عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 20-09-2020, 05:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي أحوال العذر بالجهل "حديث ذات أنواط" دراسة تطبيقية

أحوال العذر بالجهل "حديث ذات أنواط" دراسة تطبيقية















أبو عبدالرحمن أيمن إسماعيل




إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71].







أما بعد:



فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؛ أما بعد:







نص الحديث:



عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه، قال: ((خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حُنَيْنٍ، ونحن حديثو عهْدٍ بكُفْر، وللمشركين سِدْرَةٌ يعكفون عندها، وينوطون بها أسلحتهم، يُقال لها: ذات أنواط، قال: فمررنا بالسدرة، فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل: ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [الأعراف: 138]، لتركبنَّ سَنَنَ مَن كان قبلكم)).







تخريج الحديث: أخرجه أحمد (21897)، والترمذي في باب الفتن (2180)، وقال: حسن صحيح، والنسائي في التفسير من سننه الكبرى (11121)، وابن أبي عاصم في السنة (76)، وصححه الألباني في "ظلال الجنة" (76)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم[1].







هذا الحديث فيه جملة من الفوائد:



الفائدة الأولى: حسن المقصد يحتاج إلى حسن العمل.



وهذه القاعدة من الأهمية بمكان؛ أي: إن النية الصحيحة السليمة وحدها لا تكفي لإصلاح العمل الفاسد، بل النية السليمة تحتاج كذلك إلى صحة العمل الذي هو عمل الجوارح.







نعم الأعمال بالنيات، ولكن النية الصحيحة حتى يُقبَل ما يترتب عليها، ويكون عليها الثواب - لا بد أن يقترن بها عمل صالح موافق لأصول الشرع؛ ولذلك قال تبارك وتعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، فنهى الله تبارك وتعالى عن الشرك؛ شرك النيات، وشرك الأفعال، وأمر بإصلاح النية، ولم يقتصر على ذلك، بل قال: ﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا ﴾، والعمل الصالح لا يكون صالحًا إلا إذا كان موافقًا للكتاب وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.







أما عن علاقة هذه القاعدة بحديث الباب، فإن هؤلاء النفر الذين كانوا حدثاء عهد بكفر، كان مقصدهم مقصدًا حسنًا، فهم لم يقصدوا شجرة يتبرَّكون بها، ويتمسحون بها، كما فعل المشركون الذين تعلقت قلوبهم بالشجرة، حتى عكفوا لها وأناطوا بها أسلحتهم؛ طلبًا للبركة من ذات الشجرة، فلم يكن هؤلاء الصحب الكرام قاصدين لذلك، بل كانت نيتهم نيةً حسنة، فهم أرادوا فقط شجرةً يُعلِّقون بها أسلحتهم للبركة، ويجلسون عندها للبركة، ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما اكتفى بحسن النية، بل سمى طلبهم هذا كمن قال: ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ [الأعراف: 138]، فساوى النبي صلى الله عليه وسلم بين طلبهم هذا، وبين طلب قوم موسى حينما قالوا: ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ [الأعراف: 138].







فرع:



قولهم في الحديث: ((اجعل لنا ذات أنواط، كما أن لهم ذات أنواط))، هل هذا الطلب شرك أصغر أو شرك أكبر؟



مِنَ العلماء مَن قال: إن طلبهم هذا من الشرك الأكبر، ولكن عذرهم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لحداثة عهدهم بالإسلام[2].







الراجح والله أعلم أن هذا من الشرك الأصغر؛ وذلك لأمور: أنهم طلبوا ولم يفعلوا، وقد نص العلماء على أنهم طلبوا مجرد المشابهة في أن تكون لهم شجرة ينوطون بها السلاح، يستمدون بها النصر، وليس منها؛ بسبب ما ينزل من البركة عليها من قِبَلِ الله.







لذا نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يقطع مادة المشابهة من جذرها، فإن بني إسرائيل طلبوا مشابهة المشركين، ولكن في الشرك الأكبر، وأما مَن طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان طلبهم من الشرك الأصغر، فقد يؤول إلى الشرك الأكبر مع طول الزمان؛ لأن الشرك الأصغر بريد الشرك الأكبر، فأول شرك وقع على وجه الأرض كان بدايته تصوير الأصنام على صور الصالحين، ثم لما تنسخ العلم عُبدت، فكان تصوير الأصنام ذريعة إلى الشرك الأكبر، فإن قيل: فإن كان سؤالهم من الشرك الأصغر، فلمَ قال صلى الله عليه وسلم: ((قلتم كما قالت بنو إسرائيل: ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾؟







فالجواب عن ذلك:أن ذلك من قبيل الاستدلال بالآيات التي نزلت في الشرك الأكبر على الشرك الأصغر؛ كما قال حذيفة لما رأى رجلًا في عضده خيط: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 106]، أو يقال: إن ذلك من باب ما يؤول إليه الأمر؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له: ما شاء الله وشئتَ، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أجعلتني لله نِدًّا؟))، وهذا من باب ما يؤول إليه الأمر؛ قال الشاطبي: "قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بما أخذ القرون من قبلها)): يدل على أنها تأخذ بمثل ما أخذوا به، في الأعيان أو الأشباه، والذي يدل على الثاني - أي: الأشباه - قوله لمن قال: ((اجعل لنا ذات أنواط)): ((هذا كما قالت بنو إسرائيل: ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا ﴾))، فإن اتخاذ ذات أنواط يشبه اتخاذ الآلهة من دون الله، لا أنه هو بعينه؛ فلذلك لا يلزم في الاعتبار بالمنصوص عليه أن يكون ما لم ينص عليه مثله من كل وجه، والله أعلم"[3].







قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قوله صلى الله عليه وسلم: ((قلتم كما قال قوم موسى: ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ [الأعراف: 138]، إنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم))، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم مجرد مشابهتهم للكفار في اتخاذ شجرة يعكفون عليها، معلقين عليها سلاحهم، فكيف بما هو أعظم من ذلك من مشابهتهم المشركين، أو هو الشرك بعينه؟"[4].







ونختم فوائد هذا الحديث بذكر صفة تتعلق بحديث الباب وهى صفة التبارك لله تعالى:
صفة ذاتية وفعلية لله عز وجل، وقولنا: "تبارك الله": أي: تقدس وتنزه، وتعالى وتعاظم، لا تكون هذه الصفة لغيره؛ أي: تطهر، والقُدْس: الطهر[5].








وهي صفة ثابتة بالكتاب والسنة:
الدليل من الكتاب:




1- قولـه تعالى: ﴿ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ﴾ [هود: 73].



2- وقولـه تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ﴾ [الملك: 1].







الدليل من السنة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: ((بينا أيوب يغتسل عريانًا، فخرَّ عليه جَرَادٌ من ذهب، فجعل أيوب يحتثي في ثوبه، فناداه ربه: يا أيوب، ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى وعزتك، ولكن لا غِنى بي عن بركتك))[6].





قال ابن القيم: "وأما صفته تبارك، فمختصة به تعالى كما أطلقها على نفسه ..."[7].





وقال رحمه الله بعد أن ذكر عدة تفسيرات لمعنى "تبارك"، قال: "وقال الحسين بن الفضل: تبارك في ذاته، وبارك مَن شاء مِن خلقه، وهذا أحسن الأقوال، فتباركُهُ سبحانه وصف ذات له، وصفة فعل ..."[8].





أنواع البركة:




البركة نوعان:



أ) النوع الأول: بركة هي فعله سبحانه وتعالى، والفعل منها بارك، ويتعدى بنفسه تارة، وبأداة "على" تارة، وبأداة "في" تارة، والمفعول منها مبارك، وهو ما جعل كذلك، فكان مباركًا كما يجعله تعالى.







ب) النوع الثاني: بركة تضاف إليه إضافة الرحمة والعزة، والفعل منها تبارك؛ ولهذا لا يقال لغيره ذلك، ولا يصلح إلا له عز وجل، فهو سبحانه المبارِك، وعبده ورسوله المبارَك؛ كما قال المسيح: ﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ﴾ [مريم: 31]، فمن بارك الله فيه وعليه، فهو المبارَك، وأما صفته تعالى فمختصة به تعالى كما أطلقها على نفسه؛ بقوله تعالى: ﴿ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54][9].







تم بحمد الله.







[1] تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف (11/ 112)، جامع الأصول (10/ 34)، وصحيح موارد الظمآن (1540).



[2] وهذا ما ذهب إليه من المعاصرين أئمة؛ منهم: ابن باز (شرح كتاب التوحيد)، ومحمد بن عبدالوهاب في (كشف الشبهات)، وعبدالرحمن بن حسن في شرحه لكتاب التوحيد.



[3] بتصرف يسير من الاعتصام (3/ 189).



[4] اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (2/ 157).



[5] لسان العرب (10/ 395، مادة: برك).



[6] أخرجه البخاري (279).



[7] بدائع الفوائد (2/ 185).



[8] جلاء الأفهام (ص: 167)، وانظر: صفات الله في الكتاب والسنة (ص: 182).



[9] مختصر الأسئلة والأجوبة على العقيدة الواسطية لعبدالمحسن السلمان (ص: 67).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.91 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.37%)]