عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 04-12-2020, 10:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد فتاوى الصغار بجواز تسليم المسلمات إلى الكفار

رد فتاوى الصغار بجواز تسليم المسلمات إلى الكفار

إيهاب كمال أحمد


الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله خير خلْق الله أجمعين، وعلى آله وأزواجه وأصحابه الأخيار الطاهرين.
وبعد:
فإن الفتوى من الأمور الجليلة العظيمة في الإسلام، وإفتاء الناس وإبلاغهم حكْمَ الله أمر له أهميته الكبيرة ومنْزلته الرفيعة في الدِّين؛ فقد كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يتولَّى بنفسه أمر الفتوى في حياته مُبلِّغًا عن ربه، وهذا من مقتضيات النبوة والرسالة.
قال الله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44].
والعلماء والمفْتُون هم ورثة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وخلفاؤه في أداء هذه الوظيفة العظيمة، وفي تحمُّل تلك المسؤولية الخطيرة، فالمفتي مُوقِّع عن الله تعالى كما قال التابعي الجليل محمد بن المنكدر: "العالِمُ موقِّع بين الله وبين خلْقه، فلْينظر كيف يَدخل بينهم"[1].
والمفتي يجب أن يكون عالمًا بالمسألة التي سيُفتِي فيها، باذلاً جهده، ومستفرغًا وُسْعَه في الوصول إلى الحكم الشرعي، مخْلِصًا في إبلاغ الحقِّ بلا مجاملة أو مداهنة؛ فإنْ أقدَمَ على الفتوى بمجرَّد الخَرْص والظَّن، أو داهن فيها أو جامل، فقد قال على الله بغير علْم، وكذَبَ على الله ورسوله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو آثِمٌ، مرتكب لكبيرة من أكبر الكبائر.
قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33].
وقال: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116].
ولا جرم أنَّ دوْرَ العلماء والمفْتِين هو بيان الحقِّ، والأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر، ودعوة الناس إلى التمسُّك بالدِّين، والذَّوْد عن حياضه بأن يَنْفوا عنه تحريف الغَالِين، وانتحالَ المبْطِلين، وتأويل الجاهلين، وافتراءات المرْجِفين، ومن هنا يأتي العلماء على رأس أهل الحَلِّ والعَقْد، وأولياء الأمور الذين يجب على كلِّ المؤْمنين احترامهم والالْتفاف حولهم، والرجوع إليهم وتقديم الدَّعْم الكافي لهم؛ لِيَقوموا بوظائفهم الشرعية.
لكننا للأسف الشديد ابتُلِينا في زماننا هذا بمن يَنسبون أنفسهم لأهل العلم والفتوى، لكنَّهم يخونون الأمانة ويخدعون الناس، ويَبْغون إلباس الأمَّة ثياب الصَّغار، تَعمل فتاواهم في المسلمين عمَل المخدِّرات في الجسد، فتخرِّب دينهم، وتثبِّط عزائمهم، وتؤصِّل لِخُنوعهم، وتسلمهم لأعدائهم لقْمة سائغة.
ومن هذه الفتاوى ما تناقلَتْه بعض وسائل الإعلام نقلاً عن بعض المنتسبين زورًا لأهل العلم من جواز تسليم الأخت المسلمة "كاميليا شحاتة" إلى الكنيسة المصرية؛ قياسًا على ما وقع في صُلْح الحديبية من الاتِّفاق على ردِّ مَن أراد الإسلام من قريش إلى الكفار.
والحق أن هذا كلام بعيد عن الصواب، واستدلال باطل من وجوه، منها:
أوَّلاً: أن تسليم المسلمين للكفار مخالِفٌ للنصوص الشرعية القاطعة، الدالَّة على عدم جواز تسليم المسْلِم لمن يؤذيه؛ قال رسولنا صلَّى الله عليه وسلَّم: ((المسْلِم أخو المسلم، لا يَظْلمه ولا يُسْلِمه))[2]، وفي رواية ((ولا يخذله))[3].
قال ابن حجر: "وقوله: ((ولا يسلمه))؛ أيْ: لا يتركه مع مَن يؤذيه ولا فيما يؤذيه، بل ينصره ويدفع عنه"[4].
ثانيًا: أن النصوص الشرعية دلَّت على وجوب تحرير المسلم الأسير من أَسْر أعدائه من الكفار، فكيف نُبِيح تسليمه لهم؟!
قال النبي الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم: ((فُكُّوا العاني))؛ يعني: الأَسِير[5].
قال ابن بطال: "فكاك الأسير واجب على الكِفَاية"[6].
ثالثًا: أن ما وقع في صلح الحديبية لا يمكن أن يُستدلَّ به الآن في حقِّ الأخت "كاميليا شحاتة" وغيرها من الأخَوات الأَسِيرات؛ لاعتبارات، منها:
الأول: أنه قد وقع استثناء النِّساء من الردِّ إلى الكُفَّار باتِّفاق العلماء؛ لقول الله تعالى: ﴿ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ [الممتحنة: 10].
قال ابن العربي في سبب نزول هذه الآية: "ثبَت أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما صالَحَ أهل الحديبية كان فيه أنَّ مَن جاء من المشركين إلى المسلمين رُدَّ إليهم، ومن ذهب من المسلمين إلى المشركين لم يرد؛ وتم العهد على ذلك، وكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ردَّ أبا بصير عتبة بن أسيد بن حارثة الثقفي حين قَدِم، وقدم أيضًا نساء مسْلِمات منهنَّ أمُّ كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعَيط، وسبيعة الأسلمية، وغيرهما، فجاء الأولياء إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فسألوه ردَّهن على الشرط، واستدعوا منه الوفاء بالعهد، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّما الشرط في الرجال لا في النساء))[7].
وقال ابن قدامة: "وتفارِقُ المرأةُ الرَّجل من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنَّها لا تَأْمن من أن تُزَوَّج كافرًا يستحلُّها‏، أو يُكرِهها من ينالها، وإليه أشار الله تعالى بقوله‏:‏ ﴿ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ [الممتحنة: 10].
الثاني: أنها ربما فُتِنت عن دينها؛ لأنها أضعف قلبًا، ‏ وأقلُّ معرفة من الرجل.
الثالث: أن المرأة لا يمكنها في العادة الهرب والتخلُّص، بخلاف الرجل"[8].
ويضاف إلى ذلك ما ذكره ابن تيميَّة: "أنه يُستباح في دار الكفر من المرأة المسلمة ما لا يستباح من الرجل"[9].
الثاني: أن فعل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في صلح الحديبية جاء بناء على وحْي أخبرَه أنَّ المسلمين الذين سيتم رَدُّهم لن يُصابوا بأذًى في دينهم ودنياهم، وهذا لا يمكن لأحد بعد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال ابن حزم: "إن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يردَّ إلى الكفار أحدًا من المسلمين في تلك المدَّة إلاَّ وقد أعلمه الله - عزَّ وجلَّ - أنهم لا يُفتَنون في دينهم ولا في دنياهم، وأنهم سيَنجُون ولا بدَّ.
فعن أنس أن قريشًا صالحوا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فاشترطوا على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ من جاء منكم لم نردَّه عليكم، ومن جاء منا رددْتُموه علينا، قالوا: يا رسول الله، أتكتب هذا؟ قال: ((نعم؛ إنَّه مَن ذهب منا إليهم فأبعَدَه الله، ومن جاء منهم إلينا فسيَجعل الله له فرَجًا ومخرجًا)).
قال أبو محمد (ابن حزم): قد قال الله - عزَّ وجلَّ - واصفًا لنبيه صلَّى الله عليه وسلَّم ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3 - 4]، فأيقنَّا أنَّ إخْبار النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بأنَّ من جاءه مِن عند كُفَّار قريش مسلمًا فسَيَجعل الله له فرجًا ومخرجًا وحيٌ من عند الله صحيح، لا داخلة فيه، فصحَّت العصمة بلا شكٍّ من مكروهِ الدنيا والآخرة لمن أتاه منهم، حتى تتمَّ نجاتُه من أيدي الكفار، لا يستريب في ذلك مُسْلِم يحقِّق النظر.
وهذا أمر لا يعلمه أحد من الناس بعد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ولا يحلُّ لمسلم أن يشترط هذا الشرط، ولا أن يَفِي به إن شرَطَه؛ إذْ ليس عنده من علم الغيب ما أوحى الله تعالى به إلى رسوله"[10].
وقال ابن العربي: "فأما عقْدُه على أن يردَّ مَن أسلم إليهم فلا يجوز لأحد بعد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وإنما جوَّزه الله له؛ لِمَا علم في ذلك من الحكمة، وقضَى فيه من المصلحة، وأظهر فيه بعد ذلك من حُسن العاقبة، وحميد الأثر في الإسلام ما حمَل الكفار على الرِّضا، والشفاعة في حطِّه"[11].
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.03 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.65%)]