عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 30-10-2020, 09:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي من محاسن الأخلاق الإسلامية : الصدق

من محاسن الأخلاق الإسلامية : الصدق


د. أحمد الخاني








الصدق: هو الحق. وهو ألا يختلف سرك عن جهرك، أو سرك عن علانيتك، أو ظاهرك عن باطنك.

والإسلام كله أخلاق، وقد تمثلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحلى معانيها، وأعلى مراتبها منذ أن كان ناشئاً في قومه قبل نزول الرسالة عليه من الله تعالى وبعدها كان اسمه في قومه قبل بعثه: الصادق، وكان اسمه الأمين (لا ينظر إلى الصدق بوصفه خلقاً فاضلاً يجب التخلق به فقط، بل هو من مكملات الإسلام والإيمان، إذ أمر الله تعالى به، وأثنى على المتصفين به، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحث عليه ودعا إيه أيضاً من ذلك قوله تعالى:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].

والإسلام يوصي بأن تغرس فضيلة الصدق في نفوس الأطفال حتى يشبوا عليها، وقد ألفوها في أقوالهم وأحوالهم كلها، فعن عبد الله بن عامر قال: (دعتني أمي يوماً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت: تعال أعطك. فقال لها صلى الله عليه وسلم: (وما أردت أن تعطيَه؟ قالت: أردت أن أعطيَه ثمراً. فقال لها: أما أنك لو لم تعطه لكذبت عليه كذبة).


فانظر كيف يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم الأمهات والآباء أن ينشئوا أولادهم تنشئه يقدسون فيها الصدق ويتنزهون عن الكذب)[1].

وللصدق مظاهر عديدة منها:

1- الصدق مع الله تعالى:
وذلك بألا يخالف المسلم ظاهره باطنه، بأن يخلص لله معتقده وأفعاله وأحواله لله وحده لا شريك له، بعيداً عن الرياء والسمعة، وكل ما من شأنه أن يشوب صفاء المعتقد شائبة، من التعبد لغير الله، بأن يجعل بينه وبين الله وساطة، أو أن يشرك معه أحداً في عبادته من بشر؛ أحياء كانوا أو أمواتاً، أو أن يعتقد، بالشعوذة التي تدعي علم الغيب أو قراءة الكف أو الفنجان، كما يحصل في بعض المناطق والجهات، ومن ذلك زجر الطير من سانح وبارح، وهذه عادة جاهلية أبطلها الإسلام.

2- الصدق مع النفس.
هو عدم التردد في الإقدام على فعل أو التردد في ترك الفعل. قال الله تعالى في كتابه الكريم ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 159].

وصفة الثبات والإقدام على تنفيذ أمر قرره العبد على نفسه، بما فيه خيره، تحتاج إلى العزيمة والهمة العالية.

3- صدق الحديث:
فالمسلم يقول ما يعتقد، وإلا كان في إيمانه شيء من النفاق، ومن صدق الحديث ألا يحدث الإنسان بكل ما سمع، وبحسب المرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع.

4- صدق المعاملة:
ولها صور عديدة، منها، صدق البيع والشراء، قال صلى الله عليه وسلم وعن أبي خالد حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا؛ فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما " متفق عليه[2].

وصدق المعاملات الاجتماعية، في السوق ومحل العمل والوظيفة، وهذا المجال لا يحصره حد ولا عد.

ومن ثمرات الصدق:
1- راحة الضمير وطمأنينة النفس لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " الصدق طمأنينة".

2- البركة في الكسب وزيادة الخير.

3- الفوز بمنزلة الشهداء يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه).

4- النجاة من المكروه[3].

والأحاديث كثيرة منها:
عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عن الله صديقاً. وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) متفق عليه.

وعن محمد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة" رواه الترمذي وقال: حديث صحيح.

والصدق نور للمسلم في كل المجالات.

ومن مجالات الصدق:
1- من الناحية الإيمانية:
فإن المسلم يصدق مع الله في نيته في التوجه إليه في الاعتقاد أنه واحد في ذاته واحد في صفاته واحد في أفعاله، ليس له نظير ولا مثيل ولا شبيه، في توحيد الألوهية؛ أن الله واحد لا شريك له وفي توحيد الربوبية أن الله هو الخالق لكل شيء وهو رب كل شيء، فهو المعبود بحق وهو المستعان على العبادة ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾.

2- من الناحية النفسية:
الصدق استعلاء على الذات وهيمنة عليها وتوجيه لها لما قد يعرض من شؤون الحياة، فإن خلا المسلم بنفسه فسيأتي الشيطان بأنواع الوساوس الاعتقادية وسيحاول الشيطان أن يخرج المسلم عن استقامته بأنواع المغريات كالاستماع إلى الغناء أو النظر إلى محرم أو التفكير في محرم أو تعاطي المحرم.. فالمسلم يراقب الله تعالى مراقبة من يشعر أن الله يراه ويستشعر هذا المعنى في نفسه: "اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" فيكف عما تسول إليه به نفسه وتنزجر نوازعها الضالة فيستقيم.

3- الصدق في الحال:
إذا قام للصلاة، يشعر أنه يقف بين يدي الله تعالى، وأنه يصلي له، ولا يفكر بغير الله تعالى، في خشوعه وفي أدائه، فلا يتصنع الخشوع، ولا يطيل الركوع أو السجود أكثر من المدة المستقرة في نفسه، كما يفعل بعض المرائين من تصنع إتقان العبادة رياء ونفاقاً ممن لم يدخل الإيمان في قلوبهم ولم يستول على مشاعرهم، وبعضهم يصلون بغير وضوء لسبب من الأسباب، فترى حالهم في الصلاة مثل الطير الطافش حالة اضطراب وحركته زائدة، وتلفتاته تنم عن شروده عما هو فيه من حال أهل الصلاة في الصلاة.

4- الصدق في المعاملة:
في أقواله وأفعاله وأحواله. (قال أرسطاطاليس: الموت مع الصدق خير من الحياة مع الكذب)[4].
(ومن هنا كان الاستمساك بالصدق في كل شأن، وتحريه في كل قضية، والمصير إليه في كل حكم ن دعامة ركينة في خلق المسلم، وصيغة ثابتة في سلوكه، وكذلك كان بناء المجتمع في الإسلام قائماً على محاربة الظنون، ونبذ الإشاعات وإطراح الريب، فإن الحقائق الراسخة وحدها هي التي يجب أن تظهر وتغلب، وأن تعتمد في إقرار العلاقات المختلفة، قال صلى الله عليه وسلم (إياكم والظن فإنه أكذب الحديث)[5].

وفي مقابل الصدق: الكذب، وله مظاهر عدة:
الكذب في الاعتقاد.
الكذب في القول.
الكذب في المعاملة.
الكذب في الحال.

قال الشاعر:
لا يكذب المرء إلا من مهانته
أو فعله السوء أو من قلة الأدب

فبعض جيفة كلب خير رائحة
من كذبة المرء في جد وفي لعب



وفي الكذب تعذيب الضمير، (روى الإمام أحمد يرحمه الله، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت:
(ما كان من خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الكذب).

والكذب على دين الله تعالى، من أقبح المنكرات ويدخل في نظام هذا الافتراء، ما ابتدعه الجهال وأقحموه على دين الله من محدثات لا أصل لها، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى مصادر هذه البدع المنكرة، وحذر من الانقياد إلى تيارها، ودعا المسلمين إلى التمسك بآي كتابهم وسنة سلفهم فقال: (يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم، لا يضلونكم ولا يفتنونكم).

والكذب رذيلة محضة تنبئ عن تغلغل الفساد في نفس صاحبها، وعن سلوك ينشئ الشر ويندفع إلى الإثم.

وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أ يكون المؤمن جباناً؟ فقال له: نعم. فقيل له: أيكون المؤمن بخيلاً؟ فقال: نعم، فقيل له: أيكون المؤمن كذاباً؟ فقال: لا).

وفي تاريخنا الإسلامي من قصص الصدق ما تضيق عنه مجلدات، ومن ذلك:
قصة الشاب الصادق:
يروى أن شاباً نشأ في طاعة الله تعالى، قالت له أمه: لا تكذب. وكان مطيعاً لأمه.

وكان هذا الشاب بائع أقمشة، فكر يوماً في التجارة يجلب البضاعة من بلد إلى بلده مع القافلة، فقال لأمه: إنني أفكر بالتجارة، أجلب بضاعة من القافلة وأبيعها في بلدي. فقالت له أمه: يا ولدي الطريق مخيف فاللصوص منتشرون وقطاع الطرق يرصدون سير القوافل ولا يتركونها تمر بسلام، قال: يا أمي لقد استخرت الله تعالى في هذا الشأن فشرح صدري.

جهز الشاب نفسه ومعه زوادة الطريق، وضعها في كيس، علقه في عنقه، ووضع الكيس تحت إبْطه، فيه خبز وتمر ومعه مطارة فيها ماء يشربه في أثناء الطريق.

ودع أمه، وقبل رأسها، وطلب منها الدعاء. فدعت له، وخرج والتحق بالقافلة.

سارت القافلة في طريق آمن، إلى أن اشتد الحر، فإذا غبار قادم من بعيد، وقد انجلى عند منظر فرسان يحملون السيوف وهم متجهون إلى القافلة.

وما إن وصلوا حتى أحاطوا بالرجال وصاحوا فيهم فأيقنوا بالهلاك وتضرعوا إلى الله تعالى أن ينجيهم مما هم فيه من البلاء.

طاف الفرسان حول القافلة وهم يقولون: أخرجوا الأموال وقدموها لنا وأنتم في أمان، إن لم تفعلوا قتلناكم.

سلب الفرسان أموال القافلة، ومن أنكر الأموال جلدوه بالسياط، فكانت الصرخات تتعالى في جنبات القافلة.

جاء فارس يضبح به فرسه ووقف على رأس الشاب وصاح فيه: هيه أيها الشاب أين أموالك؟
أشار الشاب بإصبعه إلى الكيس تحت إبْطه.

صاح الفارس: أين أموالك؟ أفي هذا الكيس؟.
هز الشاب رأسه بالإيجاب وقال: نعم.

تضاحك الفارس قائلاً: أتهزأ بي أيها الشاب؟ وهل أحد يضع أمواله مع الخبز تحت إبْطه؟ انصرف عني، أغرب عن وجهي وإلا...

ثنى الفارس عنان جواده وانصرف.

والفرسان يدورون على رجال القافلة.

قال رئيس عصابة قطاع الطريق لمن حوله من فرسانه: هل رأيتم شيئاً يلفت نظركم أيها الفرسان؟
تقدم فارس منهم وقال: أيها الرئيس مشيراً بيده.

هناك شاب صار يهزأ بي.

قائد الفرسان: شاب في القافلة يستهزئ بك؟
الفارس: نعم.

القائد: وكيف؟
الفارس: سألته أين المال الذي معك؟ فأشار إلى كيس الزوادة الذي يوضع فيه عادة الخبز والتمر وقال لي: المال ههنا.

فما كان مني إلا أن علا ضحكي غيظاً وكدت أضرب عنقه.

القائد: علي به.

فلما جاء الشاب سأله القائد: أين أموالك أيها الشاب؟
أشار الشاب إلى كيسه وقال ههنا.

نظر القائد في الكيس ومد يده إليه فأخرج صرة المال وقال: ما الذي دعاك إلى أن تدل على مكان المال؟ فالكل ينكر ذلك.

قال الشاب: إن أمي قالت لي: لا تكذب، فأنا لا أكذب.

بكى قائد الفرسان ورد المال إلى الشاب ورد المال إلى القافلة، وتاب إلى الله مما كان يتعاطاه في قطع الطريق. وكان هذا الشاب هو العالم الجليل عبد القادر الجيلاني يرحمه الله تعالى.

المصدر: كتاب "الأخلاق الإسلامية وأهميتها للحياة الإنسانية"


[1] الثقافة الإسلامية عبدالرحمن حبنكة ومحمد الغزالي ص223.

[2] رياض الصالحين للإمام النووي.

[3] الأخلاق في الإسلام د. إيمان عبد المؤمن سعد الدين ص 171.


[4] المستطرف من كل فن مستظرف للأبشيهي ج2 ص 356 ط بيروت.

[5] أخرجه البخاري.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.97 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (1.85%)]