عرض مشاركة واحدة
  #614  
قديم 09-05-2008, 04:02 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع .... كابوس الكفــــر

الأمن والسلام يسودان حيث يتمسك الناس بمنهج الله

يرشد الله الإنسان إلى حياة يسودها الأمن والسلام. حياة تختفي من على وجهها سورة الغضب وغير ذلك من أنماط السلوك غير الأخلاقية التي حرمها الله: "الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين " (آل عمران: 134)، "وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُون " (الشورى: 37). كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حث المؤمنين على كبح جماح الغضب وكظم سورة الغيظ في كثير من أقواله: "ليس الشديد بالصرعة لكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب" (البخاري).
هكذا وصف الله المؤمنين في القرآن، وهم، أي المؤمنين، حريصون على الالتزام بمقتضى هذا الوصف. وما ذلك إلا لأن رحى حياتهم تدور حول قطب واحد وهو مرضاة الله تبارك وتعالى. فهم في تطلع دائم إلى إرضاء الله في كل كلمة يتفوهون بها وكل موقف يتخذونه وكل خطوة يمشونها. ويأمر الله عباده بالتزام نمط من السلوك الراقي الرفيع. ويصف هذا النمط من السلوك في كثير من آيات الكتاب الكريم بـ "التي هي أحسن". فهو يلفت الأنظار إلى ذلك بقوله: "وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا"(الإسراء: 53)، "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُون " (المؤمنون: 96)، "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم" (فصلت: 34).
يدأب كل فرد في الأوساط التي تتمسك بهدي القرآن إلى تنمية أفضل الأخلاق في نفسه. ولهذا تغدو السكينة والوداعة والسلم أسلوب حياة يجئ سجية وتتطوع به النفوس غير مكرهة. فلا تملك آفات الغضب والصراع والشقاق إلا أن تتلاشى. هذا هو دأب المؤمنين وبقائهم على هذه الأخلاق الكريمة. ولا يعثر المرء على أثر لآفات الصراع والنزاع، لا في حياة الأسرة ولا في ميدان التجارة ولا حيث تزدحم حركة المرور. هذه السوءات الخلقية التي يتقبلها أناس آخرون ولا يرون بها بأسا، تسبب الحرج للمؤمنين.
يعم السلم في الأماكن التي يستمسك فيها بأخلاق الإسلام. أما في المجتمعات الكافرة فيعاني الناس من رهق القلق وعنت المشاكل. فليس ثمة آلية واحدة لمنع شخص مجرد من قيم الدين من إتيان صنيع غير مقبول. وأغلب الظن أن مثل هذا الشخص سيعاني من تقلب المزاج وذلك لأنه يتصرف وفق ما تمليه عليه شهواته ونزواته، فهو قد يغضب فجأة، وقد يتصرف تجاه الآخرين بشكل غير لائق، بل قد يلجأ إلى العنف أحيانا. والحق أن الشعور بالغضب يعكس ما يعتمل في دواخل الفرد من قلق. وكما نوهنا من قبل، فهذه حالة يتكرر حدوثها في أوساط المتزوجين والأصدقاء وفي ميادين العمل التجاري وفي العلاقات الأسرية. ويندر أن تجد في مثل هذه المجتمعات أشخاصا لا ينزعجون إذا أحسوا بأن الأمور تجري على غير ما يشتهون، أو إذا تعرضوا للضغط أو شعروا بأن مصالحهم تتعرض للخطر. ففي مجتمع كهذا يعز العيش في سلام وذلك لأن الناس فيه لا يأبهون ولا يكترثون بمشاعر الآخرين.
لا يتصور كثير من الناس أن الشخص الذي يثير غضبهم قد يكون مرهقا أو يعاني من قلة النوم أو مريضا أو يواجه مشكلة ما. فالناس ليسوا ملائكة وقد يقعون باستمرار في الأخطاء. ومن العبث مهارشة الآخرين وسبهم أو حتى الاشتباك معهم لأسباب تافهة وأخطاء صغيرة. لكن في المجتمعات الكافرة قد تثور النزاعات لأتفه الأسباب-- بسبب رداءة طعام أو اتساخ قميص أو تأخر خدمة في أحد المطاعم. كما أن أفراد مثل هذا المجتمع قد لا يأبهون لما يحدث من ظلم طالما لم يتأثروا سلبا بنتائجه.
لقد أودع الكثير من الأشخاص المسنين في مؤسسات الرعاية أو ألقي بهم في قارعة الطريق وهذا أحد إفرازات المجتمعات المحرومة من الإيمان والتي لا قيمة فيها للإنسان
منظومة الأخلاق الإسلامية تحقق التوازن العقلي

يوقن المؤمنون أن كل ما يحدث في هذا الكون يجري بقدر الله وبالتالي يسلمون أمرهم إلى الله تبارك وتعالى. وهو إيمان يحقق لهم توازنا روحيا. فلا تقدر حادثة، حسنة كانت أم سيئة، أن تفقدهم توازنهم. ولا تصدر عنهم ردود أفعال مفاجئة. كما أنهم لا ينساقون وراء عواطفهم ولهذا تكتسب تصرفاتهم طابعا عقلانيا في كافة الأحوال. ولهذا تحلى المؤمنون بدرجة عالية من الثقة. ففي أوقات الشدة والفتن يتخذ المؤمنون احتياطات معقولة ويقللون من مقدار الأضرار المحتملة عليهم وعلى من يحيطون بهم. ولأن المؤمنين قد أشربوا مبادئ القرآن-- الهدى الذي أنزله الله للبشرية--فإن هذه المبادئ تنعكس على كل ما يصدر منهم من مواقف وأفعال. وذلك أن الالتزام الصارم بأوامر الله والخوف منه يقدح وعيهم ويشعل مداركهم. فهم قد وهبوا أدوات بارعة للتفكير وإصدار الأحكام وآلية فذة لاتخاذ قرارات راشدة.
ولا جرم أن امتلاك هذه المواهب يسكب الطمأنينة في نفس المؤمن فلا يستسلم لهواجس الخوف ولا تتملكه مشاعر اليأس ولا يخور. كما لا يطيش صوابه لما يعترض سبيله من حوادث مؤسفة بل يتصرف على الدوام بعقلانية. وهو يناضل الصعاب والمشكلات ولا يستسلم أبدأ. وحتى في أحلك اللحظات فإنه يراعي مشاعر الآخرين ويخاطبهم بأدب ويستعين بالصبر وكل هذه من سجايا النفوس الكبيرة الواثقة. ولأن المؤمن يؤمن إيمانا قاطعا أن كل حدث في الوجود لا يخرج عن قدر الله، فهو يستحضر دائما قول المولى عز وجل: "مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور " (الحديد: 22).
إن ذهول المتنكرين لقيم الدين عن هذه الحقائق يجعلهم على الدوام نهبا للقلق والخوف والإجهاد النفسي. والإجهاد النفسي هو الذي ينزع عنهم لباس الاستقرار النفسي والعاطفي. إن من يراقب أمزجة هؤلاء الناس سيجد عجبا. إذ تنتابهم تقلبات مرهقة في المزاج. وإذ بدوا مسرورين فسرعان ما تنتابهم نوبات من البكاء المرٌ. ففي أغلب الأحوال يصعب التكهن بالأشياء التي تفرحهم وتلك التي تسوؤهم. فأحيانا يتذكرون حدثا غير سعيد فيلفهم الغم، وتدهمهم حالات الاكتئاب بسهولة ولا يتردد الواحد منهم في الإعلان عن أنه في حالة اكتئاب كاملة. وتراودهم فكرة الانتحار من حين لآخر، بل يحاولون الانتحار أحيانا. إن سلوك مثل هؤلاء الناس لا يعرف الحدود. وليس لهم فهم لمسائل الخطأ والصواب ولا يميزون بين أنماط السلوك اللائقة وغير اللائقة، وبين المعقول واللامعقول وذلك لأنهم غافلون تماما عن المعيار الذي وضعه الدين.

إن هؤلاء الناس لا يتوكلون على الله بسبب جهلهم بالدين. فهم ببساطة غافلون عن حقيقة أن كل الحوادث في هذه الحياة تجري على قدر إلهي مرسوم، وأن جميع الحوادث، حسنها وسيئها، وضعت لابتلاء الإنسان واختباره. إن افتقارهم لمبادئ الدين الحق يحول بينهم وبين إدراك المغزى الحقيقي لما يقع لهم من حوادث. وهذا هو سبب عجزهم عن تقييم هذه الحوادث كما ينبغي. ولأنهم يعزون كل الحوادث للمصادفة المحضة فهم يشعرون على الدوام بالقلق والإجهاد والخوف. كما أن هذا هو السبب الذي يدفعهم إلى اتخاذ قرارات خاطئة وإبداء ردود أفعال غير مناسبة. إنهم يعضون أصابعهم ندما على كل تصرف يبدر منهم.
ليس بمقدور هؤلاء الناس أن يضعوا معيارا سليما لأي شيء، فهم يفرحون وينتشون إذا جرت الرياح بما يشتهون، ثم ما يلبثوا أن تظهر عليهم سيماء الغطرسة والوقاحة. إن ابتهجوا فقدوا السيطرة على أنفسهم وسلكوا سلوكا مشينا. ويمكن أن تصدر عنهم أشياء غير متوقعة، فقد يشرعون فجأة في الزعيق أو البكاء أو الابتهاج. وإن غضبوا أكثروا من الكلام أو ربما غدا سلوكهم عدوانيا.
ولا ينحصر هذا الضرب من السلوك على شريحة اجتماعية معينة من شعب معين، ففي المجتمعات الغافلة عن أخلاق الدين يمكن للأشخاص الأكثر نضجا والأكمل عقولا والأرفع تعليما أن يفقدوا السيطرة على أعصابهم ويسيئوا استخدام مواهبهم بتتبع أغراض شريرة. ومن الأمور المشاهدة بشكل واسع أن هؤلاء الناس يمكن أن ينحطوا إلى الدرك الأسفل من اللؤم والخبث أو أن يصبحوا عدوانيين حين تتعرض مصالحهم للخطر أو حين تجري الأمور على غير ما يريدون.
التمسك بالدين يثمر شخصية قوية وحازمة

إن الناس في المجتمعات الجاهلة محدودو القدرات ولو بدا أنهم يتمتعون بقوة الشخصية، إذ لا يلبث ضعفهم أن يتكشف في ظل ظروف معينة. وحتى أصحاب المبادئ منهم قد يتناسون مبادئهم هذه إذا تعرضت مصالحهم لتهديد. فهم نادرا ما يرقبون حرمة قانون إذا تعرضوا لضغط أو حلت بهم نكبة أو أصابتهم مصيبة المرض وظنوا أنهم بمفازة من أعين الرقباء. إنهم عرضة لأن يتهافتوا على ما يقدم لهم من عروض جذابة طالما لم يكن ثمة سبب وجيه يردعهم عن التنكر لمبادئهم والانقياد لشهواتهم.
لكن، وكما أسلفنا القول، ليس المهم إن كان المرء من هؤلاء قد ارتكب مثل هذا الجرم أم لا، بل الأمر الأهم هو أنه ليس هناك ما يحجز شخصا لا يبالي بقيم الدين من الانقياد لرغباته الأنانية. إن عدم خوف هذا الشخص من الله يسلبه قوة الإرادة. لكن الأمر مختلف جدا بالنسبة لشخص ملتزم بأخلاق الإسلام. إذ لا شيء يحول بينه وبين فعل ما يؤمن بأنه حق. والسبب الأول لهذا الإصرار هو خوفه العميق من الله. فهو يعلم أن الله يرى ويسمع ويعلم بكل ما أخفى فؤاده ويستشعر معية الله. فالشخص الذي يؤمن بالله حقا هو شخص قوي الشخصية وقاف عند حدود الله لا يتعداها. وهو يرهب أن يأتي عملا يسخط الله، ولا يني يسعى لنيل القربى من خالقه بالغا ما بلغت العوائق التي تعترض سبيل حياته. هذه الحقيقة تتجلى في قوله تعالى: "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَار لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْر حساب " (النور: 36-38)
أخلاق الإسلام تذهب الأنانية
ليس غريبا أن ينحصر تفكير المستهترين بقيم الدين في أنفسهم. فهذا في الحقيقة متطلب فلسفي أساس للنظام الذي يحيون وفقه. إن الاستعداد للتضحية وإظهار الرحمة والتخلق بكريم الأخلاق هي قيم يأتي بها الدين وليس ثمة ضامن لمراعاة المرء لها سوى الدين نفسه. إن المؤمنين بالله واليوم الآخر والمدركين لحقيقة أن ثمة حسابا ينتظرهم بعد الموت هم وحدهم المؤهلون لبلوغ مرتبة الكمال الخلقي التي وصفها القرآن. وهذا هو السبب الذي يجعل الكافر غير قادر على تسنم هذه الذروة الأخلاقية. ولا يحق للكافر أن يقول: "صحيح أن في المجتمع أشخاصا أنانيين لكنني قطعا لست واحدا منهم" وذلك لأن المرء إذا لم يراع قيم الدين فلا مناص من أن يصبح أنانيا.
وهذا هو سبب انكفاء الذاهلين عن قيم الدين على مصالحهم الضيقة وعدم اكتراثهم لمصالح غيرهم. فهدفهم الأول في الحياة هو أن يزدادوا غنى وأن يترقوا مهنيا وأن يتوسعوا في الرزق، ولهذا يغيب عن تفكيرهم سد حاجات غيرهم من فقراء ومحتاجين ومسنين أو احتياجات مجتمعهم. والسبب في ذلك هو أن نظرة الكافر للحياة ينقصها الدافع والحافز إلى التضحية أو الالتزام بالخلق الكريم. وشبيه بذلك موقفهم العام ممن حولهم من الناس، بل إن مجموع أفراد المجتمع يتصرفون بذات الطريقة. وهذا الميل العام لدى أفراد المجتمع يمنح شيئا من راحة الضمير. صفوة القول، إن الأنانية ضربة لازب في المجتمعات التي لا تراعي قيم الدين، فهي تنتظم أفراد هذه المجتمعات قاطبة.
إن الإنسان مبتلى بشعور الأنانية الذي أودعه الله في النفوس العنيدة. يشير الله إلى هذا الاتجاه (الأنانية) في الآية التالية: "وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا" (النساء: 128).
وعلى العموم، فإن الأشخاص الأنانيين يقطعون بصواب وسلامة قناعاتهم الشخصية حتى في المسائل التافهة، فلا تكاد احتياجات الآخرين أو رغباتهم تعني عندهم شيئا. فلو أحس الشخص الأناني بالإجهاد فإن كل ما يفكر فيه هو أن يجلس بأسرع وقت ممكن ولا يفكر بالمريض أو بالشخص المسن الذي يجلس إلى جواره ويحتاج إلى الراحة. إن حرصه على الحصول على أفضل وضع أو أفضل شيء يعميه عن رؤية الناس من حوله. فهو لا يرى بأسا بإقلاق الآخرين في سبيل تحصيل راحته. وهو يطالب الآخرين بالهدوء أثناء عمله لكنه يستنكف أن يحترم الآخرين أثناء عملهم. إن أنانيته هذه تتبدى بصور شتى سواء في بيته أو في مكان عمله.
وقد تجد في المجتمعات الكافرة أناسا كريمي الأخلاق ويتعاملون بنبل مع الناس من حولهم. لكن دافعهم الأول إلى هذا السلوك الحسن هو الرغبة في تحصيل الثناء وحسن الأحدوثة لا الطمع فيما عند الله من مثوبة. بالإضافة إلى حقيقة أن العون الذي يقدمونه للفقراء يكون في أغلب الأحوال لا يساوي شيئا مقارنة بحجم ثرواتهم.
وقد توجد في المثاليين منهم رغبة في تحمل المسئولية وتولي القيادة، وليس ذلك بالطبع عن رغبة في إرضاء الله أو خدمة الناس، بل يريدون بذلك خدمة مصالحهم وقضاء أوطارهم وتعزيز وضعهم الاجتماعي والاشتهار بين الناس. إذ لا تلبث طباعهم الحقيقية أن تتكشف إذا تعرضت مصالحهم للتهديد.
إن من يوصفون بالكرم في المجتمعات البعيدة عن هدي الإسلام قد يعتبرون أنانيين إذا قورن كرمهم بأريحية وتضحيات المؤمنين. وإن تصور المؤمنين لمفهوم التضحية بالنفس يختلف جدا عن تصور الكافرين له. فالمؤمنون يؤثرون قضاء حاجات غيرهم على قضاء حوائجهم. وقلوبهم عامرة بحب الخير لأخواتهم وإخوانهم. وهذا تطبيق عملي للوصف القرآني القائل: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا"(الإنسان: 8)،وهذا الحس الأخلاقي هو الذي يدفع المؤمنين إلى خوض أهوال الحرب وتعريض أنفسهم لغوائل الردى استجابة لأمر الله: "وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا" (النساء: 75) .فبدلا من الانكفاء على احتياجاتهم هم يشعر المؤمنون بالمسئولية تجاه الكافة ويسعون لتحقيق الخير للجميع. وهذه الروح الإيمانية يعبر عنها بجلاء الحديث النبوي القائل: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" (البخاري). وهكذا تنهض العلائق الاجتماعية على معاني التضحية في المجتمعات التي تسود فيها قيم الدين فيتمخض ذلك عن بيئة اجتماعية بريئة من المشكلات.
أخلاق الإسلام تحد من المغالاة في الطموح الدنيوي

إن الدين هو وحده الذي يعلم معاني الحب والأخوة والمشاركة في صورتها الحقيقية. وليس سوى الدين ما يعمق هذه المفاهيم ويصون وجودها. ومرد ذلك إلى حقيقة أن النفس البشرية مجبولة على حب الدنيا والطمع والولع بتحصيل حظوظها. ولأن الدار الآخرة غائبة عن قائمة اهتماماتهم، يجهد المحرومون من هدي الدين، وعلى امتداد حياتهم، في إرضاء طموحاتهم التي لا تعرف الحدود. يصور الله رواد هذا الطريق على النحو التالي: " وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ " ( المدثِّر: 12-15). تنحصر طموحات الناس في البيئات البعيدة عن هدى الدين في تحصيل المزيد من الثروة، ولهذا يفشو فيهم التنافس المحموم بسب تكالبهم أيهم يغدو الأكثر مالا والأكثر نجاحا والأكثر شهرة. إنهم ببساطة يسوءهم أن يروا غيرهم في نعمة وخير. ويحسدون الآخرين ويسعون لامتلاك ما يملكون، بل يسرهم أن تذهب النعمة عن الآخرين.
وتنبت من هذا الشره فلسفة جوهرية للحياة وهي أن هؤلاء الناس لا يعتبرون الآخرين مخلوقات برأها الله ونفخ فيها من روحه، بل الناس في نظرهم مخلوقات عادية تطورت من مخلوقات بدائية شبيه بالقرود وستتحول في نهاية الأمر إلى هباء لا قيمة له. وقد قاد هذا المنطق إلى الاعتقاد بضرورة أن يحقق الإنسان أقصى وأفضل غاية من حياته طالما أن فرصته في الحياة واحدة لا تتكرر. وهذه النظرة المنحرفة توحي لصاحبها أن من العبث تقديم العون للآخرين أو السعي لتحقيق رغباتهم أو سد احتياجاتهم. وهي نظرة معيبة تدفع الإنسان نحو مهاوي الاكتئاب.

إن هذا الاكتئاب مصير محتوم ينتظر كل جاهل بأخلاق الدين، وهو يسلك الإنسان في سقر المشكلات ويملأ حياته بالقلق والضغط النفسي وغير ذلك من آفات ترهق روحه وتؤذيها، وهذا هو سبب حرمان الكافرين من السلام والسعادة الحقيقية. إن شهوات ورغبات الإنسان، رغم مشروعيتها، لا حدود لها وذلك لأن الإنسان خلق ليكون جزءا من الحياة الأبدية في الدار الآخرة. وهذه الحياة الدنيا إنما هي دار ابتلاء ومقدر لها النقص والشح بحيث لا تفي بمراد الإنسان. ولهذا يسعى الذين تغيب عنهم حقيقة الابتلاء هذه ويغفلون عن قيم الدين إلى قضاء أوطارهم وتحقيق شهواتهم في الحياة مما يوقعهم في حالة مستمرة من عدم الرضا والقناعة. وهذا العجز عن تحقيق تطلعاتهم في الحياة يحيل حياتهم إلى كابوس مقيم. فهم مفتقرون رغم ما يلوح عليهم من مخائل الثراء. إن استسلامهم لمشاعر الأسى على ما فاتهم من غنى يسلبهم نعمة الاستمتاع بما في أيديهم من ثروات. وليس هذا العنت الروحي سوى الخطوة الأولى من مشوار العذاب السرمدي الذي سينتهون إليه.

يتبـــــــــــــــــع
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.69 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.93%)]