عرض مشاركة واحدة
  #618  
قديم 09-05-2008, 05:12 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع ....كابوس الكفر الجزء الثاني

تجاهل قيم الدين يسبب التوتر النفسي
يرجع الضغط النفسي، ذلك الوباء المقلق والواسع الانتشار، إلى أسباب نفسية. وهو عبارة عن حالة عامة من التوتر الذهني والجسدي الذي يسببه الخوف واليأس والقلق ومشاعر أخرى كالخوف من فقدان الوظيفة والخوف من الإصابة بالمرض أو الخوف من موت أحد أفراد الأسرة.
يستجيب جسم الإنسان للضغط النفسي بإحداث سلسلة من التفاعلات البيوكيماوية. ولهذا يزداد معدل هرمون الأدرنالين في الدم ويصحب ذلك ارتفاع شديد في معدل استهلاك الطاقة وتسارع تفاعلات الجسم. وفي غضون ذلك تتسرب مواد السكر والكولسترول والأحماض الدهنية إلى مجرى الدم فيرتفع نتيجة ذلك ضغط الدم وتزداد ضربات القلب.
تحدث حالات الضغط النفسي المزمن ضررا بالغا بجسم الإنسان ولا سيما في وظائف الجسم. كما يحدث الضغط النفسي ارتفاعا كبيرا في نسبة هرموني الكورتيزون والأدرنالين. كما يحدث الجلكوز المتجه إلى المخ ارتفاعا في معدل الكلسترول معرضا الجسم لمخاطر شديدة. ويسبب الضغط النفسي أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والاكتئاب وإصابات في الجهاز التنفسي والجلد وداء الصدف إلى جانب مشكلات صحية كثيرة أخرى.
تشير مصادر علمية كثيرة إلى وجود علاقة مهمة بين الضغط النفسي والتوتر والآلام التي يسببها. فقد أشارت الدراسات أن التوتر الناشئ عن الضغط النفسي يحدث تقلصا في الأوردة مما ينتج عنه إعاقة تدفق الدم لمناطق معينة من المخ. وتحدث هذه العملية نقصا حادا في كمية الدم التي تصل إلى هذه الأجزاء من المخ. وفي غضون ذلك يحدث حرمان هذه الأجزاء من الدم لفترات طويلة أضرارا بأنسجتها. ففي حالة الضغط النفسي تزداد حاجة النسيج المتوتر إلى قدر أكبر من الأوكسجين لكن عدم حصوله على قدر كاف من الدم يدفعه إلى تنبيه أجهزة استشعار الألم. وفي غضون هذا التوتر يتم إفراز هرموني الأدرنالين والنورأدرنالين، وهما هرمونان يؤثران على الجهاز العصبي، مما ينشأ عنه بصورة مباشرة أو غير مباشرة زيادة في توتر العضلات. ويولد هذا التوتر آلاما ثم تبدأ بعد ذلك دورة شريرة من ألم يحدث توترا يفضي إلى قلق ينشئ آلاما حادة.
إن الذبحة الصدرية هي بلا شك إحدى أخطر الاختلالات الجسدية الذي يسببها الضغط النفسي. وتشير كثير من الدراسات والبحوث إلى أن خطر الإصابة بالذبحة الصدرية يزيد عند الأشخاص المصابين بالقلق وحدة الطبع وسرعة الانفعال ويقل عند الأشخاص الذين لديهم قدرة على السيطرة على أنفسهم عند الغضب. وطبقا للبحوث العلمية التي أجريت في هذا الصدد فإن الإثارة الشديدة للجهاز العصبي المتجانس تحدث زيادة في معدل الأنسولين في الدم والذي يشكل بدوره تهديدا كبيرا للصحة وذلك لأن جميع الحالات التي تؤدي إلى مرض الشريان التاجي لا يفوق ضررها الضرر الذي تسببه زيادة معدل الأنسولين في الدم.
إن هذه الحالة غير العادية التي تصيب جسم الإنسان واستمرارها لمدة طويلة من الوقت تلحق ضررا بالغا بالصحة وبالتوازن الطبيعي للجسم. إن أهم مخاطر الضغط النفسي على جسم الإنسان تتمثل في الآتي:
- الهم والخوف: قلق الشخص من فقدان السيطرة على الغضب في حياته
- التعرّق: كثافة العرق والحاجة إلى الاستخدام المتكرر للمرحاض
- تغير الصوت: تلعثم وارتعاد الصوت
- حالة النشاط الفائق: نوبات مفاجئة من تفجر الطاقة وضعف التحكم بمعدل السكر في الدم
- الأرق: الكوابيس
- أمراض الجلد: النمش والحمى والإكزيما وداء الصدف
- أمراض الجهاز الهضمي: سوء الهضم والقرحة والغثيان
- الشد العضلي: آلام الفك والظهر والعنق والكتفين
- إصابات طفيفة: الانفلونزا وغيرها
- الصداع النصفي
- تزايد ضربات القلب وألم الصدر وارتفاع ضغط الدم
- اضطرابات الكلى وبقاء السوائل داخل الجسم
- اضطرابات الجهاز التنفسي وضيق التنفس
- الحساسية بأنواعها المختلفة
- الذبحة الصدرية
- ضعف جهاز المناعة
- تضاؤل حجم المخ
- الشعور بالذنب وفقدان الشعور بالأمان
- الاضطراب وضعف القدرة على إصدار أحكام متوازنة والعجز عن التصور وضعف الذاكرة
- حدة التشاؤم والقناعة القوية بالفشل
- صعوبة الوقوف المستقر
- عدم أو ضعف التركيز
- توتر الأعصاب وفرط الحساسية
- التصرف بشكل غير عقلاني
- فقدان شهية الطعام أو شدة الجوع
إن الضغط النفسي بلاء يصيب الأشخاص الذين يجهلون المنافع التي يجلبها الالتزام بأخلاق الإسلام. وليس لهم نجاة من هذا العذاب طالما ظلت أفكارهم ونظرتهم إلى الحياة وأحداثها على ما هي عليه من جمود. وهذه الحقيقة تؤكدها توصيات الخبراء فيما يتصل بالتعامل مع الضغط النفسي. ولنوضح هذا الأمر بضرب المثال الآتي: يحث دين الله على "التغلب على الغضب". والخبراء يعلقون على الغضب، وهو أحد أهم مسببات الضغط النفسي، على النحو التالي: " لا تفقد أعصابك مهما كان مقدار الاستفزاز الذي تشكله الحالة الماثلة. لا تلجأ للعنف (إلا في حالات الدفاع عن النفس) ولو شعرت بأن لك الحق في اللجوء إلى العنف".
وكما رأينا فيما مر فإنه كلما أفلح المرء في المحافظة على هدوئه ورباطة جأشه كلما زاد حظه من السلامة من كثير من الأمراض. إن هذه حقيقة يؤكدها العلم. ومما لا شك فيه أن هدوء البال وطمأنينة النفس لا ينالا إلا بالتمسك بالدين.
الاختلالات المناعية الناشئة من الضغط النفسي
ثمة علاقة وثيقة بين الضغط النفسي وجهاز المناعة. وللضغط النفسي أثر سلبي بالغ على جهاز المناعة، فالضغط النفسي يدمر جهاز المناعة. ففي حالة الضغط النفسي يزيد المخ من معدلات هرمون الكلسترول في الجسم مما يضعف جهاز المناعة. وبعبارة أخرى، هناك ارتباط وثيق بين الهرمونات وجهاز المناعة.
لقد أظهرت الدراسات في مجال الضغط النفسي والجسدي أن حدة الضغط النفسي وبقاءه لمدة طويلة يضعف مقدرة جهاز المناعة على المقاومة تبعا للتوازن الهرموني للجسم. وقد أثبتت آخر الدراسات أن كثيرا من الأمراض، بما في ذلك السرطان، تظهر وتحتد تبعا للضغط النفسي. وهذا هو ما يجعل لهدوء البال وصفاء المزاج دور كبير في الحفاظ على سلامة أعضاء الجسد بوجه عام. وقد ظهر أن هذا الاستقرار النفسي يمنع ظهور طائفة من العوامل التي تقود إلى الإصابة بالأمراض. والحق أن الإيمان بالله يفرز مثل هذه النظرة التي تعين الفرد على التمتع بسلامة العقل والجسم. إن النظرة الإيجابية إلى كل حادثة تعرض للمرء هو نوع من العبادة بشرط أن يكون الطمع في إرضاء الله هو الدافع إلى هذا السلوك. إن القرآن يرشد المؤمنين إلى إحسان الظن بالله والثقة به والأمل فيما عنده ويسهل لهم سبيلا إلى النجاة والفوز في الدار الآخرة بالإضافة إلى ما يحققه لهم في الحياة الدنيا من حياة سعيدة وهانئة ومباركة. على أن هذا هو فقط جزء من الفضل الجزيل الذي وعد الله الذين يلتجئون إليه ويقتدون بهديه. وليس معنى ذلك أن المؤمنين لا يمرضون ولا يصيبهم مكروه، بل الأمر ببساطة هو أن المؤمنين، مقارنة بغيرهم، أقل تعرضا للأمراض وذلك لأنهم بمفازة من الضغط النفسي وتعكر المزاج.
هناك أمر مهم تجدر الإشارة إليه، وهو أن الناس لا يفزعون إلى الدين هربا من الأمراض. لكن الثقة بالله والتسليم لأمره واتباع النور الذي أنزله يفضي إلى العافية في العقل والجسد. وبعبارة أخرى، فإن سلامة صحة المؤمنين لها علاقة بقوة إيمانهم وصلابة بنيتهم الروحية.
وبصريح العبارة فإن إنسان القرن الحادي والعشرين بحاجة إلى تحقيق شيء واحد هو: أن يعود لفطرته الأولى التي فطره الله عليها وأن يلتزم بمبادئ الدين، لأنه إن لم يفعل حصد الخيبة والخسران في الدنيا والآخرة.
التشبث بقيم الدين يحل جميع المشاكل الاجتماعية
ناقشنا بتفصيل فيما مر من فصول هذا الكتاب الحالة العقلية وسمات الأشخاص الغافلين عن قيم الدين والسلوك الإنساني الذي تحدثه هذه الغفلة. وسنبين في هذا الفصل كيف أن التشبث بقيم الدين يعين على حل مشكلات اجتماعية استعصت على الحل لعقود متطاولة من الزمن.
تلاشي كافة ألوان الفساد والانحطاط

إن التفسخ الأخلاقي هو أبرز سمات المجتمعات البعيدة عن هدي الدين. ويتخلل هذا التفسخ كافة مستويات المجتمع ويزداد حدة وتمكنا بمرور الوقت. ويفاقم من هذا التفسخ غفلة الناس عن هدي القرآن وافتقارهم إلى قيم الخوف من الله والرغبة في نيل رضاه. ولا جرم أن في هذه المجتمعات بعض التقاليد والأعراف والقوانين الاجتماعية التي طورها الأفراد والقادة والتي تسهم في تشكيل السلوك العام للمجتمع، لكن لأن هذه الأعراف والقوانين هي نتاج للعقل البشري ولا يرفدها خوف من الله، فإن أثرها على المجتمع ضعيف ولا تستطيع أن تقضي على السلوك المعوّج.
والدليل على ذلك أنه لا يوجد سبب يمنع الشخص المنحرف من الإمعان في الفساد. تأمل مثلا في حال أحد ملاك الشركات، فهو إن لم يكن يؤمن بالله ولا يخاف عقابه فمعنى ذلك أنه قد وطن نفسه على التصرف بشكل غير أخلاقي وأصبح متحفزا لاستغلال كل سانحة لتمرير قراراته ووضعها موضع التنفيذ. وهو لا يرى بأسا بإساءة معاملة موظفيه واحتقارهم أو استغلالهم. كما أنه يسلك نفس هذا السلوك تجاه شركائه، فيخدعهم ويخادعهم ويحاول بشتى الطرق الملتوية أن يحوز لنفسه أكبر قدر من الثروة وفي أسرع وقت ممكن دون أن يزعه من هذا الصنيع الفاجر وازع.
كما أوضحنا من قبل فإن التصور الأخلاقي يختلف من شخص لآخر إذا لم تكن الشريعة الإلهية أصلا للمعايير الاجتماعية. فقد يعاف شخص ما سلوكا معينا في حين يعده شخص آخر سلوكا مقبولا لا بأس به. فحين يختفي تأثير القيم الدينية عن مكان ما يتخذ أهله قيما أخلاقية شتى. وفي ظل غياب منظور قيمي موحد يصبح المجتمع فيصلا وحاكما للبت في مختلف النزاعات والصراعات، ولهذا تكون الأجيال اللاحقة أسوأ أخلاقا من الأجيال السابقة.
إن الأثر السيئ للتفسخ الأخلاقي على المجتمعات في تزايد مستمر. وينتشر الفساد بسرعة في المجتمعات التي لا تؤمن بالله. وقد يكون السلوك مرفوضا في عام مقبولا في الذي يليه. ولا شك أن هذا التردي المطرد يقود إلى تدمير المجتمع ويفاقم الانحطاط الخلقي. والعجيب أن هذا التفسخ الأخلاقي يوصف بأنه "حداثة" ومعاصرة ويغدو أهم موضوع في حملات تعليم وتثقيف المجتمع، وينشط المنظرون اللادينيون في الترويج للشعار القائل: " إن إنسان القرن الحادي والعشرين يجب أن يكون حرا وطليقا من كل القيود".
إن أجيالا بكاملها تتعرض في سن مبكرة للتفسخ الأخلاقي. بل هناك زيادة كبيرة في أعداد الأطفال الذين يرتكبون جرائم قتل في أوربا وأمريكا. ومن الشرق الأقصى تأتينا الأخبار بتعرض الأطفال لأبشع ألوان الاستغلال الجنسي لتحقيق أغراض تجارية. والحق أن الانحراف الجنسي كان في الثمانينات موضوعا يتحرج الناس حتى من مجرد الخوض فيه، أما اليوم فقد أصبحوا يعدونه جزء لا يتجزأ من طبيعة الحياة العصرية بل ويتعاطفون مع الأشخاص المنحرفين جنسيا. ومن ناحية أخرى يرمى الأشخاص الذين يعارضون هذه النظرة بتهمة التخلف ومخالفة روح العصر. وقد عاب القرآن سلوك هؤلاء الناس وذلك في قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُون " (النور:19)
إن من المستبعد جدا أن يشيع التفسخ الأخلاقي في مجتمع تسوده تعاليم الدين، وذلك لأن خوف أفراد هذا المجتمع من الله يعصمهم من الانزلاق في مهاوي الانحطاط الخلقي. ففي الآية التالية مثلا يتضح المعيار الأخلاقي الذي وضعه الله للناس: "إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون" (النحل:90)
إن الانحراف الخلقي يقل كثيرا في المجتمعات المؤمنة التي تراعي حدود الله التي بينها في كتابه المجيد. وإن شذ من هذه الاستقامة العامة سلوك معين فخرج على الإجماع الخلقي فإن ذلك لا يمثل مشكلة للمجتمع وذلك لأن المؤمنين سيواجهونه بالنكير لا بالتشجيع كما هو الحال في المجتمعات الضالة، وذلك لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أحد أهم واجبات المسلم كما يوضح ذلك قوله تعالى: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم" (التوبة:71)
بناء على ما تقدم يمكن القول إن المجتمع الذي تظلله قيم القرآن هو أيضا مجتمع فريد ومتميز أخلاقيا وذلك لأن أفراد هذا المجتمع: "وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ" (آل عمران:114) وثمة فضيلة أخرى يتحلى بها المؤمنون يشير إليها قوله تعالى: "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" (فصّلت:33) وقوله تعالى: "الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَاب" (الزمر:18)وقوله تعالى: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُون" (آل عمران:110).وجاء في أحد الأحاديث النبوية قوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن مرآة أخيه" (أبو داوود) كما حث الرسول المؤمنين على التواصي بالخلق النبيل وذلك في قوله: "أحسن الناس إسلاما أحاسنهم أخلاقا" (أبو داوود). وفي هذا شاهد قوي على أن مجتمع المؤمنين متفوق أخلاقيا على غيره من المجتمعات اللادينية.

التمسك بقيم الدين يقوي الرابطة الأسرية

إن قوة الترابط الأسري هي الدعامة التي ينهض عليها كل هيكل اجتماعي ناجح. وتفكك المجتمعات مرده إلى تفكك الأسر. ولقد كانت الأسرة هدفا أول للأيديولوجيات الهدامة مثل الشيوعية والاشتراكية، إذ هدف هؤلاء إلى هدم مؤسسة الزواج والقضاء على قيم الأمومة والإخلاص والخصوصية والشرف. وقد زعم فلاسفة ومنظرو هذه الاتجاهات أن هذه القيم لا قيمة لها. ففي الماضي كان العيش المشترك بين رجل وامرأة لا تجمع بينهما رابطة زوجية مثلا محل رفض المجتمع لكنه أصبح هذه الأيام سلوكا معتادا. وفوق ذلك فإن متوسط أعمار الأشخاص الذي يتعايشون دون رابطة زوجية يتناقص باطراد.
إن نظرة مجتمع اليوم إلى الأسرة معيبة بوجه عام. فغالب النساء ينظرن إلى الزواج كضمانة للعيش. وهذه النظرة تجعل المال المعيار الأول في اختيار الزوج. وأحيانا قد تكون المكانة الاجتماعية والجمال والبيئة عوامل مهمة في قرار الارتباط برجل معين، لكن في الأغلب يبقى المال هو المعيار الأول والأهم. ولهذا لا يستغرب المرء من تصاعد معدلات الطلاق والتي تفضح ضحالة الزيجات التي تقوم على عوامل خادعة كالمال والمكانة الاجتماعية والجمال.
وثمة مهدد آخر معروف للزواج وهو ارتفاع سقف توقعات الأزواج من زوجاتهم. فالجمال من ناحية عامة عامل مهم في اختيار الرجل لزوجته، كما قد يتأثر اختياره بعوامل أخرى مثل حظ المرأة من التعليم وتعدد مهاراتها. ولا شك أن توفر هذه المزايا في أحد الزوجين أو كليهما أمر لا اعتراض عليه، لكن إذا أسس الزواج، الذي ينبغي أن يقوم على أرضية صلبة، على هذه العوامل وحدها فستنهار الأسرة متى ما تبين لاحقا أن أحد هذه العوامل غير موجود.
إن الزواج يتطلب وفاءً وحبا واحتراما وهو نوع من المفاهيم لا يمكن أن تصبح قيما صلبة وملزمة إلا من خلال الدين. وعليه فإن الدين هو الضمانة الوحيدة لتماسك ونجاح العلاقة الزوجية.
إن الزواج القائم على هذا الفهم غير العقلاني هو زواج مؤسس على شفاء جرف هار. إذ سرعان ما تختفي من أفق الزواج معاني الحب والاحترام وتذهب المودة المتبادلة بين الزوجين جفاء. فما يمر طويل وقت على الزواج حتى تتبدى لكل طرف عيوب ونواقص الطرف الآخر، فيحتدم النقاش والاختلاف بين الزوجين ويتبادلا الاتهامات الخطيرة. لكن بعد حين من الوقت يقبل الزوجان بالأمر الواقع وتلفهما الدائرة الخبيثة ككثيرين غيرهم. ومما يجدر ذكره هنا أن الأجيال التي تخرج من كنف هذه الأسر تكون مضطربة نفسيا، وذلك لأن تأثرهم بسلوك والديهم يجردهم من معاني الحب والاحترام.
إن الأسر تتفكك عادة في المجتمعات التي لا تجعل من قيم الدين هاديا لحياتها. فللمال في هذه المجتمعات دور كبير في تشكيل العلاقات بين أفراد الأسرة. فالأب الذي ينفق بسخاء على أسرته يكافأ من قبل زوجته وأولاده حبا واحتراما، لكن إن حدث أن توقف الأب يوما ما عن الإنفاق على أسرته فإن هذا الحب والاحترام ينقلب إلى سخط، وهكذا يصبح المال سببا مستمرا للنزاع داخل الأسرة، وليس ثمة ضمانة على بقاء الزوجة مع زوجها إذا أفلس أو قل دخله. والغالب في مثل هذه الحالات أن ينتهي الزواج بالطلاق. وهذا بلا شك إحدى عواقب العيش بعيدا عن مظلة القرآن.
ثمة بون شاسع بين نظرة المؤمن ونظرة الكافر للزواج. فيقين المؤمن بأن هناك حياة أبدية تنتظر الإنسان بعد الممات تجعله يصمم على البقاء في كنف الزواج إلى الأبد. فالقرب من الله هو كل ما يرجوه المؤمن من الزواج. وبعبارة أخرى، فهو يريد من الشخص الذي سيبقى معه إلى الأبد أن يحيا وفق هدي القرآن. وذلك لأن كل السمات التي يتحلى بها الإنسان في الحياة الدنيا إنما هي عرض زائل. فاهتداء الزوجين بالقرآن يملأ حياتهما بالحب والاحترام والانسجام. فإن حدث أن أخطأ أحدهما ذكره الآخر بهدي القرآن فتزول المشكلة وذلك لأن المؤمن لا يجد حرجا فيما قضى الله بل يسلم تسليما. وعليه يمكننا، بناء على الأسباب الواردة أعلاه، أن نقول إن الأشخاص الذين يؤمنون بالله ويخافونه يقيمون زيجاتهم على قاعدة صلبة.
لكن من الخطأ حصر مفهوم الأسرة في العلاقات بين الزوجين فقط، فسلوك الأطفال تجاه والديهم وكبار السن من أفراد الأسرة مهم أيضا، وفي البيئات التي تعمرها مبادئ الدين تقوم هذه العلاقات على قاعدة الحب والاحترام. كما يخلو جو الأسرة من أنماط السلوك الفظ والزعيق والعراك والتي لا يسلم منها جو أسري في أيامنا هذه. ويسود بدلا منها جو من السلام والبهجة. فلا وجود لمزيد من الكوارث الأسرية وكل فرد يحمل أسرته في حدقات عيونه الأمر الذي يخرج إلى الوجود حياة أسرية يعز نظيرها. ويرى الأطفال في أبويهم نعمة عظيمة ويشعرون برابطة قوية تشدهم إليهما. ويشعر الأبوان أن أبناءهما إنما هم وديعة أستودعهم الله إياها واستحفظهم عليها. إن "الأسرة" تعني الدفء والحب والثقة والتضامن. ولا بد من التأكيد ثانية على أن مثل هذه الحياة الأسرية السليمة تقتضي التزاما تاما وخالصا بقيم الدين وخوفا من الله وحبا له.

يتبــــــــــــــع
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.82 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.79%)]