عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21-07-2019, 02:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الإعجاز التشريعي في القرآن

الإعجاز التشريعي في القرآن
حكمت الحريري

الشريعة الكاملة:
بعد هذا العرض المسهب، لنداءات القرآن الكريم وبيان ثمرة العمل به، وخطورة النظم والتشريعات المضلة التي تعتمد على العقول البشرية، نتناول بشيء من التفصيل جوانب الإعجاز التشريعي في القرآن الكريم.
قال - تعالى -: ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا))[المائدة: 3].
هذه الآية الكريمة نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع يوم الجمعة عشية وقوفه بعرفة، وعاش النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد نزولها إحدى وثمانين ليلة.
ومن الفوائد والأحكام الشرعية التي تستنبط من الآية ما يلي:
1- كمال دين الإسلام وتمامه فلا نقص فيه أبداً، ولا يحتاج إلى زيادة أبداً، بحيث لا يصح الاستدراك على أحكامه وتشريعاته بل هو شامل كامل.
2- إن دين الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله - تعالى - لعباده فلا يسخطه، بل لا يقبل غيره كما صرح بذلك في آيات أخر قال - تعالى -: ((ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)) [آل عمران: 85].
وقال - تعالى -: ((إن الدين عند الله الإسلام)) [آل عمران: 19]، ((فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون)) [البقرة: 132].
3- في بيان إكمال الدين، بيان جميع الأحكام التي تتم بـها نعمة الله على عباده وبذلك يتم صلاح حياة الخلق، حيث قال - تعالى -: ((وأتممت عليكم نعمتي))[المائدة: 3] فهذا نص صريح أن أحكام الشريعة الإسلامية التي قررها القرآن تضمنت كل ما يحتاج إليه الخلق في أمور الدنيا والآخرة.
وهذه ميزة واضحة للتشريع القرآني بحيث أن غيره من الشرائع عجزت عن أن تفي بحاجات الناس في الدنيا فضلاً عن الآخرة.
اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت:
إن أولى المبادئ وأعظم المسائل التي أولاها القرآن العناية والاهتمام هي مسألة توحيد الخالق - عز وجل -، حيث قال - تعالى -: ((إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) [النساء: 48].
وقال - تعالى -: ((قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد))[الإخلاص: 1-4].
وفي الحديث عن النبي قال عن هذه السورة إنـها تعدل ثلث القرآن.
وذلك لأن موضوع التوحيد ذكر في القرآن الكريم بما يعدل ثلثه.
ومما علم باستقراء القرآن الكريم أن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: توحيد الربوبية وهذا النوع من التوحيد جبلت عليه فطر العقلاء من البشر وأقرّ به المشركون، ولكن لم ينفعهم ذلك ولم ينقذهم من النار قال - تعالى -: ((ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله)) [الزخرف: 87]، وقال - سبحانه -: ((وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)) [يوسف: 106].
الثاني: توحيد الألوهية، وهذا النوع بعثت الرسل لتحقيقه وتعليمه للخلق لأنه يتضمن معنى العبادة التي لا يستحقها إلا الله - عز وجل - قال - تعالى -: ((ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)) [النحل: 36].
وقال - تعالى -: ((لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم)) [الأعراف: 59].
((وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون))[الأعراف: 65].
((وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره)) [الأعراف: 73].
((وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره)) [الأعراف: 85].
الثالث: توحيد الأسماء والصفات، ويبنى هذا النوع من التوحيد على أصلين هما:
- تنـزيه الله - تعالى - عن مشابـهة صفات الحوادث.
- الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم -، من غير تأويل ولا تمثيل ولا تعطيل، ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)) [الشورى: 11].
وقد بين الله - سبحانه وتعالى- أنه ما خلق الخلق إلا من أجل عبادته فقال: |((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين)) [الذاريات: 56-58].
وبين الحكمة التي خلق الخلق لأجلها فقال: ((وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا)) [هود: 7].
وقال: ((الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)) [الملك: 2].
ولكي يتحقق حسن العمل من الإنسان يقتضي أن تتوفر فيه الشروط الآتية[5]:
1- أن يكون العمل خالصاً لوجه الله - تعالى -، فقال - سبحانه -: ((قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين)) [الزمر: 11]، ((وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين)) [البينة: 5].

2- أن يكون موافقاً لما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال - تعالى -: ((قل إن كمتم تحبون الله فاتبعوني)) [آل عمران: 31]، وقال: ((وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)) [الحشر: 7].

3- أن يكون العمل مبنياً على أساس العقيدة الصحيحة قال - تعالى -: ((ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن)) [طه: 112].
من ثمرات التوحيد:
ومن أهم ثمرات ونتائج عقيدة التوحيد تحرير الإنسان من ذل الشرك وربقة العبودية لغير الله - عز وجل -، ومن تسلط الطواغيت ومن أسر الأهواء. فلا الملائكة ولا الجن ولا الأحجار ولا الأشجار ولا الأنبياء ولا الأولياء، ولا الأضرحة والقبور، ولا الملوك والزعماء تنفع شيئاً من دون الله ((من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه)) [البقرة: 255]. ((قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب)) [آل عمران: 26-27].
ومن ثمرات توحيد الله - عز وجل - أيضاً تـهذيب السلوك الفردي والاجتماعي والرقي الأخلاقي لدى الأفراد والجماعات، وحياة الضمير والوجدان وذلك عن طريق تنمية الشعور بمراقبة الله - عز وجل -.

فلا يمكن لأي شريعة من الشرائع أن تبلغ الكمال الذي بلغته شريعة الإسلام، ولا يمكن لأي شريعة وضعية كانت أو غيرها عدا شريعة الإسلام أن تفي بمصالح البشرية وتوازن بين مصالح الإنسان الدنيوية والأخروية. فالديانة النصرانية بعد تحريفها أغفلت إلى حد كبير الجانب الدنيوي من حياة الإنسان، والديانة اليهودية المحرفة أغفلت الجانب الأخروي، والشرائع الوضعية اليوم تبعتها في ذلك، وكل ذلك مؤداه إلى الشقاء.
كليات الأحكام:
ومن جوانب الإعجاز التشريعي في القرآن الكريم أن بعض آياته تضمنت كليات الأحكام الشرعية، فلم تدع خيراً إلا أمرت به، ولم تدع شراً إلا ونـهت عنه، ومن ذلك قوله - تعالى -: ((الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)) [النحل: 90].
فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: إن أجمع آية في القرآن في سورة النحل ((إن الله يأمر بالعدل و الإحسان))[6] الآية.
وعن قتادة: ليس من خلق حسن كان في الجاهلية يعمل ويستحب إلا أمر الله - تعالى - به في هذه الآية، وليس من خلق سيء إلا نـهى الله عنه في هذه الآية[7].
وعن علي - رضي الله عنه - أنه قال: أمر الله - تعالى - نبيه أن يعرض نفسه على قبائل العرب وأنا معه وأبو بكر، فوقفنا على مجلس عليه الوقار، فقال أبو بكر: ممن القوم؟
فقالوا: من شيبان بن ثعلبة.
فدعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الشهادتين، وإلى أن ينصروه، فإن قريشاً كذبوه.
فقال مفروق بن عمرو: إلام تدعونا أخا قريش؟
فتلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم: ((إن الله يأمر بالعدل و الإحسان))الآية.
فقال مفروق بن عمرو: دعوت والله إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ولقد أفك من كذبوك وظاهروا عليك[8].
فانظر - رحمك الله - فيما يلي كم من آيات بينات وردت في تفصيل هذه الآية المجملة.
فمن الآيات التي تأمر بالعدل قوله - تعالى -: ((بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)) [المائدة: 8].
وقوله - تعالى -: ((إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا)) [النساء: 58].
ومن الآيات التي تأمر بالإحسان قوله - تعالى -: ((وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)) [البقرة: 195].
وقوله - تعالى -: وقولوا للناس حسنا))[البقرة: 83].
وقوله - تعالى -: ((وأحسن كما أحسن الله إليك و لا تبغ الفساد في الأرض))[القصص: 77].
ومن الآيات التي تأمر بإيتاء ذي القربى قوله - تعالى -: ((فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون)) [الروم: 38].
وقوله - تعالى -: ((وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا)) [الإسراء: 26].
ومن الآيات التي نـهى الله فيها عن الفحشاء والمنكر والبغي:
قوله - تعالى -: ((ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن)) [الأنعام: 151].
وقوله - تعالى -: ((قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق))[الأعراف: 33].
ومن الآيات التي جمع فيها بين الأمر بالعدل والتفضل بالإحسان:
قوله - تعالى -: ((وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين)) [النحل: 126]، فالعقوبة بالمثل عدل، والصبر الذي هو العفو إحسان.
وقوله - تعالى -: ((وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله)) [الشورى: 40]، فجزاء السيئة بالسيئة عدل، ثم دعا إلى العفو، فهذا إحسان.
وقوله - تعالى -: ((والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له)) [المائدة: 45]، تضمنت أيضاً العدل والإحسان.
وقوله - تعالى -: ((ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم، ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور)) [الشورى: 41 - 43].
فمن انتصر بعد ظلمه فهذا عدل، ومن صبر وغفر فهذا إحسان.
وقوله - تعالى -: ((لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما(148)إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا)) [النساء: 148 - 149]. إلى غير ذلك من الآيات[9].
ومن الآيات الجامعة لكليات الأحكام[10] قوله - تعالى -: ((قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون)) [الأعراف: 29].
فجميع الواجبات محصورة في هذه الآية الكريمة، إذ الواجبات محصورة في حق الله - تعالى - وحق عباده، وحق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وقد شمل هذا الموضوع (التوحيد) ثلث آيات القرآن الكريم تقريباً، كما ذكرنا من قبل.
وجميع المحرمات محصورة في قوله - تعالى -: ((قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون))[الأعراف: 32].
فكل ما حرم تحريماً مطلقاً عاماً لا يباح في حال فهو داخل في هذه المذكورات في الآية الآنفة؛ ثم إن بيان أنواع الفواحش والبغي بغير الحق.. جاء تفصيله في مواضع مختلفة من سور القرآن الكريم، ليس هذا موضع بسطها والحديث عنها.
ومنها قوله - تعالى -: ((والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)) [العصر: 1-3].
قال الشافعي - رحمه الله -: لو تأمل الناس هذه السورة لكفتهم...

----------------------------------------
[1] - انظر (المستقبل لهذا الدين)، ص: 5 لسيد قطب.
[2] - انظر (المعجزات القرآنية)، ص: 90.
[3] - في كتاب (من جوامع الكلم) موضوع بعنوان (قوم بـهت).
[4] - نقلاً عن كتاب (المسؤولية) ص: 146، للدكتور محمد أمين المصري.
[5] - انظر محاضرة للشيخ محمد أمين الشنقيطي مطبوعة ضمن كتاب (بـهجة الناظرين) ص: 505، رتبه عبد الله بن جار الله الجار الله.
[6] - تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4: 950.
[7] - التفسير الكبير للرازي 7: 259.
[8] - سنن ابن ماجة.
[9] - انظر أضواء البيان للشنقيطي 3/ 260.
[10] - انظر (طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول) ص: 212، للشيخ عبد الرحمن السعدي
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.92 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.20%)]