يا قدس
مطران محمد عياشي
القلبُ صخر والنفوس تجافي *** والقدس يصرخ أمة الإنصاف
هذي ركاب القوم تسري بالأسى *** نحو الوهاد وفي ربوع فيافي
يا أيها الأقصى أنفت عن الخنا *** ودحضت كيد البغي والإسفاف
يا قدس ما بقيتْ بقلبي لوعة *** إلاّ وترجمها اليراع قوافي
ياقدس لا تبقى بعيني عبرة *** إلاّ وتوقد نارها بشغافي
يا قدس ما غنت بلابل شدونا *** ودماؤكم تجري بلا إيقاف
هذا هو الأقصى ينادي أهله *** أبغي صلاح الدين في إسعافي
أو لست أول قبلة للمصطفى *** أوَ لست مسرى سيد الأشراف
ضوأتُ للدنيا رحاب حياتها *** صبح يعم الكون بالإنصاف
هذي ربوعي قد تضوع تربها *** بدمي الطهور المستفيض الصافي
نيران جرحي قد تسامى وقدها *** فتك وما ترنو إليّ مطافي
زفت رياضي آهِ نحو عدونا *** والمسلمون يشاهدون زفافي
قطعوا يدي وشوهوني عنوة *** وسبوا نسائي، مثلوا أطرافي
سلخوا جلودي ويح قومي منهم *** بل كبلوا قدمي وجزوا خوافي
وطغت فئام الجور تسحق مضجعي *** ولظى القيود يعج في اخفافي
أواه كم غنى الهزار بدوحتي *** وشدا السرور على مروج ضفافي
أأظل اهتف من جوى قيثارتي *** وحليمكم لا يستجيب هتافي
أتموت رمياً بالمدافع (درتي) *** وتظل تحصد خلفه أصدافي؟
أيظل جند الشر يهتك حشمتي *** ويشق عن وجهي خمار عفافي؟
أيغيب نوري في سحائب غيهم *** والبدر ليس عن العيون بخافي؟
أيسام عرضي في المجون وأنتمُ *** وأزرة (الريموت) في تطواف؟
أيبيت طفلي يستميل قلوبكم *** عطفاً وسامركم على إسراف؟
أيضام قهراً في سرادب ذلة *** يصلى بجرح ثاغب رعاف؟
أيظل يغرق في بحار دموعه *** ويلاً وأنتم في لسان ضافِ؟
يا قوم أنتم ترفلون بنعمة *** وأنا أئن بزفرة ولهاف
لعباً يعانق طفلكم أعياده *** وأعيشها بتعاسة وشظاف
لم يعطني أبتي نقوداً مثلكم *** بل مد لي حجراً به أهدافي
لا تنكروا لعباً تضرج راحتي *** لعبي شظايا مدفع قذاف
ها أنتم ترموا جميل حذائكم *** وأنا على الرمضاء طفل حافي
ها أنتم تقضوا بأنس ليلكم *** وأنا أسامر ليلتي بزعافي
أنتم تناموا في خمائل زخرف *** وأبيت ليلي دون ستر لحاف
أولم تفيقي أمتي من غفوة *** أوَ ما ذكرت إلهنا فتخافي
أوليس فيكم من يواسي حاجتي *** أوليس منكم من يحس جفافي
وتطوف صرخاتي بآذان الورى *** عوناً ولكن من يجيب طوافي
أنى لدمعي أن يلملم حرقتي *** وإليّ تدنو شعلة الخطاف
أأظل في نار السعير مصفداً *** ولظى الرباط يموج في أكتافي
أأظل أردح في قيودي أحقباً *** وأبيت أذكر منظر السياف
أيظل يثغب من جبيني جرحه *** وأخي يبيت مقطع الأطراف
إن مات من صهيون قرد ممسخ *** فدم الشهيد تسيل بالآلاف
في أضلعي وجدٌ يُقطّعُ خافقي *** ويفور غيظاً من قشور غلافي
عَجِزَ اللسان وليس ثمّتَ منطقٌ *** وتحار في صهد اللظى أوصافي
يا ليت سعداً حاضر في ساحتي *** ليشع نور إبائه برهاف
أولم تذق منا حثالة قيصر *** درساً بلمع الصارم القطاف
أوَ ما علا صوت الآذان مزلزلا *** فيل المجوس وضج في إرجاف
أولم يصغ قطز البطولة عندما *** فخر التتار بجحفل زحاف
أولم ندع بيض البوارق ترتقي *** هام الطغاة وتمضي في إتحاف
أولم تعد حطين ذكرى أمة *** سطعت بنور المجد في أسلاف
أولم تدع ذات الصواري بصمة *** والبحر يذكر صولة المجداف
أبتاه تحكي أن أقوامي هم *** أُسُد، ولكن في قلوب خراف
ياما سما ذكر العروبة مرعباً *** من أرض أندلس إلى الأحقاف
واليوم عنا لا تسلني يا أبي *** أزرى بنا وهن وسوء تصافي
إياك طفلي أن تبوح بأحرف *** تسري كجمر قاتل بشغافي
عذراً أيا أبتي سأشكو بؤسنا *** فعذابنا متلون الأصناف
هذا هو الأقصى تسامى شجوه *** يعلو التخوم وضج في الأعراف
ماذا جنت قدس البطولة كي ترى *** زيف القرود يموج في استخفاف
هذي خيول الحق تعدو للوغى *** فانهض بخيل سابح عطاف
أتظل بالغيد الحسان معلقاً *** والقدس تشكو ثلة الإجحاف
يانفس هلا تقدمين على التقى *** أمن البطولة والرباط تخافي؟
أوَ ما مللتِ من المضاجع هجعة *** أوَ ما ذكرتِ عذابنا فتعافي
صارت بك الأوهام جد حقيقة *** ومصيبتي لك تبدو في أطياف
الحزن يسرح في فؤادي ناشراً *** سح الدموع بطرفي المذراف
نصب العدو لنا حبائل مكره *** حتى نسينا سيرة الأسلاف
خلطوا الفضائل بالهوان وبدلوا *** حتى تساوى الأكل بالأعلاف
يغتالني غم الهواجس والأسى *** ويفور ناراً في كياني الدافيء
إنا نحب القدس نعشق أرضها *** ونحب رنة اسمها والقاف
رباه فاشفِ المسلمين بعزة *** يا رب أنت المستجيب الشافي
واكف العباد عدوهم وخداعهم *** فالله حسبكم ونعم الكافي