلك المعظم كأبي بكر، وعمر؛ ونحوهما. ومن المحترم أيضاً المسجد، فلا يجوز الاستجمار بجزء منه، كحجر وخشب، ولو انفصل عنه، ما دام منسوباً إليه، ومن المحترم جزء الآدمبي، ولو مهدر الدم، نظراً لصورته، وإن أهدر دمه.
ويشترط في الخارج شروط. منها أن لا يكون جافاً، لأنه لا يفيد الحجر ونحوه في إزالته، وأن لا يطرأ عليه نجس آخر أجنبي. أو طاهر غير العرق، وأن لا يجاوز الصفحة في الغائط؛ والحشفة في البول، والصفحة: ما ينضم من الأليتين عند القيام، والحشفة: ما فوق محل الختان.
هذا إذا كان رجلاً، فإن كان المستجمر امرأة، فإنه يشترط في صحة مسها بالحجر ونحوه أن لا يجاوز ما يظهر عند قعودها إن كانت بكراً، وأن لا يصل إلى ما بعد ذلك من الداخل إن كانت ثيباً، وإلا تعين الماء بالنسبة لهما، كما يتعين بالنسبة للأقلف إذا وصل بوله للجلدة.
ويشترط في المسح بالحجر ونحوه أن لا ينقص عن ثلاثة مسحات، يعم المحل بكل مسحة، ولو بثلاثة أطراف حجر واحد. فلا يكفي أقل من ثلاث، ولو أنقي المحل، وإذا لم يحصل الإنقاء بالثلاث زيد عليها ما يحصل به الإنقاء، بحيث لا يبقى من النجاسة إلا أثر لا يزيله إلا الماء، أو صغار الخزف.
**********************
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.89 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.87%)]