عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 24-07-2019, 09:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,041
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ظاهرة الترادف في اللغة العربية ( دراسة في القرآن و عند أبي هلال العسكري)

ظاهرة الترادف في اللغة العربية ( دراسة في القرآن و عند أبي هلال العسكري)
الكاتب فوزي فهيم حسن


ثالثاً: شروط الترادف:
وضع العلماء المحدثين شروطاً للغوية الترادف ورأوا أنه لا بُدّ من تحقّقها وأوجزها الزيادي ضمن الشروط الآتية:
1. الاتفاق في المعنى بين الكلمتين اتفاقاً تاماً:

فمثلاً إذا فهم العربي من كلمة (جلس) شيئاً لا يستفيده من كلمة (قعد) فهذا يُعتبر غير ترادف .
2. الاتحاد في البيئة اللغوية:

بحيث أن تنتمي الكلمتان إلى لهجة واحدة أو مجموعة منسجمة من اللهجتان , إلا أنّ رمضان عبدالتواب اشترط بالكلمتين أن تنتمي إلى لهجة ٍ واحدة باعتبارها بيئة لغوية منفصلة أو إذا كانت ضمن اللغة المشتركة فهي لبيئة لغوية منفصلة عن اللهجات الأخرى.
3. الاتحاد في العصر:

فعند قياس كلمتين بالترادف , فيجب النظر إليهما بكونهما استُعملتا في نفس العصر , أي بنظرة ٍ وصفية ٍ لا على أساس النظرة التاريخية .
4. ألا يكون أحد اللفظين نتيجة تطوّر صوت آخر:

مثال ( الجثل والجفل ) فكلاهما النمل , ويمكن أن تكون إحدى المفردتين متطورة صوتياً عن الأخرى .
وبهذه الشروط حدّ المحدثون من كثرة الترادف والغلوّ فيه حتى صارت المترادفات بقدر ٍ مقبول , حتى كأنهم أدركوا الااضطراب والخلط في هذه المسألة[36].

رابعاً :أسباب وقوع الترادف:
ذهب كثيرٌ من علماء اللغة إلى تفسير حدوث هذه الظاهرة في اللغة العربية , وأخذ كلّ عالم بذكر أمثلته وشواهده , وسندرس تلك بإيجاز , ونذكر ما يدعم كلّ راي من أدلّة وشواهد:
1. اختلاف اللغات واللهجات:

ظهر تداخل اللغات عند العرب لديهم بشكلٍ كبير وأخذ بعضها عن بعض ولا سيّما ما كان من لغة قريش ولغات القبائل الأخرى .
وتكوّنت اللغة المشتركة التي كما يراها بعض الدارسين الجدد بأنها مكوّنة من مجموع لغات العرب , فلذلك لا بُدّ ان تظهر فيها بعض مظاهر الاختلاط , ومن هذا الاختلاط نشأ الترادف في اللغة العربية الموحّدة.
وكذلك نجد في منعجمنا العربي المسمّيات الكثيرة للشيء الواحد على سبيل اختلاف اللغات[37].
ويُروى عن الأصفهاني , انه قال :"وينبغي أن يحمل كلام من منع الترادف على منعه في لغة واحدة , أما في لغتين , فلا يُنكره عاقل"[38].
ويرى ابن جني أنّ تساوي اللفظين في لغة العربي سببه أحد الأمرين:
إما أنها من لغة قومه , وهو الأرجح , وفائدته التوسع في أوزان الشعر وسعة التصرف في بديع النثر , والثانية : مستفادة من لغة قبيلة أخرى فكثرة تكرارها حتى تساوت مع لغته .
وتأكيداً لهذا السبب يقول ابن جني :"إذا كثر على المعنى الواحد ألفاظ مختلفة فسمعت في لغة إنسان فإنّ إحدى ذلك أن يكون قد أفاد أكثرها أو طرفاً منها من حيث كانت القبيلة الواحدة لا تتواطأ في المعنى الواحد وكلما كثرت الألفاظ على المعنى الواحد كان ذلك أولى بأن تكون لغات الجماعات اجتمعت لإنسان ٍ واحد من هنا وهنا[39].
وبهذا السبب نجد أنّ أغلب العلماء القدامى عوّلوا على تفسير الترادف بالرجوع إلى لغات القبائل الأخرى , ولكهم لا يُشيرون إشارة واحدة تغدوا الألفاظ المترادفة إلى تلك اللغات[40].
2. أن يكون للشيء الواحد في الأصل اسماً واحداً و ثم يوصف بصفاتٍ مختلفة , باختلاف خصائص ذلك الشيء , فيمكن النظر إلى السيف وأسمائه المختلفة في العربية , تلك الأسماء التي كانت بالأصل صفة له , كالصارم والباتر والصقيل وغير ذلك [41].
3. المجاز: بحيث أن ينتقل معنى الكلمة من محيط ٍ إلى آخر بطرق ٍ أبرزها الاستعارة , ومن هذا الباب يمكن تفسير الكثير من ترادف الألفاظ .
فانتقال المجاز إلى الحقيقة يجعل من الصعوبة الشيء الكثير في الفصل بينهما وعند دراستنا للعديد من الألفاظ دراسةً تاريخية , يُثبت أنها في حقيقتها لم تكن أسماء أصيلة للشيء , وإنما أطلقت عليه , سُمّي بها عن طريق المجاز وأثّر بها عادات اجتماعية كثيرة كالعادات والتقاليد والآداب , لاعتبارات نفسية كثيرة .
وبعض المحدّثين أطلقوا على الترادف اسم (المجازات المنسية) ليدلّلوا أنّ سبب الترادف هو المجاز , وهذا غير صحيح لأن المجاز ليس هو السبب الوحيد لوقوع الترادف[42].
4. التطوّر اللغوي:

فقد تطوّر بعض أصوات الكلمة على ألسنة الناس , فتنشأ صور أخرى للكلمة , وعندئذٍ يعدّها اللغويون مترادفات .
فبعض اللغويون يعدّون الإبدال من الترادف , مثل "دعس" و"طقس" وقد يكون التطور اللغوي في معنى الكلمة ودلالاتها , فقد يصبح الخاص عاماً والعام خاصاً , فالمعاني لا تبقى على حالها.
5. المعرّب والدخيل:

اقتبست العربية من اللغات الأعجمية الأخرى مفردات لها نظائر عند العرب من حيث الدلالة , ولذلك عدّ العرب المعرّب والدخيل من أسباب وقوع الترادف , ومن ذلك ما نجده من أسماء الخمرة من ألفاظٍ أعجمية معربة مثل الاسفنط , وهي رومية الأصل[43] , وهناك أسماء أخرى للخمر مثل الترياق[44].
ومن العلماء من لم يعتدّوا بهذا السبب لتفسير الترادف , معلّلين ذلك بأنهم أخرجوا اللهجات العربية على المعنى الواحد من باب الترادف فالأولى أن يرفض الدخيل والمعرّب من هذا الباب ومنهم محمد المنجد[45].

المبحث الثاني: الترادف في القرآن الكريم:
أولاً: آراء العلماء حول الترادف في القرآن الكريم:
اهتمّ اللغويون قديماً وحديثاً بتطبيق نظريّاتهم اللغوية على القرآن الكريم لما له من القدسية العالية , والمكانة الدينية عند المسلمين , كما لقيمته اللغوية الخارقة التي عجز الإنسان على الإتيان بآيةٍ من مثله , وبهذا الصدد كان لأهل اللغة والتفسير آراءٌ في وجود الترادف في القرآن الكريم , واشتغلوا بتثبيت آرائهم وإسنادها إلى أدلة ٍ من القرآن , ولما للترادف من الأثر البالغ كذلك في تفسير آيٍ من القرآن وتبيان معانيه .
فظهر اتجاهان حول مسألة الترادف في القرآن الكريم :
الاتجاه الأول: يثبت الترادف:
ظهرت مسألة الترادف عند المثبتين في كلامهم عن الأحرف السبعة والتوكيد والمتشابه .
أما الأحرف السبعة والترادف فيها , فذكروا أنّ الترادف هو المقصود بالأحرف السبعة والتوكيد والمتشابه .
أما الأحرف السبعة والترادف فيها , فذكروا أنّ الترادف هو المقصود بالأحرف السبعة , مثل الزركشي يوضّح معناها بأنها سبعة أوجه من المعاني المتفقة بالألفاظ المختلفة , نحو اقبل وهلمّ , وتعال وعجّل وأسرع ونحوه..
وبهذا فهو أنكر على أنها لغات و لأنّ العرب لا تركّب لغة بعضها بعضاً[46] . ولكن إن عدنا إلى القول بأنّ المراد بالسبعة حقيقة العدد , فيكون تحديداً للرخصة بألا يتجاوز سبعة مرادفات أو سبع لهجات , لأنه لا يتأتى في كلمة من القرآن أن يكون فيها سبع لهجات , إلا كلمات قليلة .
حتى لو اعتمد مفهوم الأحرف السبعة فلن تجد الترادف الذي تريد , لانها ألفاظ من لغاتٍ شتى , وبعض العلماء لم يعتدّوا باللغات انها من الترادف , كما ذكر سابقاً[47] , أما التوكيد وتأثيره على الترادف , فقد رأى العلماء أنّ في الترادف نوعاً من التوكيد للمعنى , وقد قسّمه العلماء إلى قسمين من التوكيد , توكيد باللفظ المرادف وتوكيد بعطف المرادف[48].
وذكر الزركشي على التوكيد باللفظ المرادف "التوكيد قسمان:لفظي ومعنوي فاللفظي :تقرير معنى الأول بلفظه أو مرادفه , فمن المرادف "فِجاجاً سبُلاً"[49] و"غرابيب سود"[50].
أما التوكيد بعطف المرادف ذكر أنه يحسن باواو , وأناب غيره (أو) عن الواو.
أما المتشابه , وهو إيراد اللفظة الواحدة في صور شتى وفواصل مختلفة[51], ويذكر أنّ من أنواع المتشابه استبدال كلمة بأخرى في آيتين متماثلتين , مثل "ما ألفينا عليه آباءنا" وفي لقمان "وجدنا" وهكذا..
وكذلك في التفاسير المختلفة , قد كثُر فيها تفسير ألفاظ القرآن بمرادفات , فيقول الزركشي :تجيء كاد بمعنى أراد , ومنه "كذلك كِدنا ليوسف"[52].
ولقد أقرّ صبحي الصالح وجود الترادف في القرآن , لأنه قد نزل بلغة قريش المثالية يجري على أياليبها وطرق تعبيرها , وقد أتاح لهذه اللغة طول احتكاكها باللهجات العربية الأخرى اقتباس مفردات تملّك أحياناً نظائرها ولا تملك منها شيئاً أحياناً أخرى , حتى إذا أصبحت جزءاً من محصولها اللغوي فلا غضاضة أن يستعمل القرآن الألفاظ الجديدة المقتبسة إلى جانب الألفاظ القرشية الخالصة القديمة[53].
الاتجاه الثاني: منكري الترادف :
تفاوتت آراء منكري الترادف في القرآن الكريم , فمنهم :
1. من يرى أنّ ثمة ألفاظاً أحسن من ألفاظ , ومعناها في اللغة واحد , وهو بذلك لا ينكر الترادف , وإنما يؤثر بعض الألفاظ على بعض , فالإنكار هنا في تساوي الفصاحة لا المعنى. وبهذا يرى الزركشي أن من فصاحة القرآن اختلاف الكلام باختلاف المقام فلكلّ موضع ما يليق به ولا يحسن بمرادفه.
2. من يتحرّج من القول بالترادف في بعض الألفاظ في كتاب الله يؤثر الفروق بين ما يُظنُّ من المترادفات كالفرق بين الخوف والخشية.
3. من يُنكر الترادف إنكاراً تاماً , مثل ابن الأعرابي , والأصفهاني ,فذكر في مقدمته أنه يهدف بكتابه أن يحقّق من الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد وما بينهما من الفروق الغامضة[54].
ومن العلماء الذين أنكروا بنت الشاطئ , فهي تنكره باللغة العربية وأيضاً في القرآن ما لم يكن الترادف ناتجاً عن اختلاف اللغات أو القرابة الصوتية[55] , وكذلك كان للدكتور عفيفي محمود عفيفي رأياً بذلك , فقد أثبت بالأدلّة العلمية أنه لا ترادف بين ألفاظ البصر والنظر والرؤية وأنّ لكلّ منها مجال استعمال محدّد في القرآن الكريم[56].
ويسر رأينا عنحو وجود الترادف في القرآن الكريم , عند من يرى أنّ هناك ألفاظ أحسن من ألفاظ , ترد حسب السياق , فيكون معناه أجمل في هذه الجملة من تلك , والله أعلم.
ثانياً: دراسة ألفاظ مترادفة في القرآن الكريم:
نريد أن نبحث الآن عما تكون عليه لغة القرآن الكريم في تلك الظاهرة اللغوية باختيار بعض المفردات الواردة في القرآن الكريم ونتناولها بالدرس والتحليل ثمّ الحكم عليها بالترادف أو التباين.
- أتى , جاء :
أتى وجاء : يذكر ابن فارس في الإتيان أنه يدلّ على مجيء الشيء وصاحبه وطاعته[57] , وفي لسان العرب جاء بمعنى الإتيان , والإتيان بمعنى جاء[58]أي أنه لم يفرّق بينهما, والأصفهاني يقول:الإتيان المجيء بسهولة ويقال للمجيء بالذات وبالأمر وبالتدبير[59].
ويرى كذلك أنّ المجيء أعمّ و الإتيان قد يقال باعتبار القصد , وإن لم يكن منه الحصول , والمجيء يقال اعتباراً للحصول.
وبهذا وردتا في القرآن , بقوله تعالى "إذ قال لأهله إني آنستُ ناراً سآتيكم منها بخبرٍ أو آتيكم بشهابٍ قبسٍ لعلّكم تصطلون, فلما جاءها نودي ياموسى...."[60].
وتعليقاً على هذه الآية ذكر محمد المنجد أنّ الإتيان تحيط به ثلة من معاني الغموض (الشك والجهل وعدم القصد) , والمجيء تحيط به معاني العلم واليقين , وتحقّق الوقوع والقصد[61].
ومن خلال رأيه نجد أنه ذكر في الآية في بدايته "سآتيكم" قبل الوصول إلى النار , لأنه لديه شك بالوصول والحصول على شهاب ٍ قبس , ثمّ بعد الوصول إليها قال الله تعالى "جاءها" أي تحقّق اليقين بالوصول إليها.
وكذلك في قوله تعالى :"قال إن كنتَ جئتَ بآية ٍ فأتِ بها إن كنتُ من الصادقين"[62] , فالمجيء بالآية ذُكر بحقّ موسى عليه السلام وما من شكّ أنه كان مستيقناً من تلك الآية.
أما الإتيان بها فكان طلباً من فرعون على وجه التحدي , وذلك يدلّ على شكِّ في نفس فرعون .[63]
وقوله تعالى:"ولا يأتونك بمثلٍ إلا جئناك بالحقِّ وأحسن تفسيراً" كانت المقابلة بالإتيان بالمثل وبالمجيء بالحق , ومقابلة المثل بالحق , تدلُّ على أنّ المثل باطلٌ وهذا الضلال أصله الجهل بينما الحق علمٌ ويقين[64].
وقوله تعالى:"ولولا أجلٌ مسمّىً لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتةً"[65] , فمجيء العذاب أمرٌ محقّق , أما وقت التنفيذ فغيبٌ مجهول[66].
- أجر , ثواب , جزاء :
الأجر :
يقول ابن فارس :"الهمزة والجيم والراء أصلان يمكن الجمع بينهما بالمعنى , فالأول الكرّاء على العمل , والثاني جبر العظم الكسر , والمعنى الجامع بينهما أنّ أجرة العامل كأنها شيء يُجبر به حاله فيما لحقه من كدٍّ فيما عمله"[67] ويذكر الأصفهاني أنه ما يعود من ثواب العمل دنيوياً كان أو أخروياً وأنه فيما كان عن عقدٍ وما يجري مجرى العقد , ولا يقال إلا في النفع دون الضرّ[68].
والعسكري يرى أنّ الأجر يكون قبل الفعل المأجور عليه والشاهد أنك تقول ما أعمل آخذ أجري[69].
ووردت في القرآن في قوله تعالى :" فإن أرضعن لكم فآتوهنّ أجورهنّ"[70] , فالأجر هنا مقابل مادي يُنتفع به على عملٍ دنيويٍ اشترط إنجازه أولاً.
الثواب :
يرى ابن فارس أنّ الثواب مشتقٌ من أصلٍ صحيح يدلّ على :"العود والرجوع..والثواب من الأجر والجزاء"[71], والأصفهاني والعسكري عندهما أنه بالنظر إلى أمرٍ يثاب إليه يكون خيراً , ويكون شراً إلا أنه في الخير أكثر[72].
وذكر محمد المنجد فروقاً بين الأجر والثواب:
وأولها : أنّ الأجر يكافئ العمل , والثواب ما زاد على ذلك , ففي القرآن :"وجاء السحرة فرعون قالوا إنّ لنا لأجراً إن كنّا نحن الغالبين"[73] , فكأنّ الأر يكافئ الغلبة , والثواب تقريب فرعون لهم وهذا مما يزيد على الأجر.
وثانيها : أنّ القرآن جعل الأجر عاماً يكون من الله عزّ وجلّ , ويكون بين الناس تقريباً , فيقول الله تعالى :"فلهم أجرهم عند ربهم"[74] , ويقول :"فإن أرضعن لكم فآتوهنّ أجورهنّ"[75], في حين يذكر القرآن الثواب مسنداً للبشر فكأنّ الثواب خاصّ بجناب الله تعالى والأجر عام .
ثالثها : أنّ الأجر يكون على الأعمال فقط في حين أنّ الثواب يكون على الأعمال والأقوال معاً.
ففي قوله تعالى : "فأثابهم الله بما قالوا جناتٍ تجري من تحتها الأنهار"[76]
وقوله تعالى: "فأثابهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة"[77] فكان الثواب عقب أقوال ٍ ذكرت على سبيل الدعاء[78]
الجزاء :
يقول ابن فارس :"الجيم والزاي والياء قيام الشيء مقام غير ومكافأئته إياه "[79] , وعند الراغب :"ما فيه الكفاية من المقابلة , إنْ خيراً فخير , وإنْ شراً فشرّ"[80] , ووردت في القرآن مرة مع المحسن , كقوله تعالى :"ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ماكانوا يعملون"[81] , وأخرى مع المسيء كقوله تعالى:"ولنجزينّه م أسوأ الذي كانوا يعملون"[82] .
فيظهر لدينا أنّ مفردات الأجر والثواب والجزاء كلماتٌ مختلفة ولا يظهر عليها الترادف , فعباراتها تختلف لما بينها من عمومٍ وخصوص.
- آنس , أبصر , رأى , نظر:
آنس :
يقول ابن فارس :"الهمزة والنون والسين أصلٌ واحد وهو ظهور الشيء , وكلّ شيءٍ خالف طريقه التوحّش"[83] , ويرى الراغب الأصفهاني , في قوله تعالى :"فإن آنستم منهم رُشداً"[84] أنه بمعنى أبصرتم أُنساً بهم [85].
وبهذه الآية يقول ابن حيان :"إني آنستم أي أحسستم , والنر على بُعد لا تُحسّ إلا بالبصر , والإيناس أعمّ من الرؤية , لأنك تقول : "آنستُ من فلان ٍ خيراً"[86]
وذكر محمد المنجد في كتابه أنه يميل إلى أنّ الإيناس إحساس بما يؤنس به , قد يكون هذا الإحساس عن طريق حاسة البصر أو عن غيرها[87] , وبذلك اتبع رأي أبي هلال العسكري[88].
أبصر:
يقول ابن فارس :"الباء والصاد والراء :أصلان :أحدهما العلم بالشيء وأصل ذلك كلّه وضوح الشيء , ويقال :بصرتُ بالشيء إذا صرتُ به بصير (عالماً) , وأبصرته إذا رأيته"[89].
والأصفهاني يقول "إنّ البصر يقال للجارحة وللقوة التي فيها"[90].
ويبيّن محمد المنجد أنّ الإبصار قوة في العين تنقل صورة الأشياء فيدركها العقل , وتلك هي الرؤية , ثم يحصل العلم بالمرئي , فكأنها مراحل متتابعة , والإبصار مرحلة من تلك المراحل[91].
رأى :
يقول ابن فارس:"الراء والهمزة والياء أصل ٌ يدلّ على نظر وإبصار بعين ٍ أو بصيرة , فالرأي ما يراه الإنسان في أمره ... والرِّئي مارأت العين من حالس حسنة"[92].
ومن قول ابن فارس استدلّ أنّ الرأي والإبصار لديه مترادفان , لكن حسب المراحل التي ذكرها محمد المنجد , نجد أنّ الرأي غير الإبصار , لأنّ الرؤية مرحلة بعد الإبصار الحسي , فهو يدلّ على الإدراك .
نظر :
ورد توضيحه عند اللغويين بانه عبارة عن تقليب الحدقة نحو المرئي التماساً لرؤيته , ولما كانت الرؤية من توابع النظر ولوازمه غالباً أجري لفظ النظر على الرؤية على سبيل إطلاق اسم على المسبب[93]. ويذكر الأصفهاني أنه يراد به التأمل , كما في قوله تعالى :"قل انظروا ماذا في السماوات "[94] , أي تأمّلوا[95].
ويبيّن أبو حيّان في تفسيره لقوله تعالى :"قال ربّ أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقرّ مكانه فسوف تراني"[96].
أرني بمعنى اجعلنى متمكناً من الرؤية التي هي للإدراك , علمٌ أنّ الطلب هو الرؤية لا النظر الذي لاإدراك معه , فقيل :لن تراني , ولم يقل :لن تنظر إليّ[97].
وبذلك تتبع رأي محمد المنجد بأنّ لفظ (آنس) له خصوصية لا نجدها في رأى وأبصر ,ذلك لأنّ الرؤية والإبصار عاماً في كلّ ما يظهر للعيان فالإبصار : قوة في العين , والرؤية : دالّةٌ على الإدراك[98].
- الفرق بين الجسد والبدن:
الجسد :
جسم الإنسان ولا يقال لغيره من الأجسام المغتذية ,ولا يقال لغير الإنسان جسد من خلق الأرض[99] . وقيل الجسد البدن , والجسد والجاسد والجسيد هو الدم اليابس[100] , والجسد هو جسم الإنسان والجن والملائكة والزعفران , وعجل بني إسرائيل[101] , وكلّ خلق لا يأكل ولا يشرب من نحو الملائكة والجن فما يعقل فهو جسد[102] , وقوله تعالى :"وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام"[103] ,أي ما جعلناهم خلقاً مستغنيين عن الطعام[104] , والجسد يدلّ على تجمّع الشيء واشتداده ومن ذلك جسد الإنسان[105] , فالجسد تطلق على الجثة فقط للميتين وغير الميتين[106] , والجرجاني يقول في الجسد هو كلّ روح تمثّل بتصرف الخيال المنفصل , وظهر في جسم ناري , كالحب , أو نوري كالأرواح الملكية والإنسانية , حيث تعطي قوّتهم الذاتية , الخلع واللبس , فلا يحصرهم حبس البرازخ[107].
وأيضاً الجسد لما له لون والجسم يقال أيضاً لما يبيّن له لون[108].
البدن :
فقد عرّفه العلماء مجمعين على تعريفه بأنّ بدن الإنسان جسده , والبدن من الجسد ماسوى الرأس والثوى[109] , والثوى الأطراف[110] , وقيل البدن هو العضو ورجلٌ بادن جسيم[111] , والبدن شبه درع , إلا أنه قصير قد ما يكون على الجسد .
وبعض العلماء اقتصر على أنّ البدن هوفقط جسد الإنسان ومنهم الجوهري قال : "بدن الإنسان جسده , وقال تعالى :" اليوم ننجيك ببدنك " [112] , بجسدٍ لاروح فيه .[113], و الأصفهاني قال : البدن : الجسد , لكنّ البدن يُقال اعتبارا بعظم الجثة , و الجسد يُقال : اعتبارا باللون , منه يُقال :"ثوب مجسّد"[114] و ابن دُريد قال : بدن الإنسان جسمه .[115]ومن معاني البدن الأخرى : يُقال رجل بدنٌ أي مسنٌ ، قال الشاعر :
هل لشبابك فات من مطلب أم ما بُكاء البدن الأشين [116]
أما رأي أبي هلا العسكري : أنّ البدن هو ما علا من جسد الإنسان , ولهذا لا يقال للدرع القصير الذي يلبس الصدر إلى السرة بدن , لأنه يقطع على البدن , وجسم الإنسان كلّه جسد , و الشاهد أنّه يقال لمن قطع بعض أطرافه : إنه قطع شيء من جسده , و لا يُقال : شيء من بدنه و قد يتداخل الاسمان إذا تقاربا في المعنى , ولما كان البدن هو أعلى الجسد وأغلظه , قيل لمن غلظ من السمن : قد بدُن .[117] ونلاحظ في كلامه أنّه عرّف البدن بما لم يعرفه غيره الكثير من العلماء الذين قالوا إنّ البدن من الجسد سوى الرأس و الثوى , بينما العسكري عرّف البدن ماعلا من جسد الإنسان وهو بذلك يريد اثبات الفروق لاغير .
الجزء الاول من البحث
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.91 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.67%)]