عرض مشاركة واحدة
  #619  
قديم 09-05-2008, 04:16 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع ....كابوس الكفر الجزء الثاني

رابطة الود والاحترام تقوى بين أفراد المجتمع

ذكرنا في عرضنا للآثار المعنوية للكفر على الإنسان أن الكفار لا يمكن أن يدركوا المعنى الحقيقي للحب والاحترام. فمجتمع قوامه أناس كهؤلاء لا يمكن للعلاقة بين أفراده، صغارا كانوا أم كبارا، بدوا كانوا أم حضرا، أن تتسم بالدفء. ويشعر الفرد في ظل مثل هذه الظروف بالوحشة والعزلة. فكل فرد يفكر بنفسه فقط. والواقع أن مشاعر الحب والاحترام التي يبدونها لبعضهم بعضا ليست هي التي وصفها القرآن. والسبب الأول لذلك أن قيمهم كلها مبنية على اهتمامات مادية الصبغة.
لا أحد في هذه المجتمعات يحترم شخصا آخر دون مقابل. فالموظف يحترم رئيسه خوفا من غضبه وما قد يترتب على هذا الغضب من فقدان للوظيفة. ويجل الطالب أستاذه لئلا يفشل في الامتحان. كما تشعر المرأة بالرغبة في الإحسان إلى زوجها طمعا في استمراره في الإنفاق عليها. لكن من الواضح جدا هنا أن الاحترام الذي تعكسه جميع هذه الأمثلة يقوم على المصلحة الخالصة.
لكن لا تكاد تعثر على أثر لصور التعامل هذه في المجتمعات وأنماط العيش المصبوغة بصبغة الخلق القرآني. إذ يحترم كل فرد في هذه المجتمعات وبشكل تلقائي كل مؤمن يسعى للفوز برضا الله. فلا يحتاج المرء لأن يصبح نجما مشهورا أو ثريا واسع الثراء لينال التوقير وحسن التقدير في مجتمعه. فمجرد إيمانه بالله وخوفه منه وسعيه لنيل رضا خالقه يكفي لرفع مكانته في عيون الناس في مجتمعه.
أشرنا فيما سلف من فصول هذا الكتاب إلى نمط الأخلاق والروح التي تغلب على المجتمعات الكافرة. ولنتأمل الآن، في حال مجتمع قوامه أمثال هؤلاء الناس. هل سيكون مجتمعا تسوده معاني الحب والاحترام؟ إن الإجابة هي وبلا تردد بالنفي. فمن خلا قلبه من حب الله خالقه ورازقه لا يمكن أن يحب خلق الله وعباده. وحل هذا الإشكال يكمن في قيام مجتمعات تسير حياة أفرادها وفق مبادئ الدين.
انتهاء فظائع السكر والقمار

إن أبرز ملامح هذه الصورة الكالحة للمجتمعات اللادينية هو أن السكر والقمار قد أصبحا طريقة حياة لغالبية أفراد هذه المجتمعات. إن حرمان هؤلاء الناس من هدي الإسلام جعلهم لا يدركون معاني الصبر أو الرجاء أو التوكل على الله، وهذا هو سبب فزعهم إلى السكر والقمار متى ما اعترضت سبيلهم محنة. فإن لم تجر الرياح بما يشتهون أو إذا تملكهم الغضب أو استولى عليهم الملل أو ركبهم الحزن أو حتى إن ألمت بهم حالة فرح، هرعوا إلى الكحول يطلبون عندها السلوى والعزاء، لكنهم لا يجنون من ذلك سوى الإضرار بأنفسهم وبالآخرين. فحين تبلغ سكرتهم مداها تذهب عنهم عقولهم ويغيب وعيهم فيرتاحون عندها من عذابات الضمير ووخزه الممض، ثم يأخذون في شتم الناس وإساءة الأدب والتعامل بوقاحة دون أدنى شعور بالحرج.
إن ذهاب العقل والوعي بسبب السكر وما يترتب على ذلك من نتائج مؤسفة يوضح حالة الاضطراب التي يجلبها ذلك للمجتمع. فليس بمستغرب أن يفقد شخص ما كل ما يملك في ليلة واحدة على طاولة القمار، أو أن يندفع بتأثير السكر إلى ارتكاب جريمة قتل أو ممارسة العنف أو الانتحار أو غير ذلك من الموبقات. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الشرور وذلك في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُون " (المائدة:90-91)
يجتنب المؤمنون القمار لأن الإسلام يحرمه تحريما قاطعا. إن الخوف من الله الذي يعمر قلوبهم يضمن هذا الاجتناب ويعينهم عليه، فلا يستهويهم أبدا بالغا ما بلغت قوة الدافع وشدة الإغراء. والحق أنه ليس ثمة معاذير ومسوغات شرعية تتيح للمرء الوقوع في مثل هذا المنكر. وما كان لمؤمن أو مؤمنة أن يأثم بالتماس الأعذار وذلك لأنه لا مجال للمرونة أو التساهل في شيء حرمه الإسلام.
إنه لا يمكن الوثوق بقيم الغافلين عن قيم الدين وذلك لأنها تتغير تبعا لتغير الظروف والوقت والملابسات. لذلك تبرز تفسيرات شتى انطلاقا من هذه العوامل. فقد تجد القمار وأمثاله من المنكرات مرفوضة في بعض الأمكنة في حين تجدها مقبولة تماما حتى في نظر منكريها إذا مورست في أماكن معينة كالفنادق مثلا. فقد لا يجد الشخص الذي لا يقامر حرجا البتة في لعب القمار إذا كان المكان ملائما لذلك.
إن السلوك القويم يقتضي مجانبة الشرور في كل الأحوال. وإن تقلب سلوك المرء بحسب الظروف والرفقة دليل على ضعف الشخصية. وليس يرجى من شخص يجهل قيم الدين أن يكون ذا شخصية أو إرادة قوية.
اختفاء مشكلة المخدرات
ذكرت إحدى وكالات الأنباء نقلا عن تقرير أعدته منظمة الأمم المتحدة في عام 1997م أن 200 مليونا من سكان العالم يتعاطون المخدرات. ولا تنفك الصحف ومحطات التلفزة تعرض في كل يوم تقارير مطولة عن تعاطي وإدمان المخدرات الأمر الذي يصيب عقولنا بالخدر ويدفعنا إلى عد هذا الأمر من جملة الأشياء المعتادة. غير ن التأمل في هذه الشرور يتيح لنا فهما أفضل لوهن الأساس الذي يرتكز عليه هذا القبول. فهل يعقل أن يستسلم الإنسان الذي خصه الله بنعمة العقل وميزه بها عن كافة المخلوقات لإدمان مليجرامات قليلة من مادة ما ويفقد وعيه أو ينهار بالكامل إذا حرم منها؟
يتعاطى مدمنو المخدرات في الغالب الجرعة الأولى من المخدرات قائلين: "لا بأس من تجربة هذا الأمر مرة واحدة"، فتتولد فيهم، بوعي أو بدون وعي، نزعة تمرد. ثم يجدون أعذار "معقولة" لإدمانهم لكنها مع ذلك أعذار واهية. إن تلهي هؤلاء الأشخاص عن ضعف إرادتهم الشخصية يدفعهم إلى الإنحاء باللائمة على من حولهم من الناس، حيث تصبح المشاكل الأسرية و الفشل في الدراسة و العمل والصراعات الاجتماعية والمشكلات المالية وتصعّب الأمور أو الاكتئاب لسبب أو لآخر، أسبابا كافية للتورط في مستنقع الإثم. وما إن تتلبسهم هذه الروح حتى تتكون لديهم نظرة سلبية للأمور ثم يغوصون أكثر في لجج السلبية والتشاؤم.
يشعر هؤلاء الناس بالضعف أمام مصاعب الحياة. ولأنهم محرومون من معية الله ورفقته فإنهم لا يثقون بأحد، مما يزيّن لهم أن سداد الرأي يحتم عليهم نسيان كل شيء وأن يفقدوا الوعي الحقيقي. فتدفعهم هذه القناعة إلى زيادة كمية المخدرات التي يتعاطونها في كل يوم فيخربون حياتهم بأيديهم. كما يزيدهم إنكارهم للمعاد الأخروي وإيمانهم بأن الموت هو النهاية التي لا بعث بعدها يزيدهم حرصا على الاستمتاع بحياتهم إلى آخر مدى لكنهم يصابون بالهلع حين تتحول هذه الحياة إلى كابوس يقض مضاجعهم، فينتهون إلى ورطة وذلك حين تفتك المشكلات، التي تلقي بوطأتها الثقيلة على حياتهم اليومية، بصحتهم العقلية والجسدية.
إن هذه الحالة المرعبة من السخط والغضب الذي يجدونه إنما هو عقاب في هذه الدنيا على تهافتهم على شهواتهم بدلا من الحرص على إرضاء الله.
لقد وهب الله الإنسان حكمة وضميرا وعقلا وبشره بحياة مباركة في هذه الدنيا وفي الآخرة شريطة أن يكون همه هو إرضاء الله، فإن لم يفعل فالجحيم مصيره في الدنيا وفي الآخرة. والحق أن الذين يبتغون القرب من الله هم وحدهم الذين ينعمون بالأمن أملا في الفوز بالنعيم المقيم في فردوس الله الأعلى وطمعا في العيش الهانئ في الحياة الدنيا.
إن القرب من الله مالك السماوات والأرض وما بينهما هو بلا ريب أشد ركن يمكن أن يأوي إليه الإنسان، وهذا هو الذي يجعل المؤمنين أقوى الناس وأصلبهم قناة، قوة في الإرادة وقوة في الإدراك. إن عمق إيمانهم بالله وإخلاصهم لدينه الذي أنزل هو الذي يمدهم بهذه القوة.

إن الأمراض الاجتماعية كتعاطي المخدرات والكحول والقمار والعنف تنشأ بسبب الغفلة عن ذكر الله.
وهي آفات يسلم منها كل من يعرف نعم الله عليه ومسئولياته تجاه مسبغ هذه النعم.
اختفاء البِغاء
"وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً"(الإسراء: 32)
إن الزنا، وهو أحد الأفعال التي حرمها الله، جريمة شنعاء تحط من قدر الإنسان في الدنيا والآخرة إن لم يتب صاحبها. ويجلب الزنا للمجتمع وللأفراد الذين يمارسونه أمراضا عديدة. أما المؤمنون فيجتنبون الزنا بل ويبغضونه لأن الله حرمه. ويجب أن لا يغيب عن البال أن الله يحث على الزواج والذي هو رابطة يباركها الإسلام.
وفوق ذلك، فإن الأذى الذي يلحقه الزنا بالمجتمع عامل آخر يعزز عزيمة المؤمنين على النفور منه والابتعاد عنه. كما يحذر المؤمنون من سوء عاقبة مرتكبي جريمة الزنا التي حرمها الله في القرآن تحريما قاطعا. ولقد أركس الزنا كثيرا من الناس اليوم وسلبهم الكرامة والثقة بالنفس والاحترام وسلكهم في نمط حياة مذل. كما هدم الزنا كثيرا من الأسر وملأ حياتها بالحزن والقلق وفاقم أزماتها النفسية. وما درى هؤلاء البؤساء أنهم سيحصلون على الأمن والاستقرار النفسي وسيستعيدون ثقتهم بأنفسهم وسيحافظون على أواصر الحب والاحترام فيما بينهم إن استجابوا لأمر الله وقصروا أنفسهم على الحلال المشروع. إلى جانب أن هذه العفة ستضمن سلامة الجو الأسري وسلامة المجتمع.
إن للزنا دوراً معروفاً في تحطيم المجتمعات وذلك لأنه يستهدف الركيزة الأولى في المجتمع وهي الأسرة. ويفقد الأشخاص الذين سقطوا في حمأة الزنا هيبتهم وكرامتهم الشخصية واحترام الناس من حولهم. ومن الخطأ الظن بأن الرغبة في الحصول على المال هي وحدها التي تدفع الناس إلى ممارسة الدعارة. ففي الغالب يكون هناك ميل شخصي نحو الزنا ولكن هذا لا يغير من حقيقة أنه زنا. وينشد الناس بوجه عام في مثل هذه الحالات الراحة النفسية وذلك بزعم أنهم "لا يرمون إلى تحقيق أي مكسب مادي من وراء علاقاتهم" لكن هذا تمويه وتضليل كبير إذ لا يرجى من شخص مرد على تجاوز حدود الله أن يقف عند حدود مشروعة. ويخبرنا الله في القرآن أنه حرم كافة أشكال العلاقات الجنسية التي تحدث خارج إطار الزواج. وهذا هو السبب الذي يجعلنا نمتنع عن حصر البغاء في قالب معين واحد.
ومن جهة أخرى فإن قناعة أكثر الناس الذين يمارسون الزنا بحرمته وشناعته تملأهم هما وغما وتجعلهم فريسة لعذابات الضمير. ولن يفلح إنكارهم وجحودهم في إخفاء حقيقة أنهم قد فقدوا كرامتهم وثقتهم بأنفسهم.
إن نصب أماكن معينة لممارسة البغاء هو من الأضرار الأخرى التي تلحقها هذه الظاهرة بالمجتمع. وكلما زاد البغاء كلما زاد عدد هذه الأماكن مما يعجل بخراب المجتمع. إذ ينجذب الشباب إلى هذه المواضع وتضعف الروابط الأسرية ثم تكثر الخيانة. لكن الله يدعو إلى أوضاع يسودها الأمن والإخلاص والوفاء والثقة ويسمي ذلك نعمة.
لقد اختار كثير من الناس عبر تاريخ البشرية أن يتكسبوا بالبغاء فأركسوا بذلك أنفسهم وحطوا من أقدارها. ويعرض الزنا في أيام الناس هذه كطريق سهلة للكسب المادي. إذ تدفع الرغبة في الثراء كثيرا من الناس إلى أن يحيوا حياة مذلة مشينة. ويحذر الله الناس في القرآن من هذا الخطر فيقول: " الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (البقرة:268)
لكن إذا لاذ الإنسان بكنف خالقه ودخل في زمرة المؤمنين فسيسوق له الله الرزق من حيث لا يحتسب ويغنيه من فضله. ولا ريب أن المؤمن الحق سينال بإذن الله الفضل في الدنيا والآخرة. لكن الله قد يبتلي عبده المؤمن فيقدر عليه رزقه، وفي هذه الحالة ينال المؤمن خيرا عند خالقه إذا تأمل حال الحياة وحتمية زوالها.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الإنسان قد يقع في أي نوع من الأخطاء في حياته. وليس بمستبعد أن يأتي المرء أفعالا محرمة في القرآن أو أن يقضي حياته في البغاء أو في أي لون آخر من ألوان العلاقات الجنسية المحرمة. لكن إذا تاب المرء وأناب إلى الله وخلصت بذلك نيته فإن الله سيقبل توبته إن شاء الله. لكن يتعين على المرء أيضا أن يدرك أن التوبة التي يقبلها الله ليست هي التوبة التي تأتي عند قدوم الموت. ولقد أوضح الله هذا الأمر في القرآن فقال: "إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً {17} وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا" (النساء: 17-18)
لا أحد يتكسب بفعل غير مشروع

أشرنا فيما مضى من فصول هذا الكتاب إلى حقيقة أن الناس المحرومين من قيم الدين لا يدركون حقيقة اليوم الآخر ولذلك تصبح الدنيا أكبر همهم ولا يعرفون حدودا في انسياقهم وراء شهواتهم. فهؤلاء الناس لا يتورعون عن عمل أي شيء في سبيل إشباع رغباتهم ولو أدى بهم ذلك إلى التضحية بكرامتهم. فهم، حسب منطقهم المعوج، سيموتون في نهاية المطاف ويتحولون إلى تراب ولذلك يتعين عليهم أن يستمتعوا بكل لحظة من حياتهم القصيرة. فيصبح المال بغيتهم الأولى وذلك لأنه في نظرهم الطريق الموصلة إلى النجاح والوسيلة التي يحصلون بها على ما يريدون. وهنا يتجلى ضعفهم الأخلاقي فيتكون لديهم استعداد لعمل كل شيء يجلب لهم المال بطريقة هينة ميسورة.
حري بهؤلاء الناس أن يقعوا في كل ما يمكن تصوره من ألوان الشرور كالخداع والخيانة والغش والسرقة والنصب والابتزاز وشهادة الزور. وإن في الأخبار التي تفيض بها الصحف اليومية عن هذه الممارسات لتأكيد لهذه الحقيقة، فمن منا لم يسمع بجرائم القتل التي أرتكبت بغرض الحصول على ميراث القتيل، ومن منا لم يسمع بتشجيع أناس لزوجاتهم وبناتهم وجيرانهم على ممارسة البغاء للحصول على المال أو غير ذلك من ضروب الغش.
لكن المؤمنين يعلمون أن الله هو الرزاق المتين. وليس معنى ذلك أنهم يجلسون في بيوتهم ينتظرون الرزق أن يأتيهم بل يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله، لكن طمعهم في الدنيا محدود ولا يرد على خواطرهم هم باكتساب العيش من غير وجوهه المشروعة. إنهم يدركون أن رضوان الله لا ينال ألا بالصدق وبالتقوى، كما جاء في الحديث: "إن الله يحب المؤمن يحب أن يكون رزقه حلالا" (الطبراني). لكن الله يكافئهم على زهدهم في الحياة بأن يسبغ عليهم آلائه الكثيرة.
ماذا يحدث للمجتمعات عندما يتشبث أفرادها بأخلاق الإسلام؟

إن وجود قيم الدين يملأ النفوس بحب الله. ولهذا الحب تأثير إيجابي بالغ على الناس كافة. إن تطلع المؤمنين إلى نيل رضا الله وعفوه يدفعهم إلى التحلي بأفضل الأخلاق وإبداء المحبة والاحترام لبعضهم البعض فتتخلل معاني الرحمة والتسامح والعطف جميع مفاصل المجتمع ويتسابق الناس ويتنافسون على فعل الخيرات.
وفي المقابل، تحول خشية الله بين الناس وبين الوقوع في الإثم وبهذه الطريقة يقضى بسهولة على كل أنواع الشر وينفذ دفء الدين وروحه إلى سائر جوانب الحياة. ولا ريب أن المقصود بالدين هنا هو العقيدة الأصلية التي جاء بها القرآن والاستمساك بها بتجرد وإخلاص.
إن للأسرة وظيفة جوهرية في تكوين وبقاء أي مجتمع من المجتمعات. وحين يتمسك الناس بمبادئ الدين ويقيموا لها وجوههم تزدهر العلاقات وتقوى بين أفراد الأسرة ويسود الحب والاحترام الحقيقيين. وحين تفقد الأسرة يفقد مفهوم الدولة معناه، وذلك لأن الأسرة والدولة مفهومان متداخلان. إن تفكك الأسرة يعجل بنهاية المجتمع والدولة. وفي المجتمعات البعيدة عن هدى الدين ينزع الناس إلى التمرد والفوضى والخروج على سلطان الدولة. وإذا دعت الحاجة إلى إظهار القيم الأخلاقية وحمايتها يحجم الأشخاص الذين تخلو قلوبهم من خوف الله عن المشاركة في تحقيق هذا الهدف. وحين تتعارض مصالح المجتمع مع المصالح الشخصية يسارع الأشخاص المجردون من قيم الدين، حكاما كانوا أو محكومين، إلى تفضيل مصالحهم الفردية. ومما يجدر ذكره هنا أن هذا التفضيل للمصالح الشخصية يحمل صاحبه إلى التهرب من خدمة قومه حين تدعو الحاجة. ولهذا فليس بمستغرب أبدا أن يمارس هؤلاء الأشخاص أنشطة إرهابية. لكن الشخص المقتدي بهدي الدين لا يفرط في واجباته الوطنية بل لديه استعداد لتعريض حياته للخطر ذبا عن القيم التي يؤمن بها. إن مصالح الوطن في نظر مثل هذا الشخص مقدمة على مصالحه الشخصية.
في المجتمعات التي يسود فيها الوعي الديني يشعر الطلاب بالحب والاحترام تجاه الدولة ويدعمونها ولا يهاجمون قوات الشرطة أو قوات الجيش كما يحدث في المجتمعات الأخرى. إنهم يثمنون دور قوات الشرطة والجيش في حفظ الأمن. ويثق أفراد المجتمع بوجه عام بدولتهم وجيش وشرطة بلادهم ويعينونهم. وتنتهي انتفاضات الطلاب والصراعات بين الأخوة والنزاعات بين اليمين واليسار. وذلك لأنه لا يبقى شيء يشتجر حوله الناس بعد أن توحدت كلمتهم بشأن كتاب الله وما فيه من تعاليم تحث على التعاون والتعاضد.

إن حكم الدولة يصبح في ظل هذه الأوضاع سهلا ميسورا ويعم الأمن والرخاء ربوع البلاد. أما الأشخاص الذين يتولون إدارة شئون البلاد فيعاملون مواطنيهم برفق وإنصاف ولا يسومونهم الظلم والخسف. ويرد المواطنون التحية بأحسن منها فيحترمون مسئوليهم. ولا ريب أن دولا بهذا الوصف لتنهض على أساس متين.
إن البعد عن أخلاق الإسلام يجعل الأب عدوا لابنه وبالعكس، ويولد الشقاق بين الاخوة، ويدفع أصحاب العمل إلى ظلم موظفيهم وهكذا تنتظم الفوضى الاجتماعية كافة قطاعات المجتمع، فتتوقف المصانع والشركات عن العمل بسبب الفوضى ويستقل الأثرياء عرق الفقراء. أما في مجال العمل التجاري فيغلب الغش على كافة المعاملات. وهكذا تصبح الفوضى والصراعات طريقة حياة لأفراد المجتمع. وسبب ذلك كله تجرد الناس من خشية الله. وذلك لأن الشخص الذي لا يرجو لله وقارا لا يتورع عن الظلم أو عن اللجوء إلى العنف المفرط والقسوة، بل وحتى القتل. كما يدفعهم موت الضمير إلى الإصرار والتبجح بفعالهم المقبوحة. وعلى النقيض من ذلك فإن الشخص الذي يخاف عذاب الله الذي أعده للظالمين يوم القيامة يحجم عن إتيان هذه المعاصي. إن منظومة الخلق الإسلامي تمنع وقوع هذه الأفعال وذلك لأن كل شيء يعالج برفق وهدوء وبالتي هي أحسن، فلا أخطاء ولا تجاوزات قانونية تحدث وتخلو ساحات المحاكم ومراكز الشرطة من القضايا والمرافعات.
إن الاستقرار العقلي الذي ينعم به أفراد المجتمع قاطبة يعود بالخير والبركة على المجتمع. وتنتعش حركة البحث العلمي فلا يمر يوم دون حدوث تقدم تقني أو اكتشاف علمي جديد ثم يسخر كل ذلك في خدمة المجتمع ككل. وتزدهر الثقافة ويسعى القادة لتحقيق الرفاه العام للمجتمع. وهذا الازدهار هو نتيجة لتحرر أرواح الناس وعقولهم من الضغوط. وذلك لأن هدوء البال يشحذ الذهن ويعمّق الفكر. إن الحياة القائمة على الاستقامة الخلقية تجلب للناس السعادة والنجاح الاقتصادي والزراعي والصناعي.
إن الفقر والجوع وسفك الدماء والعنف الذي ينتظم العالم تعود جذوره إلى المنطق الذي يعد جميع هذه الشرور أمرا معتادا ولا مناص منه. ويسمح هذا المنطق بقتل النساء والأطفال المساكين لا لشيء إلا لأنهم ينتمون لعرق آخر، أو يسمح بتجويعهم في الوقت الذي يعاني فيه الآخرون ممن التخمة. وجميع هذه الأمور تحدث لأن هذا المنطق المذكور يعدها من "قوانين الحياة الثابتة". لكن هذا العنف ليس "قانونا من قوانين الحياة" بل هو أحد "قوانين الكفر". وهذه البشاعات ستتلاشى إلى الأبد وسيسود العدل والرحمة ربوع العالم إذا آب الناس لقيم القرآن.
أما في مضمار الفنون والآداب فتحدث نهضة كبيرة. فالناس الذين تتبخر أحلامهم ويضيق أفقهم بما يجابهون من فتن وأزمات يومية يمكنهم التخلص من هذه المشكلات بالتشبث بقيم الدين. وكأثر لذلك يبدع الناس في الفنون وتبلغ قدراتهم ومواهبهم غايتها القصوى. والشخص الذي يدرك أن الله قد نفخ فيه من روحه وبشره بجنة تزخر بالمجد والفن وغير ذلك من آلاء يأتي دونها الحصر يتولد فيه تشوف وتطلع إلى بلوغ غايات الكمال الفني والجمالي. وفوق ذلك، فإن الحب الذي تنطوي عليه جوانحه لمن حوله من الناس سيعزز التزامه بتقديم أفضل ما عنده.
لكن الناس المحرومين من أخلاق وقيم الدين لا تجد فيهم اهتماما ولا تطلعا إلى إثراء أرواحهم. فلا يشعرون البتة بالرغبة في التعامل مع الآخرين بخلق حسن وذلك لأن هؤلاء الآخرين ليسوا في نظرهم سوى أحفاد قرود مآلهم إلى الفناء. وغاية هؤلاء الناس في الحياة هي أن يتبعوا شهواتهم التي تمليها عليهم غرائزهم الأنانية الحيوانية. غير أن تتبع شهوات النفس لا يسعد الروح الإنسانية ولا يزكيها بل يصيبها بالتبلد والتحجر. فهؤلاء الناس لا يرجى منهم إضافة شيء ذي بال إلى الفن والأدب، كما أنهم يفقدون القدرة على تذوق الفن والجمال والانفعال بهما. والبلد الذي لا يستمتع أهله بالفن والجمال الحقيقي يصاب أهل الفن والأدب فيه بالإحباط فتعقم قرائحهم أن تنتج إبداعا فنيا حقيقيا. ويغدو الجري وراء المال والشهرة الهدف الأول للفنانين والأدباء فتأتي أعمالهم الفنية ممسوخة وزائفة.
وختاما، فإنه حين يتمسك الناس بقيم الدين التي جاء وصفها في القرآن تستحيل حياتهم إلى فردوس ويغدو الانسجام والتناسق الاجتماعي الذي هفت إليه أفئدة الناس في كل العصور وأصبح في نظرهم حلما صعب التحقق، يغدو واقعا معاشا في فترة زمنية قصيرة.
قيم القرآن هي الحل
تطرقنا عبر فصول هذا الكتاب إلى وجهة نظر وأنماط سلوك الأشخاص البعيدين عن قيم الدين وناقشنا السمات الأساسية للمجتمع الذي يتكون من مثل هؤلاء الأفراد. وحللنا طريقة عيشهم الموبوءة بالمشكلات والأزمات المعضلة وما يترتب عليها من ضرر نفسي وجسدي. كما تعرضنا بالوصف للحياة المباركة لمجتمعات المؤمنين وذكرنا أن ما تتسم به حياة المؤمنين من سلام وأمن ليس سوى انعكاس لحقيقة أن القرآن يطرح الحلول لكافة أنواع المشاكل. بل يوفر القرآن الحل الأنجع والأعقل لأي مشكلة أو معضلة كانت.
إن التمسك بأخلاق القرآن يسكب السعادة والأمن في الروح الإنسانية ويضع حدا لكل صنوف الظلم والصراعات والحروب والإجحاف والسرف والقلق والتعصب والقسوة والعنف. ويرشد ويوجه العلاقات الاقتصادية والتجارية والاجتماعية ويضع حدا للتدافع بين أفراد الأسرة والأقارب والمجتمع ككل. لقد جاء القرآن بأفضل وأكمل وأنجع الحلول. وفوق ذلك، يرشد القرآن الإنسان إلى أقوم الخلق وأفضل السلوك للتعامل مع أي قضية وفي ظل أي ظرف. وإن مجتمعا يكون أفراده مثالا يتجلى فيه هذا السمو الأخلاقي سيهتدي إن شاء الله إلى أفضل الهياكل الاجتماعية التي لهث وراءها البشر من قديم العصور. إن اشتمال القرآن على حلول لجميع المشكلات تبينه الآية التي يقول فيها رب العزة: "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون" (يوسف: 11)
لا يمكن للناس بدون هدي القيم الإسلامية أن يأتوا بحلول عملية لمشكلاتهم الشخصية والاجتماعية. والحق أن التاريخ يزخر بمشكلات كثيرة ظلت بلا حل حتى نزول القرآن. وطالما استمر الإنسان في تجاهله للدين الحق فإنه لا محالة سيواجه مشكلات وأزمات يعجز عن التعامل معها. وهذا هو المصير الذي ينتظر الغافلين عن الدين في الحياة الدنيا أما العذاب الذي ينتظرهم في الدار الآخرة فهو أنكى وأبقى.
إن الله هو وحده المحيط بأحوال الإنسان، وقد زود الله الإنسان في كل العصور بكل أنواع التفسيرات والتوضيحات والمعارف من خلال الدين الحق. ويخبرنا الله في القرآن أن الإنسان سينال السعادة في الدنيا إذا اقتفى أثر القرآن: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون" (النحل: 97).لكن إذا أصر الإنسان على التنكر لهدي الله وأخلد إلى الأرض واتبع هواه فستناله سيئات ما قدمت يداه. وذلك لأن تجاهل القرآن يعني الحرمان من نور الله. فلا تجارب الإنسان الشخصية ولا تجارب الأجيال السابقة ستغني عن الإنسانعند التعامل مع المشكلات التي سيواجهها في مسيرة حياته. بل سيغرق في مستنقع الغم والهم والضغط النفسي والحيرة والفشل. وبعد حين سيستسلم هذا الإنسان لهذا الوضع ويحيا حياته الحاضرة معتقدا أن النكبات التي تحل به، والتي هي في الحقيقة ثمرة للكفر، حقائق حياتية لا تتغير.
إن سبيل الخلاص واضحة بينة، ألا وهي الالتفات إلى الله خالق الكون والركون إليه وابتغاء السعادة وراحة البال في التمسك بالدين الذي ارتضاه الله لنا. لقد أخبرنا الله تبارك وتعالى أن الالتفات إلى الدين هو طوق النجاة في الحياة وبشرنا أنه سينجي عباده المخلصين من الخوف بشرط أن يسمعوا ويطيعوا له: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون" (النور-55)
ــــــــــــــــــــــــ

المصدر : موقع هارون يحيى www.harunyahya.com
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.41 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.59%)]