عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 11-11-2019, 01:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد

مراعاة مقتضى حال المخاطَب
يوسف بن عبد الله العليوي



5 - الجنس والعمر:
ومن ذلك: أنه حينما يخاطب النساء؛ فإنه يناديهن ويصفهن بما يدل على وَصْف الأنثى إذا كان الخطاب مختصاً بهن، من مثل قوله: ((يا معشر النساء!...))، ((يا نساء المسلمات!... )) ولما طلب النساء منه أن يجعل لهُنَّ يوماً يخصهن بالحديث، وَعَدَهُنَّ يوماً لقيهُنَّ فيه، فوعظهن وأمرهُنَّ، فكان مما قال لهن: ((مَا مِنْكُنَّ مِن امْرَأَةٍ تُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا مِنْ وَلَدِهَا ثَلاثَةً لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلا كَانُوا لَهَا حِجَاباً مِن النَّارِ))[16]، وهذا الحديث خاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله المسلمين عامة، والرجال خاصة؛ ففي البخاري عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَا مِن النَّاسِ مِنْ مُسْـلِمٍ يُتَوَفَّـى لَـهُ ثَلاثٌ لَمْ يَبْلُغُـوا الْحِنْثَ إِلا أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ))[17]، قال ابن حجر في حديث النساء: "إنما خص المرأة بالذكر؛ لأن الخطاب حينئذٍ كان للنساء، وليس له مفهوم لما في بقية الطرق"[18].
ويراعي النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطابه حال الأنثى حين يحصل لها ما يختص به النساء من الحيض وما يصحبه من تغيُّرات واضطرابات لدى الأنثى، ومن ذلك ما ورد في حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: خرجنا لا نرى إلا الحج، فلما كنا بسَرِف حضت، فدخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي، فقال: ((مَا يُبْكِيْكِ؟)) فقلت: والله! لوددت أني لم أكن خرجت العام. قال: ((مَا لَكِ أَنَفِسْتِ؟!)) وفي رواية: ((مَا لَكِ؟ لَعَلَّكِ نَفِسْتِ)) قلت: نعـم! قـال: ((إِنَّ هَـذَا أَمْرٌ كَتَبَـهُ اللـهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضـي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي))[19]، وفي حديث أم سلمة قالت: بينما أنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مضطجعة في الخميلة، إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي، فقال: ((مَا لَكِ أَنَفِسْتِ؟)) قلت: نعم! فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة[20].
في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((نَفِسْتِ)) عدول عن التعبير بـ (الحيض) إلى التعبير بـ (النفاس) مع أن التعبير المعدول عنه هو الأشهر عند المخاطبة في التعبير عن حالها، وهو تعبير القرآن أيضاً، وعبَّر به أيضاً النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث أُخْرى؛ لكنْ فَرْق بين خطاب موجَّه إلى امرأة حصل لها الحيض، وأخرى لم يحصل لها ويبيَّن لها أحكام الحيض مجردة عن أي حالة نفسية تقع فيها. أما التي حصل لها الحيض فهي تعيش حالة من التغيرات والاضطرابات النفسية والعقلية والجسدية تؤدي إلى هبوط نفسِيٍّ وعقليٍّ دون المستوى الطبعي، تكون المرأة فيه أشبه بالمريضة؛ فتحتاج إلى رعاية وعَطْف وحنان، وهذا الذي حصل من النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث خاطب زوجتيه بخطاب رقيق، فيستفهم بهمزة الاستفهام قائلاً: ((أَنَفِسْتِ؟)) أو تأتي العبارة بصورة الترجي توقعاً لحصول الأمر: ((لَعَلَّكِ نَفِسْتِ)) واختار لفظة تؤدي المعنى لكن من مادة أخرى تناسب الحال؛ إذ المادة (ن ف س) تتكون من حروف أسهل مخرجاً ونطقاً من حروف مادة (ح ي ض) فخروج اللفظة سيكون هادئاً رقيقاً، يُشعِر باللين واللطف، وربما كان لهذه اللفظة إيحاء بمعانٍ أخرى تشاركها في المادة كالتنفس والتنفيس... وغيرهما، وهي معاني إيجابية، لا توحي بها لفظة (الحيض) التي صارت لها دلالة مشهورة تأنف منها الأنثى كثيراً.
ويُتْبِع النبي - صلى الله عليه وسلم - استفهامه لعائشة - رضي الله عنها - بخبر مؤَكَّد يريد به تسليتها وتخفيف مصابها، فيقول: ((إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ؛ فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي))، ومن الألفاظ التي اختارها النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: ((بَنَاتِ آدَمَ)): أما (بنات) فلعله لأجل إضافتها إلى (آدم) أو لكون عائشة - رضي الله عنها - لا زالت شابة صغيرة، ولعل إضافة (بنات) بصيغة الجمع إلى (آدم) ليشمل جميع الخلق من النساء بلا استثناء نساء قوم أو دين، وهذا فيه تسلية لها؛ لأن النفس البشرية تتعزى وتتسلى حينما ترى من يشاركها مصابها وهمومها؛ فلا تكون وحيدة المصاب حينئذٍ.
ومع أن الغرض من خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لزوجيه - رضي الله عنهما - هو تسليتهما والتخفيف عنهما مما وقعتا فيه، إلا أنه يُلحظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اختلف أسلوبه بين خطاب عائشة وخطاب أم سلمة، رضي الله عنهما؛ ولعل ذلك لأن أم سلمة لم يظهر منها جزع وبكاء كما حصل لعائشة، ولعل لفارق العمر بين الاثنتين أثراً في ذلك، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يُتْبِع قوله الرقيق لأم سلمة بفعل رقيق؛ فيدعوها لتضطجع معه في الخميلة، ويكفي هذا تسلية ولطفاً، والله أعلم.
ومن المعاني التي خاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - بها النساء: النهي عن التطيب إذا أرادت المرأة الخروج إلى الصلاة في المسجد، وخاصة في صلاة العشاء؛ ومع أن النهي عن خروج المرأة متطيبةً عامٌّ في كل الأوقات، إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خص العشاء الآخرة بمزيد من النهي؛ ولعل ذلك لأن العطر يستثير الشهوة، ويستميل إلى المرأة، والليل وقت الظلمة وخُلوِّ الطريق؛ فكان الخوف عليهن في الليل أكثر، وقيل: لأن عادتهن استعمال البخور في الليل لأزواجهن، والله أعلم[21].
ومن تأثير عُمُرِ المخاطَب في أساليب النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ورد في خطابه مع الأطفال، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خُلُقاً، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير؛ فكان إذا جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرآه قال: ((أَبَا عُمَيْر! مَا فَعَلَ النُّغَيْر؟)) نَغْر كان يلعب به، وفي رواية: ((يَا أَبَا عُمَيْرٍ!))[22].
وفي هذا الموقف ما راعى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - حال المخاطب وعُمُره وحاجته، ومن ذلك:
1 - أن موت النَّغْر قد لا يعني شيئاً للكبار، لكنه بالنسبة لهذا الصغير شيء محزن؛ فهو يرى لعبته جزءاً من حياته؛ فيحزن لفقدها. وحينما يحزن؛ فإننا ينبغي أن نعامله ونخاطبه من منطلق نظرته هو، لا من نظرتنا نحن؛ فنخضع لمشاعره ونحترم أحاسيسه ونشاركه عواطفه، ومن هنا كـان خطـاب النبـي - صلى الله عليه وسلم - لهذا الفطيم الـذي قد لا يدرك من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه يُحِس بحزنه، ويشاركه ألمه، ويضفي عليه عَطْفه وحنانه. وبهذا نفسر نداء النبي - صلى الله عليه وسلم - للطفل: ((أَبَا عُمَيْرٍ)): إما بحذف حرف النداء، وإما - في الرواية الأخرى - بذكره وهو (يا) وقد يكون الحذف الأقرب إلى المقام ملاطفة للمخاطَب، وإشعاراً له بسرعة الاستجابة لمشاعره والقرب منه وزوال الحواجز النفسية بينهما، وهذان (الملاطفة والتقريب) من الأغراض التي يُحذَف لها حرف النداء[23].
2 - أن تصغير الأسماء (عمير) و(نغير) وهذا يتلاءم مع خطاب طفل صغير، ويأتي التصغير أيضاً ليحقق السجع، الذي يُحدِث تأثيـراً فـي النفـس؛ إذ هو يخـاطب الوجـدان والمشـاعـر أكثـر مـمـا يخـاطـب العقـول.
3 - ومما يلائم الصغير في هذا الخطاب: الإيجاز في التركيب مع وضوح الألفاظ؛ فخطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مكوَّن من جملتين: ندائية ((أَبَا عُمَيْرٍ)) واستفهامية ((مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟)) وكلتاهما موجزتان واضحتان، لم يتعدَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهما الألفاظ التي يفهمها الطفل؛ لأن الطفل في مثل هذا السِّن لا يستوعب كل ما يقال له، وثروته اللفظية محدودة[24].
ومن مراعاة حال العُمُر في الخطاب النبوي البليغ، أَمْرُ الشباب بالزواج، أو ما يخفف حدَّة الشهوة، والنهي عن إتيان دواعيها، ومــن ذلـك مـا رواه عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - شباباً لا نجد شيئاً، فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ! مَن اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ))[25]، قال ابن حجر: "خص الشباب بالخطاب؛ لأن الغالب وجود قوة الداعي فيهم إلى النكاح بخلاف الشيوخ"[26].
والأمر بالزواج هنا - لمن استطاع مؤنته - مقدَّم على الأمر بالصيام لمن لم يستطعها، تنبيهاً إلى أن الأصل في الشاب أن يُشبِع رغبته، لا أن يحسم مادتها، وأن الزواج هو الذي يُشبِع هذه الرغبة؛ فإذا بلغ الزواجَ فعليه أن يعْجَل به ويبادر إليه؛ ولذا جاء الأمر به في جواب الشرط مقروناً بالفاء، وجاءت صيغتا (الغضِّ والإحصان) في تعليل الأمر على أفعل التفضيل.
6 - الصفات السلوكية:
في خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يراعي مقتضى هذه الصفات والحالات التي تؤثر في الصفات، ومن شواهد ذلك ما رواه أبو هريرة من أن رجلاً دخل المسجد فصلى، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ناحية المسجد، فجاء فسلم عليه، فردَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السلام، وقال له: ((ارْجِعْ، فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ!)) فرجع فصلى كما صلى، ثم جاء فسلم، فرد - عليه السلام -، وقال: ((ارْجِعْ، فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ!)) فقال: والذي بعثك بالحـق! ما أُحْسِن غيره، فعلِّمني! فقال: ((إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِل الْقِبْلَةَ، فَكَبِّرْ، وَاقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِن الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً، ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِماً، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ وَتَطْمَئِنَّ جَالِساً، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِماً، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا))[27].
قال النووي في فوائد الحديث: "وفيه الرفق بالمتعلم والجاهل وملاطفته، وإيضاح المسألة، وتلخيص المقاصد، والاقتصار في حقه على المهم دون المكملات التي لا يحتمل حاله حفظها والقيام بها"[28].
وقد يقول قائل: إذا كان المخاطَب افتقد الطمأنينة في أفعال الصلاة عن جهل، وكان مقتضى حاله أن يوجز معه في ما يحتاج إليه؛ فلِمَ أطنب النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر إسباغ الوضوء واستقبال القبلة، وليسا من الصلاة؟
والجواب: إن هذا من الأسلوب الحكيم، وقد أشار إليه النووي؛ حيث قال في فوائد الحديث: (فيه أن المفتي إذا سئل عن شيء، وكــان هناك شيء آخر يحتاج إليه السائل ولم يسأله عنه، يُستحَب له أن يذكره له، ويكون هذا من النصيحة لا من الكلام في ما لا يعني، وموضع الدلالة أنه قال: "علمني يا رسول الله!" أي علمني الصلاة، فعلمه الصلاة، واستقبال القبلة والوضوء، وليسا من الصلاة، لكنهما شرطان لها"[29].
ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لـمَّا رأى استعجاله في الصلاة، ظن أنه يستعجل في غيرها مما هو شـرْط لهـا، فـلا يأتـي به علـى ما ينبغي؛ ولذا جاء الأمر بـ (إسباغ الوضوء) لا مجرد الوضوء.
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كان يريد أن يعلم الرجل ترتيب الأفعال لربما اكتفى بقوله: اركع، فقم، فاسجد، فارفع، فاسجد فقم، لكنه - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يعلمـه الطمأنينة في أداء صلاته، ولم يكن تعليمه إياها ابتداءً؛ وإنما عن خطأ ناشئ من جَهْل، واستعجال قد يكون طبعاً في المخاطَب؛ ولذا لم يكتفِ النبي - صلى الله عليه وسلم - بدلالة (ثم) وحدها وإلا قال: اركع ثم قم ثم اسجد ثم ارفع ثم اسجد... ولا بدلالة (حتى) وحدها وإلا قال: اركع حتى تقوم، فقم حتى تسجد، فاسجد حتى ترفع، فارفع حتى تسجد... ولا بدلالتهما معاً، بل نص على ما قصَّر فيه المخاطَب، وكرره ليتقرر لديه ويتأكد، ولم يكتفِ أيضاً بذلك، بل أتى بالحال التي تتعلق بالطمأنينة في كل فِعْل؛ ليزيد الأمر تأكيداً وتقريراً، والله أعلم.
ومن المواقف التي راعى فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - الصفة السلوكية لدى المخاطَب، ما جاء من أن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - رأى أن له فضلاً على مَنْ دونه، فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ ))[30].
ففي هذا الموقف ظن سعد - رضي الله عنه - أنه بشجاعته وقوَّته وماله لا يساوى في الغنيمة بمن دونه من الضعفاء والفقراء؛ فخاطبه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بخطاب فيه مراعاة لمقتضى حاله، فأعلى مِن شأن مَنْ يرى أنهم دونه، وأضعف ما في نفسه مما يُظن من الإعجاب والزهو، ومن ذلك:
1 - جاء الخطاب بأسلوب القصر، بطريق النفي والاستثناء، و (هل) هنا فيها معنى النفي؛ أي: ما تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم.
إن القصر هنا جاء مراعاة لمقتضى حال المخاطَب، الذي صدر عنه ما يُظن أنه احتقار للمقصور عليه وغفلة عن أهميته، وأن النصر لا يكون إلا بالشجاعة وكثرة المال؛ فقوبل ذلك بقصر يؤكد خلاف ما يظنه المخاطَب؛ فيعلي من شأن المقصور عليه، ويبيِّن أن الأسباب الأخرى متوقفة عليه، وجاء هذا القصر على النوع المسمى بـ (قصر القلب) لما فيه من قلب وتبديل لحُكْم المخاطَب كله بغيره، مبالغة في التأكيد على أهمية شأن الحُكْم الذي تضمنته جملة القصر، وحضاً للمخاطب على الاتصاف بالتواضع.
2- جاء القصر في رواية الصحيح بصيغة الاستفهام مراداً به النفي؛ لما في الاستفهام من معنى التقرير، وكأن الأمر حقيقة متقررة لدى المخاطَب، فيراد تذكيره بها وتأكيدها له.
3 - لم يُسنَد فِعْل النصر إلى المخاطَب، بل أُسنِد إلى غيره، فبُنِي لِـمَا لم يُسـمَّ فاعله، والفـاعـل هـو اللـه - عز وجل - كما جاء معلوماً في الرواية الأخرى، ولعل ذلك مقابل ما قد يكون في نفس المخاطَب من تعظيم أسباب القوة البشرية، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يذكِّــر المخـاطَــب بأن النصـر لا يكـون إلا من الله - عز وجل - الذي يقدِّره ويحدِّد أسبابه ويـيسرها؛ وأن القوة البشرية مهما بلغت، ما هي إلا سبب من أسباب النصر التي يريدها - سبحانه وتعالى - والله أعلم.
وبما سبق يتضح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان من منهجه في خطاب الناس أن يراعي أحوالهم والعوامل المؤثرة فيها، وقد ظهر ذلك في اختيار الألفاظ والعبارات والمعاني والأساليب البلاغية واختيار الوسائل والقوالب التي تحمل تلك الألفاظ والمعاني والأساليب.
أسأل الله أن يرزقنا حُسْنَ الاتباع لهدي نبيه - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
_______________
[1] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
[2] أخرجه البخاري: (4269 و6872)، ومسلم: (96).
[3] المفهم لما أشكل من كتاب مسلم.
[4] أخرجه البخاري: (705 و6106)، ومسلم: (465).
[5] أخرجه البخاري: (610)، ومسلم: (1365).
[6] أخرجه مسلم: (1700).
[7] أخرجه البخاري: (7 و2941 و4553)، ومسلم: (1773).
[8] أخرجه مسلم: (2490).
[9] أخرجه البخاري: (18 و6801)، ومسلم (1709).
[10] أخرجه البخاري: (4770 و4801)، ومسلم (208).
[11] أخرجه البخاري: (7)، ومسلم: (1773).
[12] شرح صحيح مسلم: 12/108.
[13] فتح الباري: 1/38.
[14] أخرجه البخاري: (462 و4372)، ومسلم: (1764).
[15] شرح صحيح مسلم: 12/89.
[16] أخرجه البخاري: (101 و102 و7310)، ومسلم: (2634).
[17] أخرجه البخاري: (1248).
[18] فتح الباري: 3/121.
[19] أخرجه البخاري: (294)، ومسلم: (1211). وسَرِف: بفتح السين، وكسر الراء، موضع قرب مكة، بين وادي فاطمة والتنعيم.
[20] أخرجه البخاري: (298)، ومسلم: (296).
[21] ينظر: الكاشف عن حقائق السنن: 3/30، وفيض القدير: 3/173، وحاشية السندي على سنن النسائي: 8/154و155، ومرقاة المفاتيح: 3/135.
[22] أخرجه البخاري: (6129 و6203)، ومسلم: (2150).
[23] ينظر: الكشاف: 2/444، وخصائص التعبير القرآني: 2/7، وعلم المعاني لـبسيوني فيود: 2/146.
[24] ينظر: من أساليب الرسول - صلى الله عليه وسلم - في التربية.
[25] أخرجه البخاري: (1905 و5066)، ومسلم: (1400).
[26] فتح الباري.
[27] أخرجه البخاري: (757 و793 و6667)، ومسلم: (397).
[28] شرح صحيح مسلم.
[29] شرح صحيح مسلم.
[30] أخرجه البخاري: (2896)
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.35 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]