الموضوع: المثل الأعلى
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 19-01-2021, 04:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,014
الدولة : Egypt
افتراضي المثل الأعلى

المثل الأعلى (1)















الشيخ طه محمد الساكت



قال لي صاحبي: الآن وقد عدت إلى الجهاد، فحدثني عن المثل الأعلى، فقلت: ذاك لله عز وجل، كان المشركون يقترفون الموبقات، ويئدون البنات؛ خشية الإملاق أو العار، وكانوا مع ذلك يزعمون أن الملائكة بنات الله؛ ولذلك أسكنهن سمواته، وأن البنين لهم، يدفعون العار، ويحمون الذمار، فقال الله سبحانه في توبيخهم والإنكار عليهم: ﴿ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [النحل: 60]، فيقول - جل ثناؤه -: لهؤلاء الكفرة الصفة السوءى؛ من النقص، والذلة، والحاجة، وله وحده الصفة العليا؛ من الغنى التام، والكمال المطلق، وهو وحده العزيز في ملكه، الحكيم في خلقه.





قال: فائدة عرضت، والحكمة ضالة المؤمن، ولكنها غير ما أريد؛ إنما الذي أريده أن تحدثني عن المثل الأعلى في علم الأخلاق والتربية؛ فأنا أرى أن له بالجهاد صلة أي صلة، بل الجهاد هو طريقه والوسيلة إليه، قلت: من عرف الوسيلة، أوشك أن يعرف الغاية، فما حاجتك إذًا إلى السؤال عما تعلم، قال: إن المؤمن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لن يشبع من خير حتى يكون منتهاه الجنة، وقد قال الله تعالى لنبيه صلوات الله وسلامه عليه: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]، قلت له: أرى أن هذا عنوان عريض يعني به علماء الأخلاق والتربية المقصد الأسمى والصورة الكاملة التي يطمح إليها المرء ويسعى لتحقيقها، ولقد كانت لهم مندوحة في عنوانات كثيرة تؤدي إلى المعنى الذي يريدونه، فكان جديرًا بهم ألا يطلقوا هذا العنوان المقدس على الصفة التي يتمثلها الإنسان الكامل ثم يجدّ في طريق الوصول إليها، وإن كانت نسبة الكمال الإنساني إلى الكمال الرباني كنسبة القدرة الحادثة إلى القدرة القديمة، إن صح أن تعقد بينهما نسبة، على أني لا أريد أن أخرج بك عن موضوع الحديث.





إن المقصد الأسمى أو الصفة العليا أو المثل الأعلى كما تسميه، اسم في حقيقة الأمر على غير مسمى، كما يدل على ذلك كلام المربين أنفسهم، قال: لا سبيل إلى تحقيق المثل الأعلى على وجهه الأكمل، وأقصى ما يمكن هو السعي له والدنو منه على حسب ما يهيأ للمرء من بيئة وتربية، وما يزدريه من ميول وعواطف ومؤثرات طيبة.





قالوا: وتختلف المثل العليا عند الناس اختلافًا كثيرًا، يكاد يضارع عدد رؤوسهم، بل الإنسان الواحد يختلف مثله من حين إلى حين، وسبحان من بيده قلوب عباده يقلبها كيف شاء! ومن أجل ذلك لم يكن في وسع أخلاقي ولا فيلسوف أن يرسم مثلاً أعلى يلائم الناس جميعًا، وكل ما يمكن هو أن يرسم المرء لنفسه صورة كاملة، تمثل خير إنسان يستطيع أن يكونه في شأن من شؤونه، حتى إذا ساواه أو كاد، فقد تربع على كرسي السعادة، واستوى على مقعد الكرامة والفضل.





ثم ما لك يا أخي تذهب إلى علم التربية والأخلاق، وفي السيرة النبوية والشريعة المحمدية، ورجالات الإسلام وحياتهم، صورٌ كاملة في الفضل والنبل، والعلم والعمل؟ إننا أهملنا تراثنا، وغفلنا عن منهاجنا؛ حتى غشي علينا، ثم نظرنا إلى هذه العلوم الحديثة البراقة ففُتنَّا بها، على أن ما فيها من خير وجمال، فقد سبق الإسلام به، وأفاضت شريعتنا الغراء فيه... قال: إن الحديث ممتع، وأرجو - وقد علمتني القصد في القول - أن يكون لي عود إليه.






مجلة الإسلام - العدد 15 - التاريخ: 14 ربيع الثاني سنة 1363هـ، الموافق 7 أبريل سنة 1944م










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.23 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.33%)]